يناير 16, 2025 - 21:26
يناير 17, 2025 - 14:25
الباحث السياسي الكويتي محمد الحسن لـ(عرب جورنال): اليمن بات رأس الحربة للتحرر من الهيمنة الغربية ودعمه لغزة يُسهم في ولادة جيل عربي مسلم جديد لا يخشى مواجهة أمريكا و"إسرائيل"

في سياق مواكتبنا للأحداث في قطاع غزة والتطورات الإقليمية المصاحبة لها، تستضيف "عرب جورنال" الكاتب والباحث السياسي الكويتي، محمد الحسن، للحديث عن الموقف الكويتي الرافض للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، وضرورة التحرك العربي والإسلامي لمناصرة الدماء والأعراض المستباحة في فلسطين. كما يسلط الضوء على المخاطر والتهديدات التي تواجه دول الخليج العربي في ظل استمرار التخدلات الأمريكية الغربية في الشؤون الداخلية لهذه الدول. ويتطرق الحوار إلى عدد من الملفات الساخنة المتعلقة بمعركة طوفان الأقصى، وعلى رأسها الجبهة اليمنية المتواقدة بالدعم العسكري المستمر للشعب الفلسطيني. 

عرب جورنال/ حوار / حلمي الكمالي 

فلسطين جزءاً من الضمير الجمعي في الكويت، وطوفان الأقصى، والمجازر الصهيوأمريكية التي أعقبته، شكل نقلةً كبيرةً وصادمةً في وعي الكويتيين الذين سقطت أمامهم كل شعارات الغرب الاستعماري من حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي وما يسمى بقيم العالم الحر والديمقراطي 

أسقطت طوفان الأقصى وبيوم واحد ما عملت عليه قوى التطبيع والخيانة على مدار عقود ثلاثة

ما من كلمات - حقاً - تصف هذا الموقف البطولي لليمن الداعم لغزة، قيادةً وشعباً وجيشاً، ما من كلمات ترقى لمقام اليمن وشعبه الأبي الشريف الشجاع 

اليمنيون هم الاستثناء في هذا العالم المبني على الخنوع والجبن والذل، ولقد شهدنا بأم العين الصمود الأسطوري لليمن بوجه العدوان عليه لسنوات، فما كل وما ذل وما استسلم، بل بقي شامخاً كجباله 

اليمن لا يستهدف بضرباته المباركة فقط قلب الكيان اللقيط والمدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية وحسب،ما يفعله اليمن، يخلق وعياً جديداً في الأمة، ويُسهم في ولادة جيل عربي مسلم جديد يرى أن مواجهة أمريكا و"إسرائيل" ليست فقط واجبة بل ممكنة وممكنة جداً 

اليمن بخروج شعبه المليوني كل أسبوع وبضرباته للكيان وداعميه وصموده أمام عدوانهم عليه، يخلق واقعاً جديداً سنرى ثمرته قريباً، واقعاً يكون فيه شعار "الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل" منهجاً يسير عليه أبناء الأمة نحو كسر الهيمنة الغربية وأدواتها 

أقول للشعب اليمني أنتم تاج رؤوسنا، أنتم الدرع والرمح، أنتم فخرنا وافتخارنا، صمودكم يكسر قيودنا وإقدامكم يقرّبنا خطوات نحو التحرر، أقول لكم نحن معكم حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم، بكم أعزّنا الله وبكم سيكون فرج هذه الأمة

اليمن سيكون رأس الحربة للتحرر من الهيمنة الغربية على المنطقة، واليمن بقيادته الحالية وبشعبه العظيم سيقود مسيرة هذه الأمة نحو تحقيق تحررها، وكلي ثقة في أن القادم من الأيام سيثبت صحة رهاني

اليمن كما كان دوماً مقبرةً للغزاة والمعتدين سيكون مقبرةً للأمريكيين والبريطانيين والصهاينة وكل من تسول له نفسه أن يعتدي على يمن الإيمان والحكمة والجهاد

الأمة اليوم تواجه خطراً حقيقياً وعليها أن ترقى لمستوى التحدي، ولا أحد في مأمن من أطماع الصهاينة، واللغة الوحيدة التي يفهما هذا الكيان هي تلك اللغة التي يستخدمها اليمانيون، وهي الضمانة الوحيدة لردع أطماعه التوسعية 

أمام دول الخليج فرصة لتنأى بنفسها عن أمريكا ومخططاتها التي لا تستثنيهم، إن قررت تغليب مصالحها ووقف انخراطها في الأجندات التي لم تجلب سوى الخراب للجميع 

المطلوب من الدول العربية والإسلامية أن تتخذ موقفاً جذرياً من الغرب، وكسر الهيمنة الغربية والعمل على تحرير قرارها السياسي وتأمين مصالحها الاقتصادية واستعادة هويتنا الثقافية

_ للشعب الكويتي موقف وطني واضح وصريح من العدوان الصهيوني على غزة والمستمر للشهر الخامس عشر على التوالي.. ماذا تعني معركة طوفان الأقصى والقضية الفلسطينية بشكل عام للشعب الكويتي عموماً ولكم كنخب سياسية على وجه الخصوص؟ وبماذا تنصحون الحركات والأحزاب السياسية سواءً في الكويت أو في بقية الدول العربية للتحرك اليوم من دافع المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية لمناصرة الدماء المسفوكة والأعراض المستباحة في غزة؟ 

من المعروف أنه منذ نشأة الكويت كانت التيارات القومية العربية هي التي تتسيد الشارع الكويتي، ولهذا كان التفاعل الشعبي مع نكبة ١٩٤٨ واسعاً، وأخذ هذا التفاعل مع القضية الفلسطينية بالازدياد مع وصول اللاجئين الفلسطينين إلى الكويت بأعداد كبيرة حتى أصبحت الكويت إحدى دول الشتات. هذا الحضور الفلسطيني الواسع، مصحوباً بارتفاع شعبية جمال عبد الناصر وبروز التيار الناصري بشكل كبير في الكويت، جعل من القضية الفلسطينية قضية رئيسية - بل القضية الرئيسية - وأصبحت فلسطين جزءاً من الضمير الجمعي في الكويت. ولهذا ليس من الغريب أن يصادف المرء كويتيين كانوا قد شاركوا في الثورة الفلسطينية كمقاتلين ولاسيما في سبعينيات القرن الماضي، كما إن حجم التفاعل الشعبي - والرسمي للأمانة - مع الانتفاضة الأولى كان هائلاً وأخذ زخماً واسعاً لا يزال يذكره كل من عايش تلك الفترة. هذا التفاعل الكبير تعرض بطبيعة الحال للاستهداف وبالذات بعد حرب الخليج الثانية، وكانت هناك محاولات لخلق شرخ بين الكويتيين والقضية الفلسطينية، وظهر الكثير من الأصوات النشاز التي تكرر خطاب الخيانة والتطبيع محاولةً الفصل بين الضمير الجمعي الذي تكون على مدار عقود وبين القضية الفلسطينية، لكن ما أن اندلع طوفان الأقصى بتلك الصورة البطولية، وما إن بدأ العدو الصهيوني مجازره ضد أهلنا المحاصرين في غزة حتى ظهرت فلسطين مجدداً كقضية مركزية، لقد أسقط الطوفان وبيوم واحد ما عملت عليه قوى التطبيع والخيانة على مدار عقود ثلاثة، فعلى سبيل المثال ظهرت حركة المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة للعدو الصهيوني بزخم فاجأ الجميع بمن فيهم أولئك الذين يدركون مدى الارتباط بين الكويتيين وفلسطين، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع الكويتي - وللأسف الشديد - هو مجتمع استهلاكي نموذجي، لكن بالرغم من ذلك كانت إحدى بركات الطوفان أن استعادت قضية فلسطين موقعها الذي كان لها على الدوام. لقد شكل طوفان الأقصى، والمجازر الصهيوأمريكية التي أعقبته، نقلةً كبيرةً وصادمةً في وعي الكثير من الكويتيين الذين سقطت أمامهم كل شعارات الغرب الاستعماري من حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي وما يسمى بقيم العالم الحر والديمقراطي، كل تلك الشعارات التي كان الغرب يبتز العالم بها سقطت مع مشاهد قتل الأطفال والنساء والعزل وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء بدعم غربي مباشر. لكن بالمقابل أثبتت النخب السياسية بكافة تلاوينها أنها متأخرة جداً وليست بمستوى التحدي الذي فرضه الطوفان، ما سيؤدي برأيي إلى إفراز نخبة جديدة تعي وتتحمل مسؤولياتها تجاه فلسطين والأمة. 

_ مع خذلان الأنظمة العربية.. سجل اليمن موقفاً تاريخياً بمساندته لغزة واجه خلاله عدواناً أمريكياً بريطانياً إسرائيلياً لكنه لم يستسلم .. بماذا تصفون هذا الموقف البطولي في وقت نجح اليمن عسكريا في مساندته لغزة على الرغم من التكالب الأمريكي الغربي عليه؟ وما هي رسالتكم للشعب اليمني الذي لم يكل ولم يمل ولم يهدأ في الخروج المستمر في مسيرات وتظاهرات مليونية دعما لغزة، والذي يواجه اليوم عدواناً أمريكياً إسرائيلياً إزاء موقفه الداعم لغزة؟

هذا السؤال بالذات صعب جداً لأنه ما من كلمات - حقاً - تصف هذا الموقف البطولي لليمن قيادةً وشعباً وجيشاً، ما من كلمات ترقى لمقام اليمن وشعبه الأبي الشريف الشجاع، لقد شكل اليمن حجةً على الجميع وما ترك لأحدٍ عذراً يتعذر به ليبرر تخاذله وجبنه. شخصياً لم أفاجأ أبداً من هذا الموقف لمعرفتي المسبقة باليمن والشعب اليمني العظيم، كنت على الدوام أعتبر اليمنيين الاستثناء في هذا العالم المبني على الخنوع والجبن والذل، لقد شهدنا بأم العين الصمود الأسطوري لليمن بوجه العدوان عليه لسنوات، فما كل وما ذل وما استسلم، بل بقي شامخاً كجباله. قد تكون المفاجأة بالتفاصيل، كاستخدام الصواريخ الفرط صوتية مثلاً، لكن بالموقف والمبدأ فليس بغريب على اليمن أن يتخذ هذا الموقف الشجاع والحر. واسمح لي أن أشير إلى أن اليمن لا يستهدف بضرباته المباركة فقط قلب الكيان اللقيط، ولا يستهدف البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الأميركية (وهذا ما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ ثمانين عام!)، ما يفعله اليمن حقيقةً، هو أنه يخلق وعياً جديداً في الأمة، ما يفعله اليمن هو أنه يسهم في ولادة جيل عربي مسلم جديد يرى أن مواجهة أمريكا و"إسرائيل" ليست فقط واجبة بل ممكنة وممكنة جداً، جيل جديد لا يرى في أمريكا سوى قشة كما كان يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله تعالى عليه، جيل جديد يعي معنى الكرامة والإباء، اليمن بخروج شعبه المليوني كل أسبوع وبضرباته للكيان وداعميه وصموده أمام عدوانهم عليه، يخلق واقعاً جديداً سنرى ثمرته قريباً، واقعاً يكون فيه شعار "الموت لأمريكا - الموت لإسرائيل" منهجاً يسير عليه أبناء الأمة نحو كسر الهيمنة الغربية وأدواتها.

وأقول للشعب اليمني أنتم تاج رؤوسنا، أنتم الدرع والرمح، أنتم فخرنا وافتخارنا، صمودكم يكسر قيودنا وإقدامكم يقرّبنا خطوات نحو التحرر، حين تحتشدون في ميدان السبعين وتطلقون الصرخة المباركة تهوي إليكم قلوبنا وأفئدتنا ونتمنى لو كنا حاضرين بينكم، أقول لهم نحن معكم حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم، بكم أعزّنا الله وبكم سيكون فرج هذه الأمة، وكما كنتم دوماً مقبرةً للغزاة والمعتدين ستكونون مقبرة للأمريكيين والبريطانيين والصهاينة وكل من تسول له نفسه أن يعتدي على يمن الإيمان والحكمة والجهاد. كما أحيي السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، هذا القائد الشجاع والاستثنائي في زمن الخيانة والخذلان، ونسأل الله أن يحفظه بحفظه ويؤيده بتأييده وينصره بنصره.

_ مؤخراً نشرت وسائل إعلام تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، صوراً لخرائط للمنطقة تزعم أنها تاريخية لـ "إسرائيل"، وتشمل أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسوريا.. ما تعليقكم؟ وهل بات هناك توجه إسرائيلي صريح وواضح لاحتلال أراضي جديدة في دول عربية خاصةً، وأن ذلك يأتي بالتزامن مع توغل لقوات الاحتلال الإسرائيلي في العمق السوري؟ وهل يجري هذا التوجه التوسعي في سياق مخطط لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة وتصفية القضية الفلسطينية؟ وما مخاطر ذلك ؟ 

من المعروف أن هذا الكيان المسخ هو كيان بطبيعته توسعي، تلك طبيعة الكيانات الاستعمارية الاستيطانية، يسعى للتوسع كلما سنحت له الفرصة في ذلك، فليس من المستغرب البتة أنه يضع هكذا خرائط ويحيك قصصاً خيالية لتبريرها ومن ثم يسعى لتحقيقها على أرض الواقع. وخطورة المسألة هنا تكمن في أن الكيانات المستهدفة بما فيها تلك التي قامت بالتطبيع معه تتخيل أنها بمنأى عن أطماعه، تتصرف وكأن شيئاً لن يصيبها من أذاه إن هي بادرته بالسلم. هذه العقلية إن استمرت في دوائر صنع القرار وإن تواصلت سياسة التواطؤ مع الكيان - إرضاءً لأمريكا - فإن النتائج ستكون كارثية بكل معنى الكلمة، فالحديث اليوم هو ضم معظم الضفة الغربية وتهجير سكانها، لكن الأمر لن يتوقف عند الضفة، فالأردن ومصر أيضاً في دائرة الاستهداف بالرغم من الانبطاح الكامل الذي يبديانه، ويجب ألا ننسى تعليق الرئيس القادم ترامب الذي قال أن مشكلة "إسرائيل" أنها صغيرة جداً ويجب أن تتوسع، ألا يكفي هذا لجعل الجميع يعي أن من تسعون لإرضائه يعمل على تدميركم؟! كما يقول الله عز وجل في كتابه "هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ".. صدق الله العظيم.

كما أن احتلال الكيان لمساحات جديدة في سوريا بالرغم من إعلان حكام سوريا الجدد أنهم لا يعادون الكيان ولن يسمحوا باستخدام سوريا لانطلاق عمليات عسكرية ضده، لدليل آخر على أنه ما من أحد في مأمن من أطماع الصهاينة وأن اللغة الوحيدة التي يفهما هذا الكيان هي تلك اللغة التي يستخدمها اليمانيون، هي الضمانة الوحيدة لردع أطماعه التوسعية. الأمة اليوم تواجه خطراً حقيقياً وعليها أن ترقى لمستوى التحدي.

أما فيما يخص تصفية القضية الفلسطينية فلا شك أنها الشغل الشاغل لأمريكا وحلفائها، لكن تلك القضية عصية على التصفية لأنها تختزل مجمل صراعنا كأمة ضد الغرب وهيمنته بقيادة أمريكا، هو صراع وجودي لا يمكن لنا - حتى لو افترضنا جدلاً استسلامنا لهم - أن نعيش في ظل هيمنتهم علينا، فتلك الهيمنة لم تجلب - ولن تجلب - إلا البؤس والفقر والدمار على المنطقة، هذا الصراع سيستمر لأنه ببساطة ما من سبيل آخر لحل أزماتنا إلا بكسر تلك الهيمنة الغربية علينا وعلى مقدراتنا. هذا بالطبع يعني أننا كأمة مطالبون اليوم ببلورة مشروع جامع تكون المقاومة فيه هي الأولوية الأولى، مشروع يضمن تحرير الأرض والمقدرات العربية وكسر الهيمنة الغربية وعلى رأسها الكيان اللقيط.

_ من المعروف أن الخليج العربي الغني بالثروات كان ومايزال محط أنظار وأطماع القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا التي دائما ما سعت لتوريط دول الخليج في أزمات وحروب لا تخدم إلا مصالحها فقط.. برأيكم هل تعتقدون أن الفرصة مؤاتية اليوم لدول الخليج لتضع حداً للتدخلات الأمريكية في شؤونها وقراراتها، خاصة في ظل التطورات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة على وقع معركة طوفان الأقصى التي كشفت حجم تراجع الحضور الأمريكي، في وقت تواصل واشنطن إشعال الفوضى في المنطقة؟ كيف ذلك؟

بالإجمال نعم، هناك فرصة لدول الخليج إن هي اختارت تغليب مصالحها أن تضع حداً للتدخلات الأمريكية في شؤونها لعدة أسباب، أولها أن أمريكا - والغرب عموماً - يعيشون أزمة حقيقية مستفحلة لا يعرفون ما السبيل للخروج منها، خذ على سبيل المثال أزمة الدَيْن الأمريكي (وأوروبا الغربية بالمناسبة لديها نفس الأزمة بدرجات متفاوتة)، كذلك هناك صعود أقطاب جديدة على الساحة الدولية (دول بريكس وعلى رأسها الصين)، وتلك الأقطاب تزاحمها على الأسواق والنفوذ السياسي، كما أن الدول الواقعة تحت الهيمنة الغربية - كدولنا - باتت هي أيضاً تعاني أزمات تهدد وجودها ذاته وهي أزمات لا يمكن للهيمنة إلا أن تزيدها سوءاً. لنلاحظ أن دولاً عديدة قد اختارت بالفعل الخروج من قيد الهيمنة الغربية، كدول جنوب الصحراء بإفريقيا أو ما يسمى بدول الساحل تشاد والنيجير ومالي وبوركينا فاسو، بل وكذلك غانا وفنزويلا ودول أخرى في أمريكا اللاتينية وكذلك آسيا وشرق أوروبا، أي أن مسألة رفض الهيمنة الغربية والتحرر منها ليست من المستحيلات كما يحاول المنبطحون تصويرها، هي ممكنة جداً بشرط توفر الإرادة. وعليه فإن دول الخليج إن قررت تغليب مصالحها لديها فرصة يمكن استغلالها، وأولى تلك الخطوات هي التوقف عن مساندة أمريكا في مشاريعها في المنطقة، وقف انخراطها في الأجندات التي لم تجلب سوى الخراب للجميع. طبعاً المسألة ليست بتلك البساطة نظراً إلى أن كيانات سايكس بيكو، هي بالأساس كيانات وظيفية خُلقت لتأبيد الهيمنة الغربية علينا، لكن بالرغم من ذلك فإن أمن تلك الكيانات واستقرارها بل وجودها ما عاد يمكن لتلك الهيمنة تأمينه، وهو ما قد يدفعها لانتهاج سياسة مغايرة، لنتذكر هنا وضع باكستان وهي كيان وظيفي كان على الدوام أداة للغرب، ألم تشهد باكستان ولازالت صراعاً بين من يريدون كسر هيمنة الغرب والتوجه شرقاً وأولئك الذي ترتبط مصالحهم بتلك الهيمنة؟ المعركة لاتزال قائمة، وأعتقد أن أمام دول الخليج فرصة لتنأى بنفسها عن أمريكا ومخططاتها التي لا تستثنيهم. 

_ ما توقعاتكم لمستقبل المنطقة على ضوء كل المتغيرات الراهنة؟ وهل تعتقدون أنه يجب على الدول العربية والإسلامية أن تُعيد تقييم علاقاتها مع العالم خاصةً مع الغرب الذي دائما ما يقدم مصالحه على الآخرين، ولو على حساب دماء الشعوب ؟ 

المنطقة دخلت مرحلةً جديدة بعد الضربات القاسية التي تلقاها محور المقاومة وسقوط سوريا - أو تسليمها بالأصح - ودخول تركيا كلاعب رئيسي مجدداً، هذا خلق واقعاً جديداً سيفرز تحالفات واصطفافات جديدة يصعب الآن التكهن بها وبمدياتها، كما أن خطة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه إيران غير معروفة، هل ستتجه لمواجهة عسكرية مباشرة؟ أم ستكتفي بإثارة الداخل والتآمر على النظام ومحاولة اسقاطه من الداخل؟ ماذا عن موقف تلك الإدارة من فصائل المقاومة في العراق وكيف ستتعامل مع هذا الملف؟ هذا سيؤثر كثيراً وبشكل مباشر على المنطقة برمتها. من جهة أخرى، هل ستتمكن قوى المقاومة من إعادة بناء نفسها من جديد ومواصلة مشروعها المقاوم؟ هل سيفرز الواقع الجديد قوى مقاومة جديدة؟ كلها أسئلة مطروحة وعلينا الانتظار لحين اتضاح الوجهة التي ستسير إليها الأمور.

ما الشق الثاني من السؤال فليس المطلوب برأيي أن تعيد الدول العربية والإسلامية تقييمها لعلاقتها بالغرب وحسب، بل يجب عليها أن تتخذ موقفاً جذرياً منه إن هي أرادت أن تبقى، العلاقة مع الغرب لم تتغير منذ أن بدأ هذا الغرب باحتلال بلداننا ونهب خيراتنا وبسط هيمنته السياسية والاقتصادية والثقافية علينا، فالمطلوب إذن هو كسر تلك الهيمنة والعمل على تحرير قرارنا السياسي وتأمين مصالحنا الاقتصادية واستعادتنا لهويتنا الثقافية، وهنا يبرز الدور الكبير والاستثنائي لليمن الذي أرى أنه سيكون رأس الحربة في هذا التوجه، منذ ما قبل اندلاع طوفان الأقصى وما صاحبه من جبهات الإسناد كان رهاني - ومازال - على اليمن ولأسباب كثيرة يطول شرحها، اليمن بقيادته الحالية وبشعبه العظيم سيقود مسيرة هذه الأمة نحو تحقيق تحررها وكلي ثقة في أن القادم من الأيام سيثبت صحة رهاني.