يناير 13, 2025 - 18:49
الأزمة السورية : بين التجاذبات الإقليمية وأولويات الحل الوطني

 
عرب جورنال / توفيق سلاّم - 
تحولت الأزمة السورية من صراع داخلي إلى ميدان لتنافس القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، على حساب استقرار الشعب وإعادة بناء الدولة. التناقض الواضح بين المشاريع الإقليمية يزيد من تعقيد المشهد، حيث تسعى بعض القوى لتعطيل الانتقال السياسي بما يتماشى مع رؤاها للحكم في المنطقة. هذا التوجه يُعزز الانقسامات الداخلية ويدفع إلى الفوضى. وفي المجمل فإن الأزمة السورية تمثل تحديًا داخليًا، لاسيما مع غياب رؤية موحدة لبناء الدولة بين الفصائل المسلحة والطوائف والإثنيات، والتيارات السياسية.  حيث أدى إسقاط النظام السابق إلى خلق فراغ سياسي وسلسلة من التجاذبات الأيديولوجية التي تُعرقل بناء الثقة بين الأطراف. الأخطاء التي ارتُكبت نتيجة غياب التخطيط السياسي والاعتماد على التصرفات الفردية ساهمت في تفاقم الأزمة، مما أتاح للقوى الخارجية فرصًا للتدخل وتغذية الانقسامات.

مواجهة التحديات 

الأحداث الأخيرة تُظهر محاولات مستمرة لتوظيف الأوضاع في سوريا لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، سواء عبر تصعيد الأوضاع الأمنية أو الدعوة لتدخلات دولية تحت مسميات إنسانية. في ظل هذه المعطيات، يتطلب الموقف مواجهة التحديات بعقلانية عبر بناء شراكة وطنية شاملة تعيد الثقة بين مكونات المجتمع، وترسم ملامح مشروع وطني جامع. لذلك يبقى مستقبل سوريا مرتبطًا بقدرتها على تجاوز التجاذبات الإقليمية والداخلية. يتطلب ذلك وضع استراتيجية متكاملة لإعادة هيكلة الدولة، بدءًا من توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وطنية، وصولاً إلى معالجة الأزمات المعيشية والاقتصادية التي تهدد السلم الاجتماعي. التحرك الجاد في هذا الاتجاه، مع دعم عربي ودولي واضح، يمكن أن يكون مدخلًا لإعادة بناء الدولة وضمان الاستقرار.


الأزمة في السياق الإقليمي والدولي


شهدت سوريا خلال العقد الماضي تداخلًا غير مسبوق للمصالح الإقليمية والدولية. هذا التداخل حولها إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية بين قوى كبرى كروسيا والولايات المتحدة، وأخرى إقليمية مثل تركيا وإيران. هذه الأطراف لم تكتفِ بتقديم الدعم لفصائل محلية، بل سعت إلى تشكيل خارطة جديدة تعيد تعريف النفوذ في الشرق الأوسط.
الاختلافات بين هذه المشاريع ظهرت بوضوح في محاولات تعطيل العملية السياسية، حيث تتباين الرؤى حول شكل الدولة السورية المستقبلية. فبينما تُصر بعض القوى على الحفاظ على المركزية السياسية بما يضمن بقاء سوريا موحدة، تدفع أطراف أخرى نحو نماذج فيدرالية أو حتى تقسيم البلاد كأمر واقع، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.
على الصعيد الداخلي، تواجه سوريا معضلات عدة أبرزها غياب القيادة الموحدة في صفوف المعارضة. إسقاط النظام السابق لم يُنهِ الأزمة، بل كشف عن فجوة أعمق بين الفصائل المسلحة ذات التوجهات العقائدية والسياسية المختلفة. هذه الفجوة، بدلاً من أن تكون دافعًاً للاتحاد، أصبحت سببًا في تعميق الانقسامات وإضعاف الموقف التفاوضي للمعارضة أمام المجتمع الدولي. إضافة إلى ذلك، أخطاء بعض الفصائل المسلحة ساهمت في تعزيز حالة الفوضى بالتصرفات الفردية وغياب  الرؤى، أفقدت الجماعات المسلحة الكثير من الدعم الشعبي، ودفعت الشعب السوري نحو حالة من الإحباط واليأس.

أهمية مؤتمر الرياض ودلالاته


في هذا السياق، يأتي انعقاد مؤتمر وزراء خارجية العرب والغرب في السعودية كفرصة لتسليط الضوء مجددًا على الأزمة السورية ومحاولة إيجاد حل شامل لها. أهمية المؤتمر تكمن في أنه يمثل عودة الحضور العربي المكثف في الملف السوري، حيث تسعى الدول العربية إلى صياغة موقف موحد يدعم الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار. كما يعكس المؤتمر إدراكًا دوليًا بأهمية تعزيز الدور العربي في سوريا، خصوصًا في ظل تصاعد التنافس بين القوى الخارجية. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المؤتمر مرهونًا بإرادة حقيقية لتنفيذ مخرجاته وعدم الاكتفاء بالشعارات أو البيانات الختامية.
لذلك، فإن المؤتمر  يكتسب أهمية كبرى، كونه يجمع أطرافاً دولية وإقليمية ذات تأثير في الملف السوري. 
السعودية، من خلال استضافتها، تُظهر التزامها بلعب دور محوري في دفع عملية السلام وإعادة سوريا إلى محيطها العربي. كما أن التوقيت يعكس إدراكاً متزايداً لضرورة منع انهيار سوريا كدولة، ما سيؤثر سلباً على الأمن الإقليمي والعالمي. 
رغم هذا الزخم، تُواجه هذه المبادرات تحديات كبيرة. المصالح المتضاربة بين الأطراف الدولية تعرقل تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية، بينما داخلياً، ما زالت الانقسامات بين الفصائل المسلحة تمثل عقبة أمام توحيد الرؤية الوطنية. هذا بالإضافة إلى غياب الثقة بين مختلف مكونات الشعب السوري، مما يعقد أي مسعى نحو استقرار شامل. من ناحية أخرى، يعكس المؤتمر مؤشراً على تزايد القناعة بضرورة إيجاد حلول دبلوماسية تتماشى مع الواقع المعقد للأزمة.