يناير 13, 2025 - 18:43
مكانة السيطرة على المياه العربية في إستراتيجية الكيان الصهيوني


عرب جورنال / خالد الأشموري - 
لا يختلف إثنان على أن أزمة المياه عالمية ، فقد عقدت لأجلها عشرات المؤتمرات بحضور معظم دول العالم، منها هيئات ومؤسسات دولية وفي مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة الدولية "الفاو" والتي لا تخلو تقاريرها عن أن ثمة أزمات مائية تتحكم في أكثر من إقليم على سطح الكوكب الأرضي وستؤثر في سلامة البشرية ورفاهيتها .. فيما تؤكد تلك المؤسسات والهيئات الدولية ومنظمة الفاو" أن الوطن العربي بصورة خاصة تزداد أهمية لهذا المورد المائي الهام نظراً لمحدودية ثروته قياساً مع إزدياد الطلب على المياه المترافق مع زيادة عدد السكان وارتفاع وتائر التنمية والرقي ومستوى المعيشة، حيث تزداد حاجة المجتمعات العربية لاستهلاك المياه مع إزدياد نموها وتطورها الحضاري .

لا شك أن هذه التوافقات حول أهمية الأمن المائي والغذائي العربي " ضمن المنظومة المتكاملة للأمن القومي العربي" تشكل مدخلاً متكاملآً لفهم موضوع أهمية المياه التي يتفق الجميع على أنها مشكلة وبحاجة للمعالجة.. وقد أكدت وسائل الإعلام العربية والدولية مراراً على ذلك بطرح الآراء والحلول.. وفي وطننا العربي هناك تجليات أزمة تنبع من عدة أسباب لخصها عدد من الباحثين المختصين والمهتمين في الآتي:
سياسة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ونهب المياه في فلسطين ، وفي جنوب لبنان المحتل، وفي الجولان ، والأردن ، غير أنهار الأردن والليطاني واليرموك، وغيرها من الأنهار التي لا يستفيد منها العرب إلا القليل بسبب النهج السياسي الإسرائيلي القائم على استغلال المياه العربية لصالح إستيطان اليهود في الأراضي المحتلة ولزيادة الطلب الإسرائيلي للموارد المائية ، مما يسبب بعجز مائي في معظم الدول العربية.

إذاً هناك مشكلة متفاقمة سببها دولة إسرائيل المحتلة ودورها القائم على إستغلال الثروات المائية العربية في بلاد الشام، إضافة إلى الأنهار الرئيسية في الوطن العربي... وهذا يخلق عدة تساؤلات حول طبيعة الأزمة المائية في المشرق العربي، ودور إسرائيل القائم على سرقة ونهب المياه العربية .

وللإجابة عن مجمل هذه التساؤلات أجاب عليها المحامي الفلسطيني ظافر بن خضراء مؤلف كتاب ( إسرائيل وحرب المياه القادمة ) والذي يعد بحثاً قيماً أستشف مضامينه من الواقع المعاش لأزمة المياه في الوطن العربي، ومن أراء قادة الفكر والمهتمين بقضايا الأمة العربية، و من بواكر الوعي القومي لخطورة موضوع المياه .. وقد جاءت الإجابات كما أوردها الباحث والمؤلف بن خضراء " : أن الكيان الصهيوني مشروع استعماري دخيل على الوطن العربي، يستنزف قدرات وخيرات وثروات الأمة العربية وخاصة ( النفط والماء).. فجوهر المشروع الصهيوني قائم منذ بداياته الأولى على الاستغلال الأكبر لمصادر المياه العربية من ( الفرات إلى النيل) وقد أقام مشاريع مائية ومخططات لنهب المياه العربية بقصد زيادة استيطان اليهود الصهاينة في فلسطين والأراضي العربية المحتلة، فالصراع على المياه يعادل في أهمية الصراع على الأرض ، وهو ما يتطلب وضع استراتيجية عربية لتحقيق الأمن القومي المائي العربي في مواجهة سعي إسرائيل الحثيث للسيطرة على المياه العربية ونهبها وسرقتها ".

 وفي السياق يشير بن خضراء إلى: أن هناك سيطرة على المياه العربية في إستراتيجية المشروع الصهيوني منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية عام 1897م وحتى اليوم، مروراً بهرتسل وبن غوريون، ورفض حكومات إسرائيل المتعاقبة الانصياع لقوات الشرعية الدولية بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بذريعة ( الأمن الإسرائيلي ) الذي يأتي ضمن ( الأمن المائي )، وقد أكد هرتسل في مذكراته أهمية جنوب لبنان وجبل الشيخ كمصادر أساسية لتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل لاحتوائها على مصادر المياه الأساسية لشمال فلسطين..  أما بن غوريون رئيس أول حكومة في إسرائيل فكان أكثر وضوحاً بقوله " أن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى ضوء نتائج هذه المعركة يتوقف كيان اليهود في فلسطين " وكان بن غوريون قد أعد وثيقة صهيونية عام 1941م جاء فيها: " علينا أن نتذكر أنه من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن تكون مياه الليطاني والأردن مشمولة داخل حدودنا" وهو ما دأبت تكرره حكومات إسرائيل المتعاقبة حتى حكومة نتنياهو التي أكدت في كل الأتفاقيات والصفقات المنفردة وضع يدها على المياه العربية سواء تلك الواقعة في فلسطين وضمن أراضي الحكم الذاتي المحدود، أو ضمن مياه نهر الأردن الذي تستنزف إسرائيل موارده المائية ، فيما تقوم بعمليات سرقة وجر منظم لمياه أنهار الليطاني والوزاني والعوجا في جنوب لبنان لتروي المستوطنين المستجلبين ، ولتعزز التوسع الأستيطاني على حساب الحقوق العربية.
ويؤكد المؤلف بن خضراء : أن الحركة الصهيونية قامت على أساس من المزاعم التوراتية / التلمودية لفكرة " أرض الميعاد" وأن " إسرائيل من الفرات إلى النيل" كدليل على أهمية المياه لحياة المشروع الصهيوني.

فمع زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين والأراضي العربية المحتلة تزداد حاجة إسرائيل للمياه،حيث يقدر أن يصل عدد سكان إسرائيل حتى نهاية القرن العشرين حوالي ستة ملايين نسمة، وحسب التقديرات الإسرائيلية فإن استهلاك الفرد الإسرائيلي يبلغ متوسطاً قدره ( 550 متراً مكعباً سنوياً ) فأن مجموع ما تحتاجه إسرائيل في نهاية القرن العشرين  يبلغ 3 مليارات و 800 مليون متر مكعب من المياه في حين أن ما يتوفر لها حتى العام 1998 من سياسة النهب والسرقة ليس سوى مليار و 570 مليون متر مكعب، وهي تضغط على مصر منذ إخفاق مشروع السادات للتزود بمليار متر مكعب من مياه نهر النيل ، وتقوم في الوقت نفسه بنهب وسرقة مياه نهري الليطاني والوزاني في جنوب لبنان المحتل ، وتستغل أبشع استغلال المياه الجوفية في الجولان السوري المحتل وتطمع بمياه نهر اليرموك ، وتستولي على كميات من المياه الجوفية في سيناء بمنطقة وادي العريض، فيما تشكل المياه الجوفية المنهوبة من الضفة وقطاع غزة حوالي 90% من مصادرها المائية، في الوقت نفسه الذي تستولي فيه على مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا، وهي بشكل إجمالي تستنزف حوالي ملياري متر مكعب من المياه العربية سنوياً، منها 65% من المياه المشتركة مع كل من سورية ولبنان والأردن، و 33% من المياه الفلسطينية الجوفية لأراضي الضفة الغربية قطاع غزة . 

أما لماذا الإصرار الإسرائيلي على نهب وسرقة الموارد المائية العربية سواءً داخل فلسطين أو في الأراضي العربية المحتلة ? فيرى الباحث بن خضراء : أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة يوفر لها السيطرة الكاملة على المياه العربية لإستخدامها من أجل توسيع الاستيطان والحفاظ على استمرارية الاحتلال، كأحد أهم الأهداف الإستراتيجية المستقبلية لإسرائيل فحوالي 67% من المياه التي تستهلكها إسرائيل هي من خارج حدود أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، فهي تستولي بالسرقة والنهب على 35% من مياه الضفة الغربية ، وعلى 22% من مياه سفوح الجولان وعلى 53% من المياه الجوفية لقطاع غزة .. وقد أصرت إسرائيل في اتفاقات ( أوسلو وطابا) على استمرار هيمنتها على مصادر المياه الفلسطينية رافضة بشدة نقل إدارة المصادر المائية إلى سلطة الحكم الذاتي المحدود كما رفضت الاعتراف بحقوق الأردن المائية وقد عبر وزير الزراعة الإسرائيلي في دراسة لصحيفة ( جيروزاليم بوست ) الإسرائيلية الناطقة بالإنكليزية في ( 19/8/1990)  عن فحوى الإستراتيجية الإسرائيلية بشأن المياه وارتباطها بالمفاوضات بقوله: من الخطر الماحق الذي يهدد إسرائيل هو انسحابها من الأراضي وتخليها عن " مراقبة المياه " داخل الضفة والقطاع وفي الدول المجاورة ومنذ بدء المفاوضات على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي كان هناك إصرار إسرائيلي على تطبيق مبدأ الفصل ما بين الارض ومواردها الطبيعية ومنها المياه ، وبين الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود انطلاقاً من استراتيجية إسرائيلية تقوم على أن موارد الأرض من قضايا السيادة وتبحث في المرحلة النهائية من المفاوضات لذلك لم يأت في أي فقرة من الاتفاقات أي ذكر لحقوق الفلسطينيين في مياههم الجوفية والينابيع والآبار " بل تم ربط ذلك " بالتعاون المشترك" وبزيادة تزويد المناطق الفلسطينية بـ 28 مليون متر مكعب فقط ولم ينفذ ذلك أبداً، بل إن آرئيل شارون - وزير البنى التحتية في إسرائيل أعلن في  يونيو 1997 أن على إسرائيل أن تعيد النظر بالأراضي والمواقع ذات التأثير في مصادر المياه التي سلمت لسلطة الحكم الذاتي " مطالباً أيضا بضرورة عودتها إلى السيادة الإسرائيلية ، أي إعادة احتلالها فعلياً ووضعها تحت تصرف إسرائيل وعدم التخلي عنها في المستقبل ، وما زال هذا الوضع قائماً حتى الآن حيث يؤثر الاستجرار الإسرائيلي المتزايد للمياه الجوفية ومياه الآبار لمصلحة المستوطنين الصهاينة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين حيث تزداد حدة أزمة المياه والتقتير الشديد على الفلسطينيين ومنعهم من الاستفادة من مياه أراضيهم إلا ضمن الكميات المحددة منذ عام 1976 رغم التزايد السكاني الفلسطيني والنمو العمراني والخدماتي، ففي حين يستهلك المستوطن الإسرائيلي 165 متراً مكعبا من مياه الأراضي الفلسطينية المحتلة فأن نصيب الفرد الفلسطيني لا يتجاوز 22 متراً مكعباً، وفي الوقت نفسه قامت إسرائيل بحفر 300 بئر إرتوازي في مناطق الخط الأخضر ( حدود فلسطين المحتلة عام 1948 مع الأراضي المحتلة عام 1967 ) حيث تخضع منها 500 مليون متر مكعب وتستنزف مياه الحوض الجوفي الغربي لأراضي الضفة الغربية " .

ويكشف المؤلف في بحثه الهام إستراتيجية إسرائيل الماكره للسيطرة على المياه العربية في تنفيذ الكثير من المشاريع والمحطات والنهب الإسرائيلي للمياه  العربية ذكر منها:
مشروع الجنرال تشارلز وارن ، وامتياز تجفيف بحيرة الحولة ، ومشروع روتنبرغ ، ومشروع يونيدس ،ومشروع لاودرميلك، ومشروع هيز، ومشروع ماكدونالد، ومشروع بانجر، ومشروع بيكر – هيرزا ، ومشروع جونستون ومشروع  مين ومشروع الناقل القطري/ طبريا – النقب .. غير أن هناك وبحسب الباحث الكثير من الاتفاقيات والمفاوضات التي جرت بين إسرائيل والدول العربية المجاورة ، وخاصة على المسار : الأردني – الإسرائيلي " الذي أسفر عن توقيع الجانبين على إتفاقية وادي عربة عام 1994 حيث ظهر الطمع والجشع الإسرائيلي في المياه العربية ( لنهر الأردن واليرموك ، المياه الجوفية في وادي عربة)  واضحاً في بنود المعاهدة وخاصة في المادة السادسة من الاتفاقية وملاحقها الخاصة حول الموارد المائية، حيث تم تشكيل ( لجنة المياه المشتركة ) بين الجانبين للاستغلال المشترك للمياه وتوزيع الحصص بينهما وإعداد الخطط لزيادة الموارد المائية ضمن مفهوم " التعاون الثنائي والإقليمي والدولي" وليس أدل على أسلوب المراوغة الإسرائيلية في المفاوضات مع الأردن بشأن المياه من قول د. منذر حدادين رئيس الجانب الأردني في المفاوضات الخاصة بالمياه آنذاك، (صحيفة الرأي 3/2/1994) : إن إسرائيل لن تنفذ من اتفاقية المياه مع الأردن سوى ما يتضمن مصالحها فقط ضاربة عرض الحائط بهذا الاتفاق كغيره من الاتفاقيات  والقرارات الدولية.