يناير 12, 2025 - 20:45
يناير 12, 2025 - 20:46
العلاقات العربية الروسية .. قراءة واقعية لدور موسكو في المنطقة العربية 



محمد أحمد الشيخ - 
حينما نتحدث عن العلاقة الروسية العربية في السنوات الأخيرة تتعقد الأمور أكثر مما كانت عليه في العهد السوفييتي مثلا الذي كانت علاقة قوية مع الأنظمة الرسمية العربية ذات الميول اليسارية التي وصلت الى الحكم في مصر والعراق وسوريا واليمن الديمقراطي (الجنوبي) والجزائر في الفترة من منتصف الخمسينات والى نهاية الستينات والتي كانت تعتمد بشكل كبير على مساندة موسكو لها في الغطاء السياسي الدولي لكونها دولة تمتلك حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ومن اجل الحصول على الدعم اللوجيستي في الجوانب المدنية والعسكرية، باعتبارها أكبر دولة اشتراكية في العالم ، سواء من أجل كسب دعمها في الوقوف أمام تهديدات أميركا التي لطالما كانت تحاول تغيير بعض تلك الأنظمة. في المقابل كانت الأنظمة العريية الملكية تحديدا على علاقة سيئة بالسوفييت لأسباب ايديولجية معروفة وبالتالي كانت في تسير في الفضاء الأميركي والغربية.
لكن الأمور اليوم أكثر تعقيدا سواء من حيث الايديولجيا ولا من حيث الاصطفاف السياسي لا في الجانب الروسي ولا في الجانب العربي! فباستثناء الجزائر لم تعد هناك أي دولة عربية تحمل لواء الاشتراكية قط، فقد سقطت وانهار جميع الأنظمة العربية المتحالفة مع السوفييت، فالفوضى هي ما تشهده المنطقة العربية حاليا وأما الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة فهي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية بأي شكل غير أن ما أفشل هذا المشروع هو نهوض الشعوب العربية في لبنان واليمن والعراق تحت عنوان المقاومة والمتابعة للهيمنة الأميركية وتحالفها العقائدي مع إيران الاسلامية التي تشترك مع العرب في الجغرافيا والدين والثقافة والتاريخ.
حينما نأتي لتقييم العلاقات الروسية العربية، فعن أي عرب نتحدث؟ نحن نتحدث بالتأكيد عن العرب الرافضين للهيمنة الأميركية من أي ايديولجيا حزبية او طائفية كانوا.
ان روسيا السوفييتية أو الاتحادية لم تكن لها مواقف ثابتة تجاه القضايا العربية في أي يوم من الأيام، بل تتغير حسب ما تقتضيه مصالحها وتتنازل عن مواقفها وحلفائها في أصعب الظروف والأوقات، فالبراغماتية الروسية ثقافة سوفييتية قديمة، والشاهد على ذلك أن علاقة السوفييت الاستراتيجية بالرئيس جمال عبدالناصر لم تتأثر اطلاقا على الرغم من أن سجونه كانت ممتلئة بآلاف الشيوعيين المصريين _الأقرب ايديولوجيا للسوفييت_ لكن موسكو غضت الطرف عن هذا الأمر لأن مصالحها العليا مع عبدالناصر كانت أهم من الانتصار للماركسية في مصر! لكن هذه الانتهازية السوفييتية سببت ارتباكاً كبيراً في علاقتها مع حلفائها من العرب، وصلت الى أن قامت مصر —وهي أول حليف عربي لموسكو — بإلغاء معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي عام 1975م بعد أن كانت القاهرة قد وقعتها عام 1971م، وذلك بسبب تلكؤ القيادة السوفييتية في ارسال السلاح اللازم لمصر وهي في أمس الحاجة إليه، لأسباب سوفييتية متعلقة بالتوازنات دون مراعاة لمصالح حلفائها!
ومما ساهم في توسيع هذه الفجوة الغزو السوفييتي لأفغانستان الإسلامية، تلاها الموقف الروسي الداعم لصربيا التي ارتكبت مذابح بشعة بحق عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك ثم حربي الشيشان الداميتين ثم دعمها لصربيا مرةً أخرى في حربها على مسلمي كوسوفو،  كل هذه الأمور اضعفت العلاقة مع العرب واكسبت واشنطن تقدما كبيرا وعلاقة أفضل مع معظم الدول العربية خصوصا مع انهيار الاتحادالسوفييتي وما رافقها من تغيير كبير في التوازنات الدولية.
لكن هناك من العرب من ظل يعتقد أن روسيا كانت على الدوام حليفا استراتيجيا لأمتنا وذلك بناء على مواقفها التاريخية العلنية الداعمة للقضايا العربية خصوصا في فترة صعود الرئيس بوتن للسلطة ومواقفه الرافضة لغزو العراق وليبيا  وادانته المستمرة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وفلسطين، ومساندته العسكرية لنظام الرئيس الأسد منذ العام 2011 الأمر الذي حوله الى بطل قومي في أنظار الموالين لروسيا من العرب، والتي  خففت قليلا خيبات الامل التي أصابت الجمهور العربي من الموقف الروسي من غزو العراق مروراً بغزو ليبيا، لكن الصدمة الأكبر على الجمهور العربي المقاوم كانت في مشاركت موسكو في ترتيبات تسليم الحكم في دمشق للجماعات التكفيرية المدعومة من تركيا والأذي صاب غالبية الجميع بالذهول والشعور بالخيانة. فكيف ولماذا سلمت روسيا سوريا للجماعات الموالية لتركيا؟ وهل هي حليف موثوق لنا أم إنها دولة معادية؟
الحقيقة أن الدول العربية التي كانت لها تحالفات مع روسيا قديما وحديثاً، لم تنطلق من أرضية عقلانية واقعية في هذا التحالف، ولم تكن لديها تقييم علمي ومنطقي للدور الروسي في المنطقة.
ان النظرة العربية للتحالف مع الروس كانت في اغلبها تنطلق من الحالة العاطفية أو المزاجية لا الواقعية، وبناء على ما تقدم، أعتقد أننا بحاجة إلى قراءة حقيقية بعيدة عن أي أحكام مسبقة حتى نستطيع فهم ما حدث في سوريا بل وفهم جميع المواقف الروسية من مجمل القضايا العربية. 
بحسب عدد من الباحثين، فإن علاقة روسيا بالمنطقة العربية لطالما كانت محكومة بعوامل ثابتة تقريباً، ويمكن تقسيم العلاقة مع الروس إلى أربعة حقب تاريخية رئيسية:
مرحلة الممالك السلافية الوثنية (ما قبل المسيحية): أشارت المصادر التاريخية العربية إلى شعوب روسيا وبلغاريا وصربيا وأوروبا الشرقية باسم "الصقالبة" وهو اسم يبدو أنه محرف عن النطق اليوناني “صكيلاب”، الذي هو تصحيف لاسم "سلاڤ Slav"، وهذه هي المرحلة التي كانت فيها شعوب روسيا والشعوب السلافية (الصقلبية) تعيش حياة بدائية، تتطلع فيها إلى مد جسور سياسية مع دولة متقدمة ومتحضرة مركزها العراق، بما يحمله العراق من إرث حضاري عظيم وصل ذروته في العهد الإسلامي خصوصاً مع وجود عدد من الأئمة العلويين من أهل البيت عليهم السلام وتلامذتهم في بلاد الرافدين وما تركوه من نتاج حضاري ومعرفي زاخر وقيم، وصل صيته الى بلدان المشرق والمغرب، الأمر الذي جعل ملك السلاف (الصقالبة) ألمش ابن يلطور، يرسل كتاباً الى الخليفة العباسي المقتدر يطلب منه أن يبعث إليه من يعرفه شرائع الإسلام، بيد أن الغرض الحقيقي كان سياسياً من خلال حصوله على اعتراف دولي من الحاكم العباسي وما يترتب على هذا الاعتراف من الاستفادة من التطور العربي في المجال الثقافي والمعرفي والإداري والاجتماعي والعسكري يمكنه من تثبيت حكمه والتصدي لهجمات الملوك المحليين المناوئين له، ارتحل أحمد ابن فضلان ضمن بعثة رسمية قاصدًا بلاد الصقالبة الواقعة حاليًّا في جمهورية تتارستان الروسية، ثم سرد تفاصيل هذه الرحلة في رسالة تاريخية اعتبرت أقدم وصف لبلاد الروس وجزء من شرق أوروبا، والتي كُتبت عام 922م.
ومن بين تلك القبائل السلاڤية، تمكنت قبائل "روس" من بناء وحدة سياسية متماسكة على الرغم من أنها كانت تؤدي فروض الولاء والطاعة لحكام المسلمين المغول في حوض الفولغا قبل أن تعتنق المسيحية وتتحول قبيلة روس الى امبراطورية روسيا الارثوذكسية.
مرحلة روسيا القيصرية (ما بعد اعتنق المسيحية): دخل الإسلام إلى مناطق حوض الفولغا والقوقاز قبل 1300 سنة تقريبا بالتزامن مع انتشار المسيحية في روسيا القادمة من بيزنطة وسورية، على يد الأمير فلاديمير، وهي المرحلة التي كانت روسيا فيها محكومة بالرؤية العقائدية الخاصة بالكنيسة الأرثوذكسية إلى العالم العربي والإسلامي خصوصا مع اشتداد العداوة مع إمارة المسلمين المغول " القبيلة الذهبية" ومن بعدهم الأتراك العثمانيين والإيرانيين الصفويين والقاجاريين.
في الشق المسيحي يمكننا القول إن العلاقات الروسية العربية ازدهرت من خلال الجانب الروحي بين بطريركية أنطاكية (السورية المحتلة) والكنيسة الأرثوذكسية الروسية الموسكوفية، حيث أشرف البطريرك مكاريوس (الدمشقي) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، قبل ثلاثة قرون تقريباً، على ترقية الكنيسة الروسية من مطرانية إلى بطريركية، وتبعتها زيارات له، أشرف خلالها على إصلاح الكنيسة الروسية وحل مشكلاتها والتي دونها نجله بولص الحلبي في كتاب بعنوان: "رحلة البطريرك مكاريوس إلى الأراضي الروسية"، وهو مرجع مهم لدراسة تاريخ روسيا.
اما في العلاقة الأهم مع العرب الذين يعتنق غالبيتهم الإسلام، وعلى الرغم من اهتمام القياصرة الروس بمعرفة المزيد عن الإسلام من مصادره من خلال قيام الإمبراطور بطرس (بيتر العظيم) الذي يعتبر -باني الدولة الروسية الحديثة -بإصدار أوامره بترجمة القرآن الكريم لأول مرة في تاريخ روسيا، بالإضافة الى أوامر الإمبراطورة كاترينا الثانية بتعليم اللغة العربية في بعض المدارس والجامعات الروسية في نهاية القرن 18 الميلادي إلا أن أهم ملامح هذا العهد كانت محاولات التوسع في المناطق الإسلامية، في القوقاز وآسيا الوسطى ذات المجال الحيوي الذي يطوق روسيا، وذلك يعود إلى ظروف الجغرافيا وأحلام بناء الإمبراطورية ومناخ الصراع الدامي مع الممالك الإسلامية الذي هيمن على العلاقات العربية الإسلامية – الروسية في القرون الوسطى.
مرحلة روسيا السوفييتية (المناوئة للدين): عند الانتقال إلى المرحلة السوفييتية، نجد أن اهتمام روسيا بالمنطقة العربية قد ازداد كثيراً، خاصة خلال فترة الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفييتي بسبب التوجه العقائدي الشيوعي الذي يرى نفسه في صراع دائم مع الغرب للهيمنة على هذه المنطقة، وهو ما جعل موسكو تعيد بناء علاقاتها مع العالم العربي استعداداً لدخولها في منافسة شديدة مع واشنطن لتقاسم النفوذ في المنطقة العربية، فأثمر هذا التوجه عن علاقات كانت الأكثر دفئاً بين روسيا وعدد غير قليل من الدول العربية، ربما على مدى تاريخ علاقة روسيا بالمنطقة 
ففي منتصف الخمسينات في القرن العشرين وتحديداً خلال فترة الحصار الأمريكي الغربي على مصر، ازدادت الروابط العربية – الروسية وخاصة المصرية - السوفييتية، ولم تقتصر تلك العلاقة على مصر، بل امتدت إلى اليمن الجنوبي -سابقاً - وسوريا والعراق وفلسطين والجزائر وليبيا. وبقدر ما قدم السوفييت من مساعدات عسكرية وتصنيعية وزراعية وثقافية واستراتيجية لتلك المجموعة من الدول العربية، بقدر ما استفادوا من هذه العلاقات وحققوا نفوذاً دولياً وتقدماً تكنولوجياً كبيراً من خلال تحقيق وجود استراتيجي على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وعلى الخليج انطلاقاً من سواحل الدول العربية المتحالفة مع موسكو وهو ما مكنهم من كسر طوق العزلة المفروضة عليهم من الولايات المتحدة والغرب وخاصة خلال فترة الحرب الباردة.
ويمكن أن نجمل أهم العوامل المؤثرة في علاقة روسيا بالمنطقة العربية خلال المرحلة السوفييتية بالآتي:
1-     الجوار الجغرافي العربي لروسيا أضفى أهمية جغرافية سياسية واستراتيجية للشواطئ العربية على البحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأحمر.
2-    التقارب العقائدي "الاشتراكي" بين النظام السوفييتي وبين الأنظمة العربية في كل من مصر واليمن الجنوبي وليبيا والجزائر والعراق وسوريا، خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين.
3-    الموقف السوفييتي الداعم للعرب خلال حروبهم مع الكيان الغاصب في عامي 1967 – 1973 وتأييده الدائم للحق العربي في فلسطين.
4-    التقاء تلك الأنظمة العربية مع التوجهات السوفييتية في مسألة العداء للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، والذي كان نتيجة لحاجة الدول العربية الى دولة عظمى مساندة يمكنهم الاعتماد عليها في موجهة الإرادة الغربية التي تريد إعادة الحقبة الاستعمارية للعالم العربي.
بناء على جميع العوامل السابقة فقد توج هذا التقارب بإقامة معاهدات صداقة وتعاون اقتصادي وعسكري وأمني بين هذه الدول العربية والاتحاد السوفييتي السابق انتهت بانفتاح الأسواق العربية أمام الصناعات العسكرية السوفييتية، خصوصاً وأن أسعار السلاح السوفييتي ملائمة ناهيك عن أن السوفييت قدموا الاف المنح العسكرية لتلك الدول العربية كي تتدرب كوادرها على استخدام السلاح السوفييتي المتطور.

مرحلة روسيا الاتحادية: مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي دخلت السياسة الروسية في مرحلة جديدة أخذت ملامحها تتشكل مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة في مارس 2000، فشهدت التوجهات الأساسية للقيادة الروسية تجاه العالمين العربي والإسلامي عموماً تفعيلاً واضحاً، بعد الجمود الذي أصاب السياسة الروسية بصفة عامة وتجاه العالم العربي بخاصة في أواخر عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، فوجدت الدول العربية نفسها أمام طراز جديد من التعامل يميل نحو إقامة علاقات تعاونية تخدم مصالح الطرفين.
 ويمكن ربط التحركات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية تجاه العالم العربي بمجموعة من العوامل الجيوسياسية:
أولاً: انتهاء مرحلة الروابط العقائدية – اشتراكية- بين روسيا والأنظمة العربية الحالية في التوجهات السياسية لدى الطرفين، بالتزامن مع تسارع خطى العولمة والتوجه نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي على الجانبين الروسي والعربي، وسعي روسيا الدؤوب إلى تفعيل دورها بشكل متدرج كقوة عالمية عظمى، فرض عليها العمل على إظهار ثقلها على المسرح الدولي، ابتداء من الاستدارة شرقاً نحو آسيا خصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق العام 2003، من خلال عدة خطوات أهمها تفعيل منظمة "البريكس" مع الصين وجمهوريات آسيا الوسطى، وتعزيز الشراكة مع إيران. 
ثانياً: تغير بوصلة غالبية الدول العربية باتجاه مشاريع إقليمية ولدت من رحم الناتو، الأول: مشروع الأخونة أو العثمنة الذي يقوده أردوغان، والثاني: هو المشروع المناوئ للعثمانيين الجدد، والذي تقوده الإمارات، وكلا المشروعان يخدمان السياسة الأمريكية والصهيونية.
ثالثاً: انهيار الأنظمة الرسمية العربية ذات الجذور الاشتراكية، واستلام الحركات الجماهيرية الإسلامية، راية مقاومة الهيمنة الأمريكية في اليمن ولبنان والعراق وفلسطين والتي شكلت تحالفاً عقائدياً قوياً مع إيران أفشل المشاريع الامريكية والإسرائيلية.
رابعاً: تعتقد موسكو أن السماح للولايات المتحدة بالسيطرة الأمريكية المنفردة على منطقة الشرق الأوسط ستتسبب بمزيد من التدهور الأمني الذي سيصل الى روسيا نفسها وذلك انطلاقاً الخليج واليمن مروراً بدول حوض المتوسط وصولاً إلى مناطق بحر قزوين ثم إلى الأراضي الروسية.
لذلك فإن روسيا لم تمنع غزو الاميركيين للعراق، لعدة أسباب أهمها: اعتقادها بأن غزو العراق سوف يوقع اميركا في فخ كبير يستنزفها كما استُنزِف الاتحاد السوفييتي في أفغانستان! لقد راهن نظام صدام على الموقف الروسي بشكل كامل وهو ذات الخطأ الذي وقع فيه القذافي والذي وقع فيه نظام الرئيس الأسد الذي سلم زمام الأمور في سوريا كلياً لروسيا باعتبارها قوة عظمى تحتاجه كرئيس شرعي يكسبها الوجود الشرعي في سوريا، الأمر الذي أدركه اردوغان وأعطى جميع الضمانات اللازمة للروس بالحفاظ على المصالح الروسية وعدم المساس بها، مع حصول موسكو على مقايضات متعلقة بأوكرانيا جعلها توافق على تسليم دمشق. لذا فإن أي عملية تقييم للعلاقات الروسية - العربية يجب أن تراعي عدة أمور أهمها: 
- رؤية القيادة الروسية نفسها للعلاقة مع العرب المنقسمين بين مشاريع أمريكية، وما يرتبط بهذه الرؤية من قضايا في مقدمتها حجم النفوذ اليهودي داخل روسيا، وتأثيره في عملية صنع القرار داخل أروقة الكرملين لا سيما وأنهم تمكنوا من إنشاء لوبي إعلامي واقتصادي أكسبتهم نفوذاً سياسياً واسعاً وتأثير قوي في عملية صناعة القرار في الكرملين خلال فترة يلتسين، رغم تحجيم الرئيس بوتين ومنذ توليه السلطة لهذا النفوذ اليهودي بشكل كبير
- عدم اهتمام الأنظمة العربية بشكل جاد وحقيقي بربط روسيا بشبكة مصالح تعود على الجانبين بالنفع وهذا ما يفسر ضعف التبادل التجاري بين الدول العربية مع روسيا
في الختام يمكن أن نستنتج بناء على كل ما تقدم، السياسة الروسية في المنطقة العربية تحكمها اليوم مجموعتان من المصالح:
أولاً: المصالح الجيوسياسية: وتتمثل في الطموح الروسي إلى استعادة مكانة الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك من خلال الحرص مثلاً على القاعدة البحرية في طرطوس، ومصالحها في ليبيا والعراق والجزائر، فضلاً عن تنشيط تجارة السلاح والصادرات الروسية من السلع والخدمات إلى دول المنطقة.
ثانياً: المصالح الأمنية التقليدية: المخاوف الروسية من العدوانية الأمريكية في المنطقة والعالم، والذي قد وصل الى حدودها فعلاً من خلال الدعم الأمريكي لأوكرانيا، مما جعلها تبحث عن شركاء حقيقيين كالصين وإيران من أجل العمل على تحقيق الاستقرار والحفاظ على التوازن الإقليمي والدولي.
لقد وقعت روسيا والدول العربية الحليفة لها تاريخياً في عدة أخطاء تاريخية، أولها: أن كلا الطرفين حملوا علاقاتهم الثنائية آمالاً أكثر مما تحتمل، فروسيا لا يمكنها ابدا ان تقاتل بالنيابة عن أمتنا كما اعتقد الرفاق في دمشق.
وثانيها: مشكلة القوميين العرب وخصوصاً في سوريا أنهم أسائوا كثيرا فهم أصدقائهم الروس ولم يتمكنو من معرفة حدود قوة روسيا لكنهم اعتقدوا أن وهم القوة العسكرية الروسية والتكنولوجيا التي أوصلتها إلى الفضاء كافية لذلك.
وثالثها: أن الكرملين والدول العربية ذات التاريخ الاشتراكي تظاهروا في الإعلام بأكثر مما تسمح به الحقائق، ولم يكن كلا الطرفين على استعداد للحديث بصراحة عما يريده كل طرف من الاخر، وهذه مشكلة كبرى سببت في ارتباك كبير.
إن العرب أمة ضحكت من جهلها جميع الأمم، فلا توجد أمة تآمرت على نفسها مع أعدائها كما فعل العرب، والانقسام العربي الكبير في جميع القضايا أضعف هذه الأمة ومنها الفشل الذريع في التعاطي مع القوى العالمية كروسيا التي حرف فريق عربي بوصلة العداء باتجاهها في فترة زمنية ما متجاهلا الخطر الأمريكي والصهيوني بينما يعتبرها فريق اخر ولي حميم تتداعى مع قضايانا بالسهر والحمى.
فأنى للروس أو الصينيين أو غيرهم أن يحترموا هذه الأمة التي باتت اليوم تهرول نحو التطبيع مع ألد أعدائنا بل وتخون كل من يقاوم الصهاينة وترقص على أشلاء الفلسطينيين واللبنانيين، بل وتشمت في مآسيهم؟
إن روسيا ليست حليفاً استراتيجياً، كما أنها ليست عدواً تقليدياً، إنها ببساطة صديق لا يمكن الاعتماد عليه، فروسيا ليست جمعية خيرية، بل هي دولة كبيرة تبحث مصالحها القومية تسعى للحصول على شركاء حقيقيين حتى تحمي نفسها أما نحن لا يفترض بنا أن نبحث عمن يحمينا، ولكن يمكننا تبادل المصالح والمنافع مع روسيا والاستفادة من عوامل الجغرافيا والتكنولوجيا والاقتصاد والتصنيع لتحقيق المكاسب المشتركة، بشكل ندي وبدون التنازل عن الثوابت والمبادئ.