ديسمبر 27, 2024 - 21:04
ديسمبر 28, 2024 - 08:00
شادي مدانات لـ(عرب جورنال): اليمن عدّل موازين القوى لصالح المقاومة وقصفه لـ"تل أبيب" يهدّ مخططات الاحتلال ويعيدها إلى نقطة الصفر

في حوار خاص تستضيف "عرب جورنال" المحلل والباحث السياسي الأردني، شادي مدانات، للوقوف عند آخر وأبرز التطورات والمتغيرات التي تشهدها المنطقة على وقع معركة طوفان الأقصى والأحداث الساخنة المصاحبة لها. ويتطرق الحوار إلى تداعيات التصعيد الذي تشنه الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية ضد المقاومة وقياداتها في الضفة الغربية المحتلة في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كان يجري الأمر بالتنسيق مع سلطات الاحتلال لوأد المقاومة وإخماد حالة الغليان الشعبية ضد الكيان المحتل. كما يناقش الحوار أهمية صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في وجه الإبادة الجماعية لأكثر من 14 شهراً، بالإضافة إلى أهمية استمرار العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، ونجاح صنعاء في التصدي للعدوان الصهيوني الأمريكي. 

عرب جورنال/ حوار / حلمي الكمالي

الجبهة اليمنية هي جبهة مواجهة أساسية ورئيسية ضد أمريكا والكيان الصهيوني، واليمن بات علامة فارقة حقيقة في دعم غزة وفي عموم الصراع ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، من خلال الإمكانيات العسكرية اليمنية وحسن استخدامها وكفاءتها

القوة الوحيدة في الوطن العربي التي تؤلم العدو اليوم وتقوم بتعديل ميزان الردع والقوى لصالح المقاومة؛ هي اليمن ومقاومة اليمن وصواريخ اليمن وأبطال اليمن وشرفاء اليمن 

بعد وقف جبهة لبنان والتوغل في سوريا كان يعتقد الإسرائيلي أن الأمر قد استتب له، ولكن فجأة يأتي صاروخ يمني يغير المعادلة ويقلب الطاولة على رأس الصهاينة الأمريكيين ويهُدّ كل مخططاتهم ويعيدهم إلى نقطة الصفر، وبصاروخ يمني أيضاً تستنهض كل الأمة العربية وتنتعش بالأمل وروح المقاومة

الهجمات الصاروخية اليمنية تشعل المعركة وتربك حسابات الصهاينة وتضعهم أمام واقع جديد يقول لهم إن كل ما تقوموا به في فلسطين واستفرادكم بالشعب الفلسطيني، لن يمر، وأن عليكم أن توقفوا عدوانكم على فلسطين، ليتوقف القصف عليكم من اليمن 

تأثير العمليات اليمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يزعج الكيان الصهيوني، ويفرض معادلة بحرية تخوف الإسرائيليين والأمريكيين، والعدوان الصهيوني على اليمن، دليل أن اليمن قلب المعادلة لصالح المقاومة وبات غصة وشوكة في حلوقهم

المقاومة الفلسطينية مستمرة والاحتلال سيرضخ في نهاية المطاف لشروطها، وحرب الاستنزاف أنهكت الجيش الصهيوني، ولا أعتقد أن بإمكانه أن يستمر لفترة طويلة في هذه الحرب، خاصةً مع استمرار العمليات النوعية للمقاومة في قطاع غزة

السلطة الفلسطينية هي أداة أمنية بيد الاحتلال منذ إتفاقية "أوسلو"، وبمساعدتها انتقل المشروع الصهيوني من مرحلة محاصرة غزة والضفة الغربية بالمستوطنات وبالجدران العازلة، إلى مرحلة تفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان، ويهودة الدولة بشكل عام

ما يجري في فلسطين وسوريا يستهدف الأردن ومصر وكل المنطقة العربية، وإذا ما استتبّت الأمور للكيان الصهيوني داخل فلسطين، فإن الأردن ومصر وكل الدول المطبعة هي أول من سيدفع الثمن، والذين يعتقد أنه من الممكن التعامل مع "إسرائيل" ككيان طبيعي من خلال تطبيع العلاقات، فهو واهم

الدول العربية وخاصة الكبرى منها،مهددة بالتقسيم إلى كيانات طائفية وعرقية ضعيفة ومفككة، ضمن مشروع أمريكي لتكريس هيمنة الرأسمالية العالمية على المنطقة العربية، واحتكارها كسوق استهلاكية ومصدر للمواد الخام والعمالة الرخيصة

_ بعد أكثر من 14 شهراً من الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، في وجه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي تمارسه آلة القتل الصهيو_أمريكية، ما زلنا نشاهد عمليات نوعية واشتباك من مسافة صفر للمقاومين.. بماذا تصفون هذا الصمود؟ وكيف باتت غزة شوكة في حلق المشروع الصهيو_أمريكي على الرغم من القتل والتدمير؟ وهل تعتقدون أن الاحتلال الذي ما زال غارقاً في رمال جباليا وشمال القطاع سيرضخ أخيراً للدخول في صفقة مع المقاومة لإنهاء الحرب ؟

بكل تأكيد هو صمود اسطوري، في ظل تخاذل الأمة وتخليها عن قضيتها. إجمالاً وبشكل عام، النظام الرسمي العربي بأنظمته بجيوشه والأمة كلها في حالة ذل ومهانة.

لا يوجد أحرار إلا هؤلاء المقاومين في فلسطين ولبنان واليمن والعراق.

هذا الصمود الفلسطيني، هو ليس صمود في وجه المشروع الصهيوني وحسب، بل هو صمود في وجه المشروع الأمريكي، لأن المشروع الصهيوني هو أداة للمشروع الإمبريالي في منطقتنا. وهذا المشروع لا يفهم إلا لغة الإيلام كما تحدث أمين عام حزب الله.

لغة الإيلام هي التي ستجبر العدو للرضوخ لشروط المقاومة وللتفاوض، سواء إن كان الإيلام على المستوى الشعبي أو على المستوى العسكري.

ويجب الإشارة هنا إلى أن ورقة الأسرى التي تملكها المقاومة الفلسطينية باتت عبء على جيش الاحتلال. وهذا دليل بأن هذا المشروع ينفذ، وهو المشروع الذي تقوده أمريكا بزعامتها للنظام الرأسمالي وللنظام الإمبريالي العالمي، و"إسرائيل" هي أهم أداة في هذا المشروع في منطقتنا، كما أن أمريكا هي التي تقود المعركة والعدوان على غزة.

الإسرائيلي كان يسعى لتجاوز ورقة الأسرى الصهاينة وكان يتمنى لو يقتلوا جميعا حتى يتحرروا من هذا الضغط الداخلي في "إسرائيل" ويستكملوا المشروع، خاصة مع محاولة استفرادهم بالمقاومة في فلسطين.

رغم هذا الدمار والقتل الإسرائيلي المدعوم من أمريكا وبريطانيا وفرنسا والحلف الأطلسي، ورغم التضحيات الجسيمة؛ كان صمود المقاومة الفلسطينية معجزة، فقد استطاعت أن تدخل الاحتلال بحرب استنزاف واسعة لا يمكن الاستهانة بها، خاصةً مع الدعم الذي كان تشكله جبهة لبنان، واستمرار الدعم النوعي من اليمن. 

حرب الاستنزاف هذه بالتأكيد أنهكت الجيش الصهيوني، ولا أعتقد أن بإمكانه أن يستمر لفترة طويلة في هذه الحرب، خاصةً مع استمرار العمليات النوعية للمقاومة في قطاع غزة.

وفي الأخير، هذه المقاومة الفلسطينية مستمرة وسوف تستمر أكثر. وأعتقد أن الاحتلال في نهاية المطاف، سيرضخ بكل تأكيد لشروط المقاومة، في ظل استمرار الإسناد من اليمن الذي سيكون له دور كبير في انتصار المقاومة.

_ ما تعليقكم على تصعيد الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية ضد المقاومة وقياداتها في الضفة الغربية المحتلة في هذا التوقيت بالذات؟ وهل ما يحدث يأتي في سياق التنسيق مع الكيان الصهيوني لوأد المقاومة وإخماد حالة الغليان الشعبية ضد المحتل؟ وكيف يمكن أن تفي هذه السلطة التي تمارس هذا القمع ضد المقاومين بالتزاماتها في الاتفاقات الجارية بشأن مشاركة المقاومة في إدارة قطاع غزة بعد إنهاء العدوان ؟ وما تصوركم للخلاص من هذه المعضلة؟ وهل هذا يمهد لعدوان إسرائيلي واسع على الضفة الغربية أو ربما لضمها للكيان؟ 

إذا كانت "إسرائيل" هي أداة أمريكا، فالسلطة الفلسطينية هي أداة "إسرائيل" للأسف، فهي أداة أمنية بيد الاحتلال منذ إتفاقية "أوسلو" والاعتراف بالاحتلال والدخول في الحكم الذاتي، بما معنى أنهم جعلوا "إسرائيل" تستريح من قضية إدارة المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية.

للأسف بعد تدمير غزة، وبمساعدة السلطة الفلسطينية، فإن المشروع الصهيوني انتقل من مرحلة التخلص من مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية مثل غزة والضفة الغربية، وإعطاها حكم ذاتي ومحاصرتها بنفس الوقت بالمستوطنات وبالجدران العازلة، إلى مرحلة تفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان، ويهودة الدولة بشكل عام.

ما يحدث هو ضمن المشروع الأمريكي الأكبر لتفكيك المنطقة العربية وإعادة تشكيلها على شكل كيانات طائفية وعرقية، كيانات ضعيفة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتحويل الكيان الصهيوني لمركز مهيمن على المنطقة اقتصادياً عسكرياً.

وما دام في هذه المنطقة العربية بنية للنظام الرأسمالي العالمي من موقع التبعية، بعد تحويلها إلى مجرد سوق استهلاكي لبضائع الغرب، ومصدر للمواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة، فهي تعتبر بيئة لهذا المشروع الأمريكي الصهيوني.

وكل هذه المشاريع كانت مطروحة منذ جورج واشنطن الأب، وفي نظرية شمعون التي تعتمد على العقل اليهودي والمال الخليجي والأيدي العربية الرخيصة، وذلك لتكريس الكيان الصهيوني كزعيم للنظام الإقليمي أو الشرق الأوسط الجديد.

وهذا النظام له أدوات وأهم هذه الأدوات هي السلطة الفلسطينية، بفعل المهادنة وبفعل اتفاقيات الاستسلام التي أبرمتها إلى أن أصبحت أداة ضد شعبها وضد المقاومة.

وللعلم أن هناك داخل حركة فتح نفسها، رفض واسع من الشرفاء لممارسات الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، ورفض لهذا الدور الذي حول حركة مثل هذه لمجرد أداة لتنفيذ أجندات الكيان الصهيوني. 

وللأسف أيضا، فإن السلطة الفلسطينية باتت عبارة عن منظومة فساد، ومعظم القائمين على السلطة أصبحوا في شبكة فساد برجوازية تربطها مصالح متشعبة مع الكيان الصهيوني، كالتجارة والمرتبات وغيرها.

الشرفاء من قيادات حركة فتح في السجون الإسرائيلية، مثل مروان البرغوثي، لكن القيادات غير الشريفة من الحركة نراهم غارقين في الفساد، وينفقون المليارات والملايين في حفلات الأعراس لأبنائهم، وبعضهم هنا في الأردن، حيث يملكون أرقى المنازل والفلل والعقارات بملايين الدولارات.

لهذا الواقع الصعب الذي تمر فيه أي أمة عبر التاريخ، أن تكون قياداتها متآمرة مع العدو. وهذا ليس على مستوى السلطة الفلسطينية بل على مستوى النظام الرسمي العربي بشكل عام. وهذا للأسف ما يشجع الكيان الصهيوني بالاستمرار في استهداف أهلنا في غزة والضفة الغربية المحتلة.

_ مؤخراً تحدثت وسائل إعلام عربية وغربية عن مخاوف أردنية مما يجري في سوريا.. ما أسباب هذه المخاوف؟ وكيف تؤثر التطورات في سوريا على الداخل الأردني في هذه التوقيت بالذات والتي تأتي أيضاً بالتزامن مع توغل لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود السورية المشتركة مع الأردن؟ وهل برأيكم هناك مخطط لنقل الفوضى إلى الأردن ؟ وما علاقة ذلك بمساعي الكيان الصهيوني لتهجير أبناء الضفة الغربية إلى الأراضي الأردنية كجزء من مخطط موازي لتهجير أبناء غزة إلى سيناء؟

صحيح هناك مخاوف أردنية من ما حدث في سوريا، وكانت واضحة من التصريحات السريعة لوزارة الخارجية الأردنية بأنها مع وحدة سوريا وتماسكها وضد تفككها وانهيار النظام.

وقد كان ذلك موقفاً واضحاً مع النظام السوري، بعكس الموقف الذي كان مختلفاً في 2011، حيث كان نتيجة ضغوط أمريكية.

السلطة السياسية في الأردن تدرك حقيقة ما جرى في سوريا، وكيف تم ترتيبه بدعم أمريكي تركي إسرائيلي، وما جرى من تدمير للجيش السوري، في إطار مخطط واضح لتدمير سوريا بشكل عام.

منذ 2012 كان هناك مخطط لتدمير الجيش السوري، وتفكيك معسكرات الفصائل الفلسطينية في سوريا، وقطع العلاقات مع حزب الله وإيران وقوى محور المقاومة، وهذا ما حدث الآن بعد إسقاط النظام السوري.

بكل تأكيد الأردن كبلد مستهدف في موضوع تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة إلى الأردن، وذلك لتغيير المعادلة الديموغرافية في الأردن بشكل كامل وتصفية القضية الفلسطينية في الأردن على حساب الكيان الأردني.

وهذا الأمر يدركه الوطنيين الفلسطينيين في الأردن، ويدركه الأردنيين. 

وندرك أنه إذا ما استتبّت الأمور للكيان الصهيوني داخل فلسطين، فإن الأردن ومصر ولبنان وكل الدول المطبعة، هي أول من سيدفع الثمن، حيث يسعى العدو لتمديد هذا المشروع السرطاني إلى بقية المنطقة العربية.

الذين يعتقد أنه من الممكن التعامل مع "إسرائيل" ككيان طبيعي من خلال تطبيع العلاقات، فهو واهم، لأن هذا الكيان هو كيان وظيفي وليس كيان طبيعي أو جزء من المنطقة، وهو مشروع استيطاني توسعي سرطاني، يقوم بمهمة في هذه المنطقة خدمةً للمشروع الإمبريالي الأمريكي على مستوى العالم.

وبالتالي لا يمكن إقامة علاقة طبيعية مع هذا الكيان، وأول من سيدفع الثمن هم المطبعين مع هذا الكيان، فعندما تأتي اللحظة التي يشعر فيها الكيان بأن الفرصة تسمح له والظروف مؤاتية للتمدد والتوسع في المشروع، سيفعل ذلك حتى على حساب الدول المطبعة.

وللعلم أن مشروع التمدد تعرض لضربات قوية أوقفته حتى اللحظة، منذ الغزو الأمريكي للعراق، حيث تعثر بسبب المقاومة، كما تعرض هذا المشروع لضربة ثانية في تموز 2006 في لبنان عندما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندرايز، بأن هذا مخاض "شرق أوسط جديد".

وأخطر ما يواجه الإسرائيلي اليوم، هو أن يسود اعتقاد في الوطن العربي بأن "إسرائيل" يمكن هزيمتها، فهي تدرك الأبعاد النفسية والأبعاد الحضارية والثقافية لموضوع استنهاض روح المقاومة عند الشعب العربي.

واليوم أدركت "إسرائيل" حقيقة تعرضها لخسارة استراتيجية كبيرة، فبعد كل هذه العقود من ترسيخ ثقافة الهزيمة داخل الشارع العربي، ترجع فيه روح المقاومة في ثقافة ووعي الشعب العربي بأن 'إسرائيل" يمكن هزيمتها، وهذه لا شك بداية الهزيمة للكيان الصهيوني.

واليوم قد تطورت الأمور. الآن بصاروخ من اليمن تستنهض كل الأمة العربية وتنتعش بالأمل وروح المقاومة، وهذا ما يزعج العدو.

لا شك أن توغل القوات الإسرائيلية على الحدود السورية الأردنية، وسيطرتها على منابع المياه وروافد الأنهار التي تغذي نهر الأردن ونهر اليرموك وسد الوحدة، سيكون موضوع ضغط ومساومة على الأردن، وكذلك السيطرة على جبل الشيخ في مرتفعات الجولان. فكل ذلك يهدد الأردن.

الأمل اليوم، على استمرار العمليات النوعية في فلسطين وصمود المقاومة في لبنان. وأيضا على جبهة الإسناد اليمني، لتقويض هذه المشاريع التي تستهدف الأردن وكل المنطقة العربية.

فاستمرار الصواريخ اليمنية مؤذي جداً بالنسبة للكيان الصهيوني، فهو يرى أن اليمن يهُدّ كل المخططات التي رسمها الكيان الصهيوني. دخول كل المستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ كل ليلة جراء القصف اليمني، يجعل الإسرائيلي يشعر بأنه عاد إلى الصفر، وينسف كل انتصاراته ومعادلة الردع وموازين القوى التي حققها.. صاروخ واحد من اليمن يهُدّ كل هذه المعادلات وهذه الهالة الإعلامية التي رسمها الاحتلال.

_ بعد سقوط النظام السوري.. أعلن النائب البريطاني المعروف بدفاعه عن القضايا العربية ضد المشاريع الصهيونية الأمريكية، جورج غالاوي، أنه لن يدافع مرة أخرى عن أي قضية عربية بسبب رضوخهم لأعدائهم وعدم تحركهم لمواجهة ما يحاك ضدهم.. برأيكم إلى أين يقود صمت النظام العربي الرسمي والشعبي كل هذا الوقت تجاه الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والعربدة الإسرائيلية في المنطقة ؟ ولماذا بلعت شعوب الأمة العربية والإسلامية ألسنتها في أهم لحظة مصيرية تعيشها منذ عقود؟ وهل ما زال هناك أمل في صحوة مرتقبة؟ كيف ذلك ؟ وما انعاكساتها المتوقعة ؟ 

الحقيقة، لا يلام جورج غالاوي، أن يصاب باليأس من هذا الوضع العربي، ويعلن بأنه لن يتبنى قضايا عربية أخرى. فالأمة لا تريد أن تدافع عن نفسها، فمن الطبيعي أن يصاب الشرفاء وأحرار العالم بحالة يأس من كل هذا الجمود.

حالة المهانة والمذلة التي تشهدها الأمة العربية والإسلامية لم تصلها أي أمة في التاريخ. 

شعوب عربية ومسلمة تذبح وتقتل ومجازر غير مسبوقة وإبادة جماعية ولا تتخذ الأمة وأنظمتها أي موقف سياسي او اقتصادي تجاه هذا العدو المجرم، فهي فعلا أمة نائمة ومهانة.

في 2003 أتذكر جورج غالاوي عندما جاء بقافلة من السيارات إلى مدينة الكرك في جنوب الأردن، لكسر الحصار عن العراق، في الوقت الذي كانت الأنظمة العربية تفرض الحصار على العراق.

نعم الرهان فقط على صحوة الشعوب، أما الأنظمة فهي لا تدرك أن المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة يستهدفها هي أولاً كأنظمة، وتستهدف وجودها، لأن الكيانات التي تحكمها مستهدفة بمشاريع التفكيك والتقسيم الأمريكية والتي تتحدث عن تفكيك الدول العربية الكبرى منذ 50 عاماً، وتحويلها إلى كيانات طائفية وعرقية ضعيفة ومفككة، وتتحدث عن تكريس هيمنة الرأسمالية العالمية على المنطقة العربية، وتقسيمها واحتكارها كسوق استهلاكية ومصدر للمواد الخام والعمالة الرخيصة.

ولكن يبقى الأمل في أنه ما زال هناك مقاومة، ومقاومين أحرار. نفرح كثيراً كعرب عندما نسمع الناطق العسكري اليمني ومشاهد الصواريخ اليمنية في قلب الكيان الصهيوني، وعندما نسمع خطابات زعيم المقاومة في اليمن، السيد عبد الملك الحوثي، وكنا كذلك عندما كنا نسمع خطابات السيد حسن نصر والتي تنعش الأمل للأمة.

فهذا يبقى شعلة أمل وتأكيد أن المقاومة لن تموت ما دام في عدوان وفي ظلم وفي احتلال. فالمقاومة موجودة، وبكل تأكيد الأمة فيها الكثير من الشرفاء، سوف يغيروا الصورة ويحفزوا النشطاء والأحرار على مستوى العالم لمواصلة دعم قضايانا بكل تأكيد. 

_ قبل أيام وجهت القوات المسلحة اليمنية ضربات نوعية ومركزة في العمق الإسرائيلي وسط فشل واضح للدفاعات الإسرائيلية، ناهيك عن اشتباكها الواسع ضد البحرية الأمريكية ونجاحها في طرد حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية من البحر الأحمر، كل ذلك في إطار إصرارها لدعم غزة.. ماذا يمكن القول في هكذا موقف صلب يجسده اليمن انتصاراً للشعب الفلسطيني؟ وكيف يقوض صمود اليمن كجبهة ثابتة وراسخة، المخططات الإسرائيلية والأمريكية لتغيير الشرق الأوسط؟ وما موقفكم من العدوان الصهيوني الأمريكي على اليمن ؟

بكل تأكيد، اليمن بات علامة فارقة حقيقية في دعم غزة وفي عموم الصراع القائم ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، من خلال الإمكانيات العسكرية اليمنية وحسن استخدامها وكفاءتها. واليمن هو من سيغير معادلات الردع ويعيد توازن القوى في المنطقة.

على سبيل المثال، حزب الله في لبنان قدم تضحيات ونضالات كبيرة لما قبل العدوان الأخير على لبنان، وفرض توازن رعب في المنطقة، لكن للأسف ما تعرض له حزب الله ، أخلَّ قليلاً في معادلة الردع ونتج عنه اختلالات في موازين القوى بالمنطقة. وهذا لا يعني أن حزب الله لم ينتصر في المعركة، بل أنه حقق إنجازات كبيرة وأجبر الكيان الصهيوني على وقف إطلاق النار والقبول بالتفاوض بعد صمود حزب الله في الميدان، ونجاحه في وقف تقدم قوات الاحتلال جنوب لبنان.

عموماً، فإن القوة الوحيدة في الوطن العربي التي تقوم اليوم بتعديل ميزان الردع لصالح المقاومة وإيلام العدو بهدف تعديل ميزان القوى؛ هي اليمن ومقاومة اليمن وصواريخ اليمن وأبطال اليمن وشرفاء اليمن.

الجبهة اليمنية اليوم ليست جبهة مساندة وحسب، بل جبهة مواجهة أساسية ورئيسية ضد أمريكا والكيان الصهيوني.

ففي ظل الإحباط واستمرار جرائم الإبادة الجماعية وسقوط الدولة السورية وتوغل قوات الاحتلال في الأراضي السورية، تبقى جبهة اليمن شوكة في حلق المشروع الأمريكي الصهيوني. 

إذا الأمل اليوم على المقاومة في اليمن، وعلى الصواريخ اليمنية..وكما قلنا في الوقت الذي وصل فيه لبنان إلى وضع توازن، وغزة غارقة في الدمار وسوريا محتلة؛ يأتي فجأة صاروخ يمني يُغيّر المعادلة ويقلب الطاولة على رأس الصهاينة ومن خلفهم الأمريكيين.

كذلك، تأثير العمليات اليمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، يزعج الكيان الصهيوني، وفرض اليمن هذه المعادلة البحرية يخوف الإسرائيليين والأمريكيين.

العدوان الصهيوني على اليمن، دليل أن اليمن قلب المعادلة لصالح المقاومة وبات غصة وشوكة في حلوقهم، وهذا ما نسمعه من تصريحات مسؤولي الاحتلال، حيث كانوا يظنوا أن الأمور استتبّت لهم بعد هدوء جبهات الدعم والإسناد، وفجأة تأتي الهجمات الصاروخية اليمنية لتشعل المعركة من جديد، وتربك الصهاينة وتضعهم أمام واقع جديد يؤكد أن  كل ما تقوموا به في فلسطين واستفرادكم بالشعب الفلسطيني، لن يمر، وأن عليكم أن توقفوا عدوانكم على فلسطين، ليتوقف القصف عليكم من اليمن.

وبالتالي، وبكل تأكيد هذا إنجاز عظيم لما يقوم به اليمن اليوم نيابةً عن أمة كاملة تخلت بأنظمتها وبجيوشها وبجزء كبير من شعوبها عن قضيتها الرئيسية فلسطين.