
عرب جورنال / أنس القباطي -
شهدت مدن في الساحل السوري، الأربعاء 25 ديسمبر/كانون أول 2024 تظاهرات على خلفية اعتداء متشددين على مزار ديني للعلويين في حلب، شمال سوريا.
مبرر
هذه التظاهرات مثلت فرصة لهيئة تحرير الشام لبسط سيطرتها على مدن الساحل السوري، ومدن اخرى تشعر ان فصائل اخرى حاضرة فيها بقوة، ما يجعل مخاوف سقوطها من قبضتها واردة.
حالة عنف
وتقول وزارة الداخلية في سوريا إن قتيلين و4 جرحى من قوات الامن سقطوا جراء اشتباكات مع مسلحين بطرطوس غربي البلاد، لكن مصادر اعلامية وحقوقية بينها المرصد السوري افادوا بان الضحايا سقطوا عندما أطلقت قوات امنية النار على المتظاهرين لتفريقهم.
حظر تجوال
وعلى خلفية اطلاق النار والتظاهرات اعلنت السلطات الجديدة في دمشق حظر التجول في طرطوس وحمص وجبلة واللاذقية، بمبرر حماية الامن والسلم الاهلي، متهمة من اسمتها "عناصر من بقايا النظام البائد، بإحراق المزار بعيد سقوط حلب لإثارة الفتنة.
مخاوف
وأثارت المظاهرات التي خرجت في مدن وبلدات اللاذقية وجبلة والقرداحة وحمص مخاوف هيئة تحرير الشام، خاصة وان مثل هذه التظاهرات تأتي بعد اقل من 20 يوما على سيطرتها على العاصمة دمشق.
وتأتي مخاوف هيئة تحرير الشام المصنفة مع زعيمها الجولاني في قوائم الإرهاب من ان ارتخاء سيطرتها على تلك المدن، سيؤدي الى حضور فصائل اخرى مسلحة فيها، ليست على وفاق مع الهيئة، الى جانب مخاوف من أن عدم سيطرة الهيئة على كامل الجغرافيا السورية سيغري فصائل أخرى للتمرد وعدم الاعتراف بسلطتهم، وأبرز تلك الفصائل قوات سوريا الديمقراطية"قسد" المناهضة لتركيا والتي تسيطر على أجزاء واسعة من الشمال الشرقي لسوريا.
ارتدادات سلبية
فرض مسلحي هيئة تحرير الشام سيطرتهم على مدن وبلدات الساحل السوري التي تعد معقل العلويين، ستكون له ارتدادات سلبية، ستلقي بظلالها على مستقبل ووحدة سوريا.
ومما لا شك فيه أن مسلحي هيئة تحرير الشام بفكرهم المتطرف سيحتكون مع سكان تلك المدن والبلدات المخالفين لهم في المذهب، وسيذهبون لتبرير أعمال العنف التي سيمارسونها بأعمال شغب يدفع إليها فلول النظام السابق، ما سيؤدي الى إذكاء النعرات الطائفية، والتي لا يستبعد أن تتحول بمرور الزمن الى حالة عنف.
مخاطر مستقبلية
وهذه التوترات التي بدات تطفو إلى السطح في ظل أفق سياسي لم تتضح بعد معالمه، ينذر بمخاطر مستقبلية تدفع سوريا نحو من مرحلة من عدم الاستقرار، وتهكتيك النسيج الاجتماعي، والذي لن تكون نتائجه سوى مزيد من شرذمة جغرافيا البلد الى كانتونات تسيطر على طوائف متناحرة.
السيطرة على الفضاء العام
ومنذ يومين صار مسلحون جهاديون ينتشرون في مدن وبلدات الساحل السوري، التي تعد معقل الرئيس السابق بشار الاسد، وهؤلاء المسلحون اصبحوا يمثلون قوى امنية، دون ان يخضعوا لدورات تدريبية تؤهلهم لأن يتحولوا الى شرطة تتولى مهام حفظ الامن والسلم الاهلي، وهو ما سيجعل احتكاكهم مع سكان تلك المناطق واردة، نظرا للتعبئة الدينية التي تلقوها في معسكرات اعدادهم ضد المختلف في المذهب، والخلفية العدائية التي يحملونها لنظام الأسد، ما سيجعلهم يندفعون بعنف لتنفيذ أي مهمة امنية، باعتبار المطلوبين محسوبين على النظام السابق، فضلا عن أن الخلفية الجهادية لمنتسبي الهيئة ستجعلهم يسعون للسيطرة على الفضاء العام في تلك المناطق، وتقديم خطاب ديني مختلف عن الخطاب المعهود لسكان تلك المناطق.
احتقان
وكل ذلك سيؤدي إلى تنامي حالة الاحتقان في الأوساط الشعبية، وسيجعل الناس يتكتلون في اطار وعاء مجتمعي ببعد طائفي لحماية انفسهم، بدافع شعورهم بانهم اقلية لا تتعدى نسبتهم 10٪ من سكان البلاد.
أهم عامل
ويعد هذا الجانب واحد من أهم العوامل التي سيتم استخدامها من قبل القوى الخارجية التي تسعى لتمزيق الجغرافيا السورية، وتحويلها الى حالة تعيش مرحلة من الصراع المعزز بحالة اللاسلم واللاحرب.
عامل قوة ولكن
تملك هيئة تحرير الشام أهم عامل قوة لمنع النعرات الطائفية، باعتبارها من يسيطر أمنيا وعسكريا على الرقعة الجغرافية للمختلف مذهبيا، لكنها تفتقر للعنصر البشري الذي يؤمن بالتعايش مع المختلف دينيا، واضافة الى ذلك فإن عدم إشراك سكان الساحل السوري في ادارة مناطقهم سيساهم في تنامي حالة الاحتقان، وسيجعلهم معزولين عن حكام مناطقهم، ما سيجعلهم يفسرون كل تحرك أمني بأنه يستهدف وجودهم، ما يجعلهم يشعرون بحالة من الاقصاء والتهميش.
ممارسات على الأرض
يسعى الجولاني الذي اصبح اسمه احمد الشرع الى تقديم خطاب فيه نوع من الطمأنة لجميع السوريين بمختلف طوائفهم، لكن الممارسات على الأرض تبدو مختلفة نسبيا، فحالات التصفية والملاحقة ما تزال مستمرة لمن يشتبه بانتمائهم للنظام السابق، وبعضها تتم لتصفية حسابات شخصية، وهو ما يثير خشية العلويين من اندلاع الفوضى وتعرض ممتلكاتهم لأعمال السرقة والنهب، وحياتهم للمخاطر، خاصة في ظل استمرار العناصر المتشددة في تقديم خطاب طائفي مستفز
للمختلفين دينيا.
تهدئة تلاشت
حالة التهدئة النسبية التي سادت منذ سقوط نظام الأسد، مع ما فيها من التجاوزات التي أدت إلى أعمال تصفية وسحل ضد عناصر من النظام السابق، وكثير منهم علويين، كانت هي الحالة التي يمكن البناء عليها للحفاظ على السلم الأهلي، غير أن عسكرة مدن وبلدات الساحل السوري بعناصر جهادية تحت غطاء قوات الأمن جعلت هذه الحالة تسير نحو التلاشي، نظرا لحجم المخاوف التي باتت تعتري سكان تلك المناطق.
المستفيد
وبالتالي فإن اذكاء النعرات الطائفية لا يؤسس الا لحالة من التشرذم والاحتراب، وهو ما سيؤدي الى شرذمة البلاد، والمستفيد من هذا الوضع اعداء سوريا، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني الذي بدأ من أول يومهم لانهيار نظام الأسد بتدمير الجيش السوري وسلاحه، واقتطاع أجزاء من الجغرافيا السورية.