ديسمبر 7, 2024 - 21:22
التدخل التركي في سوريا .. خيارات استراتيجية قد تنقلب ضد أنقرة


عرب جورنال / كامل المعمري - 
وفقا للحسابات التركية فان دعم المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد، سوف يسهم في تأمين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. هذه السياسة كانت مدفوعة بعدد من الأهداف، أهمها تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، الحد من تأثير الأكراد، والحفاظ على أمن حدودها الجنوبية. ومع تقدم المعارضة السورية ميدانيا، خاصة بعد استعادة مناطق حيوية مثل حمص واقترابها من دمشق، بدا أن تركيا على وشك تحقيق بعض من هذه الأهداف. إلا أن التقديرات التركية قد تكون غفلت عن بعض العوامل المعقدة التي قد تقلب المعادلة في المستقبل.

إن المواقف الدولية في سوريا قد تطورت بشكل كبير، وأصبحت لا تقتصر على الصراع بين النظام والمعارضة. الصراع بات يشتمل على منافسة إقليمية ودولية على النفوذ، حيث تسعى تركيا لتوسيع دورها في المنطقة، في حين تسعى القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، إضافة إلى إسرائيل، إلى تحقيق مصالحها الخاصة. تركيا، التي كانت تتوقع أن تساهم جهودها في دعم المعارضة في تعزيز نفوذها في سوريا، قد تجد نفسها في مواجهة تحديات غير متوقعة نتيجة لهذا الصراع الدولي. إن تدخل القوى الغربية في الشمال السوري، خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا، قد يفتح الباب أمام تحولات غير محسوبة في المنطقة.

من جهة أخرى، يبدو أن انقره قد أقدمت على سياسة محفوفة بالمخاطر من خلال دعمها للمعارضة المسلحة، دون إدراك كامل للنتائج المستقبلية التي قد تترتب على ذلك. في ظل الدعم الغربي للأكراد، تزداد احتمالية تحول الصراع السوري إلى حرب بالوكالة بين الأكراد المدعومين من القوى الغربية وتركيا، مما قد يفضي إلى إنشاء كيان كردي في الشمال السوري. هذا السيناريو سيكون تهديدا مباشرا للأمن القومي التركي، حيث أن تركيا تخشى من قيام دولة كردية على حدودها، وهو ما يمكن أن يعزز المطالب الكردية في الداخل التركي. إن التحركات العسكرية التركية في الشمال السوري قد تكون قد أسهمت في تسريع هذا السيناريو، بدلا من تقليصه.

تتزايد المخاطر بالنسبة لتركيا مع تصاعد الصراع الداخلي بين الأكراد والمعارضة المدعومة من تركيا. في ظل هذا الوضع المعقد، يمكن للقوى الغربية أن تجد في هذا الصراع فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، سواء عبر دعم الأكراد أو من خلال تقديم دعم سياسي وعسكري لهم في هذه الحالة، قد تجد تركيا نفسها محاصرة بين مواجهة مع الأكراد من جهة، ومنافسة مع القوى الغربية من جهة أخرى، دون أن تتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها في بداية تدخلها في سوريا.

بالتالي، يمكن القول إن سياسة انقره في دعم المعارضة السورية وان حققت اهدافها على المدى القريب فانها بالمقابل أضعفت استراتيجيتها على المدى البعيد. في حين أن تركيا كانت تأمل أن يؤدي دعمها للمعارضة إلى تقويض النظام السوري وتعزيز نفوذها الإقليمي، فإن تبعات هذه السياسة قد تفضي إلى نتائج غير مرغوب فيها. فبدلاً من تعزيز أمنها القومي، قد تجد أنقرة نفسها أمام تهديدات جديدة، خاصة فيما يتعلق بظهور كيانات كردية مستقلة على حدودها الجنوبية. وبالتالي، سيكون من الصعب على تركيا أن تحقق الاستقرار في سوريا بما يخدم مصالحها، مما يجعل تدخلاتها العسكرية هناك من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي قد تندم عليها في المستقبل.

ختامًا، إن الأحداث في سوريا تبرز مدى التعقيد والتداخل في المصالح الإقليمية والدولية، والتي تزيد من صعوبة التنبؤ بمسار الأزمة لكن مما لاشك فيه ان انقرة أخطأت في حساباتها، لان  دعمها للمعارضة المسلحة قد يؤدي إلى تحولات جذرية في التوازن الإقليمي، قد تكون في غير صالحها على المدى الطويل.