ديسمبر 4, 2024 - 16:27

كامل المعمري - عرب جورنال

تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن الاسرى في غزة لم تكن مجرد تهديدات عابرة، بل تحمل أبعادا أوسع تعكس أزمة الولايات المتحدة في منطقة تواجه تحولات جذرية
حين يقول ترامب إنه سيشعل "جحيما" في الشرق الأوسط إذا لم يُطلق سراح الرهائن قبل 20 يناير، فإنه يكشف عن اضطراب السياسة الأمريكية أمام واقع جديد صنعته المقاومة الفلسطينية، وعمّقته الهزائم المتتالية التي تتلقاها القوات الأمريكية في البحر الأحمر والبحر العربي على يد الجيش اليمني.

غزة: معركة الصمود وتوازن القوى

تصريحات ترامب الموجهة نحو غزة تحمل في ظاهرها تهديدا للفصائل الفلسطينية، لكنها في جوهرها رسالة إلى إسرائيل، التي تجد نفسها في مأزق حقيقي أمام المقاومة. 
فإدارة المقاومة لملف الرهائن أظهرت قدرتها على استخدام هذا الملف كوسيلة ضغط سياسي وعسكري، ما أجبر إسرائيل، رغم تفوقها العسكري، على التفاوض بشروط المقاومة لا بشروطها.


اليمن: انتصار جديد لمحور المقاومة

على الجانب الآخر من المشهد، تتعرض الولايات المتحدة لضربات قاسية في البحر الأحمر والبحر العربي على يد الجيش اليمني. عمليات دقيقة استهدفت سفنا حربية وتجارية أمريكية كشفت عن هشاشة البحرية الأمريكية في مواجهة تكتيكات مقاومة تعتمد على التكنولوجيا المحلية والإبداع العسكري بدلا من التسليح المفرط.

هذه الهجمات ليست مجرد انتصارات تكتيكية، بل تشير إلى تحول استراتيجي يعيد صياغة موازين القوى في المنطقة. اليمن، الذي عانى لسنوات من حرب وحصار مدعومين من الولايات المتحدة، أصبح اليوم مركز قوة إقليمي قادر على تحدي الوجود العسكري الأمريكي، ما يضرب في عمق هيبة واشنطن ويُضعف قدرتها على حماية حلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل.

ارتباط الصراعات: من غزة إلى البحر الأحمر

ما يجمع بين صمود غزة وانتصارات الجيش اليمني هو انتماؤهما لمحور المقاومة الذي يُثبت يوما بعد يوم قدرته على التكيف والابتكار في مواجهة آلة الحرب الأمريكية والإسرائيلية. في الوقت الذي يعجز فيه الاحتلال عن تحقيق أهدافه في غزة، تجد الولايات المتحدة نفسها غير قادرة على حماية مصالحها في مياه البحر الأحمر والبحر العربي، ما يعكس أزمة أكبر تتعلق بتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

ترامب، بتصريحاته الصاخبة، يحاول استعادة صورة القوة الأمريكية التي تآكلت خلال العقد الأخير. لكن الواقع يُظهر أن القوة العسكرية وحدها لم تعد كافية لإخضاع شعوب المنطقة، سواء في غزة أو اليمن. المقاومة، سواء كانت في ساحات القتال أو المياه الدولية، تُثبت أن الإرادة الشعبية قادرة على قلب المعادلات، حتى في وجه أعتى القوى العسكرية في العالم.

ما وراء خطاب ترامب

تهديد ترامب بإشعال "جحيم" في الشرق الأوسط يُظهر إدراكا عميقا لتغير موازين القوى، لكنه يفتقر إلى الأدوات العملية لتنفيذ هذا التهديد. نجاح المقاومة في احتجاز الاسرى وإدارتها لهذا الملف بدقة، وانتصارات الجيش اليمني التي أذلت البحرية الأمريكية، كلها إشارات إلى أن المحور المدعوم شعبيا في المنطقة بات يمتلك اليد العليا في معادلات الصراع.

علاوة على ذلك فان تصريحات ترامب، رغم ضجيجها، تكشف ضعفا متزايدا في قدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها. فحين تعجز واشنطن عن حماية سفنها الحربية أو دعم حلفائها في إسرائيل، فإنها تواجه أزمة وجودية تتجاوز الشرق الأوسط لتصل إلى موقعها كقوة عظمى على الساحة الدولية.

نحو معادلة جديدة في الشرق الأوسط

من غزة المحاصرة إلى البحر الأحمر، يُعاد رسم ملامح الشرق الأوسط بفضل صمود المقاومة وقدرتها على فرض معادلات جديدة.
 فإسرائيل، التي كانت تُعتبر قوة لا تُقهر، تواجه الآن انقسامات داخلية وضغوطًا دولية متزايدة، بينما يتراجع النفوذ الأمريكي أمام صعود قوى إقليمية جديدة.

في هذه المعادلة، لا تبدو تهديدات ترامب قادرة على تغيير الواقع. فالمقاومة الفلسطينية والجيش اليمني والمقاومة العراقية واللبنانية ، كلٌ بطريقته، أثبتا أن الهيمنة الأمريكية ليست قدرا محتوما، وأن إرادة الشعوب قادرة على تحدي القوى الكبرى وإعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة.

ترامب قد يتحدث عن "جحيم"، لكن بالنسبة لغزة وصنعاء، هذا الجحيم لم يعد يُخيف شعوبا اعتادت مقاومة الظلم وكتابة تاريخها بأيديها. الشرق الأوسط يتغير، وليس بيد واشنطن أو حلفائها منع هذا التغيير.