تعليقاً على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال.. تستضيف "عرب جورنال" المحلل والباحث السياسي اللبناني، د. وسيم بزي، لمناقشة أهمية هذا الإتفاق الذي يأتي تتويجاً لصمود المقاومة الإسلامية في لبنان ونجاحها في تقويض أهداف الاحتلال المعلنة من العدوان على البلاد وعلى رأسها إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية. كما يناقش الحوار انعاكسات هذا الإتفاق أو الإخفاق الإسرائيلي بالنسبة لبقية الجبهات المستعرة وعلى رأسها غزة. ويتطرق الحوار إلى فشل المشروع الصهيو_أمريكي لتشكيل شرق أوسط جديد يتناغم مع الأهواء والمصالح الأمريكية الإسرائيلية. كذلك يتطرق الحوار لأهمية وانعاكسات قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إثر اتهامات مباشرة بارتكاب جرائم حرب في غزة.
عرب جورنال/ حوار / حلمي الكمالي _
لبنان خاض عملية التفاوض وقبل بهذا الإتفاق، بناءً على محددين حاسمين، الأول هو وقف إطلاق النار، والثاني هو حفظ السيادة اللبنانية،وما يدعيه العدو من بنود حرية حركة، وبنود تتيح له التصرف ضد لبنان،هو لغة تظهيرية يستخدمها العدو دون الواقع،وما يهم لبنان هو ما فاوض عليه وما قبل به،والعبرة بالتنفيذ
جهوزية الجيش اللبناني للانتشار السريع والقدرة على الإنتقال إلى الجنوب، هو الذي سيكون عاملاً حاسماً بالإسراع بعملية انسحاب العدو،أمّا مسألة وجود المقاومة في جنوب النهر، فالمقاومة هي فعل إيماني،هي خيار، وهي موجودة بوجود الشهداء وأهالي القرى وأصحاب الأرض في هذه الجغرافيا
الجبهة اللبنانية انخرطت في حالة الإسناد وحالة المواجهة المباشرة مع العدو،وكان هذا الإنخراط في جوهره وقوف مستمر وداعم للمقاومة في غزة،واليوم هناك فرصة للمقاومة الفلسطينية لجباية ثمن من العدو متمم للإنجاز اللبناني،خاصةً أن ورقة الأسرى لا زالت إحدى أهم أوراق القوة بيد المقاومة الفلسطينية
أسطورة الشعب الفلسطيني وكل المتبنين لخيار المقاومة، لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد، ولا زال أمامنا كثير من الوقائع والأحداث قبل أن نسارع إلى إطلاق الأحكام النهائية
قرار الجنائية الدولية باتهام نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت بأنهما مجرمي حرب، وإن كان متأخراً؛ يمثل لحظة مفصلية جريئة في مواجهة صراحة الجريمة المرتكبة في قطاع غزة على مدى 13 شهراً، ونأمل ألا تنجح أمريكا بالالتفاف على هذا القرار أو تقوم بتجويفه أو نزع أنيابه المفترضة
اليمن الذي لم يكن قد خرج من معاناة حرب التحالف العربي الغربي ومن الحصار الظالم الذي يُشن عليه، أتى دوره المقدام والمتقدم في إسناد أهلنا في غزة، والحضور اليمني في معركة طوفان الأقصى، مثل أحد عناصر المفاجأة الكبرى،كما مثل نقطة الثقل التي أعطت لجبهات الإسناد طبيعة استراتيجية مختلفة
لم يكتفِ اليمنيين بإغلاق مرفأ "إيلات" وقطع أحد أهم شرايين الحياة عن كيان العدو، وإثقاله بالخسائر ورفع التأمين على البضائع، بل كان الحصار اليمني على الكيان ذي مضمون استراتيجي ضربَ كل سلاسل التوريد التي يقتات منها العدو من الجهة الآسيوية عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب
الدور اليمني تطور وأخذ بعداً متحدياً أكبر، بعد أن أفشل اليمن "عملية "حارس الإزدهار" و"عملية سبيدس"، وأجبر أمريكا وبريطانيا على النزول لخوض معركة بحار غير مسبوقة مع اليمنيين على مساحات البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب والمحيط الهندي
بأس اليمنيين وإرادتهم الصلبة والتوظيف الذكي جداً لمقدراتهم العسكرية الصاروخية والبحرية، فرض على أعتى حاملات الطائرات الأمريكية، وأعظم مدمرات بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا؛ أن تهرب بالنهاية من المنطقة البحرية العربية بعد مواجهات لأشهر طويلة أمام الصواريخ اليمنية والمسيرات والثبات اليمني
مّا قام ويقوم به اليمنيون على جبهة معركة البحار؛ قلب كل المفاهيم العسكرية التي حكمت أمريكا من خلالها هذا العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أتى اليمنيون بتجربتهم المتواضعة البسيطة ليجعلوا كل هذا النوع من الأسلحة من مدمرات وطرادات وحاملات طائرات وغيرها، تبدو ضعيفة وهزيلة أمام إرادة اليمنيين وإيمانهم وحسن توظيفهم لقدراتهم
_ ما هي قراءتكم لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال؟ وهل يمكن أن تطلعونا على التفاصيل الدقيقة لهذا الاتفاق؟ وإلى أي درجة يمكن أن يصمد الإتفاق في ظل الغطرسة الإسرائيلية المعروفة؟ وهل يمكن القول بأن الحرب انتهت على الجبهة اللبنانية بنصر كبير للمقاومة الإسلامية خاصةً بعد نجاحها في تقويض أهداف الاحتلال المعلنة من العدوان على لبنان وعلى رأسها إعادة السكان إلى المستوطنات الشمالية؟ وإلى أين يمكن أن تأخذنا انعاكسات هذا الإتفاق أو الإخفاق الإسرائيلي في لبنان، على بقية الجبهات المستعرة وعلى رأسها غزة ؟
أولا ليس هناك من شك أن اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، عملياً، هو نتاج لمعادلة طويلة أمتدت على على مدى ثلاثة عشر شهراً ونصف، إحدى عشر شهراً منها كانت في إطار إسناد غزة وفلسطين، وشهرين وبضعة أيام، هي في إطار حرب شاملة قرر العدو شنها على لبنان وعلى المقاومة اعتباراُ من الثالث والعشرين من أيلول الماضي. وبالتالي هذا الوقف لإطلاق النار أتى على أساس موازين قوى أفرزتها هذه المواجهة على أساس أهداف طرحها العدو كعنوان لعمليته الإجرامية الكبيرة التدميرية الغرائزية ضد لبنان والتي ضربت البشر والحجر، والهدف الأساس كان النيل من بيئة المقاومة والإيقاع بين المقاومة وبين شعبها في ظل عجزه الواضح والمكين الذي منعه من تحقيق أهدافه من جهة والذي جعل مأزقه بحال المراوحة التي وصلها على صعيد المعركة البرية وعلى صعيد استمرار إطلاق الصواريخ والمسيرات إلى عمق كيان العدو.
واليوم المشهود الأساسي الذي جعل العدو يرضخ للمعادلات، هو الذي عشناه يوم الخميس الماضي بالتحديد، والذي وصلت فيه صواريخ المقاومة إلى عمق 150 كيلومتر حتى أشدود واجتاحت في طريقها كل مدن الشريط الساحلي المحتل، من نهاريا إلى عكا إلى حيفا إلى ما يسمى بمنطقة قوشدان جنوب حيفا ومنها منطقة الشارون ومنطقة التحك تكفى ومنطقة رمد وصولا إلى "تل أبيب"، وهذا مشمول بكم كبير من القواعد العسكرية التي هاجمتها المقاومة.
وهذا اليوم المشهود الذي كان فيه بإعتراف العدو، إطلاق 340 صاروخ من قِبل المقاومة، متنوعة الأبعاد والمسافات والفعالية والأهداف.
وهذا جزء مما يمكن أن نسميه إعادة التثبيت لمعادلات التوازن التي جعلت العدو يهرب بإتجاه هستيريا تدميرية، لكنها بالنهاية ليست أكثر من فعل وحشي غرائزي لا إنساني، أراد من خلاله نتنياهو رئيس وزراء العدو، التعمية على خياره بالذهاب إلى وقف الحرب عبر حرف الأنظار عن الخلافات التي سادت داخل كيان العدو، وأظهرت هذا الرفض الكبير لما اعتبروه اتفاق إذعان من قبل نتنياهو. وكان ليبرمان أحد زعماء المعارضة في كيان العدو واضحاً حينما قال إن العلم الأصفر يرفرف في لبنان والعلم الابيض يعني علم الاستسلام هو الذي يرفرف عندنا.
على هذا الأساس أتى الإتفاق ببنوده ال13 عنصر، فيصل في هذه المواجهة. الأكيد أن هذه البنود التي فاوض عليها أموس هوكشتاين على مدى أكثر من أسبوعين ونصف بين لبنان وكيان العدو، ارتكزت بعناوين أساسية على القرار 1701 الصادر في شهر أب عام 2006.
هذا القرار الذي أدعى الأمريكيون أنه بقي لنحو 17 عاماً دون تطبيق من قبل الكيان الصهيوني وحزب الله على السواء حسب الإدعاء الأمريكي. أُعيد قولبة هذا الإتفاق بما ينسجم مع اللحظة الحالية. كان هناك مجموعة من المحددات ضمن البنود ال13، بجزء تحوي آليات تنفيذ وبجزء آخر آليات إشراف.
بكل اتفاق من هذا النوع يجري التوافق عليه، له أكثر من تفسير، وأكثر من تأويل لصياغته للغته بحد ذاته. لكن على الأقل لبنان من جهته خاض عملية التفاوض وقبل بهذا الإتفاق، بناءً على محددين حاسمين، الأول هو وقف إطلاق النار، والمحدد الثاني هو حفظ السيادة اللبنانية.
ومن بركات وقف إطلاق النار اليوم، لاحظنا هذه العودة المؤزرة لجماهير الشعب اللبناني ولبيئة المقاومة، تعود منذ الرابعة فجر إعلان الاتفاق، إلى قراها وبلداتها ومدنها في كل من البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية.
وهذه العودة السريعة التي استبقت حتى انتشار الجيش اللبناني، والتي اقتربت من مناطق وجود جيش العدو على قرى الحافة التي يتواجد فيها بعمق 2 إلى 3 كيلومتر.
هذا الأمر خلق أمراً واقعاً جديداً، لم يكن أقل أهمية أبداً من إعلان وقف إطلاق النار.
وبالتالي السياقات المتعلقة بتطبيق هذا الاتفاق، يجب تترجم بخطط انتشار للجيش اللبناني، يقرها مجلس الوزراء.
أمّا ما يدعيه العدو من بنود حرية حركة، وبنود تتيح له التصرف عندما يقرر أن أمنه مهدد، فهذه لغة تظهيرية يستخدمها العدو الصهيوني دون الواقع، ما يهم لبنان هو ما فاوض عليه وما قبل به وبالنهاية العبرة بالتنفيذ.
رأيي الشخصي، أن هذا الاتفاق لم يُقرّ ليسقط رغم أن مهلة الستين يوم تبقى عملية اختبار واقعي للقدرة على التنفيذ وأيضا للنوايا. ويجب على جيش العدو بناءً على الإتفاق أن ينسحب على ثلاث مراحل. كل مرحلة من عشرين يوم. تبدأ القطاع الغربي كمرحلة أولى، ثم منطقة القطاع الأوسط كمرحلة ثانية، ثم القطاع الشرقي لمرحلة ثالتة وكل من هذه المراحل مقسم إلى عشرين يوم ومجموعهن يكون 60 يوما يعني شهرين.
جهوزية الجيش اللبناني وألويته للانتشار السريع والقدرة على الإنتقال إلى الجنوب، هو الذي سيكون عاملاً حاسماً بالإسراع بعملية انسحاب العدو وسيطرة الدولة على منطقة جنوب النهر. أمّا مسألة وجود المقاومة في جنوب النهر، باعتقادي الشخصي، أن المقاومة هي فعل إيمان، هي خيار، هي موجودة بوجود الشهداء، وأهالي القرى وأصحاب الأرض في هذه الجغرافيا.
أمّا مسألة وجود السلاح فهي تصبح تفصيلاً، وبالتالي طبيعي أن المقاومة ستراعي ما ألتزمت به الدولة، خاصةً أن نهر الليطاني كمحدد يحكم مسار هذا الاتفاق. ومع تطور قدرات المقاومة الصاروخية والتسليحية، لم يعد حاجز الليطاني الذي اعتمد عام 2006 في القرار 1701، يمثل هذا الحائل من حيث المسافة أو من حيث المحددات الطبيعية الذي يمنع المقاومة حينما تريد بقدراتها أن تصل إلى أي مكان داخل كيان العدو.
_ في ظل التطورات والمتغيرات التي تشهدها غزة وجبهات الدعم والإسناد وتطورات معركة طوفان الأقصى بشكل عام.. هل يمكن القول أن محور المقاومة نجح في فرملة المشروع الصهيو_أمريكي لإعادة رسم شرق أوسط جديد والذي كان يلوح به علناً رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو؟ وأي مشهد متوقع لانتكاسة هذا المشروع على مستقبل الكيان الصهيوني داخلياً وخارجياً وعلى النفوذ الأمريكي الغربي في المنطقة عموماً ؟
إذا استندنا إلى بيان حركة حماس بتهنئة المقاومة اللبنانية وحزب الله على هذا النصر الكبير الذي تحقق من خلال إفشال أهداف العدو من جهة، ومن خلال منع نتنياهو من تحقيق الأهداف العالية التي رفعها. وخاصةً منها مشروعه المدعى لإنشاء شرق أوسط جديد، ومن خلال التلاحم المقاومة في لبنان وبين بيئتها وشعبها، والذي اعتبرته حركة حماس وحركة الجهاد، في رسائل التهنئة على النصر الذي تحقق، كنموذج يحتذى على قاعدة ما تواجه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من حرب إجرامية من قبل جيش وحكومة العدو.
وما صمود المقاومة في فلسطين على مدى أكثر من ثلاثة عشر شهراً، إلا معيار من معايير الثبات الذي يُشكل التلاحم بين الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة والضفة الغربية، أحد لبناته الأساسية التي زخمّت ودعمت رجال المقاومة في غزة والضفة، بكل أسباب المنعة والثبات والصمود، ولا زالوا، رغم كل معارك الإجتثاث والإجرام والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، جعلت هؤلاء المقاومين الأبطال يقارعون جيش العدو شمال القطاع كما في وسطه، وكما في جنوبه.
وما قام به مخيم جباليا بالذات على مدى شهر من الزمن حتى الآن يمثل معجزة من معجزات المقاومة الفلسطينية التي تدهشنا وتدهش العالم بهذا المستوى من البطولة، وهي تقدم قادتها وكوادرها على مذبح هذا الصمود وهذا الثبات، وما الشهداء القادة إسماعيل هنية ويحيى السنوار وغيرهم رهط كبير من هؤلاء القادة على مستوى كل فصائل المقاومة؛ إلا عينة وبينة على هذا المستوى من التضحية والإباء والبطولة ما بين القادة وبين المقاومين المقاتلين. وليس هناك من شك أن نجاح حزب الله بتعرية جيش العدو ومشروعه وإفشال أهدافه على الجبهة اللبنانية، إلا هو نموذج على صعيد المقاومة في فلسطين، ومن يحاول أن ينظر أن اتفاق وقف النار في لبنان، هو فصل عملياً بين جبهة فلسطين وجبهة لبنان، فإن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كان قد رد في إحدى إطلالاته بشكل غير مباشر على هذا المنطق المدعى؛ حينما قسم الحرب على جبهة لبنان إلى قسمين 11 شهر متتالية منها كانت لفلسطين بذل فيها المقاومون اللبنانيون الغالي والنفيس وقوفا مع فلسطين وغزة وشعب فلسطين، والقسم الثاني من هذه الحرب كان تحولها من جبهة إسناد إلى حرب ومواجهة اعتباراً من 23 أيلول الماضي. وهذا جعل واقع هذه الحرب ومعطياتها ومحدداتها الحاكمة، وموازين القوى فيها والنتائج المترتبه عليها، تخرج طبيعة المواجهة من طبيعتها الإسنادية إلى طبيعتها الحربية المواجهة بين جبهة العدو وبين حزب الله في لبنان.
ولكن في الحالتين حالة الإسناد وحالة الإنخراط في حرب كبرى، كان هذا الإنخراط بجوهره وقوف مستمر وداعم للمقاومة في فلسطين.
برأيي الشخصي، فرصة المقاومة الفلسطينية على جباية ثمن من العدو متمم للإنجاز اللبناني لا زالت أمامنا، خاصةً أن ورقة الأسرى لا زالت إحدى أهم أوراق القوة بيد المقاومة الفلسطينية.
وكذلك واقع المنطقة الكبير وإعادة قولبة الصراع على ضوء المستجدات الهامة الحاصلة. وكذلك موقع اليمن والعراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا في هذا المستوى الجديد من المواجهة الذي قد نكون بصدده؛ كلها عوامل أساسية تتحكم بمشهد الصراع الكبير، بموقع أمريكا من هذا الصراع والغرب، وكذلك حقيقة أن العدو سيكون قادراً على فرض إرادته على الشعب الفلسطيني، هذا أمر يترقبه البعض. لكن باعتقادي أن أسطورة الشعب الفلسطيني وكل المتبنين لخيار المقاومة، لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد. ولا زال أمامنا كثير من الوقائع والأحداث قبل أن نسارع إلى إطلاق الأحكام النهائية.
_ بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.. هل تعتقدون أن المجتمع الدولي سيشهد تُغيّراً في الخطاب والسياسة تجاه الكيان الصهيوني؟ وهل سيؤثر مثل هذا القرار على وقف مجازر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة؟ كيف ذلك؟ وما تعليقكم على الاندفاعة الأمريكية الشرسة والفاضحة ضد المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرة الاعتقال؟ وما الذي تخشاه واشنطن من هذه الخطوة؟
ليس هناك من شك أن قرار الجنائية الدولية باتهام نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت بأنهما مجرمي حرب، وتوجيه الاتهام لهما على هذا الأساس، يمثل لحظة مفصلية في سياق الجريمة المرتكبة في قطاع غزة على مدى كل هذه الأشهر الثلاثة عشر ونصف.
موقف المجتمع الدولي والقانون الدولي من هذه الجريمة والصمت المريب الذي عشناه من كل المؤسسات المعنية بتطبيق القانون الدولي، وبمحاولة تثبيت حد أدنى من عدالة الرؤيا وعدالة التقييم وعدالة الحساب.
هذا الأمر الذي انتظره العالم، وتظاهرت جامعاته وخرجت نخبه وشعوبه تعترض لفترة طويلة من الزمن، أتى رئيس الجنائية الدولية أو المدعي العام فيها، وبعد انتظار طويل ليفرض لحظة من الجرأة، كنا طواقين إليها، وانتظرناها طويلاً على ضوء صراحة الجريمة المرتكبة، وأتت هذه اللحظة وإن كانت متأخرة، لكنها تمثل بأرقة أمل للشعوب على مستوى منطقتنا والعالم، لكل من لا زال لديه أمل بوجود ثواب عقاب في منطق التوحش الذي يحكم هذه البشرية، والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
لعل وعسى الديناميات المأمولة من لحظة ما بعد اتخاذ هذا القرار، تجعلنا نتأمل ألا تنجح أمريكا بالالتفاف على هذا القرار، أو بتجويفه أو بنزع أنيابه المفترضة، وإن كانت أمريكا أصلا، تصفق لهذه المحكمة حين تقف ضد يوغوسلافيا أو ضد روسيا.
وأمريكا غير المنتسبة أصلا مع كيان العدو لهذه المحكمة، تريدها غض الطلب بخدمة أهدافها.
نحن في بداية مسار، أهميته هو أن يكتمل وأن ينجح بفرز محددات تنفيذية لهذا القرار، مع قلقنا الدائم أن تنجح أمريكا في ضرب هذا الأمل الصغير لشعوب العالم من عدالة دولية مدعاة لم نراها يوما، والتي تثبت أن كيان العدو موجود في موقع يقيم فيه فوق كل القانون الدولي، كل المحاسبة لا تمر بهذا الكيان، بل هو مطلق اليدين بجرائمه ووحشيته بإرادة ودعم وسلاح أمريكي وغربي بالدرجة الأولى.
لكن نحن المظلومين في هذا العالم، أصحاب القضايا العادلة، نحاول أن نأمل بأن تكون ظاهرة الجنائية الدولية وقرارها، هي بداية بارقة أمل في هذا الإتجاه، وإلا فإن اللعنة ستسقط على كل المؤسسات التي تخرج من رحم هذا النظام الدولي، والتي يحاولون منذ الحرب العالمية الثانية أن يقنعوننا بأن هذه المؤسسات تريد أن تقيم عالم عدالة حقيقي، ولكن هذا ما لم تثبته الحقائق يوماً.
_ عمليات القوات المسلحة اليمنية المساندة لغزة ولبنان والمستمرة على قدم وساق منذ أكثر من عام.. برأيكم كيف نجح اليمنيون في فرض هذا الموقف العسكري وعلى نحو مسارات تصاعدية في عمليات الإسناد رغم التهديدات والإعتداءات الأمريكية البريطانية؟ وما هي أهم النتائج الإستراتيجية التي يمكن استخلاصها من المشاركة اليمنية المباشرة في معركة طوفان الأقصى على الصعيد اليمني من جهة والإقليمي ومحور المقاومة من جهة أخرى ؟
لقد مثل الحضور اليمني في معركة طوفان الأقصى، أحد عناصر المفاجأة الكبرى، ومثل أيضا نقطة الثقل التي أعطت لما سمي بجبهات الإسناد طبيعة استراتيجية مختلفة.
اليمن من خلال ما عاشه من مظلومية ومن تحالف دولي وعربي، سعى طويلاً لكسر إرادة أبناء الشعب اليمني منذ ثورة 21 سبتمبر 2014، وعلى مدى أكثر من 8 سنوات من حرب ظالمة شُنت على اليمنيين.
هذا اليمن الذي لم يكن قد خرج من معاناة الحرب ومن الحصار الظالم الذي يُشن عليه، أتى دوره المقدام والمتقدم في إسناد أهلنا في غزة وفي فلسطين، في إطار دوره التكاملي مع بقية جبهات الإسناد في محور المقاومة.
ومن معركة البحر الاحمر بالذات، ومن خلال فرض الحصار على كيان العدو الذي كان عملياً أبعد بكثير من مجرد فرض حصار، كانت الوقفة اليمنية ذي مضمون استراتيجي جيوشي ضرب كل سلاسل التوريد التي يقتات منها العدو من الجهة الآسيوية ومن شرق آسيا عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
لكن اليمنيين لم يكتفوا فقط بإغلاق مرفأ "إيلات" وبقطع أحد أهم شرايين الحياة عن كيان العدو، وضرب معالم اقتصاده وإفراغ أهم مرافق منطقة الجنوب في كيان العدو، وهو ميناء أم الرشراش، وضرب الاقتصاد في كيان العدو وإثقاله بالخسائر ورفع التأمين على البضائع، ومنع كل السفن الأتية إلى كيان العدو مباشرة أو مواربةً.
كما مثلت الجماهير اليمنية كل يوم جمعة بالملايين محتشدة بصوتها ووقفتها وتجاوبها مع قيادتها وبإطلالة أيضا للقائد السيد عبدالملك الحوثي كل خميس الذي يسبق مظاهرات الجمعة بمحددات يطلقها يتناغم فيها مع حضور الجماهير اليمنية في ساحة صنعاء وساحات المحافظات.
هذا الثنائي القيادي الشعبي المتناغم مع فعل القوات المسلحة، مثل هذا الثالوث وقفة مع فلسطين، مثلت حجة على العرب والمسلمين والعالم أجمع.
بل أن هذا الدور اليمني تطور وأخذ بعداً متحدياً أكبر، بعد أن أفشل اليمن "عملية حارس" الإزدهار و"عملية سبيدس" التي قام بها الإتحاد الأوروبي، نزلت أمريكا وبريطانيا مباشرةً بمعركة بحار غير مسبوقة مع اليمنيين على مساحات البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب والمحيط الهندي.
والأهم من كل ذلك، أن بأس اليمنيين وإرادتهم الصلبة والتوظيف الذكي جداً لمقدراتهم العسكرية الصاروخية والبحرية وبالمسيرات، فرضت على أعتى حاملات الطائرات في أمريكا، وأعظم مدمرات بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا؛ أن تهرب بالنهاية بعد مواجهات لأشهر طويلة أمام الصواريخ اليمنية والمسيرات والثبات اليمنيين.
مّا قام ويقوم به اليمنيون على جبهة معركة البحار؛ قلب كل المفاهيم العسكرية التي حكمت أمريكا من خلالها هذا العالم منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن ورثت من بريطانيا سيدة البحار على مدى عقود وقرون طويلة؛ أتى اليمنيون بتجربتهم المتواضعة البسيطة ليجعلوا كل هذا النوع من الأسلحة من مدمرات وطرادات وحاملات طائرات وغيرها، تبدو ضعيفة وهزيلة أمام إرادة اليمنيين، أمام تسخيرٌ لقدرات وتوظيفها في إطار المنعة والقوة.
الغالي الثمن العظيم لأمم ودول أمام مسيرات رخيصة الثمن وصواريخ يصنعها اليمنيون، ولدت من رحم هذه المواجهة مفاهيم جديدة لما يسمى معارك البحار، ولعدم التماثل بين القوي الكبير وبين البسيط المتواضع القوي بإرادته وبإيمانه وبحسن توظيفه لقدراته.