عرب جورنال / انس القباطي -
مثل قبول رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، بوقف إطلاق النار في لبنان تخليا عن الأهداف التي أعلن من أجلها العملية البرية في جنوب لبنان.
مصادقة
وقال نتنياهو، الثلاثاء مساء 26 نوفمبر/تشرين ثان 2024 إن المجلس الوزاري الأمني المصغر صدّق على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان.
إعلان الاتفاق
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعلن مساء الثلاثاء في بيان مشترك مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، واصفا الاتفاق بأنه "نبأ سار". كاشفا أن وقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ عند الساعة 4.00 بالتوقيت المحلي (02.00 بتوقيت غرينتش) من يوم الاربعاء. مشيرا إلى أنه سيهيئ الظروف اللازمة لعودة الهدوء في البلاد، وسيسمح للسكان بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق. مؤكدا أن باريس وواشنطن ستعملان على ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار تنفيذا تاما.
بعد شهرين من العملية البرية
وجاء اعلان وقف اطلاق النار بعد أكثر من شهرين من اعلان نتنياهو إطلاق عملية عسكرية برية لاجتياح جنوب لبنان.
فشل من البداية
وبدت العملية فاشلة من اسبوعها الاول، حيث ظلت قواته عالقة في أول خمسة كيلومترات من الشريط الحدودي، ولم تتمكن من تثبيت وجودها في تلك المساحة، حيث وجهت بحرب استنزاف أثقلت الجيش الصهيوني بالخسائر في الأرواح والعتاد، رغم القصف المتواصل من سلاح الجو والمدفعية.
هرولة
بدا نتنياهو مهرولا نحو الاتفاق، حيث خطط ان تتم المصادقة عليه من خلال مجلس الوزراء الأمني، وليس عبر الحكومة، خوفا من حصول إشكاليات تعيق المصادقة إذا ما طرح الاتفاق على الحكومة، لإدراكه بوجود خلافات داخل الحكومة، وعدم الثقة به من قبل كثير من أعضاء حكومته، فضلا عن تخوفه من ان يؤدي اي اشكال في المصادقة من قبل الحكومة الى لصدور قرار وقف لإطلاق النار من قِبل مجلس الأمن، ما يعني أن الشروط ستكون غير مريحة له.
وكانت وسائل إعلام صهيونية قد قالت الثلاثاء قبيل إعلان الاتفاق إن نتنياهو سيحث وزراء الكابينيت على ضرورة التوصل إلى تسوية مع لبنان.
ورطة
هرولة نتنياهو نحو الاتفاق وهو الذي كان يصرح بأن العملية البرية لن تتوقف الا باجتياح كامل الجنوب اللبناني تشير إلى أنه والمتطرفين في حكومته باتوا مدركين حجم الورطة التي وقع فيها الجيش الصهيوني في جنوب لبنان، والتي حاول قبل أسابيع تحميلها وزير الدفاع غالنت الذي اقاله من منصبه.
لعنة الليطاني
ويعد إعلان الاتفاق من قبل واشنطن وباريس وسعيهما الحثيث خلال الأيام الماضية للاسراع في اعلانه انقاذا لنتنياهو وجيشه الغارقين في جغرافية الجنوب اللبناني، وسعي لابعادهما من لعنة نهر الليطاني، التي لطالما مثلت مستنقع اغرق الجيش الصهيوني أكثر من مرة وسط مياهه ووحوله التي لا يجيد التعاطي معها غير اصحاب الارض.
ثقة
وبعد إعلان الاتفاق بدا حزب الله أكثر ثقة بنفسه، لإدراك قيادته ان الاتفاق صنعه مقاومون اجادوا حرب العصابات واثخنوا جسد الجيش الصهيوني بالجراح، و مرغوا انوف قادته بتراب طبوغرافية الجنوب معقدة الطبوغرافيا.
وقال محمود قماطي نائب رئيس المجلس السياسي للحزب لقناة الجزيرة: "نشكك بالتزام نتنياهو ولن نسمح له بتمرير فخ بالاتفاق". منوها الى انه يجب التدقيق بالنقاط التي وافق عليها نتنياهو قبل توقيع الحكومة (اللبنانية) غدا.
قسوة القادم
ومن هنا بدا حزب الله واثقا بأن مقاتليه قادرين على اجتراح النصر، وان ورطة الجيش الصهيوني ستزداد قسوتها اكثر خلال الايام القادمة، خاصة في ظل الطقس الشتوي الذي يوفر خلاله الضباب حماية للمقاتل الذي يتمترس بجغرافيا خبر مسالكها، وصار يجيد التحرك عليها بمرونة المقاتل الخفيف، الذي يجيد حرب الاستنزاف لجيش ثقيل الحركة.
ثغرات
قد يسعى نتنياهو لايجاد ثغرات في الاتفاق للعبور منها مستقبلا في حال أصبح الاتفاق واقعا، في محاولة لتحقيق ما قد يسوقه انتصارا عبر الماكينة الإعلامية، لكنه يدرك تماما ان جغرافية الجنوب اللبناني بتضاريسها المعقدة وغطائها النباتي لن تمكن جيشه من التفوق، عوضا عن وجود مقاومة تجيد عمليات الكر والفر والانسحاب ثم الاستدراج للجنود والآليات العسكرية الثقيلة.
فصل الساحات
وان كان نتنياهو قد بدا في تصريحاته وهو يعلن الموافقة على الاتفاق بأنه حقق انتصار، بفصل ساحات الحرب في غزة وجنوب لبنان، فإنه يدرك أن جيشه أصبح منهكا ومعنويات جنوده محطمة بعد أكثر من عام على انطلاق عملية طوفان الاقصى، الى جانب حجم الخلافات التي طفت الى السطح داخل النخبة الصهيونية وبين جنرالات الحرب، فضلا عن تراجع ثقة كثير من المستوطنين نتنياهو وحكومته.
تراجع ثقة المجتمع
عند اعلان نتنياهو العملية العسكرية البرية لغزو جنوب لبنان، اكد ان من اهدافها اعادة مستوطني الشمال، لكن بعد مرور اكثر من شهرين على العملية بدا مستوطنين كثر غير واثقين من قدرة الجيش الصهيوني على توفير الأمان لعودتهم، حتى بتوقيع وقف إطلاق النار.
نموذج
يقول نيزان زئيفي، الذي يعيش شمال كريات شيمونا في قرية كفار كلا، لشبكة CNN، إن العديد من السكان ينظرون إلى الاتفاق على أنه "اتفاقية استسلام". ويضيف: "حكومتنا ستوقع على اتفاق غير مسؤول للغاية، وهو مجرد تكرار لنفس الاتفاق" الذي تم توقيعه لإنهاء الحرب في العام 2006. منوها الى خشيته أن يسمح الاتفاق بمرور الوقت لمقاتلي وحدة العمليات الخاصة التابعة لحزب الله، بالاقتراب من الحدود مرة أخرى و"العيش بجواره مباشرة" وأسرته.
وتعد هذه المخاوف نموذج لمخاوف كثير من مستوطني الشمال، وتنم عن مدى عدم ثقتهم بحكومة نتنياهو التي ذهبت نحو الحرب، تحت نشوة الغارات الجوية التي أدت إلى استشهاد العديد من قيادات حزب الله.
الإمساك بالمقود
وان كان الاتفاق يتضمن انسحاب الطرفين خلال 60 يوما عشرات الكيلوهات، فإن انسحاب حزب الله الى شمال الليطاني لا يمثل انتصارا للكيان الصهيوني، لان ذلك كان منصوص عليه في القرار الاممي 1701 للعام 2006، وبالتالي فإن التراجع للخلف لا يعني أن الحزب غير قادر على العودة في حال انتهك الكيان الصهيوني الاتفاق، لأنه ما يزال يحتفظ بقوام مقاتليه، الذين ظلوا طيلة فترة العملية البرية يمسكون بالمقود، فضلا عن أنهم سيتحركون بأريحية في جغرافية خبروا مسالكها، وتعايشوا مع طبيعتها التضاريسية، بل إنهم سكان المنطقة قبل كل شيء.
ورطة التقت مع رغبة
ومما سبق يبدو ان ورطة نتنياهو التقت مع رغبة بايدن ليختم حياته السياسية بما يراه تحقيق نجاح للدبلوماسية الامريكية في عهده، مع انه وادارته كانوا مجرد مسعري حروب حول العالم.
العبرة بالتنفيذ والديمومة
واعلان الاتفاق لا يعني أنه صار واقعا، فقيمته مرتبطة بتنفيذه ومن ثم ديمومته، والأيام المتبقية من ولاية بايدن ستكشف مدى قابلية الاتفاق للتنفيذ، اما الديمومة فهي مرتبطة بادارة ترمب، والذي ستكشف اول مائة يوم من ولايتها حقيقة توجه ترمب نحو إنهاء الحروب.