نوفمبر 27, 2024 - 17:40
الذكاء الاصطناعي: دقة عالية في المنظومات القتالية في الحروب الحديثة

أروى حنيش 

مع التقدم التكنولوجي المتسارع، أصبح الذكاء الاصطناعي  مكوناً أساسياً في تطوير المنظومات القتالية، مما غيّر طبيعة الحروب وأساليبها بشكل جذري. لقد أتاح استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة إمكانية تحقيق كفاءة أكبر، وتقليل الخسائر البشرية، وزيادة دقة العمليات العسكرية. من الطائرات بدون طيار إلى أنظمة القيادة والسيطرة، أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم لتقديم حلول مبتكرة تساعد الجيوش على مواجهة التحديات المعقدة في ساحات المعارك الحديثة. وهو ليس مجرد أداة إضافية في المنظومات القتالية، بل أصبح عنصراً حاسماً يعيد تشكيل طبيعة الحروب وأساليب إدارتها. من خلال تحسين الكفاءة والدقة، وتقليل المخاطر البشرية، وقد ساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق قفزات نوعية في القدرات القتالية. ومع ذلك، يبقى التحدي في ضمان استخدام هذه التقنيات بشكل أخلاقي وقانوني، بما يحافظ على الاستقرار الدولي ويحد من مخاطر التصعيد غير المنضبط. إذ أن استثمار الذكاء الاصطناعي في الحروب يفتح أبواباً واسعة للإبداع العسكري، لكنه يتطلب أيضاً مسؤولية كبيرة في توظيفه لخدمة السلام العالمي. في هذا المقال، نستعرض أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في المنظومات القتالية ودوره في إعادة تشكيل استراتيجيات الحروب.

طفرات متسارعة

هناك تسابق محموم بين الدول المتقدمة أحدث طفرات متسارعة في إدماج الذكاء الاصطناعي في المنظومات القتالية لديها وهو الأمر الذي استتبعه ظهور تخوفات جدية من أن البشرية على أعتاب تسابق تسلح "ذكي" ربما يكون له تبعات خطيرة على النظام الدولي ومراكز القوى فيه على المدى المنظور. وفي ظل غياب توافق بين الدول العظمى على أسس ناظمة لتأطير دمج واستخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب بما يضمن عدم الإخلال بالمبادئ المكتسبة لحقوق الإنسان وقواعد السلم والحرب، فإن القوى الأسبق في عملية الدمج هذه هي التي سيكون لها اليد العليا في رسم سياسات ومنهجيات وقواعد استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب من حيث الممارسة والتطبيق.
وكشف تقرير لمجلة "ذا إيكونومست" عن سباق تسلح جديد يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة وفي خوض الحروب، وأشار التقرير إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي أسهمت بفاعلية في الحروب الحديثة. ودلل التقرير على أن الأدوات والأسلحة التي تحتمل توظيف الذكاء الاصطناعي، جرى استخدامها على نطاق متزايد في أماكن مثل غزة وأوكرانيا، في وقت تتصاعد فيه نسبة ومعدلات الإنفاق على مثل تلك الأنواع من الأسلحة.
وأشار إلى أن هناك إقبالاً على نظام "ستورم كلاود"، كأحد الأنظمة لتطوير الأسلحة، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، وعمليات صيانة الطائرات الحربية. وفي المقابل، يحذر حقوقيون وقانونيون من أن توظيف واستخدام الذكاء الاصطناعي في الأسلحة سيجعل الحرب أكثر فتكًا وأقل إنسانية، خاصة مع تزايد احتمال نشوب حرب بين القوى العظمى.
ووفقا للمجلة ذاتها، رغم أن الذكاء الاصطناعي اكتسب شعبية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كانت القوى العظمى تبحث في التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعي منذ عقود. ومنذ عام 2014، كانت الولايات المتحدة تعمل على بناء الأساس لدمج الذكاء الاصطناعي في جيشها. ووجدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية، أن الذكاء الاصطناعي، يلعب دورًا مهمًا في عمليات تحديث وصيانة الطائرات الحربية، وذلك من خلال التنبؤ بالوقت الذي ستكون فيه تلك الطائرات في حاجة إلى الصيانة. وبحسب تقرير مجلة "ذا إيكونومست"، يستخدم الجيش الأمريكي الخوارزميات للتنبؤ بالوقت الذي ستحتاج فيه مدافع الهاوتزر الأوكرانية إلى براميل جديدة، بينما تستخدم بعض الجيوش الذكاء الصناعي في المساعدة في تقييم وتأهيل الجنود. وطورت روسيا وأوكرانيا برمجيات لصنع طائرات مسيرة قادرة على التحليق إلى الهدف بشكل مستقل، حتى في حال أدى التشويش إلى تعطيل تحكم الطيار في الطائرة المسيرة.


 سباق الذكاء الصناعي


يعود تاريخ استخدام الذكاء الصناعي في الحروب إلى منتصف القرن العشرين، إذ بدأت الدول الكبرى في استغلال التطورات التكنولوجية لتحقيق التفوق العسكري، وشهدت تلك الفترة تطوراً كبيراً في مجال الحوسبة والرياضيات التطبيقية، ما مهد الطريق لاستخدام الذكاء الصناعي في الأغراض العسكرية. وحسب بحث لجامعة ستانفورد الأمريكية، نُشر في 2020، كانت تطبيقات الذكاء الصناعي في البداية، تقتصر على تحليل البيانات وتوجيه الأسلحة بدقة أعلى، ففي الستينيات استُخدم مشروع "سيج"، وهو نظام دفاع جوي يستخدم الحوسبة لمعالجة البيانات الواردة من الرادارات، مثّل نقطة تحول كبيرة في قطاع التسليح، كما ساعد في تحسين الخوارزميات الأولية التي أصبحت لاحقاً أساساً لتطوير نظم الذكاء الصناعي الدفاعية الأكثر تقدماً. وفي الثمانينات والتسعينات، شهدت الحروب الدولية استخدامًا متزايدًا للتكنولوجيا، إذ استخدمت الولايات المتحدة نظم التوجيه الذكي في حرب الخليج الأولى عام 1991، ولعبت دورًا محوريًا في تحقيق أهداف عسكرية بدقة عالية، وفي نفس الفترة، بدأ تطوير الروبوتات والطائرات بدون طيار (الدرونز)، التي اعتمدت على الذكاء الصناعي في تنفيذ مهمات معقدة مثل الاستطلاع والهجوم.
وتسارعت وتيرة الابتكار في الذكاء الصناعي وتطبيقاته العسكرية مع بداية الألفية الجديدة، إذ قدمت الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الصناعي مستوى جديداً من الاستقلالية والدقة، واستخدمتها الولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان لتنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف محددة، ما أثار وقتها نقاشات واسعة حول أخلاقية هذا العمل وقانونيته.
وفي العقد الأخير، حدث تقدم هائل في تطبيقات الذكاء الصناعي العسكرية، من ضمنها النظم الدفاعية الذكية والتحليل التنبؤي مثل "القبة الحديدية" الإسرائيلية، التي تستخدم الذكاء الصناعي لاعتراض الصواريخ والقذائف.

إسرائيل والذكاء الاصطناعي

من أكثر الدول والكيانات التي استخدمت الذكاء الاصطناعي أداة للقتل هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تعد رائدة عالمياً في استخدامه في المجال العسكري وحروبها ضد الفلسطينيين. وخلال السنوات الأخيرة، توسعت "إسرائيل" في دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الأسلحة، المراقبة والاختراق، وتحليل البيانات، مما جعل هذه التقنيات أداة فعّالة للقتل والاستهداف. وفي حربها الأخيرة على غزة ولبنان، استخدمت دولة الاحتلال هذه التقنيات لتحقيق أهداف عسكرية بكفاءة مدمرة وارتكاب العديد من المجازر وجرائم الإبادة الجماعية للسكان المدنيين، حيث اعتمدت بشكل كبير على الطائرات بدون طيار المزودة بأنظمة ذكاء اصطناعي للقيام بعمليات استطلاع وهجمات دقيقة وإطلاق الرصاص والقنص. هذه الطائرات قادرة على تحليل الصور وتحديد الأهداف بشكل مستقل تقريبًا، ما يقلل من الحاجة إلى تدخل بشري. فضلاً عن استخدامها الذكاء الاصطناعي في تحليل كميات هائلة من البيانات التي تُجمع من الأقمار الصناعية ووسائل الاتصالات في برامج مثل  "لافندر" و"جوسبيل"، التي استخدمت البيانات لتحديد تحركات عشرات الآلاف من سكان غزة كمشتبه بهم في عمليات الاغتيال، فيما ساعدت شركات مثل أمازون وجوجل ومايكروسوفت دولة الاحتلال في هذه المهمة، حيث استخدم جيش الاحتلال خوادم "أمازون" السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة "مايكروسوفت" و"جوجل" لتصنيف المعلومات وفرزها، مع تزايد البيانات المخزنة عن غزة والفلسطينيين. بالإضافة لذلك استخدم جيش الاحتلال الذكاء الاصطناعي لمراقبة السكان الفلسطينيين، حيث تُستخدم أنظمة تعرف على الأفراد، أو ما يعرف لتتبع تحركاتهم في كل مكان، وعند نقاط التفتيش وفي المراقبة الجوية لتحليل الأنشطة، حيث أدت لتقييد الحريات وتكثيف الجرائم والفتك ضد المدنيين.


أسلحة  تعمل بالذكاء الاصطناعي

 
1.الطائرات المسيرة 
تُعد الطائرات بدون طيار من أكثر الأدوات شيوعاً في الحروب الحديثة مثل حربي غزة وأوكرانيا. تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف، التوجيه، وحتى شن الهجمات بدون تدخل بشري مباشر. هذه الطائرات قادرة على التمييز بين الأهداف المختلفة واتخاذ قرارات في الوقت الفعلي.
2.الروبوتات القتالية:
تُستخدم الروبوتات البرية والبحرية التي تعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في المهام القتالية والاستطلاع. يمكن لهذه الروبوتات تنفيذ العمليات في بيئات خطرة دون تعريض حياة الجنود للخطر.
3.تُطوَّر أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاعتراض الصواريخ والطائرات الهجومية بشكل أكثر دقة وكفاءة. تُستخدم هذه الأنظمة لتقليل الأضرار وزيادة الفعالية في الدفاع.
4.تتيح هذه الأنظمة للجيوش تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي لتحديد التحركات المعادية واستباق الهجمات. يعتمد الجيش الإسرائيلي على هذه الأنظمة بشكل مكثف في عملياته في غزة ولبنان.

حروب المستقبل

يقول خبراء عسكريون وقادة جيوش إن الذكاء الاصطناعي سيغير طريقة خوض الحروب للأبد، فكيف يجعل الذكاء الاصطناعي الحروب أكثر فتكاً؟ يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات في أجزاء من الثانية، ما يعطي الجيوش ميزة حاسمة في العمليات العسكرية. هذه السرعة تؤدي إلى تنفيذ عمليات قاتلة دون إعطاء فرصة للخصوم للتصرف.
علاوة على ذلك أن هذه الأنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح تحديد الأهداف بدقة غير مسبوقة، مما يقلل الخسائر بين القوات المهاجمة، ولكنه يزيد من خطورة الهجمات على المدنيين في حال حدوث أخطاء. ففي الحروب التقليدية مثلاً، قد يتردد الجندي في اتخاذ قرارات قاتلة، بينما لا تواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه المعضلة الأخلاقية. ويمكن للأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بشن هجمات واسعة النطاق بتنسيق دقيق، مما يزيد من حجم الدمار والخسائر البشرية.


 أسلحة الذكاء تفتك   بالفلسطينيين 

وفقاً لتحقيق واسع نشره الشهر الماضي موقع "+972 Magazine" الإسرائيلي، يعتمد جيش الاحتلال في حربه الحالية على غزة على الذكاء الصناعي لتحديد من يجب استهدافه للقتل، مع دور ضئيل للبشر في اتخاذ القرار، وذكر التحقيق ثلاثة أنظمة ذكاء صناعي تعمل معاً. وقال ضباط الاستخبارات الإسرائيلية الذين قابلهم إن أنظمة الذكاء الصناعي حددت نحو 37,000 فلسطيني للاغتيال، وقتلت الآلاف من النساء والأطفال.
ورغم وجود "إنسان في الحلقة" -مصطلح تقني يشير إلى شخص يؤكد أو يرفض توصية الذكاء الصناعي- قال الجنود الإسرائيليون للموقع الصحفي إنهم تعاملوا مع مخرجات الذكاء الصناعي باعتبارها "قراراً بشريًا"، وأحياناً لم يستغرقوا سوى "20 ثانية لمراجعة الهدف قبل القصف". وذكروا أن القيادة العسكرية شجعتهم على الموافقة التلقائية على قوائم القتل الخاصة بنظام "لافندر" بعد بضعة أسابيع من بدء الحرب، على الرغم من معرفة أن النظام يرتكب أخطاء في نحو 10% من الحالات" وفقا للمصدر. 
وأفاد التحقيق الصحفي بأن أنظمة الذكاء الصناعي الثلاثة التي تعمل معاً هي "Gospel/ الإنجيل" الذي يحدد المباني التي يزعم أن مقاتلي حماس يستخدمونها. ثم يمشط "لافندر"، المدرَّب على بيانات عن المقاتلين المعروفين، بيانات المراقبة حول كل شخص في غزة تقريباً، من الصور إلى جهات الاتصال الهاتفية، لتقييم احتمالية من يكون منهم مقاتلاً، ثم يضع الأشخاص الذين يحصلون على تقييم أعلى في قائمة القتل.

وأخيراً، فإن نظام "where's daddy يتتبع / أين أبي؟" هذه الأهداف ويرسل البيانات إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي عندما يكونون في منازلهم العائلية، لأن قصفهم هناك أسهل من قصفهم في مبنى عسكري محمي حسب ما قال ضابط استخبارات إسرائيلي لموقع +972. 
لذلك فإن الذكاء الصناعي يتيح تسريع وتيرة تحديد الأهداف، ففي العمليات السابقة، كأن يمكن لمجموعة من 20 ضابطًا استهداف نحو 50-100 في 300 يوم، فيما يمكن لنظام "Gospel"استهداف نحو 200 هدف خلال 10-12 يوماً فقط.
أما "لافندر" الذي طورته وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، يهدف إلى تحليل كميات ضخمة من البيانات لتحديد الأفراد الذين يُعتقد أنهم من مقاتلي حماس، يحدد الأهداف بناءً على سمات إحصائية، ما قد يؤدي إلى استهداف عشوائي وغير دقيق، فبعض الأهداف قد تكون مدنيين لديهم نفس الاسم أو صفات مشابهة، ما يزيد احتمالية وقوع أخطاء جسيمة. ويُذكر أن إسرائيل لم توقّع على المعاهدة التي تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الصناعي في الحرب، والتي وقّعها أكثر من 50 دولة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وأوكرانيا.