نوفمبر 25, 2024 - 21:12
المقاومة اللبنانية: الحصن الأخير في وجه الاحتلال

 عرب جورنال / كامل المعمري - 

سلام الردع الذي يعتمده بنيامين نتنياهو ليس مجرد نظرية سياسية، بل استراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق الهيمنة الإسرائيلية دون الحاجة إلى خوض مواجهات عسكرية شاملة. 
فهذه الاستراتيجية تقوم على مبدأ أساسي وهو تكريس الخوف لدى الخصوم من تبعات أي مواجهة، مما يدفعهم إلى القبول بشروط إسرائيل دون اشتراط استخدام القوة المباشرة إنها معادلة تُبنى على مزيج من التهديد المتواصل والإيحاء بأن المقاومة أو التصدي مكلفان إلى حد يفوق قدرة أي طرف على تحمله.
 بهذا النهج، استطاعت إسرائيل أن تحقق مكاسب استراتيجية غير مسبوقة، ليس فقط في تعزيز أمنها، بل أيضاً في فرض إرادتها السياسية والاقتصادية على محيطها الإقليمي.

في هذا السياق، فإن الأنظمة العربية باتت في معظمها مثالا عمليا لما تسعى إسرائيل إلى ترسيخه، تلك الأنظمة التي كانت يوما في طليعة القوى المدافعة عن القضايا القومية، تحولت إلى أطراف تسعى لتأمين بقائها بأي ثمن.
 الخشية من مواجهة إسرائيل لم تعد مسألة أمنية فقط، بل باتت إطارا يحكم كل الحسابات السياسية لهذه الأنظمة وهكذا، أصبحت تسويات التطبيع التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة دليلا على نجاح سلام الردع في تحقيق أهدافه.

 لقد جاءت الصفقات كنتاج مباشر لسياسة الترهيب الإسرائيلية التي دفعت الأطراف العربية إلى تقديم تنازلات جوهرية دون الحصول على أي ضمانات حقيقية للاستقرار أو الأمن.

القضية الفلسطينية، التي كانت لعقود محور الإجماع العربي، تعرضت لتهميش تدريجي ضمن هذا الإطار. الأنظمة التي كانت تصف نفسها بأنها داعمة لفلسطين باتت اليوم تنظر إلى القضية كعبء سياسي يجب التخلص منه أو التخفيف من تبعاته، إما عبر الحلول الاقتصادية أو من خلال تحويل الصراع إلى شأن فلسطيني داخلي. 
مثل هذا التحول لم يكن عفويا بل هو نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيلية عملت على تفكيك الإجماع العربي وخلق أولويات جديدة لكل نظام على حدة، مما أدى إلى تشتيت الموقف العربي وتهميش القضية المركزية.

في ظل هذه التحولات، تبدو المقاومة اللبنانية وكأنها في عزلة متزايدة عن محيطها العربي وهذا الواقع يضعها أمام تحديات غير مسبوقة، ليس فقط على مستوى الدعم المادي والسياسي، ولكن أيضا على مستوى البيئة الإقليمية التي باتت تنظر إلى المقاومة كعامل يهدد استقرار الأنظمة.
 ومع ذلك، فإن المقاومة في لبنان لم تكن يوما انعكاسا للواقع العربي المتراجع، بل شكلت نموذجا استثنائيا قام على التحدي والمواجهة.
 فنجاحاتها السابقة، خاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لم تكن مجرد إنجازات عسكرية، بل كانت بمثابة رد عملي على منطق الردع والاستسلام الذي تحاول إسرائيل فرضه.

لكن اليوم، تجد المقاومة نفسها أمام معادلة أكثر تعقيدا فانحسار الدعم العربي التقليدي، وتصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، ومحاولات احتوائها ضمن تسويات سياسية، كلها عوامل تجعل التحدي أكبر من أي وقت مضى 
في هذا السياق، يصبح السؤال: كيف يمكن للمقاومة أن تحافظ على دورها وتواجه هذا الواقع الجديد دون أن تفقد جوهرها؟ الجواب يكمن في قدرتها على التكيف مع المتغيرات دون التنازل عن ثوابتها

إن سلام الردع الذي يسعى نتنياهو إلى ترسيخه ليس قدرا محتوما المقاومة في لبنان أثبتت أنها قادرة على مواجهة مشاريع أكبر من ذلك،

اليوم ومع تزايد التسريبات حول التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين المقاومة اللبنانية والعدو الاسرائيلي يستند بشكل أساسي إلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2006. هذا القرار، الذي يدعو إلى وقف الأعمال القتالية وإقامة منطقة عازلة جنوب لبنان خالية من أي وجود عسكري للمقاومة، كان منذ صدوره موضوعا للجدل. 
فبينما التزمت إسرائيل بالقرار من الناحية النظرية، استمرت بانتهاكاته ميدانيا فيما رفضت المقاومة الالتزام الكامل به، معتبرة أن وجودها العسكري في الجنوب ضرورة لحماية لبنان من أي عدوان إسرائيلي.

إذا تم توقيع اتفاق جديد على أساس القرار 1701، فإن ذلك سيحمل تداعيات كبيرة على دور المقاومة وطبيعة الصراع في المنطقة.
 أولا، سيتطلب الاتفاق انسحابا عسكريا للمقاومة من الحدود مع فلسطين المحتلة، ما يعني عمليا إنهاء وجودها العسكري التقليدي في الجنوب. 
هذا الانسحاب سيؤثر على العقيدة العسكرية للمقاومة، التي كانت تعتمد على التماس المباشر مع الاحتلال كعنصر رئيسي في استراتيجيتها الدفاعية والهجومية. وبهذا، ستفقد المقاومة قدرتها على شن عمليات سريعة ومفاجئة ضد إسرائيل، ما يعيد تشكيل موازين القوى لصالح الاحتلال.

لذلك فإن مسؤولية المقاومة اليوم تتجاوز مجرد تثبيت شروط وقف إطلاق النار إلى بناء رؤية مستقبلية شاملة تعيد لها زمام المبادرة، سواء في الداخل اللبناني أو في إطار محور المقاومة ككل.

> Ben M:
الخيار الأصعب، ولكنه الأهم، يكمن في قدرة المقاومة على التمسك بثوابتها التاريخية كقوة مواجهة للاحتلال، دون الوقوع في فخ العزلة أو التنازلات المفرطة. عليها أن تُظهر مرونة سياسية تحافظ على حضورها الداخلي، وفي الوقت ذاته تستثمر في بناء تحالفات جديدة تعيد لها دورها الريادي في مواجهة المشروع الإسرائيلي. أي تراجع عن هذا النهج قد يهدد بتحويل المقاومة إلى مجرد قوة سياسية داخلية، محاصرة بأسئلة مشروعية السلاح ومستقبل العلاقة مع إيران، مما يفقدها جوهرها الذي لطالما كان مصدر إلهام لكل من يؤمن بالمقاومة كخيار وجودي لا غنى عنه.

في ظل هذا المشهد، تبقى المقاومة اللبنانية أمام فرصة تاريخية، لكنها محفوفة بالمخاطر نجاحها في هذه المرحلة يعتمد على قدرتها على الجمع بين التكيف مع المتغيرات والتمسك بالثوابت، وبين تعزيز شرعيتها كقوة تحرير وطنية واستمرار دورها كفاعل استراتيجي في معادلات الصراع الإقليمي. هذه هي المعركة الحقيقية التي ستحدد ليس فقط مصير المقاومة، بل أيضا مصير أي مشروع عربي أو إسلامي يقف في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية.

المقاومة ليست فقط قوة عسكرية، بل هي أيضا رمز سياسي ومعنوي يتجاوز حدود لبنان. في الوقت الذي تتراجع فيه الأنظمة العربية عن أدوارها التاريخية، تصبح المقاومة نموذجا بديلا للصمود والكرامة. 
هذا الدور الرمزي هو أحد أهم عوامل قوتها، لكنه في الوقت نفسه يضعها أمام مسؤولية الحفاظ على هذا النموذج في وجه محاولات الاحتواء والتفكيك. 
إن المعركة اليوم ليست فقط مع كيان الاحتلال، بل مع واقع عربي وإقليمي يسعى إلى إعادة صياغة المنطقة وفق منطق الهيمنة والخضوع وبالتالي فان مقاومتها لهذا الواقع هي دفاع عن فكرة المقاومة بحد ذاتها كخيار وضرورة تاريخية.

- صحفي متخصص في الشأن العسكري