عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
لقد شكل المدعو «دونالد ترامب» خلال ولايته الرئاسية الأولى -في ما يتعلق بالصراع الصهيوني العربي لا سيما الفلسطيني- الاستثناء الأشد سوءًا من بين رؤساء أمريكا، فبالإضافة إلى تبنيه ما سمي «صفقة القرن» الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية بأساليب تعسفية لاإنسانية، أقدم على الاعتراف بحق دولة الكيان بمرتفعات الجولان السورية وعلى نقل السفارة الأمريكية لدى دولة الكيان إلى «مدينة القدس» مساهمًا -بصورة مباشرة- في تحويل المدينة المقدسة من عاصمة لـ«دولة فلسطين» المرتقب قيامها -ولو على المدى الطويل- إلى عاصمة أبدية لدولة الكيان المسمى «إسرائيل».
ولن تكون ولايته الرئاسية الثانية أقل سوءًا من الأولى التي ستبدأ بعد أكثر من عام وثلاثة أشهر من اندلاع معركة «طوفان الأقصى» التي عرَّت حكام الغرب من عبدة «الصلبان» الذين سخروا مقدرات الشعوب والبلدان لمساندة دولة الكيان في حربها الوحشية على «قطاع غزة» الهادفة إلى قتل (ٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ) ضاربين عرض الحائط بكل ما كانوا يرفعون من شعارات ذات صلة بحقوق الإنسان.
ويمكن لنا أن نستدل من سوء اختيار «ترامب» لطاقم العمل الوشيك التشكُّل على سوء نواياه تجاه بلدان عالمنا العربي بشكلٍ عام وتجاه الصراع الصهيوني-الفلسطيني بشكلٍ خاص، فقد وقعت معظم اختياراته التي سأورد -في ما يلي هذا نماذج منها- على شخصيات شديدة التصهيُن وشديدة التحامل على حركة المقاومة الإسلامية «حماس»:
١- وزير دفاع شديد التهور والاندفاع:
إذا كانت أهم معايير اختيار المرشحين لشغل حقيبة الدفاع تتمثل -في العادة- في طول الخبرة والتمرس على القيادة، فإنَّ أهم معيار حمل «ترامب» على اختيار الجندي السابق «بيت هيغسيث» الذي لا يتجاوز عمره الـ44 عامًا لشغل وزارة دفاع دوله يتراوح عدد جيشها بين 3 و 4 ملايين وتغطي أساطيلها الحربية كافة بحار ومحيطات الكرة الأرضية قد اقتصر على شدة التهور والاندفاع لإذكاء ما يدور على أرض فلسطين من صراع وعلى تعصبه المبالغ فيه للطموحات التوسعية للدولة الصهيونية القائمة على الأساطير التلمودية وتبنيه سياسة اليمين الصهيوني المتطرف الرافض رفضًا قاطعًا السماح بقيام دولة فلسطينية، وذلك ما يستنبط من تضمُّن التقرير التحليلي المعنون [داعمون لإسرائيل ويتبنون آراء متطرفة .. تعرف على أذرع ترامب في السياسة الخارجية] الذي نشره «عربي بوست» في الـ14 من نوفمبر ما يلي: (رصدت صحف إسرائيلية مواقف هيغسيث السابقة المؤيدة لتل أبيب، حيث كان قد اقترح -في خطاب ألقاه في مؤتمر "أروتز شيفع" في القدس المحتلة عام 2018- إمكانية إعادة بناء "هيكل جديد على أنقاض «المسجد الأقصى المبارك» في ما أسماه جبل الهيكل".
و«هيغسيث» من المؤيدين أيضًا لضم المستوطنات الإسرائيلية. كما عارض حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قائلاً: "إذا تجولت هناك اليوم، فسوف تدرك أنه لا يوجد نتيجة مثل حل الدولتين. هناك دولة واحدة").
٢- وزير خارجية متسلح برؤية تأجيجية:
بخلاف ما هو متعارف عليه عالميًّا من إسناد حقيبة الخارجية -عادةً- إلى شخصيات تتسم بالدبلوماسية والمرونة القادرة على إحداث ما تتطلبه العلاقات الدولية من وئام وما تنشده الشعوب والبلدان من سلام، أسند «ترامب» حقيبة خارجية الولايات المتحدة إلى شخصية انفعالية مزاجية وذات رؤية تأجيجية تمثلت في شخص السيناتور «ماركو روبيو» المعروف بتأييده القوي لإسرائيل والمشهور بانتمائه إلى تيار “الصقور” الذين يقدمون -على الدوام- خيارات الحرب على خيارات السلام، فقد أعاد ناشطون نشر فيديو له عام 2023 -بحسب ما أورد الصحفي «عمر زقزوق» في سياق تقريره التساؤلي المعنون [ما موقف مرشح ترامب للخارجية من الحرب على غزة؟] الذي نشره في «الجزيرة نت» عصر الـ13 من نوفمبر الجاري (فأظهر الفيديو ناشطة أميركية وهي تسأل روبيو إن كان يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة؟ فأجاب لا، لن أفعل، على العكس، ثم قال: "أريدهم أن يدمروا كل عنصر من حماس يمكنهم الوصول إليه".
وطلب «روبيو» من الناشطة نشر الفيديو لأنه -كما قال- يعبر عن موقفه، فأعادت الناشطة سؤاله عن المدنيين الذين يقتلون كل يوم؟ فأجاب: "أنا ألوم حماس"، وطالب حماس بأن تتوقف عن الاختباء خلف المدنيين، على حد قوله).
وقد بلغت بـ«روبيو» ميوله الحربية تصنيف «منظمة التحرير» -بعد كل ما قدمته من تنازلات عن تأريخية الحقوق الفلسطينية والإسلامية والعربية- منظمة إرهابية، بالإضافة إلى تأييده اللامحدود للسفاح «بنيامين نتنياهو» رئيس وزراء «دولة الكيان» في المجازر التي ارتكبها وما يزال يرتكبها في حق سكان فلسطين وجنوب لبنان إلى حدِّ الآن.
٣- مسؤولة استخبارية مولعة بالجماهيرية:
لعل أبرز الصفات التي تؤهل الشخصيات لتولي مسؤوليات أجهزة المخابرات صفة الحصافة في الرأي التي تجعل الشخص المراد متمتعًا بالتواضع الجمِّ وإنكار الذات والعقلانية الزائدة التي تمنحه فرصة مراقبة الأحداث السياسية والاجتماعية المتجددة في إطار الدولة الوطنية الواحدة بعين راصدة وحواس متوقدة تمكنه من تقييم أيِّ موقف بشكلٍ منصف، حتى تتطابق كافة تصوراته المرفوعة للمستوى السياسي الأعلى عن الوقائع مع ما هو حاصل على أرض الواقع، فيسهم -في ما يعمد إليه من دقة في العمل- في إصلاح أيِّ خلل يحصل أولًا بأول، وهذا لم يتوافر من قريبٍ ولا من بعيد لمرشحة «ترامب» لشغل منصب «مديرة الاستخبارات الوطنية» المدعوة «تولسي جابارد» المهووسة بالجماهيرية والباحثة -بصورةٍ متكررة- عن الشهرة التي سعت إليها بالظهور على الدوام معادية لقيم الإسلام وبمناهضة الحرب ضد بوتين ودعم الحرب على أبناء فلسطين ومعارضة أيِّ قرار أممي يدعو لوقف إطلاق النار، وتجريم المظاهرات الجماهيرية الجامعية المنددة بما ترتكبه «دولة الكيان» ضد الفلسطينيين من حرب إبادة جماعية، وقد تمثل هذا المعنى -بشكلٍ إجمالي- «المعهد العراقي للحوار» في الـ17 من نوفمبر الحالي في سياق تقريره الإخباري التحليلي المعنون [تعرف على أذرع ترامب في السياسة الخارجية] على النحو التالي: (ولسنوات زعمت «تولسي جابارد» أن "الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة" تغذي الإرهاب، وهي حجة شائعة بين اليمين المتطرف. وانتقدت الرئيس السابق «باراك أوباما» لعدم استخدامه عبارة "التطرف الإسلامي".
وعلى الرغم من كل آرائها المناهضة للحرب والمناهضة للتدخل الأمريكي، فقد دعمت «جابارد» حرب إسرائيل على غزة، كما عارضت وقف إطلاق النار.
وفي الآونة الأخيرة، أدانت جابارد حركة الاحتجاج المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية. واتهمت مئات الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين بأنهم دمى في يد "منظمة إسلامية متطرفة"، في إشارة واضحة إلى «حماس»).
٤- سمسار يهودي مبعوث شرق أوسطي:
من المفترض أن تتوافر في أي شخصٍ أو فرد تسند إليه مهمةٌ توسطيَّة ما لا يتوافر لسواه من الأشخاص أو الأفراد من الحياد الذي يمكنه من الوقوف -طيلة فترة توسُّطه- من الأطراف المتصارعة أو القوى المتضادة على مسافة واحدة حتى ينال ثقة كافة الأطراف واطمئنانها إلى قدرته على حلِّ القضايا موضع الخلاف وردِّ الحقوق إلى أصحابها بكل ما تصبو إليه كافة الأطراف من إنصاف، بيد أنَّ الشخص التي وقع عليه الاختيار من قبل «ترامب» مبعوثًا أمريكيًّا خاصًّا إلى «المنطقة العربية الإسلامية» التي يطلق عليها -غربيًّا- «الشرق الأوسط» المدعو «ستيف ويتكوف» الصديق المقرب من عائلة «ترامب» ومن شخص «بنيامين نتنياهو» غيرُ مؤهلٍ -البتة- للعب دور الوساطة، كونه يهوديًّا وصهيونيًّا مغاليًا في تصهينه وفي تهوده، فضلًا عن براعته التسمسرية مع العقارات التي ستحمله على التحيُّز المبالغ فيه إلى صفِّ الاستيطان الذي سيوفر له ما يحلم به من استثمارات، وذلك ما قد يفهم بصورةٍ أعمّ من احتواء تقرير «عربي بوست» التحليلي على ما يلي: (في اختياره لمبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى الشرق الأوسط، قرر ترامب عدم اللجوء إلى دبلوماسي تقليدي، واختار «ستيفن ويتكوف»، وهو قطب عقارات يهودي.
ويُعرف «ويتكوف» بأنه أحد الأصدقاء المقربين لعائلة «ترامب»، وبحسب تقارير وسائل إعلام أمريكية، فإن «ويتكوف» كان برفقة ترامب خلال "محاولة اغتياله"الأخيرة، بينما كان يلعب الغولف في فلوريدا في 15 سبتمبر الماضي.
ويعد «ويتكوف» أيضًا من المؤيدين القويين لإسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأشاد -من قبل- بترامب بشأن كيفية تعامله مع إسرائيل والمنطقة).