نوفمبر 20, 2024 - 16:09
لبنان وإسرائيل على حافة الهاوية: تصعيد متبادل وضغوط أمريكية غربية لتمرير شروط إسرائيل   

أروى حنيش 

 المشهد السياسي والعسكري في لبنان يشهد  تصعيدًا خطيرًا بين حزب الله وإسرائيل، في ظل  أزمات داخلية عميقة تُضعف موقف البلاد في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. مع استمرار الحرب الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، والضاحية الجنوبية، وتزايد استهداف البنية التحتية للبلد، يتصاعد الحديث عن احتمالات اندلاع حرب شاملة مع تزايد التصعيد الإسرائيلي، يظهر حزب الله موقفًا متماسكًا، بحقه بالرد على أي عدوان إسرائيلي، وربط أي تصعيد بردود قوية على العمق الإسرائيلي. ويبدو أن الحكومة اللبنانية، تواجه معضلة صعبة بين الالتزام بسيادتها واستيعاب الضغوط الدولية. وإلى ذلك، تتهم أطراف داخلية حزب الله بإقحام لبنان في صراع إقليمي لا طاقة له به، وهو ما يزيد الانقسامات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين. بينما يؤكد الحزب أنه يمثل قوة ردع استراتيجية أمام إسرائيل، وهو أمر يعززه شعبيًا في الداخل اللبناني  وبعض الأوساط المحلية والإقليمية.

وساطات دولية

في ظل هذا الوضع المعقد، يبرز دور الوساطات الدولية، للأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى، حيث يقوم المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، بزيارة إلى لبنان في محاولة لتخفيف التوترات، في وقت يظل فيه لبنان غارقًا في انقساماته الداخلية وأزماته الاقتصادية والسياسية. ويبدو أن التوترات بين حزب الله وإسرائيل وصلت إلى مستويات خطيرة تعكس واقعًا إقليميًا متفجرًا، في ظل تصعيد عسكري متبادل وتطورات ميدانية مستمرة. فالتصعيد بين حزب الله وإسرائيل ليس منعزلاً عن التطورات الإقليمية، بل يرتبط بشكل وثيق بالمحور الإيراني والسوري والفصائل الفلسطينية وبقية محور المقاومة في اليمن والعراق. لذا فإن أي مواجهة شاملة قد تمتد لتشمل أطرافًا أخرى، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي. وفي حال تصاعد الاعمال العسكرية، قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة من لبنان باتجاه دول الجوار أو أوروبا، ما يفرض تحديات إنسانية كبرى. كما أن ذلك يهدد بإشعال توترات إضافية على الحدود مع سوريا والأردن.

احتواء الأزمة 

 تحاول الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، احتواء الأزمة ومنع انزلاقها إلى حرب شاملة. ولكن على الأرض، تواجه لبنان ضغوطًا متزايدة، أبرزها الشروط الإسرائيلية التي تتجاوز حزب الله إلى البنية السياسية والاقتصادية اللبنانية بأكملها. حيث شهدت الفترة الأخيرة مواجهات عنيفة بين حزب الله وإسرائيل، وكثفت إسرائيل من غاراتها الجوية في استهداف مواقع حزب الله في جنوب لبنان عبر غارات مكثفة، لكن ذلك دون جدوى، ورغم هذه التغطية النارية فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي اختراق على الشريط الحدودي، بينما يستخدم حزب الله صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة لاستهداف العمق الإسرائيلي. المقاومة اللبنانية تبدو أكثر تماسكًا، وتستخدم تكتيك حروب العصابات، كما تستخدم تقنيات عسكرية متطورة مثل الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة التي تستهدف المصالح الحيوية، والقواعد الجوية ومراكز الاستخبارات، ووزارة الدفاع الإسرائيلية،  وهو ما يضع إسرائيل أمام أخطار حقيقية في تصعيد التوتر، ما يبرز أهمية التحولات التكنولوجية في تغيير ديناميكيات الصراع بين الأطراف، وهذا ربما ما يجعل إسرائيل تلجأ إلى استخدام الضغوط الدولية، لتحقيق أهدافها  التي فشلت بالقوة العسكرية الوصول إليها. 
هذه المواجهات تُذكّر بحرب 2006، لكنها تتميز بتطور نوعي في الأسلحة المستخدمة، مما يعكس استعداد الطرفين لاحتمال اندلاع مواجهة شاملة. من جهة أخرى، أدى التصعيد إلى استنفار دولي، حيث قامت دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها بتحذير رعاياها من السفر إلى لبنان، فيما أرسلت واشنطن تعزيزات بحرية إلى شرق المتوسط كإجراء احترازي.

شروط اسرائيل لوقف الحرب 

تضع إسرائيل شروطًا صارمة للتسوية، أبرزها منع استخدام مطار بيروت كوسيلة لنقل الأسلحة لحزب الله، وهو ما يشكل جزءًا من استراتيجية أوسع تستهدف تقويض القدرات اللوجستية للحزب. إضافة إلى ذلك، تُطالب إسرائيل انسحاب حزب الله إلى شمال  الليطاني. وتخلي حزب عن سلاحه، ومواقعه العسكرية، وأن يسلم ذلك إلى الجيش اللبناني، وأن يتحول إلى حزب سياسي كبقية الأحزاب اللبنانية. كما تطالب إسرائيل بإنهاء وحدة الساحات، التي تربط بين الجبهات المختلفة لمحور المقاومة، من غزة إلى لبنان، وهو تحدٍ جوهري للوساطات الدولية الساعية لخفض التصعيد، كما تشترط، إقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني، وتدخلها في أي وقت إذا ما شعرت بأي تهديد لأمنها القومي، وعودة المستوطنين إلى منطقة الشمال على الحدود اللبنانية. وهذا يعني استمرارها في الحرب حتى في حال تم الموافقة على أي إتفاق. 

الوساطة الأمريكية

يحاول المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين خلال زيارته للبنان التي وصلها الإثنين لتحقيق تقدم في مسار التهدئة، خاصة فيما يتعلق بفك الارتباط بين الساحتين اللبنانية والفلسطينية. واشنطن تدرك أن أي تصعيد شامل سيضر بمصالحها في المنطقة، لكنها تواجه صعوبات في إقناع الأطراف بالتهدئة، خاصة مع غياب موقف لبناني موحد بسبب الانقسامات السياسية الحادة، بعد أن أوصلت أمريكا منطقة الشرق الأوسط إلى هذا المأزق الخطير، في محاولة منها لضرب محور المقاومة بواسطة إسرائيل، سعيًا منها لمنع أي شكل من أشكال المقاومة يهدد أمن إسرائيل التي تطمح بالسيطرة على المنطقة من خلال مساعي الوساطات التي تريد من خلال أمريكا  الحصول على تنازلات من لبنان، مع التلويح باستخدام القوة في حال عدم القبول بها، ويبدو أنها تتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة، خاصة في ظل انشغالها بملفات أخرى كأوكرانيا والصين.

الوضع اللبناني الدخلي 

 على الصعيد الداخلي، يعاني لبنان من انقسامات حادة بين القوى السياسية، خاصة حول دور حزب الله. ترى بعض الأطراف اللبنانية المنحازة للتوجهات الأمريكية- الغربية أن الحزب يُشكل عبئًا على الدولة، حيث يجلب مواجهات عسكرية تؤدي إلى عزلة لبنان دوليًا وإقليمياً. بينما يعتبره آخرون قوة ردع ضرورية  في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وخطرها على لبنان والمنطقة عامة. هذه الانقسامات تُضعف قدرة لبنان على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل الضغط الإقليمي والدولي، وتزيد من صعوبة استجابة الحكومة لأي شروط تفرضها إسرائيل أو الوساطات الدولية.
ويتزامن هذا التصعيد العسكري مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان، فالأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان تُضعف قدرته على التعامل مع التحديات الإسرائيلية، وانهيار العملة الوطنية، وقد أدى تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى زيادة الفقر والبطالة، مما يضعف مرونة الدولة في مواجهة الضغوط، في ظل اعتماد لبنان على المساعدات الدولية. فالتوتر في جنوب لبنان لا يهدد فقط الاقتصاد اللبناني، بل ينعكس سلباً على حركة التجارة الإقليمية، خاصة عبر الموانئ أو خطوط الغاز والنفط في شرق المتوسط، وهو ما يُعد نقطة ضغط إضافية. وهناك خشية من أن يؤدي تصاعد النزاع مع إسرائيل إلى زعزعة الوضع الأمني الداخلي في لبنان، سواء من خلال احتجاجات شعبية، أو تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة، أو حرب أهلية تدفع بها إسرائيل وأمريكا ودول أوروبية لإشعالها.. هذا الوضع يزيد تعقيدًا مع تخاذل المواقف العربية السلبية، والأسوأ من ذلك تماهيها في كل يحيق بفلسطين ولبنان من مخططات استعمارية واستيطانية وفرض هيمنة على المنطقة. إسرائيل تستغل هذا الوضع لتشديد شروطها عبر المجتمع الدولي، ما يجعل الحكومة اللبنانية أمام خيار صعب بين المواجهة أو التنازل عن سيادتها الاقتصادية والسياسية وهو مالم تقبله. فالتوترات دفعت دولًا أوروبية وأمريكا للتحذير من انهيار الخدمات الأساسية في حال تصعيد الحرب، مما يضع الحكومة تحت ضغوط، وإملاءات أمريكية- أوروبية ترى القبول بها تفريطًا بالسيادة اللبنانية لضمان الاستقرار. هذا الوضع يُعقد من خيارات الحكومة، التي تجد نفسها عاجزة عن تلبية مطالب المجتمع الدولي أو مواجهة الضغوط الداخلية.
وفي المحصلة هناك انقسامات سياسية داخلية في لبنان، وبالذات مع التيارات التي تشاطر مخططات الغرب، هي العقبة أمام الوحدة الوطنية في إعاقة قدرة الحكومة على اتخاذ موقف موحد تجاه الضغوط الدولية، التي تعمل لصالح تمرير   المطالب الإسرائيلية، بينما يصر حزب الله على رفض أي تسويات قد تضعف موقفه العسكري.

خاتمة: الوضع الحالي بين لبنان وإسرائيل ينذر بتداعيات كارثية إذا لم تنجح الجهود الدولية في تحقيق تهدئة. يبقى مستقبل الصراع مرتبطًا بقدرة الأطراف على تجاوز العقبات السياسية والاقتصادية والإتفاق على صيغة تضمن الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، في ظل التوترات الحالية، يبدو أن احتمالات التصعيد ما زالت أكبر من فرص أي تسوية.