نوفمبر 6, 2024 - 16:55
أمريكا بين خيارين صعبين: قراءة في السياسة الخارجية لترامب وهاريس


أروى حنيش

بدأت الثلاثاء 5 نوفمبر العملية الانتخابية الرئاسية الأمريكية، محملة بترقب شعبي عارم ومخاوف حول مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ففي ظل تعقيدات الصراعات الدولية المتزايدة، يجد الأمريكيون أنفسهم أمام خيارين لا يبعثان على الكثير من الأمل في إحداث تحول جوهري في مسار السياسة الأمريكية، إذ أن المرشحين، الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس، لا يختلفان في جوهر التوجهات العريضة بقدر ما يتباينان في الأسلوب والأدوات. وفي ظل هذين الخيارين كلا منهما أمر من الآخر. يعيش الشعب الأمريكي قلقاً من غياب البدائل القادرة على إعادة النظر في إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية، بدءاً من الصراع المتفاقم مع الصين وروسيا، وصولاً إلى تداعيات انخراط واشنطن في الشرق الأوسط بدعم إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو الحال الذي ينتقل على الشعب اللبناني في مناطق الجنوب. وبينما يحافظ كل من المرشحين على خطاب يتعهد بحماية المصالح القومية الأمريكية، إلا أن اختلافات أساليبهم المحدودة لا تبدو كافية لتبديد مشاعر الاستياء الشعبي من السياسة الخارجية التي أنهكت موارد البلاد وعرضت مكانتها للتحديات.
وسط هذه اللوحة المعقدة، يبرز التساؤل حول إمكانية أن تنجح الإدارة المقبلة في تفكيك الشيفرات الصعبة التي تواجهها واشنطن على المسرح الدولي، وإعادة رسم سياسة خارجية قادرة على التصدي للتحديات الجديدة بروح تتجاوز الازدواجية والانغلاق على الرؤى التقليدية. 

ترامب وهاريس توجهات متناقضة


نحاول هنا تسليط الضوء بقراءة عاجلة على نهج سياسة ترامب وهاريس، في ضوء توجهات متناقضة نحو النفوذ الدولي في سياق السعي لتعزيز النفوذ الأمريكي عالمياً، تتباين استراتيجيات المرشحين. بينما يُفضل ترامب الصفقات الفردية ونهجًا أحاديًا في التعامل مع الدول، مما يضفي عنصرًا من عدم الاستقرار على سياساته، تُفضّل هاريس الأسلوب المتعدد الأطراف والتحالفات التقليدية، ما يجعل توجهاتها أكثر تنبؤًا واستقرارًا. رغم هذا التباين، يشترك المرشحان في اعتبار الصين تحديًا استراتيجيًا رئيسًا، ويتعهدان باتباع سياسات تحد من نفوذها وتوسعها.

الصين: محور المشهد الدولي المتوتر

تبقى العلاقات الأمريكية الصينية في محور أولويات كلا المرشحين. يُخطط ترامب لفرض تعريفة جمركية تصل إلى 60% على السلع الصينية، بينما تُفضل هاريس سياسة تعريفات جمركية انتقائية تُراعي مصالح المستهلك الأمريكي. ومع استمرار الجدل حول القطاعات التي ينبغي استهدافها، تشير توقعات بنك جولدمان ساكس إلى أن سياسة هاريس ستدعم النمو الاقتصادي الأمريكي مقارنة بنهج ترامب. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر مجال التكنولوجيا نقطة ارتكاز في المنافسة الأمريكية الصينية؛ ففي حين يركز ترامب على تقليص الاعتماد على الواردات الصينية، تتطلع هاريس إلى تعزيز السيطرة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، مثل أشباه الموصلات، من أجل كبح طموحات الصين في هذا القطاع الحيوي.

أوروبا الساحة الكبرى لاختلاف النهجين

أوروبا هي الساحة التي ستُبرز الفوارق الأكثر وضوحاً بين ترامب وهاريس. فمن المتوقع أن يواصل ترامب سياسة الضغط على الناتو لدفع الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها الدفاعي، دون التخلي عن التحالف بشكل كامل. بالمقابل، تُعتبر هاريس أقل تطرفًا في نهجها تجاه أوروبا، حيث تظهر استعدادًا أكبر لتعزيز التحالفات ودعم أوكرانيا في مواجهة روسيا.
ترامب، الذي لا يُظهر ميلًا قويًا لدعم أوكرانيا، يَعِد بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عبر صفقة سريعة، رغم الشكوك المحيطة بقدرته على تنفيذ ذلك نظرًا لموقف بوتين الثابت بشأن عدم ضم أوكرانيا للناتو. في المقابل، تستعد هاريس لمواصلة النهج التقليدي في دعم كييف، وربما تزيد من إمدادات الأسلحة الأمريكية لضمان عدم هيمنة روسيا على المنطقة.

الشرق الأوسط بين ضمان أمن "إسرائيل" ومواجهة إيران


ستظل منطقة الشرق الأوسط، في ظل الأزمة في غزة والمخاوف من تصعيد إيراني-إسرائيلي، من الأولويات لكلا المرشحين. يُركّز ترامب على دعم "إسرائيل" بشكل كامل وربما يميل إلى تمكين نتنياهو من التحرك بحرية أكبر ضد إيران. أما هاريس، فمن المحتمل أن تُمارس ضغوطاً على "إسرائيل" للالتزام بأطر دولية تراعي حقوق الفلسطينيين، مع الحفاظ على الالتزام بأمنها في الوقت ذاته.
سياسة ترامب العدائية تجاه إيران قد تشهد تصعيدًا، إذ من الممكن أن يدعم هجمات إسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني في حال استدعى الوضع ذلك. بينما من المتوقع أن تحافظ هاريس على نهج يتوازن بين العقوبات والتفاوض، مع تمكين "إسرائيل" من حماية نفسها.

الجنوب العالمي

في السنوات الأخيرة، تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات متزايدة من دول الجنوب العالمي بسبب ازدواجية المعايير، خاصةً فيما يتعلق بقضايا أوكرانيا وغزة. في هذا السياق، تُعد سياسات ترامب أكثر انعزالية وأقل التزامًا بالنظام الدولي المتعدد الأطراف، في حين تبدي هاريس رغبة في تعزيز النظام الدولي وتلبية تطلعات الجنوب العالمي. ومع ذلك، تبقى التحركات الرمزية هي الأكثر توقعاً من جانب كلا المرشحين في هذا السياق، دون أن تشهد تلك الدول تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية تجاهها.

المحيطين الهندي والهادئ

فيما يتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، يتفق المرشحان على ضرورة التصدي للنفوذ الصيني المتزايد، لكن من المرجح أن تؤدي سياسات ترامب الحمائية وزيادة الرسوم الجمركية إلى اضطرابات تجارية في المنطقة. بينما يتوقع أن تلتزم هاريس بتعميق التحالفات الاقتصادية والأمنية مع دول المنطقة.

ختاماً، يظل كل من ترامب وهاريس ملتزمًا بتحقيق أهداف مشتركة تتعلق بتأمين المصالح الأمريكية في وجه التحديات العالمية، لكن النهج الذي سيتبعه كل منهما سيحدد بدرجة كبيرة طبيعة العلاقات الدولية في السنوات المقبلة، وخاصة في ظل تصاعد القضايا الساخنة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا.