عرب جورنال / أنس القباطي -
بات النصر الذي راهن قادة الكيان الصهيوني على تحقيقه يتسلل من بين اصابعهم بمرور الوقت، وتسارع تسرب هذا النصر بعد شهر من بدء الحملة العسكرية البرية على جنوب لبنان.
جثث تتناثر
وعلى جغرافية الجنوب اللبناني وجد الصهاينة رؤوسهم تصطدم بصخور الارض التي تابى الا ان تكون عربية، فتتساقط جثثهم بين اشجار الصنوبر والبلوط والسنديان، التي لا تقبل الا ان تمر بينها روح مقاتل عربي مسلم، خبر بالمسالك والتعرجات والطبوغرافيا المعقدة.
جيش عالق
مر شهر بالوفاء والتمام على اطلاقه حملته البرية، ليجد الجيش الصهيوني نفسه عالقا في الشريط الحدودي، بخسائر لم يضعها في الحسبان. والامر من ذلك كله ان حزب الله اصبح هو من يملك المقود، ومن بيده زمام المبادرة.
حرب استنفدت نفسها
وفي هذا السياق يقول عاموس هاريل في مقال له في صحيفة هآرتس الصهيونية أن هناك الآن إجماعاً في المؤسسة الدفاعية الصهيونية على أن الحرب في لبنان وغزة استنفدت نفسها، وإذا استمرت فإنها لن تتمكن من تحقيق أكثر مما تم تحقيقه حتى الآن. ويضيف: هم أيضا يعتقدون أن البقاء لفترة طويلة في أي من المنطقتين يزيد من خطر وقوع خسائر كبيرة في القوات.
درس لن ينسى
وهذه القناعة التي تشكلت لدى قادة جيش الاحتلال لم تكن لتترسخ لولا الدرس الذي لقنه مقاتلي حزب الله لجيش الاحتلال الصهيوني منذ بداية شهر اكتوبر/تشرين اول 2024.
الطين يزداد بلة
ورغم سياسة الارض المحروقة وجرائم الابادة الجماعية التي ينفذها الجيش الصهيوني في قطاع غزة منذ اكثر من عام، إلا ان ذلك لم يقضي على حركة حماس، ولم ينهي العمليات التي تستهدف جيش الاحتلال، فلجأ الصهاينة لاطلاق عملية برية في جنوب لبنان، لعلهم يحققون انتصارا يعيد مستوطني الشمال الى الارض المغتصبة، غير ان الطين زاد بلة، فلا عمليات حماس توقفت، ولا مستوطني الشمال عادوا، ولا صواريخ حزب الله توقفت عن قصف العمق الصهيوني.
الابتعاد عن أهداف الحرب
واليوم تبدو الحقيقة ماثلة امام قادة الحرب الصهاينة ان لا شيء يمكن المراهنة على ان يتحقق في المستقبل، ولابد من التوصل إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة، وهو ما يعني ان هذه الحقيقة التي باتت نصب الاعين الصهيونية بعيدة كل البعد عن أي من أهداف الحرب الصهيونية، والتي كانت تتمثل في تدمير حماس كسلطة عسكرية أو حاكمة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في شمال غزة وجنوب لبنان، وهجرة كبيرة للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية والخارج - والتي كلف نتنياهو مستشاره رون ديرمر بالتخطيط لها، منذ ديسمبر/كانون اول 2023.
تنازلات مؤلمة
يدرك قادة الجيش الصهيوني ونتنياهو وحكومة حربه ان وقف إطلاق النار سوف يضطر الكيان الصهيوني إلى تقديم تنازلات مؤلمة.
طريق المقاومة
ورغم حجم الدمار الذي تعرضت له غزة ولبنان، لكن ليس امام حماس وحزب الله طريق أخرى غير مواصلة المقاومة، لانهما يقفان امام عدو غاشم وجنرالات حرب متعطشون للدماء، وقوى دولية توفر غطاء لمل جرائمهم.
ضغوط تزداد
ولكن هذا لا يعني أنهم غير مستعدين للتفاوض على وقف إطلاق النار.، ولكنه يعني أنهم ليسوا في مزاج يسمح لهم بتقديم تنازلات جوهرية، فلم يعد امام حماس وحزب الله ما يخسرناه، بعد كل ما حصل، وهذا بحد ذاته يزيد من حجم الضغوط على الكيان الصهيوني، الذي فشل في تحقيق الحد الادنى من حربه التي انهكت جيشه واقتصاده، وتهدد بفراغ مستوطناته.
الأمن الذي فقد
ورغم ما قام به قادة الكيان الصهيوني خلال عام من حرب وحشية، وما ارتكبوه من جرائم ابادة الا ان ذلك لن يحقق لهم الامن الذين يربدونه، فالامن اليوم ليس كما كان قبل عملية طوفان الاقصى، فكل المستوطنات الصهيونية باتت اهدافا للصواريخ والمسيرات، والهجرة العكسية للمستوطنين تزداد يوما عن اخر، ومشاكل الاقتصاد تستفخل، ولا شيء سيتحقق سوى وقف الحرب، والتي يعني توقفها فشل الجيش الصهيوني في تحقيق اهداف حربه التي اعلنها قبل عام، ووسعها من غزة إلى جنوب لبنان.
عواقب الجرائم
والواقع فإن ما حققه الصهاينة بعد عام من الحرب هو سلسلة من جرائم الحرب، التي ستظل عواقبها تتردد في أذهانهم لفترة طويلة بعد انتهاء هذه الحرب، وستظل في ذاكرة العرب والمسلمين متوارثة من جيل إلى جيل، وتذكي الحقد في الصدور، والذي سيظل يغتلي حتى التخلص من هذا الكيان السرطاني في جسد الأمة.
اختلال التوازن
ومما سبق يمكن القول ان استمرار الحرب لا يعني لقادة الكيان الصهيوني، سوى تفاقم الوضع، وربما اختلال توازن المعركة، في ظل الانهاك الذي يعانيه الجيش الصهيوني، الذي بات يواجه حرب عصابات تقض مضاجع قادته.
مواصلة النضال
وفي الوقت نفسه، فإن قدرة الكيان الصهيوني على تحمل عواقب ما تفعله آلته الحربية، وتحمل الألم بسبب ذلك، أصبح اليوم أقل بكثير من قدرة الفلسطينيين على النهوض من مذبحة تلو الأخرى، ومواصلة النضال من جيل إلى جيل دون الاستسلام.
السلام والزنازن
وينبغي ان يدرك القادة الصهاينة ان الحرب تدور في قلب العالم الإسلامي والعربي، وبالتالي فإنها لن تنجح. ولا يمكن إعادة بناء السلام من خلال إعادة ترتيب الزنازين التي يسجن فيها الفلسطينيون، وهم الأغلبية من السكان.
الخسائر التي تقوي الخصم
وفي المجمل فإن لدى نتنياهو ما يخسره، فيما لم يعد لدى حماس وحزب الله ما يخسرناه، وبالتالي فإن مواصلة الحرب لا تعني الا ظهور خسائر جديدة للكيان الصهيوني، وكل خسارة مهما كانت صغيرة، تزيد من نقاط تفوق خصومه.
حرب الاستنزاف المؤلمة
وحرب اليوم هي حرب استنزاف للعدو بالنسبة لحزب الله وحماس، والمعروف عسكريا ان الجيوش النظامية تخسر في حرب العصابات، لأن الحركة الخفيفة للاخيرة تنهش الجيوش النظامية من اكثر من اتجاه، وتجعلها تخسر كل يوم، وان لم تخسر في العتاد والافراد، فإنها تخسر المزيد من المال في الانفاق على المراقبة والملاحظة ورفع درجة الجاهزية، التي تدمر روح المقاتل المتوقع للموت في اي لحظة.