قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن الجمهور الغربي يتعرض لحملة من الحرب النفسية، حيث يتم تصنيف الإبادة الجماعية في قطاع غزة باعتبارها دفاعا عن النفس والمعارضة لها باعتبارها شكلا من أشكا الإرهاب"..ومع ذلك، كانت إسرائيل تعلم أنه إذا استطاعت منع المراسلين الأجانب من إرسال تقارير مباشرة من غزة ، فإن هؤلاء الصحفيين سوف ينتهي بهم الأمر إلى تغطية الأحداث بطرق أكثر ملاءمة لها.
وعلى مدى عام، ظل مراسلو الحرب الأكثر خبرة في الشبكات العالمية في فنادقهم في إسرائيل، يراقبون غزة من بعيد.. وقد ركزت قصصهم الإنسانية، التي كانت دائمًا في قلب تقارير الحرب، على معاناة الإسرائيليين الأكثر محدودية مقارنة بالكارثة الهائلة التي تتكشف للفلسطينيين.
وأكد أن الجمهور تعرض لروايات التلاعب التي تصور تدمير غزة باعتباره "أزمة إنسانية" بدلاً من الصورة التي تمحو عليها إسرائيل جميع قواعد الحرب المعروفة.. وبينما يجلس المراسلون الأجانب في غرفهم بالفنادق، يتم اغتيال الصحفيين الفلسطينيين واحدا تلو الآخر - في واحدة من أكبر المجازر التي ارتكبت بحق الصحفيين في التاريخ..كما أن إسرائيل تكرر الآن نفس العملية في لبنان.. ففي ليلة الخميس الماضي، قصفت إسرائيل منزلاً في جنوب لبنان كان يقيم فيه ثلاثة صحفيين.. وقد قُتل جميعهم..
وفي إشارة إلى مدى عمد وسخرية أفعال إسرائيل، وضعت جيشها في مرمى نيرانها ستة من مراسلي الجزيرة هذا الأسبوع، ووصفتهم بأنهم "إرهابيون" يعملون لصالح حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
وذكر الموقع أن إسرائيل لا تريد أن يخبر أحد عن حملتها النهائية لإبادة شمال غزة من خلال تجويع 400 ألف فلسطيني ما زالوا هناك..ولعل الحضيض الذي بلغته إسرائيل في تدجين الصحافيين الأجانب كان هذا الأسبوع في تقرير نشرته شبكة سي إن إن.. ففي شهر فبراير/شباط كشف موظفو الشبكة عن أن المسؤولين التنفيذيين فيها كانوا يعملون بنشاط على إخفاء الفظائع الإسرائيلية لتصوير إسرائيل في ضوء أكثر تعاطفاً..حيث ذكرت شبكة السي إن إن أن بعض الجنود الإسرائيليين يعانون من الصدمة النفسية بسبب الوقت الذي يقضونه في غزة، والتي تؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار.. وفي مقالها الطويل بعنوان: لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه"، فإن الفظائع التي يعترف الجنود بارتكابها ليست أكثر من مجرد خلفية، حيث تجد شبكة سي إن إن زاوية أخرى للمعاناة الإسرائيلية.. إن الجنود الإسرائيليين هم الضحايا الحقيقيون - حتى وهم يرتكبون إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وأورد الموقع أن بعد مرور عام على الحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، والتي تنتشر الآن بسرعة إلى لبنان، بدأت بعض الأصوات ترتفع، إذ تطالب بدخول الصحفيين الأجانب إلى غزة..ولم تبذل وسائل الإعلام الغربية سوى القليل من الجهود للاحتجاج على استبعادها من غزة خلال العام الماضي..أن قصف الصحفيين الأجانب في غزة أو إعدامهم على يد قناصة من شأنه أن يجر المنظمات الإعلامية إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.. وفي السياق ذاته كشف تحقيق أجرته شركة "نوفارا ميديا" مؤخرا عن تزايد الاستياء في أجزاء من غرفة أخبار صحيفة الغارديان بسبب معاييرها المزدوجة تجاه إسرائيل وفلسطين..وقد قام محررو المجلة مؤخرا بإلغاء مقال للكاتبة الفلسطينية البارزة سوزان أبو الهوى بعد إصرارها على السماح لها بالإشارة إلى المذبحة في غزة باعتبارها "محرقة عصرنا".
وتابع أنه حتى مسؤولين من إحدى أكبر منظمات حقوق الإنسان في العالم، كمنظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك، أصبحوا أشخاصا غير مرغوب فيهم في هيئة الإذاعة البريطانية بسبب انتقاداتهم لإسرائيل، على الرغم من أن المؤسسة اعتمدت في السابق على تقاريرهم في تغطية الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الصراعات العالمية.. ونتيجة لذلك إن إسرائيل هي التي تملي التغطية الإعلامية للإبادة الجماعية التي ترتكبها.. أولاً من خلال قتل الصحافيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث على الأرض، ثم من خلال التأكد من أن المراسلين الأجانب المدربين محلياً يبقون بعيداً عن المذبحة، بعيداً عن الأذى في تل أبيب والقدس.
الموقع كشف أن إسرائيل استطاعت أن تعتمد على تواطؤ رعاتها الغربيين في سحق المعارضة في الداخل..ومع ذلك،لقد انقلب العالم رأساً على عقب..وتلعب وسائل الإعلام الغربية "الحرة" المزعومة دوراً حاسماً في محاولة جعل عالمنا المقلوب يبدو طبيعياً..ولن يتسنى لنا تحقيق هذا إلا من خلال عدم تغطية الإبادة الجماعية في غزة باعتبارها إبادة جماعية..وبدلاً من ذلك، يعمل الصحافيون الغربيون كمراسلين لا أكثر.. ومهمتهم هي تلقي الإملاءات من إسرائيل.