عرب جورنال / توفيق سلاّم -
التصعيد بين إسرائيل وإيران تجسد تعقيدات جيوسياسية تشمل مواجهات مباشرة وغير مباشرة، حيث تجد إسرائيل نفسها في وضع يصعب فيه مواجهة إيران بمفردها، نظرًا لقدرات إيران العسكرية الكبيرة، والموقف الدبلوماسي المتوازن الذي تسعى للحفاظ عليه دوليًا. هذا السياق يجعل إسرائيل بحاجة دائمة للدعم الأمريكي والأوروبي، لا سيما في ظل النزاعات القائمة في المنطقة.
الرد الإسرائيلي الهزيل في مواجهة إيران
يُنظر إلى الرد الإسرائيلي على إيران بأنه، محل إدانه إقليمية ودولية، على الرغم من ضعفه، مما يعكس إدراك إسرائيل لحجم القدرات الإيرانية المدمرة وخوفها من مواجهة تداعيات أي تصعيد محتمل. لكن ومع هذا التصعيد الإسرائيلي، فإنه يعبر عن الاستخفاف بالقانون الدولي وانتهاك سيادة الدول، بالإضافة إلى كونه مؤشرًا على تآكل فعالية المؤسسات الدولية نتيجة للهيمنة الأمريكية التي تمنع هذه المؤسسات من اتخاذ قرارات مستقلة وحاسمة.
إسرائيل، لا تزال تعتمد على الدعم الأمريكي، تدرك أنها لن تتمكن من تحقيق توازن إقليمي بمفردها، خصوصًا في ظل الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها جيشها في مواجهاته مع حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان. هذه الخسائر أضعفت الجيش الإسرائيلي وجعلته في حالة استنزاف طويلة في غزة وفي جنوب لبنان، وهو ما يدفع إلى البحث عن حلول أكثر حكمة كوقف إطلاق النار والتفاوض حول تبادل الأسرى لتجنب مزيد من الخسائر، ذلك أن استمرار إسرائيل بصلفها العدواني لن تصل إلى تحقيق أهدافها للسيطرة على المنطقة.
ضعف المؤسسات الدولية
يُشار كثيرًا إلى إضعاف المؤسسات الدولية كعامل مؤثر في النزاعات الإقليمية، حيث يرى البعض أن الهيمنة الأمريكية قد أثرت سلبًا على قدرة هذه المؤسسات على اتخاذ قرارات مستقلة وعادلة. وقد ارتبطت فكرة الفوضى بتصريحات كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، حيث اعتبرها البعض جزءًا من استراتيجية أمريكية لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها. هذا النهج انعكس سلبًا على صورة إسرائيل الدولية، خاصة بعد التقارير المتكررة عن الانتهاكات والعمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين بارتكاب مجازر جماعية وبشاعة التدمير والتخريب، ما جعلها موضع إدانة دولية ومنظمات حقوقية. ورغم ذلك، تحتفظ إسرائيل بدعم قوي من القوى الاستعمارية الكبرى، مما يجعل من الصعب إحداث تغيير جذري في المواقف الدولية تجاهها على المدى القصير.
التصعيد الإيراني-الإسرائيلي
أي تصعيد بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في المنطقة، وهو ما تحاول جميع الأطراف تجنبه من خلال التوازنات والتحالفات. الدعم الأمريكي لإسرائيل يشكل جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تستند إلى تحالف تاريخي قوي، يتمثل في الدعم العسكري والدبلوماسي والاستخباري، بما في ذلك استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لصالح إسرائيل، إلى جانب المساعدات المالية والاقتصادية. هذه العلاقة تجعل من الولايات المتحدة شريكًا مباشرًا في الحرب الإسرائيلية على الشعبين الفلسطيني واللبناني أو في التصعيد مع إيران. وهذا يعني أن السياسة الأمريكية في المنطقة تنبع من مصالحها الجيوسياسية، مثل تعزيز نفوذها الإقليمي، حماية مصالحها النفطية، والسعي لاحتواء نفوذ إيران وحلفائها. ولذلك، يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها توجه أو تدعم الحروب في المنطقة، سواء بشكل مباشر من خلال المشاركة العسكرية، أو بشكل غير مباشر عبر دعم حلفائها مثل إسرائيل وبعض الأنظمة العربية. هذه السياسات تساهم في توتير الأوضاع وإبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، مما يثير الشكوك حول كونها جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
إسرائيل ومحدودية القدرة على مواجهة إيران
في ظل هذه التعقيدات، تبدو إسرائيل عاجزة عن مواجهة إيران بمفردها، وهو ما يجعلها تعتمد على الدعم الأمريكي في أي تصعيد ضد طهران. ورغم التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه جالانت، إلا أن الرد الإسرائيلي الفعلي كان دون المستوى المعلن عنه، ما يعكس خوفًا من ردود فعل إيران، ومحور المقاومة مثل حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في غزة وسوريا واليمن والعراق.
فأي تصعيد إسرائيلي ضد إيران قد يفتح جبهة واسعة في الصراع، لا سيما وأن إيران تمتلك نفوذًا قويًا في المنطقة، وهو ما يشكل تهديدًا جديًا على إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي كضمان ضد أي مواجهة شاملة مع إيران، مما يجعلها تحسب حساباتها بدقة قبل الإقدام على أي تصعيد.
بالتالي، فإن المعركة مستمرة في قطاع غزة، وجنوب لبناني لاستنزاف الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى الحصار الذي تفرضه اليمن على إسرائيل في البحر الأحمر، واستهداف السفن التي تحاول العبور إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى اتساع جبهة الصراع مع الولايات المتحدة وبريطانيا في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، نتيجة عدوانها السافر على اليمن، وشن ضربات على المدن اليمنية والمصالح الحيوية، وهو ما جعل اليمن تواجه هذا التصعيد باستهداف البوارج والسفن الحربية المعادية التي تنطلق منها الطيران الحربي والمسيرات الأمريكية والبريطانية. هذه التطورات وغيرها، قابلة للتصعيد بوتيرة عالية، وقد تجر المنطقة إلى حرب شاملة. ما يجعل من الضروري البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية لتجنب الانزلاق في نزاعات طويلة الأمد قد لا تصب في مصلحة أي من الأطراف، وأن الأمريكي باستطاعته وقف هذا التصعيد، ولجم إسرائيل عن هذه الهستيرية التي لن تحقق منها أي شيء سوى الفشل.
التطبيع الإبراهيمي
مسألة التطبيع مع إسرائيل تعكس توجهات بعض الأنظمة العربية نحو تحقيق مصالح سياسية واقتصادية، وهو ما يتناقض مع مواقف الشعوب العربية التي ترفض هذا التطبيع وترى فيه تنازلًا عن الحقوق الفلسطينية. الرأي السائد بين الكثير من الشعوب العربية يعتبر أن التطبيع مع إسرائيل لا يعبر عن إرادتها، بل يمثل توجهات الحكومات التي تسعى لتأمين مصالحها الخاصة أو التقرب من القوى الكبرى. هذا الرفض ينبع من تضامن عميق مع القضية الفلسطينية واعتبارها جزءًا أساسيًا من الهوية العربية والإسلامية، مما يجعل التطبيع يبدو وكأنه تخلي عن المبادئ الأساسية التي طالما تبنتها المجتمعات العربية. من جهة أخرى، تُبرر بعض الأنظمة العربية خطوات التطبيع بالمصالح الاقتصادية أو بادعاء أن التطبيع يمكن أن يسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. إلا أن الكثيرين يرون في هذه السياسات تعبيرًا عن تبعية مفرطة وتنازلات لقوى خارجية، خصوصًا في ظل ارتباط هذه التحركات بسياسات الولايات المتحدة. هذا التناقض بين مواقف الشعوب والأنظمة يعكس فجوة عميقة بين القاعدة الشعبية والنخب الحاكمة، مما يجعل من مسألة التطبيع ملفًا حساسًا ومعقدًا في السياسة العربية.
وأخيرًا فإن العلاقات بين إسرائيل وإيران تتسم بتعقيدات جيوسياسية وصراعات مباشرة وغير مباشرة، تجعل من الصعب على إسرائيل مواجهتها بمفردها، مما يدفعها للاعتماد على الدعم الأمريكي في أي مواجهة. الهيمنة الأمريكية أضعفت دور المؤسسات الدولية، وأدت إلى حالة من الفوضى الإقليمية، بما يتماشى مع استراتيجيات أمريكية تهدف لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها. هذا أثر سلبًا على صورة إسرائيل دوليًا، رغم استمرارها في الحصول على دعم بعض القوى الكبرى.
الرد الإسرائيلي على إيران كان ضعيفًا، ويعكس تخوفًا من ردود فعل طهران وحلفائها، ما جعل إسرائيل تعتمد على التحالف مع الولايات المتحدة لضمان أمنها. في نفس الوقت، تعاني إسرائيل من حالة استنزاف عسكري في غزة وفي الجنوب اللبناني، مما يجعلها بحاجة إلى حلول دبلوماسية لتجنب مزيد من الخسائر والتصعيد الإقليمي. من جهة أخرى، التطبيع مع إسرائيل يمثل توجهات بعض الأنظمة العربية لتحقيق مصالح خاصة، في حين تعارضه الشعوب العربية التي ترى فيه تنازلًا عن الحقوق الفلسطينية. هذا التناقض يعكس فجوة عميقة بين إرادة الشعوب والأنظمة العربية التابعة للمستعمر الأجنبي.