أكتوبر 26, 2024 - 18:47
تفاني السلطات الألمانية وارثة النازية في دعم المجازر الوحشية التي تحصد أرواح التجمعات السكانية الغزية


عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي - 
ليس من الغريب أن يحتل الدعم الألماني للكيان الصهيوني في معاركه الإبادية ضد الشعب الفلسطيني الترتيب الثاني بعد الدعم الأمريكي الرسمي البالغ درجة غير معقولة من التفاني، ففي مقابل تصدُّر الولايات المتحدة الأمريكية بلدان العالم المسيحي في قوائم إحصائيات أتباع المذهَب البروتستانتي «الإنجيلي» الذين يصلون إلى 77 مليون تابع أو أكثر، فقد خرج من بين ظهراني الشعب الألماني مؤسس أو مبتكر ذلك المذهب «الصهيومسيحي» أو «الصهيوصليبي» الأخطر أستاذ اللاهوت والراهب والقس الألماني «مارتن لوثر»، الذي استهل حياته الفكرية بإصدار كتاب «عيسى ولد يهوديًّا»، بكل ما حواه من إغراء للمسيحيين بالانقياد لنزوات وطموحات اليهود والعمل على إيجاد ما كانوا يطمحون إليه من وطن قومي في «فلسطين» زاعمًا أنَّ في ذلك إسهامًا غير محدود في نزول المخلص «عيسى» وتقريب ذلك اليوم الموعود.
وفي ضوء ما مرَّ، فمن المرجح أنَّ ما يحاوله الصهاينة -من الديانتين- تكريسه عن تعرض اليهود لـ«محرقة» فرية مختلقة ساهم في اختلاقها الألمان بهدف استدرار أكبر قدر من التعاطف من «دولة الكيان»، لأنَّ «هتلر» المتهم في تنفيذ تلك المحرقة أسهم -في ضوء اتفاقية «هعفراه» التي أبرمت بينه وبين «الوكالة اليهودية الصهيونية» بتأريخ 25 أغسطس عام 1933- في تسهيل هجرة أكثر من خمسين ألف يهودي ألماني في ذلك الحين إلى «فلسطين»، ولا أرى في المحرقة المزعومة سوى افتراءٍ مشين للتشويش على مساهمة الساسة الألمانيين الإنجيليين في سلب الأرض الفلسطينية من أيدي الفلسطينيين.

الدور الألماني في تجذير اليهود في التراب الفلسطيني

لعل في المقدمة ما يكفي من التدليل على متانة العلاقة بين العصابة الصهيونية والنخب السياسية الألمانية وعلى أنَّ الطرفين اتخذا من شائعة المحرقة مبررًا لما يوليه الساسة الألمان «دولة الكيان» العنصرية المارقة من مساندة مطلقة، ولعل هذا ما حمل الكاتب المصري «محمد عبد الرحمن» على السخرية من تلك المحرقة الملفقة -في مستهل مقالته التساؤلية المعنونة [اتفاقية هعفراه".. كيف ساعد هتلر اليهود فى احتلال فلسطين؟] التي نشرها في موقع «اليوم السابع» يوم الأحد الـ25 من أغسطس 2019- بقوله: (يذكر اليهود لهتلر فقط مذبحته الشهيرة ضدهم المعروفة بـ"الهولوكوست"، ويتحدثون عن القائد النازي الدموي الراحل أنه أباد قومهم الذين عاشوا فى حدود دولته أثناء الحرب العالمية الثانية، لكن لا يذكرون أنَّ "الفوهرر" كانت له يد في استعمارهم الأراضي الفلسطينية، وأنه ضمن أسباب توافد اليهود إلى أرض فلسطين).
ومن ناحية ثانية فقد التقت المصلحة الألمانية الصهيونية في تهجير أكبر عدد من اليهود إلى الأراضي الفلسطينية، وذلك ما يمكن أن يستنبط من ذهاب الكاتب الفلسطيني «سمير عبد ربه» -في سياق مقاله التحليلي المعنون [عقدة الذنب التي لا تنتهي: العلاقات الألمانية-الإسرائيلية] الذي نشرته جريدة «القدس العربي» بتأريخ 27 مارس 2023 الماضي- إلى ما يلي: (بعد وصول «هتلر» إلى السلطة عام 1933 دعا النظام النازي إلى تنقية ألمانيا من اليهود، وقد أدى التماثل والتقاطع بين الأهداف والمصالح الصهيونية والنازية إلى توقيع اتفاقية «هافارا» في 25/8/1933 بين ألمانيا النازية والاتحاد الصهيوني الألماني، نيابة عن الوكالة اليهودية في فلسطين {حكومة إسرائيل المستقبلية}، بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات مع البنك الأنكلو- فلسطيني الذي أصبح في ما بعد «بنك إسرائيل المركزي» و«بنك ليومي»، والسلطات الاقتصادية في ألمانيا النازية).
ولا يمكن لأي صهيوني إغفال أهمية اتفاقية "هعفراه" بين «الوكالة اليهودية الصهيونية» وبين الطرف الألماني التي أشار إلى جانب منها الكاتب «محمد عبد الرحمن» -في سياق مقالته- بما يلي: (أتاحت اتفاقية "هعفراه" لـ53 ألف يهودي ألماني الهجرة إلى فلسطين قبل 1939، والنجاة بذلك من الإبادة الجماعية "كانوا يمثلون 35% من الهجرة إلى الأض المحتلة عام 1937، و52% عام 1939، وبينهم يهود النمسا أيضًا، كما سمحت اتفاقية هعفراه لليهود بأن ينقلوا إلى فلسطين جزءًا من أموالهم قدرت فى مجملها بـ110 ملايين مارك، فى صورة بضائع ألمانية).
ومع حرص الصهاينة على تكريس المحرقة التي لا تتعدى كونها شائعة كما لو كانت حقيقة واقعة، لا يجدون بدًّا من الاعتراف بدور الألمان في إرساء أسس دولة الكيان، وذلك ما يفهم من اختتام الكاتب «محمد عبدالرحمن» مقالته التساؤلية بالفقرة النصية التالية: (قال «أفراهام يوسف بورغ» رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق، في كتابه "لقد انتهت المحرقة": «لقد وضح لنا أنَّ النازيين قبل أن يبدأوا بذبح اليهود في أوروبا، كانوا باتفاقهم مع الحركة الصهيونية في اتفاقية "هعفراه" قد مكنونا من بناء قواعد دولتنا القادمة التي -بعد أن ولدت عام 1948- ساعدتها اتفاقية التعويضات الألمانية عام 1952 على بناء نفسها، وامتصاص المهاجرين الجدد، وإعادة تأهيل لاجئي الحرب، ولذلك كثيرًا ما أتعجب بأنه لولا الألمان وبربريتهم، هل كان يمكن أن تكون لنا دولة على الإطلاق؟»).

تبني المجازر الظالمة والتحامل على المقاومة

بالرغم من مسارعة معظم رؤساء الأنظمة الإمبريالية لزيارة رئيس وزراء «دولة الكيان» المدعو «بنيامين نتنياهو» بعد ساعات من انطلاق عملية «طوفان الأقصى» فقد كان المستشار الألماني «أولاف شولتز» -بحسب ما ورد في سياق مقال الكاتب الصحفي اللبناني «عبدالعزيز الزغبي» التحليلي المعنون [ألمانيا رهينة عقدة الذنب في علاقتها بإسرائيل!] الذي نشره في «عربي بوست» مساء الـ15 من يناير الماضي- ثاني الزعماء الأوروبيين وصولًا إلى «تل أبيب»، وكانت رسالته أنَّ أمن إسرائيل "مصلحة وطنية عليا" لبرلين.
ويرجع هذا الدعم المبالغ فيه لإسرائيل من ألمانيا الرسمية إلى شعور ألمانيٍّ شعبي بالمسؤولية تجاه اليهود دونًا عن غيرهم نظرًا لأواصر القربى والدم والتأريخ، والحكومة الألمانية الرسمية تخضع بلا شكّ لضغط شعبي يدفعها إلى دعم إسرائيل وحروبها التي لا تنتهي ضد العرب عامةً، والفلسطينيين على وجه التحديد).
ومن الملاحظ أنَّ الموقف الألماني لم يكتفِ بتبني المجازر الصهيونية الظالمة بل كان موقف ألمانيا شديد التحامل على المقاومة، وذلك ما ألمح إليه الكاتب المصري المقيم في ألمانيا «صلاح سليمان» في سياق مقاله التساؤلي المعنون [لماذا لا تقف ألمانيا على الحياد في حرب غزة؟] الذي نشر بتأريخ 16/10/2023 في موقع «الجزيرة مباشر» على النحو التالي: (جاءت ردود ألمانيا على «طوفان الأقصى» متضامنة مع إسرائيل إلى أبعد الحدود، دون الأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني، فأعلن المستشار الألماني أولاف شولتز على الفور عزم حكومته حظر نشاطات حركة «حماس»، وكل المجموعات الأخرى من المتعاطفين معها.
وبينما خرجت مظاهرات يوم العملية تؤيد المقاومة الفلسطينية، صرح المستشار الألماني بأنَّ ألمانيا لا تقبل أن يتم الاحتفال بالهجمات الشنيعة ضد إسرائيل في شوارعنا، وأعلن فرض الحظر على أنشطة حماس في ألمانيا، وقال إنَّ كل من يثبت أنه يدعم حماس أو أي منظمات إرهابية -بحسب تصنيفه- سيكون بمثابة من ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون!).
ومما يدل على اتسام المواقف الألمانية بشدة التحامل على المقاومة الفلسطينية إيراد البروفيسور «كمال إينات» عضو هيئة التدريس بجامعة صقاريا التركية -في سياق مقاله التحليلي التساؤلي المعنون [لماذا تنحاز ألمانيا "دائما" إلى إسرائيل؟ الذي نشرته وكالة أنباء «الأناضول» في الـ7 من نوفمبر الماضي- ما يلي: (وفيما يتعلق بمقتل المدنيين في غزة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، قالت بيربوك إن "معاناة وموت المدنيين الفلسطينيين جزء من استراتيجية الإرهابيين"، وبعد ذلك حاولت تبرئة الإدارة الإسرائيلية بالقول: "حماس تختبئ وراء السكان المدنيين").
وبالمجمل يظل الموقف الألماني تجاه الحرب في غزة هو الأكثر انحيازًا إلى إسرائيل والأكثر جورًا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فهو من المواقف النادرة التي لا ترى حرجًا في قتل الأبرياء في سبيل إزالة أي مستوى من التهديد يتعرض له اليهود، وقد أشير إلى الموقف الألماني المغالي في مستهل مقال الكاتب الصحافي الجزائري «توفيق رباحي» التحليلي المعنون [ألمانيا والتوبة المستحيلة] الذي نشر في جريدة «القدس العربي» وفي موقع «عرب تايم نيوز» في الـ22 من أكتوبر الحالي بما يلي: (عندما كانت القذائف الصاروخية الإسرائيلية تحرق عشرات الفلسطينيين من سكان غزة أحياء وعلى المباشر في مخيّمهم العشوائي شمال قطاع غزة، يوم الرابع عشر من الشهر الجاري، كانت وزيرة الخارجية الألمانية تدّعي أمام برلمان بلادها أنَّ لإسرائيل الحق في قصف المواقع المدنية إذا كان ذلك جزءًا من دفاعها عن نفسها وأمنها).

إسهام عسكري يغذي ما نشاهده من حرب إبادة

إذا كانت ألمانيا الاتحادية من الدول الغربية المزودة لدولة الكيان بالأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية بصورة معتادة، فقد طرأ على صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية الألمانية إلى الدولة الصهيونية -بعد حدوث «طوفان الأقصى»- قدرًا كبيرًا من الزيادة، فهي -في التقرير الإخباري المعنون [ألمانيا عرّابة حرب الإبادة على غزة] الذي نشره «العربي الجديد» في الـ21 من أكتوبر الجاري- (ثاني مصدّر للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وقد زادت مبيعاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل في الآونة الأخيرة. 
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، كشفت وزارة الاقتصاد -أخيرًا- أنَّ قيمة الأسلحة الألمانية التي أصدرت برلين تصاريح بتصديرها إلى إسرائيل خلال العام الحالي، حتى 13 أكتوبر الحالي، وصلت إلى 45.74 مليون يورو. علمًا أنَّ إسرائيل اقتنت -بحسب التقارير- 30% من المعدات العسكرية في 2023، من ألمانيا. وبلغت قيمة مشتريات الأسلحة الألمانية 300 مليون يورو).
وقد حملت زيادة تلك الصادرات التي تترتب عليها زيادة في ضحايا حرب الإبادة إحدى دول أمريكا الوسطى وهي «جمهورية نيكاراغوا» على مطالبة «محكمة العدل الدولية» بإلزام السلطات الألمانية بوقف تصدير الأسلحة إلى السلطات الإسرائيلية وذلك ما أشير إليه في مستهل التقرير التحليلي المعنون [نيكاراغوا تتهم ألمانيا بزيادة الدعم العسكري لإسرائيل، وبريطانيا تقول إن ذلك ما زال قانونيًّا] الذي نشره موقع «BBCعربي» في الـ8 من أبريل الماضي: (طالبت نيكاراغوا محكمة العدل الدولية بإلزام ألمانيا بوقف دعم إسرائيل في "تدمير" الشعب الفلسطيني، الذي وصفته بأنه "يتعرض لأكثر الأنشطة العسكرية تدميراً في التأريخ الحديث".
جاء ذلك في إطار قضية تأريخية رفعتها نيكاراغوا تتهم فيها ألمانيا بـ "تسهيل ارتكاب إبادة" بحق الفلسطينيين، وعدم وفائها بالتزاماتها تجاه القانون الدولي.
وقال الفريق القانوني لنيكاراغوا إنَّ ألمانيا "مسؤولة عن الإبادة الجماعية في غزة بدعمها إسرائيل"، منتهكة اتفاقية منع جريمة الإبادة.
وأضاف الفريق أنَّ الدعم العسكري الألماني لإسرائيل "زاد 10 أضعاف" مقارنة بعام 2022).

خوض الحكومة الألمانية غمار معارك قانونية

بالتزامن مع انبراء «جنوب إفريقيا» -من منطلقات إنسانية- لتقديم طلبٍ رسميٍّ إلى «محكمة العدل الدوليّة» في 29 ديسمبر 2023 تتهم فيه الدولة الصهيونية بارتكاب أعمال إبادة جماعيّة في «قطاع غزة» وإزهاق أرواح الكثير من التجمعات السكانية الفلسطينية سارع عدد من الأنظمة الصهيوماسونية للدفاع عمَّا يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم وحشية ضد الشعب الفلسطيني وفي المقدمة من تلك الأنظمة النظام الألماني، وقد أشار إلى ذلك الموقف الألماني الابتذالي الكاتب المصري «عمرو حمزاوي» في سياق مقاله التحليلي المعنون [ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع] الذي نشره في جريدة «القدس العربي» في الـ22 من يناير الماضي على النحو التالي: (بينما تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وبها تتهم الأولى الثانية بارتكاب جرائم إبادة في غزة، تعلن الحكومة الألمانية دخولها كطرف ثالث في الدعوى دفاعًا عن الدولة العبرية وتقرر قناعتها، هكذا دون تحقيق قضائي دولي، بانتفاء شبهة جرائم الإبادة عنها).
كما أشير إلى ذلك الموقف الألماني اللاإنساني في مستهل الخبر الصحفي التفصيلي المعنون [ألمانيا للعدل الدولية: أمن إسرائيل في "صميم" سياستنا الخارجية] الذي نشره موقع «العربية نت» في الـ9 من أبريل الفائت بما يلي: (أكدت ألمانيا الثلاثاء أمام محكمة العدل الدولية أن أمن إسرائيل هو "في صميم" سياستها الخارجية رافضة بشكل حازم اتهامات نيكاراغوا، ومفادها أن برلين تسهل "الإبادة" في غزة.
وقالت المحامية تانيا غون أوسلار-غليشين متحدثة باسم ألمانيا أمام أعلى محكمة للأمم المتحدة ومقرها في لاهاي "أمن إسرائيل هو في صميم السياسة الخارجية الألمانية"، مشددة على أن برلين "ترفض بحزم" اتهامات نيكاراغوا لها).
بل لقد كانت ألمانيا من الدول الأكثر اعتراضًا على استصدار مذكرتي اعتقال من «محكمة الجنايات» في حق «بنيامين نتنياهو» ووزير دفاعه «يوآف غالانت» باعتبارهما المتسببين في قتل عشرات آلاف الفلسطينيين، وذلك ما تطرق إليه -بشكلٍ جريء- الكاتب الصحافي الجزائري «توفيق رباحي» -في سياق مقاله- بقوله: (تحركت السلطات الألمانية بشكل صريح وفجّ -ولا تزال- لإفشال جهود محكمة الجنايات الدولية لملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت أمام القضاء الدولي، فباستثناء «الولايات المتحدة»، لم تفعل دولة على وجه الأرض لإسرائيل في هذا الموضوع وفي مواضيع أخرى ما فعلته «ألمانيا»).