عرب جورنال / أنس القباطي -
يواجه نتنياهو وحكومته مازقا غير متوقع في جنوب لبنان، بعد ثلاثة اسابيع على اطلاق الحملة البرية التي سعى من ورائها لاحتلال المنطقة.
الهدف الرئيسي
وهدفت حكومة نتنياهو من حملتها العسكرية البرية تحقيق تقدم عسكري خاطف، بما يمكنها من احتلال اجزاء من الجنوب اللبناني على الاقل، بما يؤمن المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة من الهجمات الصاروخية لحزب الله، التي اجبرت المستوطنين على النزوح داخليا، والهجرة إلى الخارج.
مستنقع ونتيجة صفرية
بعد قرابة الشهر وجد نتنياهو وحكومته وقادته العسكريين انفسهم عالقون في مستنقع الجنوب اللبناني، وتبدو النتيجة في الواقع صفرية، لان الحد الادنى من الاهداف لم تتحقق.
تفوق عطلته الجغرافيا
يتفوق الجيش الصهيوني في حروبه عن طريق سلاح الجو، الذي يعمل وفق سياسة الارض المحروقة، غير ان جغرافية الجنوب اللبناني معقدة الطبوغرافية افشلت هذه السياسة، رغم استخدام الفوسفور الابيض والقنابل المحرمة دوليا، التي احرقت مساحات واسعة من الغطاء النباتي الطبيعي، الذي يشكل حماية طبيعية لتحركات مقاتلي حزب الله اللبناني.
مقاتل متمرس
ورغم ما احرقته غارات المقاتلات الصهيونية من غابات السنديان والصنوبر والبلوط، وأشجار الزيتون، ورغم قصف المباني من الجو والبر وتفجيرها في قرى الجنوب اللبناني، إلا ان الجحافل البرية اصطدمت بمقاتل عنيد ومتمرس وخبير بطبوغرافية ارضه.
استراتيجية الحرب الخاطفة
تقوم الاستراتيجية الصهيونية لتحقيق الفوز في الحملات العسكرية البرية على الحرب الخاطفة، التي تحتل الارض في فترة زمنية وجيزة.
الحد الأدنى من الأهداف
وبموجب هذه الاستراتيجية كان من المفترض أن تحقق الحملة البرية الحد الادنى من أهدافها خلال اقل من اسبوع، لكن وقد طالت إلى اكثر من ثلاثة أسابيع،فإن مازقا حقيقيا باتت تواجه حكومة نتنياهو وجيشها الذي لم يتمكن من تثبيت أقدامه في اول خمسة كيلو متر.
وكان الحد الادنى من أهداف الغزو البري الصهيوني لجنوب لبنان يتمثل في احتلال منطقة جنوب نهر الليطاني، خلال بضعة ايام.
الصدمة النفسية
وبنى الجيش الصهيوني توقيت بدء الحملة البرية على الصدمة النفسية، زاعما أن استهداف قيادات حزب الله، بما فيهم الامين العام السيد حسن نصر الله، وتفجير اجهزة الاتصالات، ستربك مقاتلي الحزب في الجنوب، ما سيمنح القوات الغازية فرصة لتحقيق تقدم خاطف على الأقل في منطقة جنوب النهر.
نشوة النصر الزائفة
والظاهر ان مزعوم نشوة النصر التي حاول الإعلام الصهيوني والإعلام الغربي تسويقها بشكل واسع، خاصة حادثة اغتيال السيد نصر الله، ستحقق للجيش الصهيوني ما اراد، ولذلك لم يولي اهتمام للجغرافية العسكرية، وتاثير الطقس والغطاء النباتي على العمليات العسكرية، التي تأخذها الجيوش في الاعتبار وبشكل رئيسي عند إطلاق حملاتها البرية.
ضغوط النزوح والهجرة
ويبدو ان إطلاق الحملة البرية الصهيونية جاءت تحت ضغوط نزوح مستوطني الشمال، وهجرتهم خارج الكيان، وما يمثله ذلك من اعباء اقتصادية تتمثل في الأموال التي تنفق على النزوح الداخلي، والمخاوف من تفاقم المشكلة الديمغرافية التي تستفحل يوما عن أخر، فاكثر من مليوني مستوطن عادوا إلى أوطانهم الاصلية.
وعود كاذبة
مر عام منذ ان بدأ حزب الله باستهداف مستوطنات الشمال الصهيونية بصليات صاروخية، ومعها فقدت حكومة نتنياهو مصداقية وعودها للمستوطنين بتأمين مستوطناتهم وإعادتهم إليها، ما جعل كثير من المستوطنين النازحين يغادرون إلى اوطانهم الأم، وبالتالي فإن استمرار استهداف حزب الله لمستوطنات الشمال أو على الأقل عدم الاستقرار مع القصف الدوري، يجعل نتنياهو وحكومته يواجهون اعباء اقتصادية، تزيد من تغول تدهور الاقتصاد الصهيوني وتدفق موجات الهجرة إلى الخارج، فالاقتصاد لم تعمق مشاكله نفقات الحرب وما يخصص لخدمة النزوح فقط، وانما هناك تبعات اكثر ايلاما تتمثل في استمرار شلل ميناء أم الرشراش (إيلات) الذي حولته الهجمات اليمنية التي تستهدف السفن الصهيونية والمرتبطة بالكيان إلى مجرد مباني مهجورة وآلات صارت تخوض معركة مع الصدأ الذي بدأ يغزوها.
مسرح عمليات حربية
والواقع ان الهجمات الجوية الصهيونية أجبرت سكان الجنوب اللبناني على المغادرة، لكنها أعطت مقاتلي حزب الله نفس اطول للتحرك بمرونة في منطقة أصبحت مسرح عمليات عسكرية، مستفيدين من التضاريس المعقدة والمظاهر الجيومورفولوجية التي توفر حماية طبيعية لتحركات مقاتل خفيف الحركة، ومتمرس على حرب العصابات، ويقاتل وسط حاضنته الشعبية.
مأزق
واليوم بعد قرابة شهر من إطلاق الحملة البرية يجد نتنياهو وحكومته وقادة جيشه في مازق، فهو لا يستطيع العودة إلى ما قبل أكتوبر/تشرين 2024 باعلان انتهاء الحملة، وفي الوقت نفسه فشل في تأمين مستوطنات الشمال، ويقف وجها لوجه امام مشكلة ديمغرافية لا تهدد بهجرة مستوطني الشمال فقط، وانما تهدد مختلف المستوطنات، فالهجمات الصاروخية وطائرات الدرون المفخخة باتت تمثل خطرا على مختلف المستوطنات في أرجاء جغرافية فلسطين المحتلة.
مستوطن يركض نحو الملجأ
وما زاد من إثارة الذعر في اوساط المستوطنين سقوط صواريخ يمنية في يافا (تل ابيب) عاصمة الكيان الصهيوني، ووصول مسيرة إلى منزل نتنياهو نفسه مؤخرا، ومثل هذه التطورات تجعل المستوطن يركض بشكل شبه يومي نحو الملجأ.
ركض نحو المطار
كما ان استمرار الحرب وفشل الغزو البري سيجعل الملاجئ غير آمنة مستقبلا، ما سيهز ثقة المستوطن بحكومة الحرب وجيشها، ويجعله يحول الركض الذي كان باتجاه الملجأ إلى اتجاه المطار.
الخطر يكبر
ومع استمرار غرق الجيش الصهيوني في اطراف الشريط الحدودي اللبناني، فإن نتنياهو وحكومته سيجدون انفسهم عما قريب وقد حولوا لبنان إلى خطر اكبر على كيانهم، قياسا بما قبل اطلاق العملية العسكرية، فردة فعل بعض سكان الجنوب الذين أصبحوا لاجئين سيجعلهم ينتقمون من حكومة الحرب الصهيونية بالانضمام إلى حزب الله كمقاتلين، بعد ان ظلوا خلال السنوات التي تلت حرب العام 2006 كمناصرين للحزب، اي انهم سيتحولون من قوة سياسية للحزب إلى قوة عسكرية.
مقبرة الميركافا
ومن منظور عسكري فإن هدف الحملة العسكرية الصهيونية لم تعد اليوم إنشاء منطقة امنية في الجنوب اللبناني لتأمين عودة مستوطني الشمال، وإنما السعي لحماية العربات العسكرية المتمركزة في محيط تلك المستوطنات أثناء محاولات التقدم، حيث تشير تقارير اعلامية ان مقاتلي حزب الله استهدفوا خلال الفترة منذ بدء الحملة وحتى تاريخ 22 من اكتوبر/تشرين اول الجاري (3 اسابيع) ما يصل إلى 28 دبابة من طراز ميركافا، والتي تعد فخر الصناعة العسكرية الصهيونية، باستخدام صواريخ تقليدية مضادة للدبابات.
اهتزاز الثقة
وهذه الثلاثة الاسابيع من عمر الحملة البرية للجيش الصهيوني فضحت مزاعم قادة جيش الاحتلال ان حزب الله فقد 70% من قدراته، ما يعني اهتزاز الثقة بحكومة الحرب، وفقدان مصداقية ما يصرح به قادة الجيش، في أوساط المستوطنين، والذين صاروا يعبرون عن غضبهم بحزم امتعتهم والتوجه صوب المطار للمغادرة بحثا عن الآمان.
طاولة التفاوض
وأمام ما يحصل في جنوب لبنان، ليس أمام نتنياهو وحكومته من استراتيجية سوى القبول بالتوجه نحو طاولة التفاوض مرغما، ليس لوقف العملية البرية في الجنوب اللبناني، وإنما للتفاوض حول وقف الحرب في غزة، فالمعركتان صارتا متلازمتين، لأن شرط حزب الله لايقاف الهجمات الصاروخية واضح، وهو إيقاف حرب غزة، واليوم ليس كما كان قبل عام، فلم يعد لدى الحزب ما يخسره.
ضربة قاصمة
ومما سبق يمكن القول ان قصف مقاتلي حزب الله بالصواريخ للمستوطنات لن يتوقف، ومعه لن يتمكن المستوطنون من العودة، خاصة مستوطنات الشمال، وفي الوقت نفسه لا يمكن لحكومة الحرب الصهيونية وقف الحملة البرية، لأنه من المحال الحديث عن نجاحها، وفشل هذه الحملة يعني ان نتنياهو سيواجه ضربة قاصمة، فهو لم يخطط لمثل هذه النتيجة، لكنه وجد نفسه أمام لعنة الجغرافيا التي جعلته يقف مذهولا من هول الصدمة التي لم يتصورها.
معطيات الواقع
والواقع الماثل أمام الجيش الصهيوني اليوم انه لا يستطيع تأمين المستوطنات دون احتلال نصف لبنان على أقل تقدير، فكيف لجيش يعتمد على استراتيجية الحرب الخاطفة ان يعلن نجاح عمليته وهو ما زال غارقا في اول خمسة او عشرة كيلومترات على الأكثر، رغم مرور قرابة الشهر على اطلاق عمليته التي صارت معطيات الواقع الجغرافي لا تقبل أن تحقيق حتى ادنى أهدافها.
حرب دامية
وأمام هذا الفشل الذي ظهر بشكل غير متوقع، ليس امام نتنياهو وحكومته سوى خوض حرب دامية طويلة، مفتوحة على كل الخيارات، وهذا الخيار لا يملك الكيان الصهيوني الموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لاختياره، والأهم من ذلك عامل الزمن، الذي ينهك الجيوش النظامية، وبالتالي فإنه في حال عدم امكانية هذا الخيار، فليس أمام نتنياهو وحكومته سوى اللجوء إلى الخيار الوحيد رغم مرارته، وهو الذهاب إلى طاولة التفاوض، ما يعني تكرار ما حصل في حرب العام 2006، وحينها لن يستطيع نتنياهو القول بأنه فاز، أي ان تاريخه السياسي سيطوى، وسيمنح بجدارة وسام الفشل الذي أرغمته على قبوله جغرافية الجنوب اللبناني، ومن خلفها مقاتل خبير بحرب العصابات في بيئة صعبة المسالك، ومعقدة الطبوغرافيا.