عرب جورنال / خالد الأشموري -
الحديث عن عملية المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية وحركتا فتح وحماس بالذات حديث ذو شجون .. سلسلة من المحاولات والاتفاقيات لحل الخلافات لم تنجح ، على الرغم من سعي الكثير من الدول العربية لتحقيق المصالحة الوطنية.. ويبدو أن التدخل الإسرائيلي والأمريكي والأوروبي الغربي هو السبب لمنع المصالحة ، حيث ظلت القيادة الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس تتعرض باستمرار لضغوط لتعكير المصالحة..
في سبتمبر 2003م ، اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس" بأنه كان تحت ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لعدم تحقيق الوحدة مع حماس، فيما يمكن القول: أن الإعاقة الإسرائيلية هي الأكثر إحباطاً لوحدة الصف بين فتح وحماس على سبيل المثال " في عام 2009م قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إسرائيل لن تسمح بالسلام مع حماس، ولا يمكن أن تقبل حماس كشريك تفاوضي، مستبعداً إتفاق السلام بين فتح وحماس ، وأن إسرائيل سوف تقطع علاقاتها مع السلطة الفلسطينية إذا جلبت حماس لحكومتها.
ربما كانت هذه الخلافات "للتوفيق بين الفصائل الفلسطينية" هو نتاج ظهور أو نشؤ حماس كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وعدم اعتراف حماس بدولة إسرائيل .
وبالعودة إلى الخلفية السياسية على الساحة الفلسطينية وبحسب " ويكيبيديا " : "فأن فتح حتى الأنتفاضة الفلسطينية الأولى هي الحزب الوحيد المهيمن على الساحة الفلسطينية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية .. ففي عام 1987م نشأت حماس كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. في أعقاب اتفاقات أوسلو نددت منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تزال فتح العضو المهيمن فيها رسميا بالمقاومة المسلحة. رفضت حماس الاعتراف بإسرائيل وعارضت اتفاقات أوسلو والاتفاقات اللاحقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. تحت ضغط إسرائيل والمجتمع الدولي حاولت فتح القضاء على حماس خاصة بعد أن خلف محمود عباس ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية. أدت التوترات إلى انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005 وبلغت ذروتها في معركة غزة في يونيو 2007 مما أدى إلى انقسام الحكومة الفلسطينية. في محاولات المصالحة ركزت حماس أساسا على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإدراجها في المنظمة. بعد فوز حماس في انتخابات 2006 حاولت دون جدوى إدارة حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب المقاطعة الإسرائيلية والدولية".
على الرغم من أن حماس أكدت أنها مستعدة لإبرام هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل فإنها تعهدت بعدم الاعتراف بإسرائيل لأن هذا يعني الاعتراف بالاحتلال الصهيوني لفلسطين الذي تعتبره حماس بلد عربي إسلامي ترى حماس أن الاعتراف بإسرائيل سيعني قبول طرد أكثر من 700,000 فلسطيني خلال حرب 1948. ،.. إن رفض حماس الاعتراف بإسرائيل وإدانتها للمقاومة المسلحة على خلاف منظمة التحرير الفلسطينية وضمنيا فتح كان السبب الرئيسي لإسرائيل والمجتمع الدولي في معارضة المصالحة بين فتح وحماس. واجهت فتح ضغوطا خارجية هائلة لعدم التعاون مع حماس وصراع في الفترة من 2006 إلى 2007 وسيطرة حماس لاحقا على قطاع غزة على الرغم من عدد من الاتفاقات فإن هذه المحاولات لم تنجح حتى عام 2016 حيث لا تزال حماس تمارس السيطرة الكاملة على قطاع غزة على الرغم من تشكيل حكومة الوحدة في يونيو 2014. عارضت إسرائيل والولايات المتحدة المصالحة بشكل فعال".
ومعلوم أن الكثير من المحادثات والاتفاقيات المبرمة بين فتح وحماس وفصائل المقاومة وقعت في عدد من الدول العربية في مكة " السعودية " ، وصنعاء، والدوحة ، وقطر، ومصر ، والجزائر، ودول أخرى سعياً إلى حلول توفيقية بين الأطراف الفلسطينية ولتحديد مستقبل الدولة الفلسطينية ، كان آخرها لقاءات الحوار الوطني بين 14 فصيلاً فلسطينياً في العاصمة الصينية " بكين " في يوم الثلاثاء 27/ يوليو / 2024م بحضور وزير الخارجية الصيني " وانغ يي"، انتهاء بوثيقة إعلان بكين التي وقعت عليها حركتا فتح وحماس والفصائل كإطار لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية - أشارت إليه صحيفة " غلوبال تايمز الصينية " بأن بكين أصبحت نقطة محورية للدبلوماسية العالمية، وأن إعلان بكين يعد خطوة حاسمة باتجاه حل القضية الفلسطينية والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ، فهي المرة الأولى التي تنظم فيها وثيقة مصالحة فلسطينية داخلية من قبل دولة خارج المنطقة العربية ".. أكد على أهمية هذا الدور الصيني في اتجاه المصالحة بين الفصائل الفلسطينية - " صادق أبو عامر" رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني لـ بي بي سي – بقوله : بالتأكيد، تتمتع هذه المحاولة من محاولات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بخصوصية ترجع إلى طبيعية راعي هذه المساعي، ووزن بكين وجدية توجهها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يسفر عن نتائج جديدة قد نراها تتحقق على أرض الواقع".
وقال : إن هناك فروق بين الاجتماع الذي أسفر عن "إعلان بكين" والمساعي السابقة في اتجاه المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، والتي تتمثل في أنها المرة الأولى التي ينعقد فيها اجتماع من هذا النوع خارج المنطقة العربية.
وأضاف: الفرق الثاني هو الواقع الجديد الذي فرضته الحرب على غزة، إذ سطر الصراع واقعاً جديدا على الأرض جعل حماس في حاجة إلى مظلة الشرعية في حين تحتاج السلطة الفلسطينية إلى قوة حماس، وهو ما قد يجعلهما أكثر حرصاً على تنفيذ اتفاق المصالحة".
وتابع: "نص الإعلان أيضاً على ما من شأنه أن يعزز شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين. كما رسخ لزيادة أهمية الدور الفلسطيني في المعادلة في المنطقة بصفة عامة، سواء مع إسرائيل أو أي أطراف مهتمة ولها مصالح في الشرق الأوسط، وهو ما جاء نتيجة للآثار التي خلفتها الحرب على المنطقة".
وجاء في الوثيقة عدد من بنود الاتفاق أبرزها : الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية "كافة في إطار منظمة التحرير" والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس "طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة" وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه "وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة"، وأن يتم تشكيل "حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل وبقرار من الرئيس الفلسطيني"." الجزيرة نت.
قيادات فلسطينية وباحثين تحدثوا حول موضوع الحوار الوطني الفلسطيني بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية " بكين " ...
سليمان بشارات – مدير مركز بيوس للدراسات في " رام الله " في قراءتة لبنود الاتفاق قال إنه: شامل ويستعرض كافة القضايا والمرتكزات الأساسية لموضوع الحوار الفلسطيني من بداياته وحتى الآن، وحتى ما قبل الانقسام المستمر من 2007".وذكر بشارات للجزيرة نت أن من "إيجابيات البيان وقوته" التقارب في وجهات النظر حول قضايا كانت دائما مطروحة خاصة فيما يتعلق بمنظمة التحرير، والتحرر الوطني، والأهداف الأساسية منه وإقامة الدولة الفلسطينية. ورأى في الاتفاق "محاولة جديدة علها تكسر حالة الجفاء في المشهد الفلسطيني".
وذكر بشارات أن من القضايا التي كانت بحاجة لتوضيح وتفصيل هي "أسس العلاقة الفلسطينية الداخلية وكيفية تعزيزها وإنهاء حالة الانقسام المستمر منذ 17 عاما، ومعالجة الانفصال الجغرافي والديمغرافي، فضلا عن ممارسات السلطة في الضفة والحرب على غزة، وكيفية توحيد المؤسسات وآلية وكيفية وأسس تشكيلها، وإدارة قطاع غزة، وكيفية انتقال السلطة ومدى وكيفية وشكل المشاركة فيها".
وتابع أن الحوار لم يطرح موضوع الحريات والاعتقال السياسي ودور الأجهزة والمؤسسة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وتقييد عمل المؤسسات بالضفة.
في البعد الإقليمي والدولي، قال الباحث الفلسطيني: إن البيان لم يأخذ بعين الاعتبار تأثير العوامل الخارجية في ملف المصالحة، لأن "الانقسام هدف غُذي وعُزز بأدوات ومنهجيات إسرائيلية أميركية غربية" متسائلا "كيف سيتم تجاوز هذه التأثيرات؟".
وأشار بشارات إلى وثيقة للاتحاد الأوروبي تتعهد فيها السلطة بإحداث إصلاحات مرحلية للحصول على تمويل مشروط، معتبرا أن هذا التعهد وحده يكفي لنسف الجهد الفلسطيني الداخلي.
وقال نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر في بيان له: أن "إعلان بكين الذي تم التوصل إليه برعايةٍ وجهود صينية يُعد خطوة متقدمة لترتيب البيت الفلسطيني، ويمكن أن يُشكّل مرحلةً جديدة؛ فالهدف المطلوب الآن هو البناء عليه بإجراءات عملية وتنفيذية".
وأضاف "هذه المرة لمسنا إصراراً وجدية للوصول إلى اتفاق وتذليل العقبات من جميع الأطراف، في ضوء استمرار حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، والتحديات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، والإجراءات التصعيدية الصهيونية على الأرض في الضفة والقدس".
وأوضح القيادي الفلسطيني وهو أحد الموقعين على الإعلان بأنهم استطاعوا الوصول إلى اتفاق يساهم في ترتيب البيت الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافق وطني مهمتها إعادة إعمار غزة والتمهيد لانتخابات شاملة، مستدركاً " لكن قبل كل ذلك، أكد الجميع في موقفٍ وطني موحد على التمسك بوقف العدوان بشكلٍ كامل وانسحاب شامل من قطاع غزة، وإعادة الإعمار وعودة النازحين دون قيد أو شرط، بالإضافة إلى التحرك على كافة المستويات لإنهاء معاناة الأسرى التي تصاعدت بعد السابع من أكتوبر".
ومن الصين – وصف "واصل أبو يوسف " عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - المشارك في الحوار في حديث "للجزيرة نت" :أن ما ورد في البيان حول وثيقة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بأنه أمر مهم يجب أن يُبنى عليه خلال الأيام القادمة بمشاركة الكل في إطار وطني واحد، لمواجهة ما يسميه الاحتلال اليوم التالي أو عودة الاحتلال".
وتابع أن إعلان بكين يؤكّد أن الجميع في بوتقة واحدة بمواجهة التحديات ومحاولة شطب القضية الفلسطينية "ومن هنا جاء تأكيد أهمية التمسك بمنظمة التحرير وأن تبقى قاعدة نضال وكفاح الشعب الفلسطيني بمشاركة الجميع".
وعن الجدول الزمني للتنفيذ، قال القيادي بمنظمة التحرير إن "الأمر متوقف على التطورات التي تجري في ظل حرب الإبادة"، معربا عن أمله في توفر "آليات عملية لإنهاء الانقسام في أقرب وقت ممكن، وكذلك انضواء الجميع وتحديدا حماس والجهاد الإسلامي تحت منظمة التحرير"لكنه مع ذلك شدد على أن الاختبار الحقيقي هو البدء في حوارات التنفيذ، مشيرا إلى تقارب مماثل في حوارات الجزائر بأبريل/نيسان الماضي، دون أن يحدث اختراق حقيقي ينهي الانقسام.
وتابع أن البيان يتحدث في قضايا فضفاضة و"لم يورد شيئا من حيث البعد الزماني والأدوات وآليات التنفيذ، وتُرك الأمر لجولات تفاوضية قد تمتد لسنوات، وقد يتم عرقلة التنفيذ بمجرد الدخول في التفاصيل".
كيف أستقبل سكان غزة الإعلان ؟
وفقاً للأونروا: فأن سكان قطاع غزة وفي ظل الحرب الغير مسبوقة الذي يشهده القطاع منذ الـ 7 من أكتوبر / 2023م والتي تسببت في حالة من الدمار الواسع وفي مقتل وإصابة عشرات الآلاف وتشريد قرابة مليوني شخص داخل القطاع لا يلقون بالاً لحوارات الفصائل الخاصة بموضوع المصالحة، بل ذهب عدد منهم لتوجيه الاتهامات لممثلي الفصائل بانهم يشاركون في جولات الحوار فقط كنوع من الترفيه والتنزه ومضيعة الوقت في ظل "استمرار أزمات الشعب الفلسطيني المتصاعدة،" لكن في المقابل تتجه انظارهم الي ما يتعلق بمباحثات محاولات التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار ويأملون في كل لحظة ان يستمعوا إلى نتائج هذا الإعلان الذي من شأنه أن يضع حدا لمعاناتهم الصعبة والتي تتفاقم يوميا.
وخلاصة القول: نؤكد أن دعوات الشعوب العربية والإسلامية للقيادات الفلسطينية بوحدة الصف الفلسطيني إنما يُعد في مضمونه تعبير عن حرص الأمة عن الثقة بقدرة قيادة السلطة الفلسطينية وحماس وبقية الفصائل على تجاوز هذه الخلافات بما لديهم من الخبرة والنضوج السياسي وبخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني جراء الحرب الغاشمة على قطاع غزة .. نقول ونؤكد مجدداً يمكنكم حل تبايناتكم وخلافاتكم عبر حوار ديمقراطي بنا يضع المصلحة الفلسطينية فوق المصالح الفئوية الحزبية.. ولتدركوا أن مهام صعبة تنتظركم عليكم جميعاً إنجازها والتفرغ لها والمتمثلة في حق تقرير مصير بلادكم باسترداد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني من قبضة الاحتلال الإسرائيلي المتغطرس.. والأهم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والذي يُعد الهدف الرئيسي والأسمى والأرفع مكانة من أي شيء آخر.