عرب جورنال _ يوسف حسن
ليس من المستغرب أن يقصف كيان الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان، فقد كان قد قصف الأراضي اللبنانية منذ الستينات من القرن الماضي، فمثل هذه الجرائم ليست بجديدة على الدول العربية بشكل عام وعلى لبنان بشكل خاص، لكن الجديد هو استمرار الصمت العربي ظنا من القادة العرب أنه ومن خلال تبني الصمت والقضاء على المقاومة بيد الكيان الصهيوني يمكن التوصل إلى سلام دائم مع الكيان المحتل.
لا ريب أن السلام لا ولن يندرج ضمن سلم أولويات الكيان الصهيوني حتى وإن بادرت الدول العربية بالتطبيع معه، فالمخطط الذي يتطلع إليه الكيان المحتل أوسع مدى وأكبر حجما من اتفاقيات السلام السياسية مع هذه أو تلك الدولة العربية، فالتجارب الماضية والاتفاقيات التي توصلت إليها السلطة الفلسطينية ومصر والأردن لم تضمن لهم الاستقرار في الشرق الأوسط، إذ لا يمكن الحديث عن اتفاق سلام إلا مع دولة تتمتع بكافة مواصفات الدولة، أما إسرائيل فهي مخطط وليست دولة بالمعنى السياسي الدولي، إذ يمكن اعتبارها امتدادا للمد الصليبي واستمرارا للغزو الاستعماري وامتدادا لمخطط تفتيت الأمم والشعوب المسلمة باعتبارها التهديد الرئيسي للرؤية الصليبية الصهيونية.
لذلك فإن التزام الصمت وتبني سياسات مشتركة مع الصهاينة لن تنقذ الدول العربية والمسلمة من ذلك المخطط الذي يريد بالنهاية التهام الأراضي العربية والإسلامية والمس بمقدسات المسلمين والقضاء على من يعتبرونهم أعداء أو عبيدا لهم.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -على سبيل المثال - هو من أصل بولندي ذي عرق أبيض فكيف يمكن أن يتخلص من رؤيته الاستعلائية تجاه العرب واستعبادهم وكيف يمكن أن يؤمن بتساوي الحقوق والاحترام المتبادل بين كيانه والدول العربية والإسلامية؟
لذلك ليس أمام الدول العربية والمسلمة إلا خياران: إما أن تسمح بالتهام الأراضي العربية والإسلامية وبالتالي القضاء على كل ما يحمل الهوية العربية والإسلامية وإما أن تقف أمام الاحتلال وتعمل على مقاومته تفاديا لتنفيذ المخططات التي تلي اتفاقيات السلام السياسية المؤقتة.
وفي التعامل مع هذين الخيارين فقد ظهر اتجاهان في الدول العربية. فعلى مستوى القيادات والرئاسات نجد أن الدول العربية في معظمها خاضعة راضخة للمطالب الإسرائيلية والصهيونية إذ تحاول القضاء على الأصوات المعارضة والمناهضة للاحتلال والقتل والإجرام بحق المدنيين والأبرياء في الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها فلسطين ولبنان، بل تلتزم الصمت تجاه تلك الجرائم وتتبنى سياسة التطبيع ورفض الأصوات المقاومة إعلاميا وماليا وسياسيا، وذلك حفاظا على السلطة.
أما الاتجاه الثاني فهو على مستوى الشعوب العربية والمسلمة هنا الاتجاه واضح ومختلف تماما عن اتجاهات السلطات والقيادات، فالشعوب العربية لم تتخل عن القضية الفلسطينية وعن المقاومة الإسلامية سواء في لبنان أو في فلسطين وهي تدفع ثمن ذلك بدمائها منذ بداية الحرب الصهيونية على فلسطين وعلى سائر الأراضي العربية في لبنان وسوريا ومصر، وما نلاحظه من تظاهرات أو تصرفات عفوية من الشعوب في مصر والأردن خير دليل على هذا الاتجاه المختلف تماما عن اتجاه القيادات.
وهنا تظهر فجوة كبيرة بين توجهات القيادات والشعوب يتغذى عليها الكيان المحتل، فلا يمكن أن يستمر هذا الكيان في الحياة إلا من خلال هذه الفجوة التي باتت أكثر عمقا واتساعا منذ السنوات الماضية.
لذلك إذا أرادت الدول العربية والإسلامية الاستمرار في الحياة في مواجهة مثل هذه الظاهرة المميتة فلا حل أمامها سوى أن تتوحد في الاتجاه في التعامل مع ظاهرة الاحتلال وإلا ستكون الدول العربية والإسلامية أمام خيار واحد لا ثاني له وهو الرضوخ للذل والهوان والعار فعندها يدخل الاستعمار إلى الأراضي العربية من أوسع أبوابه ولن يعد هناك ما يسمى بالأمن القومي العربي، وإنما سنكون أمام كيان استعماري جديد يتمدد إلى أبعد الحدود جغرافيا وفكريا وسياسيا واجتماعيا، فعند ذلك لا تنقذ الحاكمَ العربي سلطته وسطوته ووفاؤه، ولن يبق من الأنظمة العربية سوى ما يرد في صفحات التاريخ.