سبتمبر 27, 2024 - 20:29
سبتمبر 28, 2024 - 16:54
القيادية في حزب البعث السوري ميادة رزوق لـ(عرب جورنال): اليمن يتجه لفرض حصار جوي على "إسرائيل" بعد الحصار البحري والمعادلة اليمنية ستفكك مسار التصعيد الصهيوني بالمنطقة

تزامناً مع العملية اليمنية الجديدة في قلب "تل أبيب" تستضيف "عرب جورنال" القيادية البارزة في حزب البعث السوري، الدكتورة ميادة إبراهيم رزوق، لمناقشة أهمية هذه العملية الإستراتيجية التي تأتي في إطار دعم القوات المسلحة اليمنية لقطاع غزة ولبنان. ويناقش الحوار توسيع العدوان الصهيوني على لبنان، ودوافع هذا العدوان وعواقبه الوخيمة والمتوقعة على الداخل الإسرائيلي وعلى أمن واستقرار المنطقة. كما يناقش الحوار مآلات استمرار الإعتداءات الإسرائيلية على سوريا وتصاعدها في خضم معركة طوفان الأقصى، وضرورة التصدي للعربدة الإسرائيلية والأمريكية على مستوى المنطقة والإقليم. 

عرب جورنال / حوار / حلمي الكمالي _ 

نتنياهو يوسع دائرة الحرب ضد لبنان وسوريا وإيران لجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية، بهدف الهروب من مأزقه الإستراتيجي واخفاقاته المتتالية في قطاع غزة

حزب الله نجح في ضبط إيقاع ردوده على العدوان الصهيوني بتوسيع مدروس وأهداف نوعية وفق ثلاثية أساسية وذكية هي المكان بالمكان (ضاحية بيروت الجنوبية/ ضاحية تل أبيب) والهدف بالهدف (مقر الموساد) 

اليمن نجح في توظيف موقعه الإستراتيجي كقوة في التوازنات العالمية، وفرض نفسه كجزء مهم في معادلة المواجهة الدائرة ضد الاحتلال، والتعبير بصورة من أشجع صور الدعم والإسناد والنصرة للشعب الفلسطيني 

المعادلة العسكرية اليمنية أحدثت تغييراً كبيراً في المشهد، وشكلت ورقة ضغط كبيرة على "إسرائيل" والولايات المتحدة في آن واحد، كما شكلت ضربة قاصمة للحضور الأمريكي العالمي في البحار 

اليمن طرق مسمار في نعش هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، وامتلاك اليمن لتكنولوجيا صواريخ فرط صوتية يزيد من مخاوف جنرالات الحرب في “إسرائيل”، ولا سيما أنّه لا يوجد حتى الآن منظومة دفاع “إسرائيلية”، يُمكنها تحييد تلك الصواريخ بشكلٍ كامل

اليمن لا زال يخفي الكثير من المفاجآت، فتصاعد عملياته ضد الأراضي المحتلة قد تفرض حصاراً جوياً على “إسرائيل” إضافة إلى الحصار البحري، ولعل ما أكّده قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، بأن “القادم أعظم” يشير إلى ذلك 

اليمن بات محور ارتكاز في المعادلة الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي من جهة، ومفتاحاً أساسياً في تفكيك مسار التصعيد في المنطقة أو التأثير في معادلاته، سواء في الحروب أو في تداول الحلول لإعادة الاستقرار، من جهة أخرى 

استمرار استنزاف كيان الاحتلال الصهيوني وفق التشبيك والتنسيق بين قادة محور المقاومة بكافة جبهاتها، يدعم استمرار تآكل الكيان من الداخل نحو زواله من تلقاء ذاته

الدعم السوري لفصائل المقاومة في فلسطين لم ولن يتوقف، لذلك يأتي استهداف سوريا بضربات عسكرية لثنيها عن دورها الذي هو جزء من نهجها القومي العروبي 

سوريا غير راغبة في تقديم "مكافآت" أو "هدايا مجانية" للرئيس التركي الذي طعنها في الظهر وتحول إلى عدو لدود بعدما كان صديقاً كبيراً، ودمشق لن تُقدِم على أي خطوة تجاه إعادة العلاقات مع أنقرة قبل ثبوت نواياها حيال سورية ووحدتها واستقلالها 

_ أي دوافع للعدوان الصهيوني الواسع على لبنان؟ وهل تعتقدون أن العدوان هو مقدمة لشن عملية برية في الجنوب؟ وماذا ينتظر الكيان الصهيوني في لبنان إذا ما ذهب لهذه الخطوة خصوصاً مع ما تملكه المقاومة الإسلامية من قدرات هائلة لردع العدوان، ونجاحها في امتصاص التصعيد الإسرائيلي الأخير بسرعة فائقة؟ وهل تتوقعون انخراط قوى محور المقاومة بشكل مباشر في إسناد لبنان إذا ما استمر العدوان؟ 

بعد مأزق نتيناهو باستنفاذ بنك أهدافه بتحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة من عدوانه على قطاع غزة إلا من استهداف عشرات آلاف الفلسطينيين العزل بحرب إبادة جماعية وحشية بربرية ساندته وأيدته ودعمته في تنفيذها الولايات المتحدة الأمريكية رأس الغرب الإمبريالي المتوحش القائم على نهب ثروات الشعوب، وانعكاس ذلك على داخل كيان الاحتلال الصهيوني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بانقسامات وتشرذمات أفقية وعمودية وتدهور اقتصادي وغضب شعبي بخصوص مصير الأسرى الفلسطينين أو الخلاف مع الحريديم بشأن تجنيدهم في الخدمة العسكرية، أو مصير مستوطنات الشمال من جراء جبهة الإسناد اللبنانية "حزب الله" ، لم يترك سبيلاً إلا وحاول خلاله توسيع دائرة حربه مع إيران أو سورية أو حزب الله، لجر الولايات المتحدة الأمريكية لحرب إقليمية تكون بمثابة مخرج لمأزقه الإستراتيجي، فيما وضع حزب الله منذ اللحظات الأولى قواعد واضحة ودقيقة لمرحلة الإسناد التي فتحها مع غزة، إلا أن حكومة نتيناهو اليمينية الفاشية المتطرفة اتخذت قرار التصعيد وحاولت جر لبنان إلى الحرب معها بخطوات تصعيدية متلاحقة، وعندما لم تنجح في الاستفزاز وحافظ الحزب على انضباطه في الرد والتعاطي اتخذت الخطوة بنفسها بهدف معلن لعودة سكان مستوطنات الشمال مع العمل على تدمير حزب الله وبنيته وبيئته، وكان ذلك من خلال استهداف منظومة الإتصالات واستهداف أجهزة "البيجر" واللاسلكي"، واغتيال الشخصيات القيادية الميدانية من فؤاد شُكر، وصولاً إلى إبراهيم عقيل وقادة فرقة "الرضوان"، وتدمير منصات صواريخ للحزب في مناطق عدة في بعلبك والهرمل وجبل لبنان ، لضمان عدم وجود تهديد صاروخي من حزب الله بإنهاء منظومته الصاروخية بشكل شامل، لئلا تشكل تهديداً مستقبلياً، من أي مكان، نحو إنشاء منطقة عازلة في الجنوب حتى نهر الليطاني.

ما يعني نقل خطوط المواجهة مع حزب الله وحلفائه من الحدود اللبنانية - الفلسطينية عند الخط الأزرق إلى حدود نهر الليطاني. ولذلك يستخدم كيان الاحتلال الصهيوني القصف البربري المكثف على المنطقة الحدودية لقتل المدنيين والترهيب المتعمّد وصولاً إلى التهجير الممنهج، لتأسيس أرض المعركة أمام خيار الدخول البري الذي يعد التحدي الأبرز، إذ قد يؤدي إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من سلاح حزب الله، ليصبح النهر هو خط التماس الجديد بدلاً من الخط الأزرق، وتصبح الحرب دائرة في داخل الجغرافيا اللبنانية، لا على الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة، وذلك وفق العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تؤكد ضرورة خوض المعارك في أراضي الآخرين.

لكن الأمور تقاس بتطورات الميدان، وليس بقراءة مخططات الغرف المغلقة، وبرأينا لن يتخلى حزب الله كلياً عن انضباطه في رد الفعل؛ لاعتقاده بأن الحرب الشاملة ليست حتمية، لكنه حالياً يضبط إيقاع ردوده بتوسيع مدروس وأهداف نوعية وفق ثلاثية أساسية وذكية هي المكان بالمكان (ضاحية بيروت الجنوبية/ ضاحية تل أبيب) والهدف بالهدف (مقر الموساد)، والأداة صاروخ باليستي.

وبقراءة ما يُعرض ويكتب على شاشات ومواقع الإعلام الغربي والعبري فهو من يحذر من مخاطر الحرب البرية على كيان الاحتلال الصهيوني، ويحذر من التمادي بهذا العدوان على جنوب لبنان.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، (صرح المراسل العسكري لصحيفة يديعوت احرنوت يوسي يهوشع بأن حزب الله كان يتوعد في عام 2006 بـ مابعد مابعد حيفا، وهو قادر اليوم على الإطلاق إلى مابعد تل أبيب أيضا.... وبأن الضربات الأخيرة التي تلقاها حزب الله على أهداف حيوية واستخبارية لا تعني أنه فقد القدرة على إلحاق ألم كبير بإسرائيل، فحزب الله لم يستخدم إلا 10٪ من قوته لاعتبارته الخاصة، وبالتالي فإن الوضع لايزال معقداً وقابلاً للاشتعال، وبعض (الإنجازات العظيمة لا تمحو سنة من الإخفاقات والفشل وأزمة الثقة).

كما شككت صحيفة "الغارديان" البريطانية في قدرة "إسرائيل" التي تعاني من عيوب متعددة ومنها الإرهاق المتزايد ليس فقط في قدرتها العسكرية، بل أيضاً في إرهاق مجتمعها بعد عامٍ كامل من الحرب في تحقيق أهدافها في حال بدأت عملية برية في لبنان، وهو الذي فشل في تحقيق أهدافه ضد حماس في قطاع غزة.

وحذرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنّ الاقتصاد الإسرائيلي أصبح في "خطرٍ شديد" مع اتساع رقعة الحرب وتصاعد تكاليف العمليات العسكرية، لا سيما بعدما أغلقت عشرات آلاف الشركات الإسرائيلية أبوابها، فيما يكافح جنود الاحتياط التوفيق بين حياتهم المهنية والخدمة العسكرية.

وبالتالي برأينا ووفق قراءة منطقية لن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لكيان الاحتلال بالتهور بحرب برية، وإن تجرأ على هذه المغامرة فنعتقد أنه سيقع في فخ مجزرة وانتكاسة حقيقية.

فنحن الآن أمام امتحان صعب وطويل تصاغ فيه معادلات دقيقة بطرق صعبة، تريد "إسرائيل" بكل شراسة رسم حدود الدم حولها، ويرد حزب الله بكل دقة بموازنة معايير النصر المضمون، في ظل استمرار بقية جبهات الاسناد اليمنية والعراقية بمواصلة استهداف أطراف وعمق كيان الاحتلال الصهيوني بسيرورة تصاعدية، واستمرار الدعم الإيراني والسوري لقوى المقاومة.

فحركة السلاح نحو لبنان والضفة الغربية لم تتوقف عبر سورية، بل إن حزب الله أكد على لسان سماحة السيد حسن نصر الله بأن ما تم تزويد المقاومة به من سلاح، كمّاً ونوعاً، بعد السابع من أكتوبر قد تضاعف، وهو إما عبر سورية أو منها مباشرةً، وما المحاولات الإسرائيلية الأخيرة للاعتداء على منشآت عسكرية في مصياف إلا ضمن سياق استمرار السياسات السابقة من دون إعلان رسمي، مع السعي لعدم الدخول بحرب مباشرة.

ومع ذلك لانستبعد احتمالات توسع الحرب، في ظل الاختناق الوجودي الذي يعيشه الكيان، وهو قد يندفع بعيداً في الدفاع عن وجوده بالهجوم العسكري البري، وأحد أهم المحاور التي وضعها في خططه هو الدخول عبر الجولان والجنوب باتجاه جنوب دمشق، ثم إلى لبنان لفصل الجنوب اللبناني عن البقاع، والساحة السورية مغرية، فقد تحوّلت بفعل الحرب إلى خاصرة رخوة بالنسبة إلى مقاومة حزب الله، التي برأينا ستتحوّل إلى جبهة فاعلة أساسية تحت ظلال الحرب الدولية المندلعة في بقاع متعددة من العالم، والتي ستكون أحد أهم نتائجها زوال كيان الاحتلال الصهيوني. 

_ بعد قصف القوات المسلحة اليمنية مجدداً "تل أبيب" والتي تأتي ضمن عملية بحرية واسعة طالت 3 بوارج أمريكية في البحر الأحمر.. ماذا يعني نجاح الصواريخ والطائرات اليمنية بالوصول إلى قلب الكيان الصهيوني "تل أبيب" للمرة الثالثة على التوالي؟ وهل نحن أمام تقنية يمنية جديدة تتفوق وتتجاوز الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية؟ وأي انعاكسات إستراتيجية لهذا التفوق على واقع المعركة الحالية مع العدو بمختلف ساحاتها ؟

نجح اليمن في توظيف موقعه الإستراتيجي كقوة في التوازنات العالمية وفرض نفسه كجزء مهم في معادلة المواجهة الدائرة والتعبير بصورة من أشجع صور الدعم والإسناد والنصرة للشعب الفلسطيني الذي يتعرَّض لحرب إبادة وتطهير عرقي من آلة الحرب الإسرائيلية البربرية، وشكل خطوة مؤثرة، وأحدث تغييراً في المعادلة وورقة ضغط كبيرة على "إسرائيل" وأميركا في آن واحد، فقد شكلت الخيارات الاستراتيجية العسكرية والمواقف اليمنية القوية ضربة قاصمة للجانب الأمريكي العالمي وحضوره البحري ، رغم محاولاته تدويل الممرات البحرية وإنشاء قوة عالمية لحمايتها في إطار استخدام ردها على الموقف اليمني باستهداف السفن الإسرائيلية ومنعها من العبور ، وفشلت جميعها وما يؤكد ذلك هو قرار البحرية الأميركية سحب حاملة الطائرات "ايزنهاور" والسفن المرافقة لها.

وهذا لا يمكن تصنيفه إلا بالانكسار ليضع القوات المسلحة اليمنية في الواجهة كمؤثر بمساحة مائية هي جزء من المجالات الحيوية المائية العالمية، والإنكسار الأمريكي يشير إلى أن اليمن استطاع تغيير مفهوم المعركة البحرية من خلال مواجهة أساطيل كبيرة بأسلحة صغيرة وغير مكلفة.

ولم يكتفي اليمن بدوره في فرض معادلة ردع وتوازن جديدة في حصار كيان الاحتلال الصهيوني اقتصاديا، وتهديد الاقتصاد العالمي بأزمة كبيرة، وطرق مسمار في نعش هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، بل أصبح جزءا من منظومة المقاومة باستهداف عمق كيان الاحتلال الصهيوني بصواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة ترعب جنرالات الحرب في كيان الاحتلال الصهيوني، مسجلاً فشلاً إسرائيليا يضاف إلى فشل دفاعات البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية في البحر الأحمر في إعتراض الصاروخ اليمني، وذلك قبل دخول الصاروخ اليمني أجواء فلسطين المحتلة.  

وعلى الرغم من أنّ الصواريخ الفرط صوتية لا تزال تكنولوجيا ناشئة، لا تمتلكها إلا دول قليلة مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وإيران؛ فإن امتلاك اليمن لتلك التكنولوجيا وتسارع تطويرها، يزيد من مخاوف جنرالات الحرب في “إسرائيل”، ولا سيما أنّه لا يوجد حتى الآن منظومة دفاع “إسرائيلية”، يُمكنها تحييد تلك الصواريخ بشكلٍ كامل.

ومن الواضح أنّ اليمن صعّد من عمليات إسناده للمقاومة في قطاع غزّة بشكلٍ تدريجي إذ بدأ بمنع مرور السفن “الإسرائيلية” في البحر الأحمر وباب المندب، وبعدها منع السفن المتوجهة إلى موانئ الاحتلال، ومنع أيضاً السفن المتوجهة إلى موانئ الاحتلال في البحر المتوسط، وطالت عملياته الأراضي المحتلة أيضاً باستهداف أم الرشراس “إيلات” عدة مرات و”تل أبيب”هذا المسار التصاعدي في العمليات ضد الاحتلال سيكون له تأثير في المعركة القائمة “طوفان الأقصى”، كما أنّه يؤكّد أنّ “اليمن غير مردوع” رغم العدوان الأميركي – البريطاني المستمر عليه، وهو قادر على التعامل مع “إسرائيل” حتى بعد هجماتها على ميناء الحديدة، مع الإشارة إلى أنّ ضرب “تل أبيب” بالصاروخ اليمني ليس رداً على عدوان الحديدة، وهو ما يعني أنّ اليمن لا زال يخفي الكثير من المفاجآت، فتصاعد عملياته ضد الأراضي المحتلة قد تفرض حصاراً جوياً على “إسرائيل” إضافة إلى الحصار البحري، ولعل ما أكّده قائد حركة أنصار الله في اليمن، السيد عبد الملك الحوثي، بأنّ “القادم أعظم” يؤشر إلى ذلك.

ليكون اليمن بموقعه محور ارتكاز في المعادلة الجيوسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي من جهة، ومفتاحاً أساسياً في تفكيك مسار التصعيد في المنطقة أو التأثير في معادلاته، سواء في الحروب أو في تداول الحلول لإعادة الاستقرار، من جهة أخرى.

وبذلك يمكننا القول، لقد تغیرت المعادلات الإقلیمیة. فلم تعد الولایات المتحدة تمتلك القوة أو القدرة على تنفیذ مخططاتها، والمعادلات الاستراتیجیة فی منطقة غرب آسیا شهدت تحولات جذریة. لقد تغیّر وزن الدول والتحالفات المتعددة، کما ارتفع دور الفاعلین غیر الدولیین، وخصوصاً حرکات المقاومة

لقد تغیرت الموازین الاستراتیجیة المتعلقة بالقضیة الفلسطینیة، وكذلك المعادلات الاستراتیجیة فی المنطقة بعد "طوفان الأقصى" بشکل یجعل العودة إلى ما کانت علیه قبلها مستحیلة. 

_ الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على ‎سوريا والتي تصاعدت بوتيرة عالية في خضم معركة طوفان الأقصى، ما دوافعها؟ وهل تعتقدون أن الكيان الصهيوني يذهب للتصعيد في سوريا للهروب من إخفاقاته في غزة وعموم جبهات الدعم والإسناد في ولبنان واليمن والعراق؟ وأي خيارات إستراتيجية تضعها القيادة السورية في التعامل مع هذه الإعتداءات؟ ولماذا يجب علينا كدول وشعوب محور المقاومة، التصدي للعربدة الإسرائيلية الأمريكية على مستوى المنطقة؟ 

ذكرت في مداخلة سابقة، أن الدعم السوري لم ولن يتوقف لفصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، وقد أكد على ذلك سماحة السيد حسن نصرالله. وكذلك في وقت سابق القائد السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، عندما شكر سورية لكل الدعم الذي تقدمه.

وفي هذا الإطار يأتي استهداف سورية بضربات عسكرية لثنيها عن دورها الذي هو جزء من نهجها القومي العروبي.

وأيضاً في المداخلة السابقة ذكرت أنه يمكن لكيان الاحتلال الأقدام على حماقة توسع الحرب في ظل الاختناق الوجودي الذي يعيشه، وعند ذلك فإنه ضمن المخطط الإسرائيلي في سيناريو الهجوم العسكري البري، أن يكون أحد أهم المحاور التي وضعها في خططه هو الدخول عبر الجولان والجنوب باتجاه جنوب دمشق، ثم إلى لبنان لفصل الجنوب اللبناني عن البقاع، والساحة السورية مغرية، فقد تحوّلت بفعل الحرب إلى خاصرة رخوة بالنسبة إلى مقاومة حزب الله، وهي الأضعف في سلسلة عقد المقاومة، ومكشوفة للعمل بها، وهذا الأمر سيدفع بدمشق لأن تتجاوز عناصر الإحراج والإعلان عن خيار الحرب الدفاعية، التي يمكن أن تتحوّل إلى هجومية تحت ظلال الحرب الدولية المندلعة في بقاع متعددة من العالم.

بالنتيجة، واقع الجغرافيا السياسية لسورية لا يتيح لها خيار الخروج من الحرب، فهي جبهة أساسية من جبهات الحرب ولكن هذه المرة ستكون بشكل مباشر، وقد تكون التداعيات لتشمل كل القوى الموجودة في الإقليم وعلى رأسها إيران إذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية.

وبهذا لن تكون روسيا بمنأى عن هذه التداعيات التي ستكون فيها كل القواعد الأمريكية وحاملات الطائرات في المنطقة هدفا لكل ضربات جبهات محور المقاومة.

أما لماذا علينا كدول وشعوب محور المقاومة التصدي ؟ لأنها حرب وجود، وإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة كغدة سرطانية وفق مؤتمر هنري بينرمان كامبل، هو لتجزئة وإضعاف وشرذمة العرب والمسلمين نحو تخلفهم وسرقة ثرواتهم ومقدراتهم.

وبذات الإطار كان مشروع "شمعون بيريز" مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق هويات جزئية متصارعة اثنية أو دينية أو مذهبية مجرّدة من أيّ رافد حضاري قابل للانتظام في إطار دول وطنية.

فـ وفق العقائد الدينية والإنسانية يجب أن نكون يد واحدة بمواجهة العدو الصهيوني، ووفق المصالح الوطنية السياسية أيضاً يجب أن نكون يد واحدة لأنها حرب تستهدف وجودنا وحضارتنا العربية الاسلامية.

_ صحيح قد تكون "إسرائيل" تريد توسيع دائرة الحرب في المنطقة للهروب من إخفاقاتها في غزة ولبنان واليمن.. ولكن هل الإسرائيلي والأمريكي قادران على خوض حرب كبرى في المنطقة في هذا التوقيت؟ ولماذا لا يكون الإسرائيلي هو من يدفع بشكل غير مباشر للايحاء بكونه يسعى لتفجير حرب إقليمية حتى ينشغل الآخرين والأطراف الدولية في ثنيه عن هذه الحرب، بينما هو يستمر في الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة؟ وإلى أين يمكن أن تؤول الأمور على ضوء ذلك؟ 

في مداخلة سابقة ذكرت أن نتيناهو يسعى لمحاولة جر المنطقة إلى حرب إقليمية يتورط الأمريكي فيها هربا من مأزقه الاستراتيجي واخفاقاته المتتالية كما ذكرت.

ولكن أيضا الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق استراتيجي وتعاني مجموعة من الأزمات من تحجيم نفوذها وتآكل هيبتها في  المتطقة، وبالتالي تفلت عدد من الدول التي تدور في فلكها وخاصة دول الخليج وتركيا من التبعية المطلقة إلى الوضع في الداخل الامريكي وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشبابية والطلابية وغيرها على السياسة الأمريكية في دعم جرائم كيان الاحتلال الصهيوني بالعدوان والإبادة في غزة وجنوب لبنان.

ولاسيما أنهم في مرحلة الانتخابات، والتي حتى نتائجها المرتقبة إن حصلت هي الإنذار بحرب أهلية... لذلك لن يسمح الأمريكي بالتدحرج والتوسع نحو حرب اقليمية وهو غير قادر على تحمل أكلافها.

أما استمرار استنزاف كيان الاحتلال الصهيوني وفق التشبيك والتنسيق بين قادة محور المقاومة بكافة جبهاتها... فهي تعني استمرار تآكله من الداخل نحو زواله من تلقاء ذاته.

_ مؤخراً صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أكثر من مرة، استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.. برأيكم هل يمكن أن يحدث هذا اللقاء فعلاً؟ وما هي شروط دمشق لإعادة العلاقات مع أنقرة، وهل تعتقدون أن تركيا مستعدة لتنفيذ هذه الشروط؟ وماذا عن التواجد العسكري التركي في الأراضي السورية والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا؟ وكيف تجري هذه الأحداث في خضم التطورات الإقليمية ؟ 

عاد ملف العلاقات السورية – التركية إلى واجهة الاهتمام الإعلامي منذ بضعة أشهر، وهناك حراك حقيقي بدأت بعض جوانبه تتضح على مسار العلاقات السورية – التركية، يمكن أن نذكر أهم مؤشراته:

بعض التسريبات من أرياف حلب الشمالية والشرقية بوجود حركة "بيع أراضٍ وعقارات وأملاك" متسارعة ومستعجلة، يقوم بها بعض قادة المجموعات والفصائل وبعض التجار والنافذين المحسوبين على المعارضة السورية، وبأسعارٍ مثيرة تكاد تقل عن نصف السعر الحقيقي لمتر الأرض في تلك المناطق، بما يدل على رؤية هؤلاء ومعلوماتهم واستشرافهم لمستقبل المنطقة، كما لمستقبلهم على نحو خاص. 

مجموعة من الاعتقالات قامت بها "الشرطة العسكرية" التابعة لما يُسمى بـ"الجيش الوطني" -الذي أسسته أنقرة وترعاه وتدعمه مالياً وعسكرياً، والذي يتبع لأوامر أجهزتها الأمنية بشكل مباشر- والتي استهدفت بعض القادة الميدانيين والعديد من الكوادر الفصائلية الذين سيق بعضهم إلى الداخل التركي بعدما تعرضوا للتنكيل أثناء عملية القبض عليهم، إشارةً تركية واضحة إلى الطريقة التي تعتزم أنقرة التعاطي بها مع كل شخص، كائناً من كان، يعارض قراراتها أو مخططاتها. 

حراك روسي منذ عدة أشهر على خط أنقرة أخذ طابع الحركة الميدانية في قلب منطقة الشمال، ولم يعد مجرد تصريحات متبادلة حول النيات والأهداف، والتقارير الإعلامية المتداولة بقوة. 

حصول لقاءات أمنية بين وفود سورية وتركية مشتركة، ومنها الحديث الذي أبرزته صحيفة "أيدنلك" التركية حول حصول لقاء أمني رفيع المستوى بين الطرفين برعاية روسية في قاعدة "حميميم" العسكرية الواقعة في محافظة اللاذقية السورية،  ولقاء سياسي مرتقب في العاصمة العراقية بغداد، تدل كلها على بلوغ المساعي الميدانية التي تقودها موسكو مراحل متقدمة لامست الخطط الميدانية التي يبدو أننا على وشك أن نشهد وقوعها، كما تداعياتها.

ولكن ما نؤكد عليه أن سورية منفتحة على عودة العلاقات السورية التركية، وفق الشروط التي وضعتها القيادة السورية بإنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية، والتوقف عن دعم مجاميع العصابات الإرهابية.

وبتجربة سابقة مع إردوغان وعدد الطعنات التي وجهها للقيادة السورية لا يمكن التعويل على تصريحاته المتكررة وبغير مناسبة بالرغبة بلقاء الرئيس السوري بشار الأسد وبالمكان والزمان الذي يحدده.

ولكن نعول على مسار الأحداث في الإقليم، وانكسار مشروع الغرب الامبريالي (مشروع الشرق الأوسط الجديد)، وتآكل الهيبة والنفوذ الأمريكي في المنطقة.... ونتائج معركة طوفان الأقصى التي تحتم على إردوغان الالتفات إلى مصالح تركيا القومية بحجز موقع في الاقليم الجديد بعد تسويات مابعد طوفان الأقصى، في ظل تراجع الإقتصاد التركي الذي ستكون سورية أحد أهم بوابات تعافيه، بعد عودة شرايين التجارة البرية من دول الخليج العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر البوابة التركية التي لا يمكن أن تكون بدون عودة دفء العلاقات السورية - التركية.

والمؤكد فيه حتى اللحظة أن دمشق مرتاحة وغير راغبة في تقديم "مكافآت" أو هدايا مجانية للرئيس التركي الذي طعنها في الظهر وتحول إلى عدو لدود بعدما كان صديقاً كبيراً.

وبناء عليه، سنكون في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة أمام اختبار حقيقي لمدى رغبة تركيا في المضي قدماً على المستوى الميداني قبل كل شيء في تفاهماتها مع موسكو، وفي تأكيد صدق نياتها حيال سورية ووحدتها واستقلالها، ومن غير الوارد أن تُقدِم دمشق على أي خطوة سياسية كبيرة قبل ثبوت كل هذا.