عرب جورنال / توفيق سلاّم -
يقوم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة هامة إلى واشنطن، توجت باجتماع قمة رباعية (كواد) التي تضم الولايات المتحدة، اليابان، الهند، وأستراليا. تأتي في سياق تعزيز التعاون الأمني والسياسي والعسكري بين الدول الأعضاء، التي تزعم أنها تواجه تحديات مشتركة، خاصة مع التوترات المتزايدة في منطقة جنوب شرق آسيا نتيجة لزيادة نفوذ الصين. وبالرغم من أن القمة تحمل أهمية استراتيجية للمجموعة، فإن ما يشغل الإدارة الأمريكية بشكل خاص هو تنفيذ سياسة "أمريكا أولاً". الهادف إلى تعزيز عسكرة منطقتي الهندي والهادئ من خلال إبرام المزيد من الصفقات العسكرية مع الدول الأعضاء وزيادة التعاون العسكري مع دول جنوب شرق آسيا. هذا النهج لا يعزز فقط النفوذ الأمريكي في مواجهة الصين، بل يسهم في خلق وظائف للأمريكيين داخل الولايات المتحدة، بغض النظر عن هوية الرئيس القادم سواء كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا.
استراتيجية تحالف كواد
تحالف "كواد" هو جزء من استراتيجية أمريكية أوسع تهدف إلى مواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة في ظل صعود الصين كلاعب رئيس على الساحة العالمية. فالأهداف الجيوسياسية لتحالف "كواد" يمكن تقسيمها إلى أهداف قريبة وبعيدة المدى على النحو التالي:
الأهداف الجيو سياسية القريبة
1.الهدف الأساسي القريب لتحالف "كواد" هو احتواء نفوذ الصين المتزايد في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ. فالتحالف يرى بأن الصين توسع نفوذها في هذه المنطقة عبر مشاريع مثل "مبادرة الحزام والطريق"، وتعزيز قدراتها العسكرية والبحرية، وأيضًا من خلال تشكيل تحالفات وروابط اقتصادية مثل منظمة "شنغهاي" ومجموعة "بريكس"، و"اسيان"، خطوات الصين في هذا التنامي المتصاعد حول العالم، يدق ناقوس الخطر في هيكلية الأبنية الرأسمالية الغربية التي بدأت تتهاوى ويضمحل شأنها في السوق العالمية التي غزتها الصين بمنتجاتها وتقنياتها ذات الجودة المنافسة، ورخص ثمنها الزهيد التي تلبي حاجة الإنسان البسيط، هو ما جعلها تحتل الصدارة في السوق العالمية، فضربت المنتجات الغربية وغادرت كثير من الأسواق في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، هذا من جانب، ومن جانب آخر أصبحت الصين قوة اقتصادية جبارة لا منافس لها، بمنتجاتها في أغلب دول العالم. وتتصدر إنتاج الرقائق الإلكترونية ذات السعات العالية، في الصناعات المختلفة، وباتت تشكل الرقم الأول في صناعة السيارات الكهربائية. ويعد تحولها الكبير في صناعة الأسلحة الحديثة مثار جدل غربي، وتخطيها مجالات الفضاء، هذا بالإضافة إلى كونها قوة نووية كبرى.. هذا هو ما تراه الأنظمة الغربية بالخطر الداهم على مصالحها. فالقفزات في تسارع النمو الهائل للصين، يجعل أمريكا ودول الغرب في حالة من الذهول، ولا يخفي مشاعر الامتعاض وعظ النواجد، لما بلغته الصين من تقدم هائل على كافة المستويات. وهذا ما تراه الولايات المتحدة بالعدو الأول حسب وصفها لتراهن على كبح خطواتها، وتشكيل المخاطر والتهديد
الأمني وزعزعة الاستقرار حولها، من خلال:
1.تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بين أعضاء "كواد"، الذي يقوم على اتفاق تحالف عسكري لمواجهة أي تهديدات صينية، سواء في بحر الصين الجنوبي أو المناطق المجاورة.
2.يركز تحالف "كواد" على تعزيز الأمن البحري، وفرض السيطرة على الملاحة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتهم الدول الغربية الصين بمحاولة السيطرة على الممرات البحرية المهمة وتغيير الوضع القائم في المناطق المتنازع عليها.
3.تقوية التحالفات الاقتصادية والتكنولوجية: بالإضافة إلى الأبعاد العسكرية، فإن "كواد" يسعى لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا، والبنية التحتية، والاقتصاد بين الدول الأعضاء، هذا التعاون يهدف إلى خلق توازن اقتصادي مع الصين، والحد من اعتماد الدول على سلاسل التوريد الصينية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والاتصالات.
الأهداف الجيوسياسية البعيدة
1.تسعى الولايات المتحدة وشركاؤها إلى تحويل هذه المنطقة إلى مركز للتوازن الدولي في النظام المتعدد الأقطاب. هذا يعني تأكيد النفوذ الأمريكي وحلفائه في مواجهة أي محاولات صينية لفرض الهيمنة على المنطقة.
2.تشكيل هيكل أمني دائم في المنطقة يعتمد على التعاون بين الدول الديمقراطية الكبرى، بحيث يكون قادراً على مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة للصين، وكذلك التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب والحروب السيبرانية.
3.احتواء النفوذ الروسي: على الرغم من أن "كواد" يبدو موجهًا بشكل رئيس نحو الصين، فإن روسيا تُعتبر أيضًا تحديًا جيوسياسيًا. الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا التحالف إلى تعزيز تحالفاتها مع دول قد تكون أقل اعتمادًا على روسيا في المستقبل، خاصة في مجالات الدفاع والطاقة.
عودة الحرب الباردة
الولايات المتحدة تعتبر صعود الصين تهديدًا مباشرًا لموقعها كقوة عظمى. فالصين لا تشكل فقط تحديًا اقتصاديًا، بل تسعى أيضًا لتغيير النظام الدولي القائم على القواعد الغربية، من خلال التحالفات الأمنية. وعملية توسيع دائرة الأخطار هو ديدن الإدارة الأمريكية، للحد من نفوذ الصين العسكري، وتعزيز تحالفاتها الاقتصادية والتكنولوجية لضمان هيمنتها المستمرة في المنطقة. وهناك أوجه تشابه بين الوضع الحالي والحرب الباردة السابقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي "السابق". من خلال توسيع التحالفات العسكرية والاقتصادية تسعى من خلالها واشنطن لتطويق الصين واحتواء نفوذها، كما كانت تفعل مع الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك، الاختلاف الرئيس، هو أن التحدي مع الصين ليس فقط أيديولوجيًا (كما كان مع السوفيت)، ولكنه اقتصادي وتكنولوجي.
هذا النهج قد يكرس فعلاً نوعًا من "الحرب الباردة الجديدة"، حيث تتشكل تحالفات جديدة في مواجهة تحالفات مضادة، مع التركيز على التكنولوجيا، والنفوذ الجيوسياسي، والتجارة العالمية بدلاً من الصراع النووي المباشر، كما كان في الحرب الباردة القديمة.
وهنا يأتي السؤال: هل تعاني الولايات المتحدة من اضطراب في سياستها الخارجية؟ والإجابة هي من المؤكد أن الولايات المتحدة تواجه تحديات، وأزمات متزايدة مع تصاعد النظام العالمي المتعدد الأقطاب، وشعورها بانتهاء الحقبة التي كانت فيها القطب الأوحد، وهو يجعلها أكثر شراسة لمحاولة إعادة تموضعها، في الأماكن التي بدأت فيها تحدث طفرات في العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. فهذه المحاولات قد تبدو أحيانًا وكأنها تعكس "تخبطًا"، أو عدم وضوح في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة مع تعدد الأزمات العالمية وتزايد التحديات من قوى مثل الصين وروسيا. على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال القوة الاقتصادية والعسكرية الأكبر المهيمنة في العالم، إلا أن هناك مؤشرات على أن عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة يقترب من نهايته. وأن العالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث تصعد قوى إقليمية مثل الصين وروسيا والهند، لتلعب أدوارًا أكبر. ويُعتبر ذلك مؤشرًا على نهاية الأحادية القطبية. فالولايات المتحدة تواجه تحديات متزايدة للحفاظ على هيمنتها في العالم، سواء من الصين وروسيا، أو من التحالفات الإقليمية الجديدة. النظام الدولي يتغير، وما تحاول الولايات المتحدة فعله من خلال تحالفات مثل "كواد" هو للحفاظ على نفوذها في هذا النظام الجديد. لكن من المحتمل أن يكون هذا أحد الجهود الأخيرة لتعزيز مكانتها قبل أن تدخل في مرحلة "ما بعد الأحادية القطبية"، حيث سيتعين عليها التكيف مع عالم يضم قوى متعددة ومراكز تأثير مختلفة.
زيارة ناريندرا
زيارة ناريندرا في هذا التوقيت الحساس تأتي وسط مجموعة معقدة من التطورات الجيوسياسية التي تشمل التوترات في الشرق الأوسط، وأبرزها: الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية، والتوترات المتصاعدة في جنوب لبنان مع حزب الله، والحرب السيبرانية على الشعب اللبناني، والهجمات الإسرائيلية على استهداف قيادة حزب الله، بالإضافة إلى الصراع المستمر في أوكرانيا. مجمل هذه العوامل المتداخلة لها تأثيراتها المباشرة على السياسات الدولية، وتحديدًا على العلاقات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا ألمانيا وفرنسا. وربما هناك عدة أسباب محتملة وراء الضغوط الأمريكية لجذب الهند إلى موقف أوضح ومزيد من الانحياز نحو المعسكر الغربي. فالولايات المتحدة ترى الهند كقوة محورية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتريدها شريكًا رئيسًا في احتواء النفوذ الصيني، سواء في المحيطين الهندي والهادئ أو على الصعيد العالمي. بالنظر إلى العلاقات القوية بين الهند وروسيا من جهة، والهند والصين من جهة أخرى. ويبدو رغبة واشنطن واضحة في إبعاد نيودلهي عن المحور الصيني الروسي، ولذلك فهي غالبًا ما تطالب الهند بتحديد مواقفها. إلا أن الهند سياستها متوازنة ولديها تجربة عريقة في علاقاتها السياسية والدبلوماسية، وفطنتها في هذا المجال، فهي تسعى إلى التوازن بين مصالحها، وتتعامل بحذر مع أي انحياز كبير للغرب، بالرغم ماتواجهه من ضغوط كبيرة لتعديل مواقفها في هذه المرحلة، لاسيما في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتوظيف نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، لمواجهة النفوذ الإيراني، وأية تداعيات في الصراع في الشرق الأوسط، لا تكون في منأى عنه. وفي النطاق الأوسع، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تشكيل تحالف دولي واسع لعزل روسيا، أو محاولة إضعافها. فالهند، التي كانت تتخذ موقفًا متوازنًا ولم تدعم العقوبات الغربية بشكل صريح، تتعرض لضغوط لتبني موقف أكثر وضوحًا تجاه روسيا.
فهذه الزيارة قد تكون جزءًا من استراتيجية واشنطن لإقناع الهند بالانضمام إلى الجهود الغربية لعزل موسكو، من خلال سد احتياجات الهند من دول أخرى، وخصوصًا فيما يتعلق بالطاقة وصفقات الأسلحة، وغيرها من العلاقات التجارية. ولكون الهند، قوة صاعدة اقتصاديًا وعسكريًا، تريدها واشنطن شريكًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية، من خلال تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والدفاع، وضمان أن يكون موقف الهند متماشيًا مع مصالح الغرب، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة المتعلقة بالحروب السيبرانية والتكنولوجيا المتقدمة. كما ترغب الولايات المتحدة في رؤية الهند كجزء من تحالف غربي أوسع يهدف إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية، التي تتعرض لهزات وتحديات من قبل الصين وروسيا، وحلفائهما.
استقلالية القرار الهندي
الهند بالفعل تواجه تحديًا كبيرًا في الحفاظ على توازنها الدبلوماسي بين القوى الكبرى، ذلك أن السياسة الخارجية للهند تعتمد على مبدأ "الاستقلالية الاستراتيجية" الذي يسمح لها بالاستفادة من علاقاتها مع جميع الأطراف دون الانجرار إلى محاور محددة أو صراعات القوى الكبرى. ومع ذلك، واشنطن تسعى إلى تعزيز نفوذها في آسيا والمحيط الهادئ، خاصة في مواجهة الصين وروسيا، وهو ما يدفعها إلى محاولة إقناع الهند بتبني مواقف أكثر وضوحًا. وهناك عدة عوامل تفسر لماذا تحاول الولايات المتحدة دفع الهند لمناهضة الصين، وقطع علاقاتها مع روسيا أبرزها:
1.واشنطن تعتبر الصين أكبر منافس استراتيجي لها، وتعتبر صعود الصين يشكل تهديدًا للنظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية. وبالتالي، ترى في الهند قوة صاعدة مهمة يمكن أن تشكل جزءًا من التحالفات الدولية التي تعمل على احتواء النفوذ الصيني في آسيا والمحيط الهادئ، من خلال تقوية العلاقات الدفاعية والاقتصادية مع الهند، وتعزيز قدرات الهند عسكريًا وزجها في مواجهة التهديدات الصينية، سواء على الحدود بين البلدين أو في المحيط الهندي.
2.عزل روسيا اقتصاديًا وسياسيًا: منذ بداية الحرب الأوكرانية، تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لعزل روسيا دبلوماسيًا واقتصاديًا، إلاّ أن الهند تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، خاصة في مجال الدفاع (حيث تعتمد الهند بشكل كبير على الأسلحة الروسية) والطاقة (شراء النفط الروسي بأسعار منخفضة). واشنطن ترغب في تقليص هذا التعاون، خاصة فيما يتعلق بالنفط والأسلحة، بهدف إضعاف روسيا على الساحة الدولية وإضعاف موقفها الاقتصادي.
3.تكريس حالة العداء بين الهند والصين: الولايات المتحدة تدرك أن هناك خلافات حدودية وتاريخية بين الهند والصين، كما أن هناك تنافسًا جيوسياسيًا بينهما في جنوب آسيا والمحيط الهندي. لذلك تسعى لاستغلال هذه الخلافات لتشكيل تحالف أقوى مع الهند ضد الصين. ورغم أن الهند تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع الصين، إلا أن التوترات الحدودية الأخيرة (مثل الصدامات في منطقة لاداخ) جعلت من الصعب تحسين العلاقات بين البلدين، وهو ما تستغله واشنطن لتعزيز التحالف معها.
4.الولايات المتحدة ترغب في تحويل الهند إلى شريك استراتيجي طويل الأمد ضمن محور غربي يسعى لمواجهة التهديدات المشتركة. وعلى الرغم من أن الهند ترفض بشكل قاطع الانحياز لمحور معين، إلا أن واشنطن تأمل في جذب الهند إلى مواقف أكثر قربًا من الغرب، خاصة فيما يتعلق بالتحديات الكبرى مثل الأمن البحري، والتجارة الدولية، والتكنولوجيا المتقدمة.
5.الاستفادة من الشراكة الاقتصادية والعسكرية: الهند هي سوق ضخم وقوة اقتصادية صاعدة، وواشنطن ترغب في بناء شراكة اقتصادية استراتيجية معها لتقليص اعتماد الهند على الصين. كذلك، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز التعاون العسكري مع الهند من خلال بيع الأسلحة، وتعزيز المناورات العسكرية المشتركة، ومساعدة الهند على تعزيز قدراتها الدفاعية.
التحدي الهندي
الهند تدرك أهمية عدم التضحية بعلاقاتها مع روسيا، التي تمثل شريكًا تاريخيًا في مجالات الدفاع والطاقة، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع الصين. ولهذا، تستمر في تبني سياسة الحذر والتوازن. فهي ترغب في الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة، لكنها أيضًا تدرك ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا والصين لضمان استقلالية قرارها السياسي وتفادي الدخول في صراعات القوى الكبرى.
عسكرة المحيطين
التوجه الجيوستراتيجي للولايات المتحدة نحو عسكرة المحيطين الهندي والهادئ، وتعزيز العلاقات مع دول جنوب شرق آسيا يمكن تفسيره من عدة جوانب:
1.مواجهة صعود الصين: الصين تعد المنافس الجيوستراتيجي الأبرز للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين. تتنامى قوتها الاقتصادية والعسكرية، وتعمل على بسط نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال مبادرات مثل "مبادرة الحزام والطريق" وتوسيع نفوذها البحري.
لذلك، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز وجودها العسكري والسياسي في هذه المنطقة لاحتواء نفوذ الصين ومنع هيمنتها.
2.التحكم في الممرات البحرية: تعتبر المنطقة من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر بها نسبة كبيرة من التجارة العالمية. التحكم في هذه الممرات يعد أمراً حيوياً للاقتصادات العالمية وللأمن القومي الأمريكي. وبالتالي، فإن تعزيز النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة يهدف إلى السيطرة على طرق التجارة الدولية، والتحكم في الملاحة الدولية.
3.التحالفات والشراكات الاستراتيجية: الولايات المتحدة تسعى لتعزيز علاقاتها مع دول جنوب شرق آسيا مثل اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، والهند، بالإضافة إلى دول رابطة آسيان. هذه التحالفات تساعد في خلق جبهة موحدة لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وخاصة التهديدات البحرية الصينية.
4.الاستجابة لعدم الاستقرار الإقليمي: تشهد منطقة جنوب شرق آسيا قضايا أمنية متنوعة تشمل النزاعات البحرية، الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود. ترى الولايات المتحدة أن عسكرة المنطقة يمكن أن تسهم في زيادة التوترات مع الصين من خلال هذه الدول لزعزعة الأمن الإقليمي.
5.تسعى الولايات المتحدة لعدم وجود توازن للقوى في المنطقة يحول دون سيطرة قوة واحدة على المحيطين الهندي والهادئ. من خلال عسكرة المنطقة، تتطلع الولايات المتحدة إلى ردع أية محاولات للهيمنة وخلق نظام إقليمي متوتر يقيد تنامي الصين ويضع الأخطار حولها.
بالتالي، يمكن تفسير هذا النفوذ المتنامي والمتصاعد بأنه رد فعل استراتيجي تجاه صعود الصين، وسعيها للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الحيوية في المنطقة وتعزيز دورها القيادي في الحفاظ على نظام الأحادية القطبية، واستمرار هيمنة أمريكا على العالم.
في الأخير فإن تحالف "كواد"، هو جزء من استراتيجية أمريكية لمواجهة صعود الصين واحتواء نفوذها في آسيا والمحيط الهادئ، وهو يعكس توترات عالمية متزايدة تعيد إلى الأذهان الحرب الباردة. بينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها في عالم متغير، فإن صعود التعددية القطبية يمثل تحديًا كبيرًا لنظام الهيمنة الذي قادته واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة. ومع ذلك تحاول واشنطن استخدام الهند كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الصين وروسيا، لكنها تواجه تحديًا كبيرًا بسبب السياسة الخارجية المتوازنة التي تنتهجها نيودلهي. الهند تسعى إلى الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي، بينما تستفيد من العلاقات المتنامية مع الولايات المتحدة دون التضحية بعلاقاتها التاريخية مع روسيا أو الدخول في مواجهة مباشرة مع الصين.