عرب جورنال / أنس القباطي -
بدأت طبقة الأوزون بالتعافي بعد قرابة أربعة عقود من تعرضها لثقب فوق القارة القطبية الجنوبية، والذي اخذ في التوسع خلال العقود الماضية، ما يعد مؤشرا على تراجع الغازات الدفينة التي تعد المصدر الرئيسي لثقب الأوزون.
اعلان رسمي
والاثنين 16 سبتمبر/ايلول 2024 قالت المنظمة العالمية للارصاد إن طبقة الأوزون تسير بالفعل على الطريق الصحيح نحو التعافي على المدى الطويل، وقالت المنظمة في نشرتها السنوية إن الوفرة الجوية من الكلور والبروم في طبقة التروبوسفير من المواد طويلة العمر التي تستنفد الأوزون استمرت في الانخفاض.
طبيعة الأوزون
والأوزون هو شكل خاص من الأوكسجين مع الصيغة الكيميائية O3، ويشكل الأوزون جزءاً صغيراً جداً من الغلاف الجوي، ومعظمه يكمن في الغلاف الجوي، بين 10 و 40 كم فوق سطح الأرض، في المنطقة التي تعرف بـ الستراتوسفير، التي تحتوي على حوالي 90٪ من جميع الأوزون في الغلاف الجوي.
ويمتص الأوزون في طبقة الستراتوسفير بعض أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة بيولوجياً. وبسبب هذا الدور المفيد، يعتبر الأوزون الستراتوسفيري الأوزون "الجيد"، على النقيض من الأوزون الزائد على سطح الأرض الذي يتكون من الملوثات، ويعتبر من الأوزون "السيئ" لأنه يمكن أن يكون ضاراً على البشر والنباتات والحيوانات.
الظروف الجوية
ولفتت نشرة الأوزون والأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حديثا دور الظروف الجوية والثوران البركاني الكبير في ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية في العام 2023.
وسلطت الضوء على الأدلة المتزايدة على أن طبقة الأوزون تسير بالفعل على الطريق الصحيح نحو التعافي على المدى الطويل.
بدء التعافي
وبينت النشرة ان بدء التعافي مرتبط باستمرار انخفاض الكلور والبروم في طبقة التروبوسفير من المواد طويلة العمر التي تستنفد الأوزون. موضحة ان بعض المواد المستنفدة للأوزون تعمل أيضًا كغازات دفيئة، معتبرة ان التخلص التدريجي منها يعد بمثابة مكافأة إضافية للمناخ، مشددة على الحاجة إلى المراقبة المستمرة وتجنب الرضا عن الذات.
وفي مايو/آيار 1985 كشفت نتائج دراسة استقصائية للبحرية القطبية البريطانية عن استنفاد الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية، وهو ما بات يعرف باسم "ثقب الأوزون"، ومن يومها أصبحت صور الأقمار الصناعية لثقب الأوزون رمزاً عالمياً لتهديد بيئي، ادى إلى ظهور حملات دولية لدعم بروتوكول مونتريال.
بروتوكول مونتريال
وتقول نشرة المنظمة العالمية للأرصاد ان بروتوكول مونتريال ساهم في التخلص التدريجي من المواد الضارة المستنفدة للأوزون.
ويقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالة وجهها للعالم إن طبقة الأوزون، التي كانت مريضة ذات يوم، تسير الآن على الطريق نحو التعافي. ويضيف: وفي وقت تتعرض فيه التعددية لضغوط شديدة، يبرز بروتوكول مونتريال للمساعدة في حماية طبقة الأوزون كرمز قوي للأمل. وتابع: "الآن، حان الوقت للمضي قدمًا. يمكن لتعديل كيغالي للبروتوكول - والذي يركز على التخلص التدريجي من مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs) - الغازات القوية المسببة للاحتباس الحراري - أن يساهم في تعزيز جهود التخفيف من آثار المناخ وحماية الناس والكوكب". معتبرا ان هذا مطلوب أكثر من أي وقت مضى مع استمرار تحطيم سجلات درجات الحرارة.
ويعتقد أنه إذا تم التصديق على تعديل كيغالي وتنفيذه بالكامل، فمن المتوقع أن يساعد في تجنب ما يصل إلى 0.5 درجة مئوية من الانحباس الحراري العالمي بحلول نهاية هذا القرن.
توقعات
وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد أن تتعافى طبقة الأوزون إلى قيم العام 1980 (قبل ظهور ثقب الأوزون) بحلول عام 2066 تقريبًا فوق القارة القطبية الجنوبية، وبحلول العام 2045 فوق القطب الشمالي، وبحلول عام 2040 لبقية العالم.
ولفتت المنظمة ان ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية تحسن ببطء من حيث المساحة والعمق منذ العام 2000، وفقًا لأحدث تقييم علمي (2022) بدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
التوترات الجيوسياسية
وعلى الرغم من هذا الاعلان المشجع إلا ان التوترات الجيوسياسية في اكثر من جغرافيا في العالم، واشتعال الخروب سيكون له ابلغ الأثر في ضخ غازات دفينة إلى الغلاف الجوي، ما قد يعيد الوضع إلى ما كان عليه.
اثر الحروب
وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي ضمنت في نشرة المنظمة العالمية للارصاد إلى ان مقدار ما تضخه الحروب من غازات دفينة الى الغلاف الجوي سيلقي بظلال سوداء على حالة التفاؤل الحالية.
كلفة مناخية
ووفقا لدراسة حديثة أعدتها مبادرة المحاسبة للغازات المسببة للاحتباس الحراري أثناء الحروب، بسبب ما تضخه الحروب من الغازات الدفينة في الغلاف الجوي، والتي تعد المسؤول الرئيسي عن التغيرات المناخية الحالية، فقد كانت الكلفة المناخية خلال العامين الأولين من الحرب الروسية الاوكرانية أكبر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري السنوية التي تنتجها 175 دولة بشكل فردي. ولفتت الدراسة التي مولتها جزئيا الحكومتين الألمانية والسويدية، ان ذلك أدى إلى تفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية، وارتفاع عدد القتلى والدمار الواسع النطاق. موضحة ان هذه الحرب ولدت ما لا يقل عن 175 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وسط زيادة في الانبعاثات الناجمة عن الحرب المباشرة، وحرائق المناظر الطبيعية، والرحلات الجوية المعاد توجيهها، والهجرة القسرية، والتسريبات الناجمة عن الهجمات العسكرية على البنية التحتية للوقود الأحفوري.
وتعد الحرب الاوكرانية أبرز الحروب في العالم في الوقت الحالي، وينذر تصعيدها الى تحولها الى حرب لا يستبعد ان تستخدم فيها الأسلحة النووية.
سباق التسلح
وأدت هذه الحرب إلى عودة ما كان يعرف بسباق التسلح بين الشرق والغرب، ما يعني ان مصانع الاسلحة عادت للعمل من جديد بوتيرة عالية، ما سيزيد من كميات الغازات الدفينة التي تضخها مداخنها في الغلاف الجوي، فضلا عن ما سيضخ من غازات اثناء عمليات تجريب الاسلحة الحديثة، وما سيرافق الحروب من انبعاث غازات نتيجة تدمير البنى التحتية وغيرها.
تهديد قائم
وامام حالة التفاؤل التي أماطت عنها المنظمة العالمية للارصاد ينبغي على الفاعلين الدوليين الضغط على الحكومات لوقف الحروب وتسوية الخلافات بالطرق الدبلوماسية، حتى يستمر تعافي طبقة الاوزون، وبدون ذلك فإن ما تحقق خلال أربعة عقود ممكن ان يذهب خلال سنوات معدودة إذا اندلعت الحروب في الجغرافيات المشتعلة حول العالم.
الرصد والمتابعة
وتؤكد نشرة المنظمة العالمية للارصاد ان برنامج المراقبة العالمية للغلاف الجوي التابع لها يواصل لعب دور أساسي في دعم علم الأوزون من خلال الرصد والتحليل والنمذجة وإدارة البيانات وبناء القدرات. وشددت على انه من الأهمية بمكان الحفاظ على عمليات رصد الأوزون والمواد المستنفدة للأوزون والأشعة فوق البنفسجية بالجودة والدقة والتغطية العالمية اللازمة لمراعاة التغيرات في الأوزون على مدى العقود القادمة. منوهة إلى انه سوف تؤثر العديد من العوامل على التعافي المتوقع للأوزون، والتي يجب قياسها وفهمها بشكل كامل.
مخاطر
ورغم ادراك المنظمة لوجود عوامل ستؤثر على التعافي الا انها لم تشر في نشرتها إلى أثر الحروب باعتبارها من ابرز عوامل انتاج الغازات الدفينة التي تؤثر على طبقة الاوزون، ما يشير إلى أن المنظمات الدولية ما تزال غير جادة في الاشارة الى سبب هام يؤثر في تزايد الغازات الدفينة في الغلاف الجوي، واستمرارها في ذات الموال الذي يعزو زيادة الغازات الدفينة الى الانشطة الصناعية.
خاصيتان غير عاديتان
وافادت نشرة المنظمة العالمية للارصاد ان قيم عمود الأوزون الكلي في العام 2023 ظلت ضمن النطاق الذي لوحظ في السنوات السابقة ومتوافقة مع التوقعات، بسبب بداية تراجع الكلور والبروم المستنفدين للأوزون في طبقة الستراتوسفير. مبينة ان ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية لعام 2023 تميز بخاصيتين غير عاديتين: البداية المبكرة في أواخر أغسطس، والاستمرار حتى ديسمبر. لافتة الى ان الثوران المهم لبركان هونجا تونجا-هونغا هاباي في تونجا في 15 يناير/كانون ثان 2022 ادى إلى زيادة كمية بخار الماء في طبقة الستراتوسفير وأدى إلى بعض التغييرات في نقل الأوزون.
تعافي حذر
وبشكل عام، فإن السمتين غير العاديتين الرئيسيتين لا تتعارضان مع النتائج الأخيرة التي تشير إلى أن تعافي الأوزون في ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية قد بدأ. ومع ذلك، فإنهما تسلطان الضوء على وجود أحداث جوية نادرة نسبيا يمكن أن يكون لها تأثير كبير على ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية؛ وأن هناك قدرا كبيرا من التباين على مدى فترات زمنية تتراوح من أيام إلى سنوات في تطور ثقب الأوزون في القارة القطبية الجنوبية؛ وأن هناك فجوات لا تزال قائمة في الفهم العلمي لهذا التباين؛ وأن من الأهمية بمكان الحفاظ على البنية الأساسية للرصد التي تمكن من عزو التغيرات غير العادية أو غير المتوقعة إلى عمليات وأحداث جيوفيزيائية معينة، بحسب ما جاء في النشرة.
لوبيات ضغط خضراء
ومما سبق يمكن القول ان حالة تعافي طبقة الاوزون التي كشفت عنها المنظمة العالمية للارصاد ما تزال محفوفة بمخاطر عديدة، ومعها ينبغي ان تتجه المنظمة ومعها باقي المنظمات الدولية الفاعلة لتشكيل لوبيات ضغط خضراء على حكومات الدول العظمى لوقف كل ما يمكن ان يؤدي إلى التأثير السلبي على حالة التعافي القائمة، واول تلك الانشطة وقف الحروب حول العالم.