عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
ليس غريبًا على الشهيد «ماهر الجازي» -بالنظر إلى عوامل تكوين شخصيته وفي مقدمتها بيئته وظروف نشأته- أن ينفذ عملية «جسر الكرامة» التي أزهق خلالها صباح الأحد الـ8 من سبتمبر الجاري -من مسافة الصفر- أرواح 3 عسكريين صهاينة مسطرًا لنفسه ولأهله تأريخًا مجيدًا قبل أن يرتقي إلى ربه شهيدًا.
فقد ولد -في 28 أبريل 1985- بقرية «أذرح التابعة» لمحافظة معان، وترعرع في أوساط عشيرة «الحويطات» الأردنية التي نالت -عبر عدد من المجاهدين- شرف المشاركة والاستشهاد في معركة الجهاد المقدس على أرض فلسطين عام 1948، فنشأ -منذ صغره- متأثرّا بسيَر مجاهدي عشيرته العطرة.
ومن ناحية ثانية لم ينخرط ماهر بالعملَ في الشحن عام 2022 إلَّا بعد عشرين عامًا من الخدمة العسكرية التي بدأها سائقًا في الجيش العربي في السابعة عشرة وأنهاها في السابعة والثلاثين متقاعدًا من الخدمة في الشرطة العسكرية التي استشعر فيها شرف الجندية فألهم القيام بما ختم به حياته من عملية استشهادية ذات تأثير خطير.
تلقُّف العملية الغراء بمظاهر الاحتفاء
لقد قُوبلت عملية إطلاق النار التي نفذها صبيحة يوم الأحد الـ8 من سبتمبر الجاري -من مسافة الصفر- الشاب الأردني الشهيد المجاهد «ماهر ذياب حسين الجازي» التي أسفرت عن مقتل 3 عناصر من قوة أمنية صهيونية -بالإضافة إلى الترحيب الحار من قبل كافة فصائل المقاومة الفلسطينية- بإشادة جماهيرية عربية وإسلامية كبيرة، كونها قد جاءت في إطار الرد الانتقامي المشروع على ما تقترفه القوات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية من مجازر وحشية نكراء منذ أكثر من أحد عشر شهرا.
وعلى الرغم من تحفظ السلطات الأردنية وكذا السلطة الوطنية الفلسطينية عن الحديث حول عملية «معبر الكرامة» بنوعٍ من الإيجابية من منطلق ارتباطهما مع السلطات الصهيونية بتنسيقات أمنية، فقد تلقفتها الجماهير الشعبية الأردنية والفلسطينية بما يليق بها من مظاهر الابتهاج والاحتفاء، وذلك ما أشار إليه الكاتب الفلسطيني «بكر البساتين» في ختام مقاله المعنون [ما خفي في دوافع تنفيذ عملية جسر الكرامة] الذي نشرته صحيفة «رأي اليوم» في الـ9 من سبتمبر الجاري على النحو التالي: (لقد حظيت عملية “اللنبي” التي نفذها الشهيد البطل «بن جازي» بتأييد الشارعين الأردني والفلسطيني وحركات المقاومة في غزة، إلى درجة أنَّ بعض الأردنيين بادروا إلى توزيع الحلوى عن روح الشهيد البطل الذي رفع رؤوس الأردنيين والشرفاء في العالم، ليثبت أنَّ الأردن ولّادة للأحرار الشرفاء).
«عملية الكرامة» وأجواء الرعب المستدامة
لقد كانت حدود الكيان الصهيوني مع الأردن -بخلاف حدوده مع «قطاع غزة» و«مصر» ومع «لبنان»- تشعر سلطته الاحتلالية بقدر من الأمان، وقد ساد هذا الوضع منذ توقيع «اتفاقية التطبيع» إلى الآن، بيد أنَّ أجواء الشعور بالأمان ستُستبدل -بعد تنفيذ الشهيد البطل عملية «معبر الكرامة»- بأجواء رعب مستدامة تحتم على «كيان العدو» -بمختلف أجهزته العسكرية والأمنية والاستخباراتية- البقاء في حالة تحفُّز دائم تحسبًا لأيِّ خطرٍ قادم، وقد أكد هذا المعنى الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد الركن «حاتم كريم الفلاحي» في حديث مقتضب لـ«صوت بيروت انترناشيونال» نشر يوم تنفيذ العملية بقوله: (هذه العمليات المنفردة يصعب السيطرة عليها لا من طرف الأردن ولا من طرف الاحتلال الإسرائيلي.
وإنَّ الأجهزة الأمنية في إسرائيل تتوقع من استمرار مثل هذه العمليات، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة).
كما أشير إلى تسبب العملية في مفاجأة الأجهزة الصهيونية وإفقادها ما كانت تشعر به من سيطرة أمنية على الحدود الفلسطينية-الأردنية في مستهل التقرير التحليلي المعنون [عملية معبر الكرامة.. العجز في اختراق الوعي الشعبي الأردني واستمرار العداء لـ"إسرائيل"] الذي نشرته شبكة «قدس» الإخبارية يوم الإثنين الـ9 من سبتمبر الجاري بما يلي: (شكلت عملية إطلاق النار عند معبر الكرامة، والتي نفذها الشهيد الأردني ماهر الجازي، ضربة أمنية للاحتلال الإسرائيلي، الذي حاول دائمًا وعمل جاهدًا على إحكام قبضته على الحدود مع الأردن).
هروب قيادة «الكيان» إلى اتهام «إيران»
منذ اليوم الأول لتفجُّر معركة «طوفان الأقصى» وإلى هذه الأثناء تمنى قيادة «دولة الكيان» وجميع الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية الاحتلالية -بالرغم من مجازرها بحق الفلسطينيين التي بلغت في بشاعتها مستوياتٍ خيالية- بانتكاسات وإخفاقاتٍ متوالية كان آخرها الإخفاق الشديد في اكتشاف السلاح الذي كان بحوزة الشهيد، إلَّا أنَّ المدعو «بنيامين نتنياهو» رئيس وزراء «كيان العدو» قد واجه تلك السلسلة الإخفاقية بمبررات غير منطقية، وها هو الآن يتهرب من تحمل مسؤولية إخفاق أجهزته الأمنية في الحيلولة دون حدوث عملية «معبر الكرامة» التي نفذها الشهيد «ماهر الجازي» في نقطة حدودية فلسطينية-أردنية بالادعاء -دون الإشارة إلى أبسط الأدلة التفصيلية- أنَّ «إيران» تقف وراء نجاح هذه العملية، وذلك ما ألمح إليه ابن فلسطين الكاتب «بكر السباتين» -في سياق مقاله- بقوله: (من جهته حاول نتنياهو اللعب على الوتر الإعلامي لتوظيف ارتدادات عملية جسر اللنبي، لصالح رؤيته حول استعادة وحدة الصف الإسرائيلي ومواجهة الهجمة الحمساوية الإعلامية المؤثرة على الداخل الإسرائيلي، والدفع إلى تصدير الأزمة الإسرائيلية إلى الخارج بإشعال حرب إقليمية فشل في تحقيقها منذ أكثر من عقدين، من خلال اتهام محور المقاومة وعلى رأسه إيران بالوقوف وراء عملية اللنبي التي نفذها نشمي أردني بدافع شخصي دون أجندة خارجية.
فعلق نتنياهو على الحادث قائلاً: “إنه يوم صعب، إذ إننا محاطون بأيديولوجية قاتلة بقيادة إيران”).
نموذج إغرائي يعزز استمرار العمل الفدائي
العمل الفدائي أعظم عمل يقدم عليه المرء، ولا يقوم به -عادةً- إلَّا عدد محدود من أصحاب النفوس الأبية النادرة الوجود، لأنَّ هذا العمل الجبار يتطلب ممن يبلغ به علوُّ همته الاتسام بالإيثار إلى حدَّ التضحية -عن قناعة واختيار- بالنفس نصرةً لقضية عادلة، (والجودُ بالنَّفْسِ أَقْصَى غايةِ الجُودِ).
ومن شأن الموقف البطولي الذي سطره الشيهد البطل «ماهر الجازي» -صبيحة الأحد الماضي- في «معبر الكرامة» مساندةً منه لأبناء أمته مسترخصًا في سبيل مساندتهم حياته إضاءةُ الدورب كاملة أمام أبناء جيله وأمام الأجيال المقبلة لاجتراح الكثير من البطولات المماثلة، وذلك ما يفهم من احتواء تحليل الكاتب «أحمد الطناني» الاستراتيجي التساؤلي المعنون [عملية معبر الكرامة.. كيف ستتجاوز ارتداداتها حدود الأردن؟] الذي نشره في «نون بوست» عصر الـ9 من سبتمبر على ما يلي: (نجاح العملية الفدائية على «معبر الكرامة» سيحفز على انطلاق العديد من المبادرات الفدائية خارج الأراضي الفلسطينية نصرة للشعب الفلسطيني، إذ يشكّل نجاح أي نموذج عاملَ تشجيعٍ لانطلاق نماذج أخرى.
ولن يتوقف صدى العملية الفدائية على الحدود بين فلسطين المحتلة والأردن عند تلك الحدود، ولا عند ساحة الفعل الرئيسية {الأردن}، بل سيتعدّاها ليلامس نفوس كل المنحازين للشعب الفلسطيني ولـ حقّه في الحياة في وجه آلة القتل الإسرائيلية، وسيعزز، البحث خارج الصندوق عن أدوات ووسائل لتقديم إسناد كفاحي في أكثر من ساحة).