سبتمبر 6, 2024 - 20:47
تحديات غير مسبوقة .. لماذا تصف الولايات المتحدة المعركة البحرية في البحر الأحمر بالأعنف منذ الحرب العالمية الثانية ؟


عرب جورنال / كامل المعمري - 
في ديسمبر عام 2022، أعلن وزير الدفاع الأميركي، خلال "منتدى ريجان للدفاع الوطني" أن الولايات المتحدة تبني قوة "أكثر فتكاً" في المحيطين الهندي والهادي، مؤكداً أنها لن تسمح للصين بالهيمنة على تلك المنطقة 
خلال العقد الاخير ازدادت حدة المنافسة بين امريكا والصين في تطوير القدرات العسكرية البحرية  ورات امريكا ان التحدي البحري الأكبر لها  يأتي من الصين التي تواصل تطوير قدراتها العسكرية البحرية وبالتالي فإن عليها الاستعداد لتطوير قدراتها البحرية بشكل اكبر استعدادا لمعركة بحرية مع الصين قد تخوضها في اي وقت 
وحتى وقت قريب من اندلاع معركة طوفان الاقصى لم تكن تدرك الولايات المتحدة الامريكية بأن ما تقوم به من استعدادات في تطوير قدراتها البحرية لمواجهة الصين انها ستقف امام اختبار حقيقي ينسف هيبة قواتها البحرية من قبل قوة اقليمية صاعده في الجزيرة العربية 

  انها المعركة البحرية الأعنف والاكثر تعقيدا منذ الخرب العالمية الثانية هكذا وصفت البحرية الامريكية معركثها في البحر الاحمر مع الجيش اليمني وهو تقييم تكرر مرارا وتكرارا على لسان قاده عسكرين في البحرية الامريكية 
فماذا يعني ذلك ولماذا تعتبر هذه المعركة هي الاعنف لمية الثانية
 فما الذي يجعل هذه المعركة تبرز كأعنف صراع شهدته البحار منذ عقود؟ وما هي أبعاد هذا الوصف في السياق العسكري العالمي؟

الخصم ليس الصين بل الجيش اليمني او الحوثيين كما تسميهم الولايات المتحدة الامريكية التي اصبحت امام أحد أكبر التحديات التي واجهتها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، 

فما ان وصلت القطع الحربية الامريكية الى البحر الاحمر لحماية الملاحة الاسرائيلية حتى وجدت نفسها امام جحيم الهجمات اليمنية الامر الذي دفعها لتشكيل تحالفات فالمعركة اصعب مما توقعت وليس بمقدورها صد هجمات الحوثيين لذا كان عليها تشكيل تحالف الازذهار لشن حرب على صنعاء عبر الضربات الصاروخية والغارات التي ستسهدف مخازن الاسلحةبهدف تقليص قدرات القوات اليمنية غير ان التكتيكات القتالية التي اعتمدتها صنعاء في مهاجمة السفن التجارية الاسرائيلية والحربية والتي اعتمدت على الهجمات السريعة والمباغتة باستخدام زوارق انتحارية مسيرة وطائرات بدون طيار، وهو اسلوب ناجح في استنزف القدرات الدفاعية لامريكا وبريطانيا واصابة الاهداف وعلى الرغم من تكنولوجيا المراقبة المتطورة، لدى التحالف واجهت البحرية الأمريكية صعوبة في تحديد الأهداف بشكل دقيق واتخاذ قرارات سريعة وفعالة للتصدي لها. هذا الوضع عزز من إرباك القوات الأمريكية وجعل من الصعب تنفيذ العمليات الدفاعية والهجومية بفعالية.

من الناحية التقنية، يعتمد الطرفان على تقنيات متقدمة. أنصار الله يستخدمون الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة بدقة، والتي تم تطويرها باستخدام تكنولوجيا محلية . 
في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على أنظمة متقدمة مثل "إيجيس" للتصدي للهجمات الصاروخية، لكن هذه الأنظمة وجدت صعوبة متزايدة في مواجهة التهديدات المتطورة التي يواجهونها فالتقنية التي تمتلكها صنعاء أثبتت فعالية مقلقة للقوات الأمريكية، التي تجد نفسها في مواجهة مستمرة مع تكنولوجيا تتطور بسرعة وتستهدف نقاط ضعف في الاستراتيجيات التقليدية.

الهجمات المكثفة التي شنتها صنعاء على السفن الأمريكية شكلت ضغطا كبيرا على القدرات الدفاعية لامريكا حيث تميزت تلك الهجمات بالتتابع المستمر، وتتعرضت السفن الحربية والتجارية لهجمات متكررة ومتصاعدة باستخدام طائرات مسيرة وزوارق مسيرة وصواريخ 
هذا النوع من الهجمات يتطلب ردودا فورية وسريعة من القوات الأمريكية، ويضع عبئا إضافيًا على الأنظمة الدفاعية، مما يسبب استنزافا للموارد والقدرات الدفاعية. 
ووفقا لما أكده قائد الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، الأدميرال تشارلز برادفورد كوبر، في يناير من العام الحالي، فإن القوات البحرية الأمريكية تواجه إطارا زمنيًا ضيقا للغاية عند مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها جماعة أنصار الله (الحوثيين) من اليمن.
فهذه الطائرات والصواريخ يمكن أن تصل إلى أهدافها في غضون 75 ثانية من الإطلاق، مما يمنح البحرية الأمريكية فقط من 9 إلى 15 ثانية لاتخاذ قرار بإسقاط أي تهديد.
 وبالتالي فان هذا الإطار الزمني الضيق يفرض ضغوطا هائلة على نظام الدفاع، ويستدعي حالة من اليقظة القصوى والاستنفار غير المسبوق من قبل الطواقم البحرية الأمريكية على حد قوله 
اي تأخير أو خطأ في التصدي يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية وهذا مايزيد من تعقيد إدارة الأزمات، حيث يتعين على فرق الدفاع اتخاذ قرارات معقدة بسرعة قصوى. 
من حيث حجم القوة الضاربة التي أرسلتها الولايات المتحدة لمواجهة هذا التصعيد، يُلاحظ أن حجم هذه القوة يضاهي تقريبا ما كانت ستستخدمه واشنطن لتعزيز الردع ضد الصين بحسب صحيفة "ذا ناشيونال إنترست" التي أشارت إلى أن هذه الحقيقة صادمة، خاصة وأن هذه القوة الكبيرة لم تنجح حتى الآن في احتواء التهديدات الحوثية رغم ضخامة العمليات العسكرية الأمريكية، إلا أن الهجمات المستمرة من قوات صنعاء لم تتوقف، مما يدفع البعض للتشكيك في فعالية الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر.

علاوة على ذلك لم تتمكن الولايات المتحدة من تمويه قطعها الحربية بشكل فعال، الأمر الذي أتاح لقوات صنعاء استهداف السفن الحربية الأمريكية بشكل متكرر. من بين هذه القطع، تبرز حاملة الطائرات "يو إس إس أيزنهاور" التي كانت في مركز الأحداث. 
فكرة أن تكون حاملة طائرات عملاقة، مثل "أيزنهاور"، مطاردة في البحر وتضطر لمحاولات مستمرة للاختباء، تكاد تبدو مشهدا خياليا أو سينمائيا وهو مالم تستوعبه البحرية الامريكية كما ان هذا النوع من المطاردة يعكس تغيّرا جذريا في قواعد الاشتباك البحري، حيث تتحول واحدة من أعظم السفن الحربية في العالم إلى هدف يتعين عليه المناورة والاختباء من تهديدات الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة بدقة التي تمتلكها قوات صنعاء الامر الذي كشف عن ثغرات كبيرة في الأنظمة الدفاعية الأمريكية، إذ يُفترض أن مثل هذه الحاملات تكون بمنأى عن التهديدات التقليدية نظرا لحجمها الهائل وأنظمة الدفاع المتقدمة التي تحملها. 

ومع ذلك، فإن الواقع الميداني يثبت عكس ذلك. الحاملة، التي كانت تعتبر رمزًا للقوة الأمريكية الضاربة، تجد نفسها في موقف دفاعي بحت، تحاول الإفلات من ضربات مركزة وغير تقليدية. تصبح محاولات الاختباء في بحر مفتوح أمرًا صعبًا، لا سيما مع الاستخدام الذكي للتكنولوجيا الحديثة من قبل قوات صنعاء، التي تستغل كل ثغرة ممكنة لاستهداف القطع البحرية الكبرى مثل "أيزنهاور".

ايضا التكلفة المالية لهذه العمليات باتت تشكل تحديا كبيرا للولايات المتحدة. فأنظمة الدفاع الصاروخية التي تم إطلاقها للتصدي للهجمات كلفت الحكومة الأمريكية أكثر من مليار دولار. هذه التكلفة المرتفعة تضع واشنطن في موقف صعب من حيث إدارة الموارد العسكرية والمالية، خصوصا في ظل عدم تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض وبالتالي فان استنزاف هذه الموارد يجعل من الصعب استمرار العمليات بهذا المستوى لفترات طويلة دون نتائج ملموسة.

لقد مثلت هذه المعركة البحرية  اختبارا حقيقيا لقدرات الولايات المتحدة في مواجهة تهديدات غير تقليدية. فمنذ بداية هذا التصعيد، وجدت القوات البحرية الأمريكية نفسها في مواجهة عدو مرن ومتطور تقنيا، قادر على استنزاف مواردها وإرباك استراتيجياتها التقليدية. 
قوات أنصار الله التي أظهرت براعة في استخدام تقنيات حديثة مثل الطائرات المسيرة والزوارق الانتحارية، والصواريخ مما جعل من الصعب على الولايات المتحدة التكيف بسرعة مع أساليب الهجوم غير التقليدية.

وبالتالي فان زيادة وتيرة الهجمات الحوثية وضعت القوات البحرية الأمريكية تحت ضغط هائل، حتى أن هذه العمليات المستمرة تسببت في إرهاق كبير لقواتها. كما ان هذا الضغط المتزايد خلق تحديا لوجستيا معقدا، حيث بات من الصعب إيجاد بدائل دفاعية فعالة لصد الهجمات المتكررة.
و في محاولة لحماية لايجاد بديل دفاعي اقل كلفة اضطرت الولايات المتحدة إلى ضخ أكثر من مليار دولار كتمويل لما اسمته انظمة دفاع حركية وهو ما يمثل استنزافا اقتصاديا غير مسبوق في مثل هذه العمليات البحرية.

المعركة البحرية هذه جعلت وزارة الدفاع الأمريكية في حالة طوارئ قصوى.
فالبنتاغون يدرك أن التهديد الذي يشكله الحوثيون يتعدى كونه مجرد نزاع محلي، إذ أنه يهدد مكانة وهيبة البحرية الأمريكية على الصعيد الدولي. 
وخسارة الولايات المتحدة في هذه المعركة لن تؤثر فقط على سمعتها، بل قد تؤدي إلى تآكل الثقة التي تتمتع بها لدى حلفائها في المنطقة. هذا السيناريو يحمل معه مخاطر استراتيجية كبيرة، حيث إن أي ضعف أو فشل أمريكي قد يشجع قوى كبرى مثل الصين على استغلال الفرصة للقيام بتحركات عدوانية في مناطق حساسة أخرى، مثل بحر الصين الجنوبي، وربما يؤدي إلى صراع في تايوان.

بالإضافة إلى المخاوف من التداعيات الإقليمية، فإن أي انتكاسة في البحر الأحمر قد تقوي عزيمة خصوم الولايات المتحدة حول العالم، مما يفتح الباب أمامهم لتحدي النفوذ الأمريكي في مناطق أخرى

اليوم وبعد مرور عشرة اشهر من المعركة البحرية اصبحت واشنطن تعترف صراحة بفشلها الذريع في تحييد قدرات صنعاء فواشنطن وظفت كل قدراتها التقنية والتكنولوجيا في هذه المعركة ولكنها فشلت ولذا وصفت هذه المعركة بالاعنف منذ الحرب العالمية الثانية
وعند مقارنة الحرب البحرية التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية بما تلاها من صراعات بحرية، مثل حرب الخليج، يتضح أن طبيعة الحروب البحرية وتكتيكاتها شهدت تحولات جوهرية.

فبينما كانت الحروب البحرية التقليدية تعتمد على الأعداد الكبيرة من السفن والقوة النارية الثقيلة، فإن الصراع الحالي في البحر الأحمر يعتمد بشكل أكبر على الحرب الإلكترونية، التكنولوجيا الحديثة، والقدرة على الاختراق والتخفي. الولايات المتحدة تواجه اليوم عدوا يستخدم أسلحة منخفضة التكلفة نسبيا ولكنها فعالة للغاية في تعطيل عملياتها البحرية، مما يشكل تحديا استراتيجيا جديدا لم تكن الولايات المتحدة مضطرة لمواجهته خلال الحرب العالمية الثانية أو حتى في حرب الخليج.

في النهاية، يتضح أن الحروب البحرية قد تغيرت جذريا على مر العقود وإذا كانت الولايات المتحدة قد اعتمدت في الماضي على أساطيل ضخمة وصواريخ موجهة بعيدة المدى، فإنها اليوم تواجه خصما يستخدم تكتيكات حديثة وغير تقليدية، ما يستدعي إعادة التفكير في الاستراتيجيات البحرية التقليدية لمواكبة التهديدات الجديدة.

- صحفي متخصص في الشان العسكري