عرب جورنال / خالد الأشموري -
لم يكن تصريح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يوم الأثنين 26/8/ 2024م، بأنه سيبني كنيساً يهودياً في باحات المسجد الأقصى خبراً عادياً بل أنه مثل تحدياً سافراً وتصرفاً موغلاً في الاستفزاز لأحقية المسلمين في المسجد الأقصى المبارك والتنكر لكل القيم الدينية والاتفاقية الموقعة بين الدولة الإسرائيلية والمملكة الأردنية المعنية التي تنص على احتفاظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام، التي وقعها مع إسرائيل في.. 1994 وفي مارس/ آذار 2013، وقع الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية تعطي المملكة حق "الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات" في فلسطين" و" أن إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة شؤون الحرم القدسي الشريف.
وتتضاعف عواقب هذا التصريح العلني الغير مسؤول الذي أعلنه بن غفير على مرأى ومسمع العالم عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية، حيث تتحمل الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نتائج التصريح المتغطرس الذي أعلنه بن غفير ومن معه من المناصرين المؤيدين لمثل هكذا فعل.. ولكن كيف لحكومة إسرائيل أن تلجم وزرائها الذين باتوا يمارسون القتل والدمار والإرهاب جهاراً نهاراً ضد الفلسطينيين على نحو مكشوف ودون أن تخشى إسرائيل أحد؟ بعد أن صم العالم أذنيه تجاه تصرفاتها منذ تاريخ احتلالها، إلى درجة باتت فيها إسرائيل تظهر وكأنها فوق كل القوانين والأعراف الدولية.
ولعل بن غفير بإعلانه بناء كنيس في المسجد الأقصى قد أراد من خلال هذا التصريح أن يعلن أولاً تأييده لرغبة الإسرائيليين في بناء كنيساً يهودياً في حرم المسجد الأقصى المبارك ، وثانياً أن يوجه رسائل لعامة المسلمين والمجتمع الدولي مفادها " بأن سياسة إسرائيل الحالية تسمح لليهود بالصلاة في الموقع " المكان" متى يريدون مثلهم مثل العرب.. ولم يكتف هذا " القومي المتطرف" الذي يرأس حزب " عوتسما يهوديت" ويتبنى سياسات عنصرية معادية للعرب وله إدانات سابقة بالتحريض على العنصرية ودعم الإرهاب واقتحاماته المتكررة لباحة المسجد الأقصى الشريف في القدس الشرقية المحتلة، منذ تولية منصبه في ديسمبر 2022م ، بحماية من الحكومة الإسرائيلية التي لم تعلق على زيارات واقتحامات بن غفير لباحة المسجد الأقصى المبارك ، فيما يجب على الحكومة أن تتخذ الإجراءات اللازمة والرادعة تجاه بن غفير وجماعته المتطرفة.. وان ظهر في المشهد السياسي في الداخل الإسرائيلي ما يشير إلى موجة غضب داخلية وردود أفعال من تصرفات بن غفير رئيس الأمن القومي بعضها إدانات من جانب الائتلاف وكذلك المعارضة السياسية للوزير اليميني المتطرف إلا أن هناك إجماعاً إسرائيلياً حيث يجمع الكثيرون على "أحقية إسرائيل" في هذه الباحات المعروفة لديهم بجبل الهيكل لكن اختلاف الإسرائيليين في هذا الشأن يتمحور حيال تصرفات بعض الوزراء المتشددين في حكومة نتنياهو.. أبرزها:
يقول المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن، "لبي بي سي" إن بن غفير معنيّ بتغيير جذري للوضع القائم في الحرم القدسي الشريف أو جبل الهيكل وهو بذلك "يصب الزيت على النار". ويرى شتيرن أن تصريحات بن غفير هي جزء لا يتجزأ من خلق تصعيد على الأرض وأن "التراكمات التي يسببها سيكون لها ارتدادات على المنطقة"، مرجحا أن هناك إمكانية واضحة للتصعيد كرد فعل على هذه الخطوات التي وصفها بـ "الخطيرة" والتي لها ردود فعل غاضبة من قبل المجتمعَين الفلسطيني والدولي.. ويعتقد المحلل الإسرائيلي بأن بن غفير وفي ظل التصعيد والتوتر الأمني يستطيع أن يصل إلى إنجازات ويقوم بتغيير "الوضع القائم في الحرم".وأن هناك "إجماعاً محلياً ودولياً على أن الحرم القدسي يجب الحفاظ على الوضع القائم فيه وأن أي تغيير قد يحدث مشكلة كبيرة".
صحيفة "ياتيد نئدمان" التابعة للحزب السياسي الحريدي "ديجل هاتوراه"، نشرت عنواناً رئيسياً باللغة العربية يندد بوزير الأمن القومي بن غفير بسبب أنشطته المتعلقة بالحرم القدسي الشريف وتعليقاته حول الموقع وجاء في العنوان:
(الوزير بن غفير يكرر تقيؤه ويعرّض سكان الأرض المقدسة للخطر).
ووصفت "صحيفة الحريديم" بن غفير بأنه "مُحرِق سياسي" "يُشعل المنطقة" مرة أخرى، في إشارة إلى تصريح الوزير خلال مقابلة مع إذاعة الجيش: بأنه سيبني كنيساَ يهودياً في باحات المسجد الأقصى.
يقول الحاخام الإسرائيلي "الحنان ميلر" إنه ومن الناحية الشرعية يوجد خلاف بالنسبة لدخول اليهود إلى باحات المسجد الأقصى أو الحرم القدسي الشريف الذي يعرفه اليهود "بجبل الهيكل" وأن الحاخامية العليا في إسرائيل - وهي الجهة الرسمية الدينية - حظرت زيارة اليهود هناك، بسبب اعتقادهم بأن دخولهم قبل موعد "ذبح البقرة" وخروج المسيح يعتبر تدنيساً للمكان.
وأضاف ميلر : أن هناك صراعاً بين الحريد يم المتشددين وبين اليمين المتطرف الديني حول مسألة زيارة اليهود إلى الحرم القدسي لما فيها من أبعاد سياسية، في ظل مخاوف من تدمير أماكن مقدسة للمسلمين وتموضع يهودي في المكان على حساب الأماكن المقدسة الإسلامية.. مشيراً إلى أن تلك المخاوف قد تثير سفك الدماء واستفزاز الدول العربية والإسلامية.
وزير الدفاع يوآف غالانت عبر حسابه على منصة "إكس" نشر منشوراً قال فيه "إن تحدي الوضع القائم في جبل الهيكل هو عمل خطير وغير ضروري وغير مسؤول" وأضاف: "تصرفات بن غفير تعرّض أمن دولة إسرائيل للخطر".
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عبر منصة "إكس"، إن تصريحات بن غفير المتكررة تظهر أن "نتنياهو فقد السيطرة على حكومته".
ووصفت كارين الهرار، النائبة الإسرائيلية عن حزب "يش عتيد" المعارض، الوزير بن غفير بأنه "الممثل الحقيقي للحكومة الأكثر عنصرية ومسيحانية وكاهانية على الإطلاق.
وقالت منظمة بتسيلم، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية "هذا هو الواقع الذي نراه على الأرض، كل يوم، منذ خمسة عقود، حقوق اليهود أكثر أهمية من حقوق العرب، هذا هو شكل الفصل العنصري".
وقالت صحيفة "معاريف" إن المؤسسة الأمنية والجيش يخشيان من أن تؤدي كلمات بن غفير إلى تفاقم التوترات في الأراضي الفلسطينية، التي هي أيضاً مثل طنجرة ضغط على وشك الانفجار، وقد تحرّض على العنف ضد اليهود أينما وجدوا. وبحسب الصحيفة، فإن المؤسسة الأمنية منزعجة من تصريحات بن غفير، باعتبار أنه "لدينا مشكلة مع حماس والجهاد الإسلامي وليست لدينا مشكلة مع العالم الإسلامي. وبن غفير يحوّل الحدث إلى حرب دينية".
وطالب وزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربيل )حزب شاس)، نتنياهو بـ"أن يتحرك فوراً لوضع بن غفير في مكانه المناسب وأضاف: تصريحاته غير المسؤولة تهدد تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع الدول الإسلامية وإن افتقاره إلى الفهم قد يؤدي إلى إراقة الدماء.
وقال رئيس حزب الوحدة المعارض" بيني غانتس" : لا أحد لديه أي توقعات من الوزير بن غفير، ولا حتى من رئيس الحكومة الذي يسمح له بأن يأخذنا إلى الهاوية مقابل الهدوء السياسي. يتوقع الشعب منكم اتخاذ إجراءات بشأنه. لن تكون الإدانات والكلمات اللطيفة كافية هنا، وسيحكم عليكم التاريخ لكونكم جزءاً من هذه الرحلة الخطيرة".
صحيفة "يديعوت أحرونوت" أشارت إلى أن تصريح بن غفير حول إقامة كنيس أثار ضجة سياسية كبيرة، لكن نظرة تاريخية تكشف أن مكاناً للصلاة وتعليم التوراة كان قد أُقيم هناك في فترة قصيرة بعد حرب الأيام الستة "عام 1967"، والحديث يدور عن "مدرسة الحاخامية العسكرية على جبل الهيكل.
وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن تصريح بن غفير حول إقامة كنيس أثار ضجة سياسية كبيرة، ودفع وزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى تحذير بن غفير من تعريض إسرائيل للخطر من خلال التحركات "المتهورة" في الحرم القدسي.
وذكر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن انتهاك الوضع الراهن من شأنه أن يؤدي إلى إثارة اضطرابات جماعية، حيث كان الحرم القدسي مسرحا لاشتباكات متكررة بين المتظاهرين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، كما أدت التوترات في المجمع المتنازع عليه إلى تأجيج جولات سابقة من العنف.. فيما حذروا بوقت سابق وفق موقع "واينت العبري" من أن مثل هذه السياسة يمكن أن تشعل "حربا دينية" في الشرق الأوسط، أو أن تؤدي إلى تصعيد كبير في الوضع الأمني في القدس الشرقية والضفة الغربية..
وقال وزير التعليم يوآف كيش أن "التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها الوزير بن غفير في وسائل الإعلام بشأن هذه القضية هي شعبوية غبية وغير ضرورية بتمكين بن غفير وإبقائه في موقع السلطة.
ولعل مثل هذا الخطر الدائم الذي تتبناه حكومة نتنياهو على لسان الوزير بن غفير إزاء المسجد الأقصى الشريف تكون دولة إسرائيل قد أظهرت مدى المخطط الإسرائيلي الذي أعلنه بن غفير مساء الأثنين 26/ أغسطس / 2024م في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي بإيعاز من نتنياهو رئيس الحكومة ، حيث أشار بن غفير في المقابلة "بأن نتنياهو على علم بذلك قبل تشكيل الحكومة".. ورغم تصريحات ومزاعم " نتنياهو " بالحفاظ على الوضع التاريخي القائم للأقصى ، وبعدم السير وراء تصريحات بن غفير حين أصدر عقب تصريح بن غفير بياناً " اصر فيه على أنه لا يوجد تغيير في الوضع الراهن الرسمي في الحرم القدسي، " في اشارة إلى تنصلة من تصريح بن غفير"، واعلن أنه لا توجد سياسة خاصة لأي وزير في جيل الهيكل " المسجى الأقصى ".
ومن الواقع نُذكر بأن تصرفات بن غفير وعصبتة مستفزة فهم مكايدون ومجرمون يسعون إلى تهويد القدس الشرقية بما فيها المسجد الأقصى وطمس هويتها العربية والإسلامية ، فقد أثارت التصريحات غضب العالم الإسلامي، وهناك إجماع وإدانات عربية وإسلامية جاء ذلك في بيانات رسمية صادرة عن الحكومات العربية والإسلامية تؤكد:
أن تصريحات بن غفير بإقامة كنيس في حرم المسجد الأقصى الشريف "متهورة " وغير مسؤولة .
ما يحصل في باحات المسجد الأقصى من انتهاكات هي استفزاز لمشاعر المسلمين الذين لا يقبلون المساس بالمسجد الأقصى وهو خط أحمر لا يمكن السماح بالمساس به إطلاقاً .
تصريحات بن غفير متطرفة وتحريضية وعلى الدولة العبرية ضرورة إحترام الوضع التاريخي والقانوني في المسجد الأقصى.
ما تحدث به بن غفير انتهاكاً للقانون الدولي وتحريضاً مرفوضاً يتطلب موقفاً دولياً واضحاً بإدانته والتصدي له.
الرفض المطلق لسياسات إسرائيل المتطرفة التي تعمل على فرض الأمر الواقع.
التصريحات لا تؤكد إلا نظام الفصل العنصري الإسرائيلي القائم على الإرهاب اليهودي العنصري ضد الشعب الفلسطيني.
دعوة ، المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأميركية إلى التحرك الفوري للجم هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، وإجبارها على الالتزام بالوضع القانوني والتاريخي السائد في الحرم الشريف ووقف الدعم الأميركي السياسي والعسكري والمالي هو الذي شجع هؤلاء المتطرفين على الاستمرار في عدوانهم على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته وأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة في قطاع غزة، وقتل واعتقال وتدمير في الضفة الغربية بما فيها القدس، وعليها إجبار حليفها الاحتلال الإسرائيلي على وقف عدوانه واعتداءاته وإرهاب مستعمريه.
دعوة بن غفير لبناء كنيس في باحة المسجد الأقصى المبارك دعوة بالغة الخطورة وتعتبر بنظر كافة العرب والمسلمين علنية وصريحة لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانة.
تمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل المدينة عام 1967م ، ولا بضمها إليها في عام 1981م .
تمويل إسرائيل لاقتحامات الأقصى خرقاً للقانون الدولي .
موقف الشعوب العربية والإسلامية " موقف ثابت " بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى ووقف الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية فيه .
تصريحات بن غفير غير المسؤولة في حق المقدسات الإسلامية والمسيحية بالأراضي الفلسطينية تزيد الوضع في الأراضي الفلسطينية تعقيدا واحتقانا، وتعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة، كما ان تلك التصريحات “تشكل خطرا كبيرا على مستقبل التسوية النهائية للقضية الفلسطينية القائم على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
ومما جاء في بيانات الإدانة بيان الشيخ محمد حسين – المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية - خطيب المسجد الأقصى المبارك : حذر فيه من حرب دينية تطال العالم أجمع في حال تم المس بالمسجد الأقصى المبارك ، وقال : أن التهديد ببناء كنيس في المسجد الأقصى المبارك والسماح للمستعمرين المتطرفين بأداء رقصات وغناء والمس بحرمة المسجد يدفع المنطقة إلى الانفجار الذي سيطال العالم أجمع".
إذاً وقد أدانت الدول العربية والإسلامية ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات خطيرة على القادة والحكام أن يستشعروا مسؤوليتهم الدينية نحو المقدسات الإسلامية أولاً ، ونحو القضية الفلسطينية ثانياً، ونحو شعوبهم ثالثاً ، وان يستوعبوا أنهم مطالبون برفع سقف تحركهم من أجل منع الجريمة الاسرائيلية في حق المسجد الأقصى والدفاع عن مقدسات هذه الأمه خاصة وأنهم متفقون ان اسرائيل دولة عنصرية ومحتلة وانها بتصرفاتها وهي تستهدف المسجد الاقصى تعد تصرفات غير مسؤولة، حيث المسؤولية تقع عليهم ان يخرجوا من صمتهم ومواقفهم الخجولة الى موقع العمل الذي يجعل اسرائيل ان تتوقف عن غطرستها وتعيد النظر في سياساتها وتوجهاتها تجاه المقدسات الإسلامية لان مواقف الصمت ستشجع الجماعات اليهودية المتطرفين والحكومة الإسرائيلية الحالية والقادمة على المضي قدماً في أفعالهم الإجرامية .