سبتمبر 3, 2024 - 16:20
لماذا تعد افريقيا أكثر تأثرا بالتغيرات المناخية رغم انها اقل مساهمة في حدوثها..؟ 


أنس القباطي
تعد قارة افريقيا اكثر جغرافيات العالم تأثرا بالتغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الارضية، والتي ادت تاثيراتها إلى وقوع ازمات انسانية تهدد بمزيد من الفقر، وقد تؤدي إلى انهيار الدول. 
عبء ثقيل
وفي تقرير حديث، قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ان دول قارة أفريقيا تتحمل عبئاً ثقيلاً ومتزايداً من جراء تغير المناخ، وتتكبد تكاليف باهظة على نحو غير متناسب للتكيف الأساسي مع المناخ.
حالتان متباينتان 
وتشهد الدول الافريقية حالتين متباينتين من التغيرات المناخية، بفعل التطرفات المطرية المناخية، الحالة الاولى تسببت في حصول فيضانات غير مسبوقة، والثانية تسببت في جفاف طويل، اثر سلبا على الامن الغذائي للسكان.
خسائر
وتخسر البلدان الأفريقية في المتوسط ما بين 2 و5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يحوِّل الكثير من هذه البلدان ما يصل إلى 9٪ من ميزانياتها لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة، حسب تقرير منظمة الارصاد العالمية.
وتعد الدول الافريقية الواقعة بين جمهورية إفريقيا الوسطى والصومال وحتى السودان، أكثر الدول التي تعاني من الفيضانات وموجات الجفاف والعواصف وغيرها من الكوارث المرتبطة بتغير المناخ.
وفي هذه البلدان يزيد أعداد المتضررين من الكوارث الطبيعية قياسا بغيرها من الدول الافريقية، نظرا لكون هذه الدول هشة اقتصاديا، وتعاني من عدم الاستقرار.
كلفة مرتفعة
ووفقاً لتقرير حالة المناخ في أفريقيا 2023 الذي أصدرته المنظمة، تشير التقديرات أن تكلفة التكيف مع تغير المناخ في جنوب الصحراء الكبرى ستتراوح بين 30 و50 مليار دولار أمريكي سنوياً على مدار العقد المقبل، أو 2- 3٪  من الناتج المحلي الإجمالي لهذه المنطقة.
فقر مدقع
وافاد التقرير ذاته أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة، فإن ما يصل إلى 118 مليون نسمة سيعانون من الفقر المدقع (ويعيشون على أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم)، بسبب الجفاف والفيضانات والحرارة المتطرفة بحلول العام 2030، ما سيضع أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعرقل النمو بشدة.
ارتفاع الاحترار
وبحسب تقارير الارصاد المحلية والدولية فإن درجات الحرارة في الدول الهشة في افريقيا أعلى بالفعل مما هي في البلدان الأخرى بسبب موقعها الجغرافي.
ويرى خبراء في المناخ ان وبحلول العام 2040 من الممكن أن تواجه الدول الافريقية الهشة درجات حرارة أعلى من 35 درجة مئوية في المتوسط على مدار 61 يوما في السنة، ما يجعلها أعلى بمقدار أربعة أضعاف من البلدان الأخرى.
ولذلك فإن موجات الاحترار وما يصاحبها من ظواهر مناخية حادة، ستُعَرِّض صحة الإنسان للخطر وتضر بالإنتاجية وفرص العمل في قطاعات رئيسية مثل الزراعة والبناء.
اعلى حرارة
ويعد العام 2023 الأعلى حرارة على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في قارة افريقيا، وفي هذا السياق تقول البروفيسورة سيليستى ساولو، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ان أفريقيا سجلت على مدار السنوات الستين الماضية اتجاهاً للاحترار أصبح أسرع من المتوسط العالمي.
وكانت قارة افريقيا قد شهدت في العام 2023 موجات حر مميتة وأمطاراً غزيرة، وضربتها فيضانات وأعاصير مدارية وموجات جفاف طويلة.
ظواهر متطرفة
وفي الوقت الذي لا تزال فيه العديد من البلدان في القرن الأفريقي وجنوب وشمال غرب أفريقيا تعاني من جفاف استثنائي مستمر منذ عدة سنوات، شهدت بلدان أخرى في العام 2023 ظواهر متطرفة لهطول الأمطار تسببت في حدوث فيضانات وأدت إلى خسائر كبيرة، خلَّفت آثاراً مدمرة على المجتمعات المحلية، ونجمت عنها عواقب اقتصادية خطيرة.
مواجهة المخاطر
وتفاقم الصراعات التي تشهدها الدول الافريقية في زيارة الخسائر الناجمة عن التغيرات المناخية، ويؤدي هذا العامل مع ما تسببه الظواهر المناخية في تدني مستوى القدرات الحكومية على مواجهة المخاطر، فالصراعات تفضي إلى إضعاف قدرة الدول الهشة على التعامل مع المخاطر المناخية، فمثلا في الصومال؛ ترجع أسباب تضرر بعض المناطق من انعدام الأمن الغذائي لفترة الجفاف التي استمرت طويلا في 2021 و 2022 وخضوعها لسيطرة جماعات إرهابية ما أحبط محاولات وصول المساعدات الإنسانية.
الزراعة البعلية
وتعتمد الدول الهشة في افريقيا غالبا على الزراعة البعلية ما يؤدي إلى تزايد الخسائر جراء الظواهر المناخية، لأن هذا النوع من الزراعة يمثل ما يقرب من ربع الناتج الاقتصادي في هذه الدول، ولذلك فإن المزارع البعلية بصفة خاصة تتعرض لمخاطر موجات الجفاف والفيضانات، وفي حال وجدت بنية تحتية للري، فغالبا ما تكون رديئة التصميم أو في حالة سيئة نتيجة للإهمال بسبب الصراعات.
اعباء ومخاطر
وتوجه دول قارة افريقيا أعباء ومخاطر غير متناسبة ناجمة عن الظواهر والأنماط الجوية المرتبطة بتغير المناخ، ما يسبب أزمات إنسانية هائلة تلحق آثاراً ضارة بالزراعة والأمن الغذائي والتعليم والطاقة والبنية التحتية والسلام والأمن والصحة العامة والموارد المائية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة. 
محدودية المشاركة
ورغم ان قارة افريقيا لا تساهم الا بشكل محدود في ظاهرة الاحترار العالمي، إلا انها الاكثر عرضة لمخاطر الاحترار، ما ينعكس سلبا على اقتصادات دولها واستثماراتها في البنية التحتية وأنظمة المياه والغذاء والصحة العامة والزراعة وسبل العيش.
اكثر عرضة للتهديدات
وتشير تقارير دولية أن 17 من أصل 20 بلداً في افريقيا تعد الأكثر عرضة للتهديدات المناخية حول العالم، ما يهدد بانزلاقها إلى مستويات أعلى من الفقر المدقع، ويغذي ظاهرتي النزوح والهجرة، ويزيد من خطر الصراع على الموارد المتضائلة.
مساهمة ضئيلة
وتشير التقديرات ان قارة افريقيا التي يقطنها نحو 17% من سكان العالم، تساهم بحوالي 3.8% فقط من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري، مقارنة بنحو 23% في الصين، و19% في الولايات المتحدة.
وبناء على هذه التقديرات، وعلى أساس نصيب الفرد، فإن أفريقيا لديها أقل الانبعاثات من بين جميع القارات بمتوسط ​​طن واحد من ثاني أكسيد الكربون المنبعث سنويا من كل فرد.
مقارنة
ولذلك فإن البصمة الكربونية للشخص الأميركي أو الأسترالي (مقدار ما يطلقه من كمية ثاني أكسيد الكربون) تعادل في الشهر الواحد ما يطلقه الفرد في أفريقيا خلال عام واحد.
واذا ما تم توزيع الانبعاثات جغرافيا على دول القارة حسب بيانات التقارير الدولية، سنجد ان ثلاث دول أفريقية فقط ينبعث منها أكثر من 60% من انبعاثات الكربون في القارة، إذ تساهم جنوب أفريقيا بأكثر من 435 مليون طن، ومصر بنحو 250 مليون طن، والجزائر عن نحو 176 مليون طن.
والبلدان الأكثر فقرا في أفريقيا، وتحديدا جنوب الصحراء الكبرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى؛ لديها أدنى متوسط ​​لآثار ثاني أكسيد الكربون بنحو 0.1 طن سنوياً.
بيئة نظيفة
وهو ما يعني ان الجغرافيا الافريقية ما تزال تمثل بيئة نظيفة قياسا بباقي جغرافيات العالم، ومع ذلك تعد اكثر جغرافيات العالم تضررا من آثار الانبعاثات التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، الذي يعد المسؤول الرئيسي عن التغيرات المناخية، التي تؤدي إلى اضطرابات في العروض الوسطى من الغلاف الجوي، ما يلقي بضرره على افريقيا الواقعة في نطاق تلك الاضطرابات.
انخفاض الانتاج
وبحسب تقرير فجوة التكيف في أفريقيا الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإنه إذا استمرت الاتجاهات المناخية الحالية في القارة، فمن المرجح انه بحلول منتصف هذا القرن سينخفض ​​إنتاج القمح في القارة بنسبة 17%، وإنتاج الذرة بنسبة 5%، وإنتاج الذرة الرفيعة بنسبة 15%، وإنتاج الدخن بنسبة 10%.
ويرى التقرير ذاته انه إذا تجاوز متوسط ارتفاع درجة حرارة المناخ العالمي 3 درجات مئوية، فإن جميع مناطق زراعة الذرة والدخن والذرة الرفيعة الحالية ستكون مناطق غير مناسبة لهذه المحاصيل.
الأمن المائي
ويشير تقييم الأمن المائي العالمي لعام 2023 الصادر عن معهد جامعة الأمم المتحدة للبيئة المائية والصحة، إلى أن 6.13 مليارات شخص يعيشون في بلدان تعاني من انعدام الأمن المائي، وانعدام الأمن المائي الشديد حول العالم، ويشمل ذلك 1.34 مليار أفريقي، وهذا الرقم يعادل إجمالي سكان قارة أفريقيا.
ويحدد التقييم قارة أفريقيا على رأس المناطق الأقل أمناً من الناحية المائية، خصوصاً منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأجزاء من غرب أفريقيا. 
وتعاني 13 دولة أفريقية في الواقع من انعدام الأمن المائي بشكل خطير وفقاً للتقرير، من بينها جزر القمر وجيبوتي وليبيا والصومال والسودان.
تدابير
ومما سبق فإن التغيرات المناخية تقتضي ان تعطي الدول الافريقية الأولوية لزيادة الاستثمار في المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، وتنفذ وبشكل عاجل مبادرة الإنذار المبكر للجميع لانقاذ الأرواح والحفاظ على سبل العيش.
طقس متطرف
وهذه التدابير من شانها ان تساعد في التخفيف من المخاطر، وبناء القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وتعزيز القدرة على الصمود على مختلف المستويات، وتوجيه استراتيجيات التنمية المستدامة، نظرا لاستمرار الطقس المتطرف الذي يتوقع استمراره خلال السنوات الثلاث القادمة، فالجفاف يجتاح أجزاء من جنوب القارة، والأمطار الموسمية الاستثنائية تسببت في حدوث وفيات وألحقت الدمار في بلدان شرق القارة، كما حدث في السودان وجنوب السودان والصومال مؤخراً. وهو ما ولد أزمة إنسانية مأساوية.