
عرب جورنال/ عبدالسلام التويتي -
يكاد اليمن السعيد يكون البلد العربي الوحيد الذي أعلن -قيادةً وحكومةً وشعبًا- وقوفه المساند والداعم لأبناء الشعب الفلسطيني الشقيق غير متهيِّبٍ من أن يضعه موقفه الشجاع الذي عزَّ نظيره في الواقع العربي في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع المحور الصهيوصليبي المتكئ على الإمكانات العسكرية الهائلة التي تمتلكها أنظمة العالم الغربي.
فمنذ الساعات الأولى لنشوب معركة «طوفان الأقصى» أعلن اليمن -عبر بيان للعميد «يحيى سريع» المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية- إغلاق البحرين الأحمر والعربي في وجه الملاحة الصهيونية، واعتبار المواقع والقواعد العسكرية الصهيونية في الأراضي المحتلة أهدافًا مشروعة للمسيرات والصواريخ اليمنية إلى أن يتوقف العدوان الذي تشنه قوات الكيان على التجمعات السكانية الفلسطينية.
وحيال استمرار العدوان وتشديد الحصار وتعنت الصهيوني المدعو «نتنياهو» رئيس حكومة «الكيان» ومن ورائه الصهاينة الأمريكان وحرمان السكان لا سيما الأطفال والنساء من الحدِّ الأدنى من الغذاء والدواء اتسع نطاق الإغلاق الممنهج والمخطط ليشمل المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، كما اتسع نطاق الاستهداف ليشمل -بعد أن كان مقتصرًا على ميناء «أم الرشراش» في أقصى الجنوب- عدة أهداف عسكرية واستراتيجية في الداخل المحتل وصولًا إلى العاصمة «تل أبيب».
غدوُّ «تل أبيب» لـ«يافا» اليمنية هدفا
إنَّ ما يتمتع به «الكيان الصهيوني» -بفعل تفرده المتواصل بدعم غربي حصري- من تفوقٍ عسكري قد أعمى بصره وبصيرته عن استيعاب كل ما يجري، فبالإضافة إلى ما أذهله من مقاومة مستمرة -وستستمر بعد تخطيها عتبة الشهر العاشر - في «قطاع غزة» المحاصر، لم يكن يتوقع أنَّ اليمن المحاصر هو الآخر سيطال بصواريخه ومسيَّراته أيَّا من سفنه أو قواعده أو منشآته، حتى أسقط في يده بتدمير هدفٍ استراتيجيٍّ في قلب «تل أبيب» بواسطة المسيَّرة اليمنية «يافا» التي اضطرت سلطات ذلك «الكيان» -بإصابة هدفها بإتقان بعد قطع أكثر 2000 كيلو متر خلال 50 دقيقةً من الطيران- إلى الاعتراف بالهجوم غير القابل للاستتار، وإن كان ذلك الاعتراف قد قلل من أهمية الهجوم، وتكتم -بسبق الإصرار- على ما خلفه من خسائر وأضرار، وذلك ما يمكن أن يستنتج من احتواء الخبر الصحفي المعنون [القوات اليمنية تستهدف “تل أبيب” والعدو الإسرائيلي يعترف بمقتل مستوطن] الذي نشرته وكالة الأنباء السورية «سانا» في الـ19 من يوليو الحالي على ما يلي: (من جانبها اعترفت وسائل إعلام العدو الإسرائيلي بانفجار طائرة مسيّرة على بعد مئات الأمتار من سفارة الولايات المتحدة في “تل أبيب” فجر اليوم دون تفعيل صفارات الإنذار، ما تسبب بمقتل مستوطن وإصابة ثمانية آخرين).
وهو إنجاز لـ«يمن الحكمة والإيمان» لم يكن في حسبان سلطات أو مجتمع «دولة الكيان»، ومن شأنه أن يشيع الذعر الآني والمستقبلي في أوساط «قطعان الاستيطان» الذين باتوا يتوقعون -الآن- أن يأتيهم الموت من أيِّ مكان.
مقدرة «يافا» على التمويه والاختفاء
لعل أشد ما يقلق المستوطنين خصوصًا والمجتمع الصهيوني بصفة عامَّة من اشتراك هذا النوع من المسيَّرات الأكثر من ممتازة في المعركة مع الكيان مساندة لـ«قطاع غزة» تمكنه من اختراق المنظومات الدفاعية الصهيونية والمتصهينة بدءًا من «القبة الحديدية» فخر الصناعات الدفاعية الأمريكية، وانتهاءً بـ«مقلاع داوود» الذي كان نجمه ما يزال -إلى ما قبل اختراقه الذي لم يعد طيَّ الإخفاء من قِبَل «يافا»- آخذًا في الصعود لا سيما لدى نظامي «آل نهيان» و«آل سعود».
فقد كان المجتمع الصهيوني وبخاصة «قطعان الاستيطان» يشعرون -إلى حدِّ الآن- بالحدِّ الأدنى من الاطمئنان والركون إلى قدرة تلك المنظومات على التصدي لمعظم ما يتهدد حياتهم من مقذوفات، بيد أنَّ المسيَّرة اليمنية «يافا» قد قضت -بإصابتها هدفها في قلب العاصمة الصهيوإسرائلية بدقة متناهية- على البقية الباقية من الثقة بتلك المنظومات الدفاعية.
وما كان لـ«يافا» أن تحقق هذا الانتصار الخرافي على المنظومات المزودة بنظام استشعار إضافي لولا قدرتها الخارقة على التمويه والتخفِّي والاستعصاء التام على أيِّ أسلوبٍ استكشافي، الأمر الذي حمل مصدر عسكري صهيوني على وصف نجاحها في الوصول إلى هدفها بتلك الدقة في التصويب والتسديد بـ«7 أكتوبر جديد»، وفي هذا المعنى فقد استهل الخبر الصحفي المعنون [مصدر عسكري إسرائيلي كبير: هجوم المسيرة اليمنية بمثابة 7 أكتوبر جديد] الذي نشره «الجزيرة نت» يوم 20 من يوليو الحالي الاستهلال التالي: (كشفت صحيفة عبرية -نقلا عن مصدر كبير في الجيش الإسرائيلي– أنَّ هجوم المسيّرة اليمنية "يافا" على تل أبيب يُعد بمثابة السابع من أكتوبر لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي.
وحسب ما أوردته صحيفة "كالكاليست" نقلًا عن المصدر ذاته، فإن نجاح الحوثيين بإطلاق مسيّرة مفخخة تقطع مسافة أكثر من ألفي كلم وتصل حتى وسط البلاد فشلٌ مدويّ لأنظمة الدفاع الجوي).
استهداف «ربيبة واشنطن» حياة المواطن
على الرغم من أنَّ الكفر ملة واحدة، وأنَّ {أمريكا وبريطانيا} و{الكيان الصهيوني} وجهان لعملةٍ واحدة، فإنَّ الخصمين الأولين يتدثران في خصومتهما المتسمة في حقيقتها بالفجور بغطاءٍ زائفٍ من الأخلاق، ليظهرا أمام العالم السريع النسيان -وإن كان تأريخهما زاخرًا بالكثير من مظاهر الإجرام وسفك دماء الملايين بل دماء عشرات الملايين دون رادعٍ من ضمير أو وازعٍ من دين- أنهما البلدان الحريصان أو الأشد حرصًا على مصالح الشعوب وعلى حقوق الإنسان، فقد حرصتا -أثناء قصفهما المتكرر على اليمن- على استهداف أهداف يمكن اعتبارها -ولو من الناحية النظرية- شبه عسكرية متجنبتين قدر المستطاع استفزاز الأكثرية الجماهيرية، بعكس «الكيان الصهيوني» الذي تركزت غاراته الغادرة -بصورة سافرة- على «خزانات الوقود» وعلى «محطة توليد الكهرباء» في أكثر المحافظات اليمنية تعرضًا لارتفاع درجة الحرارة، في محاولة منه للإضرار بالمواطن بصورة مباشرة، وهذا ما أشار إليه الصحفي «شكري حسين» -في سياق إضاءته التحليلية التساؤلية المعنونة [ما الأهداف التي ضربتها إسرائيل باليمن.. ولماذا؟] التي نشرتها في وكالة أنباء «الأناضول» يوم الأحد الـ21 من يوليو الجاري- على النحو التالي: (على عكس ضربات الولايات المتحدة وبريطانيا المتواصلة على اليمن منذ أشهر، التي ركزت -وفق إعلانات البلدين- على أهداف عسكرية لجماعة الحوثي، جاء القصف الإسرائيلي اليوم ليطال أهدافًا حيوية مرتبطة بمعيشة المواطنين اليمنيين؛ ما قد يشي -وفق مراقبين- بأنَّ تل أبيب قصدت من وراء ذلك تصعيب حياتهم.
إذ استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي عبر هذه الغارات خزانات الوقود بميناء الحديدة غرب اليمن، إضافة إلى منشأة حيوية ضخمة لتوليد الكهرباء هي محطة رأس الكثيب، والتي تزود مدينة الحديدة بالطاقة الكهربائية).
الهجوم الفضفاض محض استعراض
لعل «الكيان الصهيوني» الذي لم يستفد من تجاربه السابقة في مواجهة المقاومة الفلسطينية قد أقدم على خوض «طوفان الأقصى» وهو موقن أنَّ بالإمكان -في ظل الدعم اللامحدود من البريطانيين والأمريكان- استئصال شأفة المقاومة وإعادة السيطرة على «قطاع غزة» في مدة زمنية لا تتجاوز شهرًا واحدًا في حدِّها الأقصى، إلَّا أنَّ ما يعانيه من تعثُّر في مواجهة المقاومة الفلسطينية المحصورة في حيِّزها الجغرافي الأصغر في القطاع المحاصر لأكثر من عشرة أشهر قد أصابه بحالةٍ من الذعر لا أظنها ستتكرر، فصار يخشى -بعد فشله في تحقيق النصر في حدِّه الأدنى في معركةٍ كان يصنفها صغرى- من أن يضطر إلى خوض معركةٍ كبرى.
ويبدو أنَّ تصاعد وتيرة الضربات الموجهة له من اليمن أكثر فأكثر وبلوغها -عبر المسيَّرة «يافا»- مرحلة الخطر، قد ألجأه إلى الإقدام على ردٍّ تتردد أصداؤه في كافة البلدان الشرق الوسط، على أمل أن يمنع ترددها -أو يؤخر على الأقل- أيَّ هجومٍ من أي طرفٍ إقليميٍّ محتمل، وهذا ما يمكن أن يستنبط من قول الدكتور «ياسين سعيد نعمان» -في طيات منشوره المقالي التساؤلي المعنون [ماذا لو أنَّ الميناء الذي قصفته إسرائيل عبادان أو بندر عباس؟] الذي نشره موقع «نيوز فور مي» في الـ21 من يوليو الحالي- ما يلي: (ولنتذكر ما قاله بالأمس وزير الدفاع الإسرائيلي بعد قصف ميناء الحديدة: ”إنَّ الشرق الأوسط كله يشاهد لهب الحرائق الصادرة من ميناء الحديدة”، والسؤال الذي يمكن طرحه مقابل هذا الاستعراض الأجوف والجبان هو: لماذا لم يشاهد الشرق الأوسط مثل هذا اللهب من أحد موانئ أو منشئات إيران حينما كان على اسرائيل أن تجعل من مشاهدته تعبيرًا عن قوة، لا استعراضًا سخيفًا).
ختامًا: يحقُّ لنا أن نؤكد -في النهاية- أنَّ الغاية من تلك العملية -لا سيما في هذا التوقيت- هي الدعاية وذيوع الصيت، خلافًا لعملية «يافا» التي ترتب ويترتب عليها -في مجتمع العدو- من الآثار الحالية والمستقبلية ما لا يمكن أن يخفى، وشتان بين قضِّ مضاجع اليهود وقصف خزانات الوقود.