
أروى حنيش
يتصاعد التوتر في غزة، والضفة الغربية، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان، والجولان رغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، والجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن إسرائيل مازالت تناور وتماطل الحوار لوقف الحرب، بل طرحت مؤخرًا شروطًا إضافية جديدة، على مقترح بايدن، وهو ما يفهم أن نتنياهو يلعب على عامل الوقت لبقائه، وحكومته في السلطة وهروبًا إلى الأمام من حبل المشنقة، جراء فشله في حسم الصراع في قطاع غزة. والآن تحاول إسرائيل إنتاج بؤر جديدة للصراع على مرتفعات الجولان، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان. هذا التصعيد يحمل مخاوف من نشوب حرب إقليمية شاملة بين إسرائيل وحزب والله ومن ورائه سوريا والعراق واليمن، ولن تكون إيران بعيدة عن المشهد فقد أطلقت تحذيراتها في حال تعرض حزب الله لهجمات إسرائيلية. وبالتزامن مع ذلك يستمر التصعيد بوتيرة عالية في القصف الجوي على أهداف في غزة، لاستهداف المدنيين في حرب إبادة شعواء للتطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، ويمتد هذا التصعيد إلى الحدود الشمالية وإلى مرتفعات الجولان، وقد أسفر الهجوم الأخير عن استشهاد 12 شخصًا على الأقل في قصف صاروخي على الجولان. تحاول إسرائيل نفي مسؤوليتها بارتكابها لهذه المجزرة، نتيجة صواريخها الاعتراضية على صواريخ حزب الله التي وقعت على ملعب، لطلي هذا الحدث على حزب الله اللبناني، رغم نفي الحزب مسؤوليته عن الهجوم.
إسرائيل تقصف مدرسة وسط غزة
وبالتوازي مع حدث الجولان، قام سلاح الجو الإسرائيلي بشن غارة على مدرسة في وسط غزة ما اسفرت عن مقتل 30 شخصًا. وأكد الجيش الإسرائيلي بتنفيذه غارة على مدرسة في قطاع غزة، قائلاً إنها استهدفت "مجمع قيادة وسيطرة تابعا لحماس تم إخفاؤها داخل مدرسة خديجة في وسط القطاع". وقالت وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة في بيان لها السبت، إن حصيلة القتلى باستهداف الجيش الإسرائيلي لمدرسة خديجة بمنطقة دير البلح تسبب بمقتل 30 شخصًا، وأكثر من 100 إصابة بينها حالات خطيرة. وندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بوريل باستهداف المدرسة، فيما دعا مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس إدهانوم غيبريسوس إلى "وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين".
وفي جنوب القطاع الفلسطيني، قتل نحو 170 فلسطينيًا، وأصيب المئات منذ بدء العملية الإسرائيلية الجديدة في خان يونس الإثنين الماضي، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل وكالة فرانس برس. وهرب ما يقرب من 182 ألف فلسطيني من خان يونس منذ الإثنين، وفق الأمم المتحدة.
تصعيد الجبهة الشمالية
التصعيد بين حزب الله وإسرائيل لم يهدأ منذ بدء الحرب في غزة، ويتبادل الطرفان الاشتباكات، وإطلاق الصواريخ في المناطق الحدودية بشكل يومي، كان آخرها السبت الماضي، إذ أعلن مصدر أمني لبناني مقتل أربعة من مسلحي حزب الله في ضربة إسرائيلية في جنوب لبنان بحسب ما نقلته فرانس برس، وبعدها أعلنت السلطات الإسرائيلية تعرض الجولان لصواريخ من حزب الله وهو ما نفاه الأخير. المسؤولون الصهاينة يهددون ويتوعدون حزب الله برد قوي، و" دفع ثمن باهظ" لما وقع من إصابات في الجولان، إذ كان غالبية القتلى من الأطفال، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية. وقال الجيش الاسرائيلي إنه "يستعد للرد" على حزب الله الذي نفى من جهته أي مسؤولية له عن الهجوم على قرية "مجدل شمس". وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن "الهجوم الأكثر دموية على مدنيين إسرائيليين منذ السابع من أكتوبر"، عندما هاجم مسلحو حركة حماس جنوب إسرائيل ما أدى إلى اشتعال الحرب المستمرة في قطاع غزة.
وقال :"إن الجيش يجهز ردًا على حزب الله، مضيفًا أن "معلوماتنا الاستخبارية واضحة، حزب الله مسؤول عن قتل أطفال وفتيان أبرياء"، متهمًا حزب الله بالكذب بعد نفي حزب الله المسؤولية عن الواقعة.
واتهم الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، حزب الله اللبناني بأنه "هاجم وقتل بوحشية" أطفالاً في هجوم صاروخي على مرتفعات الجولان. وقال في بيان إن "إرهابيي حزب الله هاجموا وقتلوا بوحشية أطفالاً اليوم، جريمتهم الوحيدة أنهم خرجوا لممارسة لعبة كرة القدم، لم يعودوا".
وقال مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنه قرر العودة من زيارة للولايات المتحدة "في أسرع وقت"، بعدما التقى الرئيس الأمريكي، جو بايدن في وقت سابق هذا الأسبوع.
ولاحقًا توعد نتنياهو في بيان أصدره مكتبه بأن "اسرائيل لن تدع هذا الهجوم الوحشي يمر دون رد، وحزب الله سيدفع ثمنًا باهظًا لم يسبق أن دفعه من قبل". وقال إن إسرائيل "لن تتخطى هذا الهجوم القاتل"، وجاء ذلك خلال محادثة هاتفية أجراها مع الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف.
إلى ذلك أجرى قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أوري غوردين، جولة في موقع الهجوم في مجدل شمس، وأجرى تقييمًا للوضع في مركز العمليات في المنطقة، رفقة ضباط آخرين. وفي سياق ذي صلة نقل موقع "أكسيوس" عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، القول: "نقترب من لحظة حرب شاملة ضد حزب الله ولبنان". وطالب بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية المنتمي لليمين المتطرف، باتخاذ رد فعل قاس يشمل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وكتب سموتريتش على منصة إكس "بسبب موت الأطفال، يجب أن يكون الثمن هو رأس نصر الله. على لبنان كله أن يدفع الثمن، ويتعين على رئيس الوزراء العودة فورًا، هذا هو وقت التحرك".
حزب الله ينفي
جاء الهجوم الصاروخي بعد أن أعلن مصدر أمني لبناني أن أربعة مسلحين من حزب الله اللبناني قتلوا السبت في غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا في جنوب لبنان. وأعلن الحزب مسؤوليته عن شن أربع هجمات على الأقل، بعضها بصواريخ كاتيوشا، ردًا على الهجوم على بلدة كفركلا. لكن "مسؤول العلاقات الإعلامية" في حزب الله، محمد عفيف، نفى مسؤولية حزب الله عن الهجوم على بلدة مجدل شمس. وقال الحزب في بيان مكتوب إنه "ينفي نفيًا قاطعًا الادعاءات التي أوردتها بعض وسائل إعلام العدو، ومنصات إعلامية مختلفة عن استهداف مجدل شمس"، مؤكدًا أن "لا علاقة" له "بالحادث على الإطلاق، وينفي نفيًا قاطعًا كل الادعاءات الكاذبة بهذا الخصوص".
من جانبها، قالت الحكومة اللبنانية في بيان إن "استهداف المدنيين يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويتعارض مع مبادئ الإنسانية"، داعية إلى "الوقف الفوري للأعمال العدائية على كل الجبهات".
وأكد تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز، الجمعة، أن حزب الله لا يريد حربًا شاملة مع إسرائيل، إذ أنه يدرك أن هذا الأمر من شأنه تعريض مستقبله ومكانته الإقليمية للخطر.
وأشار إلى أن حزب الله ملتزم بوقف الأعمال العدائية إذا أبرمت إسرائيل اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع حماس في غزة.
تنديد أمريكي
استنكرت الولايات المتحدة الهجوم، وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن واشنطن "تندد بالهجوم الصاروخي على قرية درزية بالجولان". وقال المتحدث في بيان "دعمنا لأمن إسرائيل قوي، ولا يتزعزع ضد جميع الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني". وأورد موقع "أكسيوس"، أن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ من أن يؤدي هجوم الجولان إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله. ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي القول إن "ما حدث اليوم قد يكون السبب الذي شعرنا بالقلق بسببه وحاولنا تجنبه لمدة 10 أشهر". وأضاف المسؤول الأمريكي أن مسؤولي حزب الله أبلغوا الأمم المتحدة أن الحادث كان نتيجة سقوط صاروخ إسرائيلي مضاد للصواريخ في ملعب كرة القدم.
المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، قال إن "الهجوم الصاروخي على الجولان فظيع، ولم يكن ليحدث معنا أبدًا، ولا يمكننا السماح باستمرار ذلك".
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أدان ما أسماه "حمام الدم" في الجولان. وقال في منشور على منصة إكس: "صور صادمة من ملعب كرة القدم في بلدة مجدل شمس الدرزية. أدين بشدة حمام الدم هذا، وقال:" نحن بحاجة إلى تحقيق دولي مستقل في هذه الواقعة غير المقبولة. نحض جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب مزيد من التصعيد". وأعلن الناطق الرسمي باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، أن "اليونيفيل على اتصال بالأطراف لمحاولة خفض التوتر".
وكانت هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل جزءًا من سوريا حتى عام 1967 عندما استولت إسرائيل على معظم أرجائها ثم ضمتها إليها في عام 1981، ولم تعترف معظم الدول بهذه الخطوة التي أعلنتها إسرائيل من جانب واحد، بينما اعترفت بها الولايات المتحدة، وتطالب سوريا باستعادة هذه الأراضي. ويعيش أكثر من 40 ألفًا في الجولان، ما يربو عن نصفهم من الدروز، وهم أقلية عربية.
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته
وسع الجيش عملياته في خان يونس، كبرى مدن جنوب قطاع غزة، قائلاً إن ذلك جاء بعد إطلاق صواريخ من المنطقة باتجاه إسرائيل. ودعا الجيش سكان عدد من أحياء المدينة إلى النزوح غربًا إلى المواصي التي صنفها "منطقة إنسانية". لكن الفلسطينيين يخشون الذهاب إلى المنطقة المستهدفة أيضًا بالقصف الإسرائيلي. وتحذر الأمم المتحدة من أن المجاعة تهدد قطاع غزة الذي تفرض إسرائيل منذ 9 أكتوبر حصارًا مطبقًا على سكانه الذين يناهز عددهم 2.4 مليون نسمة.
واستعرض مهند هادي، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط، الجمعة، في اجتماع عبر الفيديو من القدس شهادات نساء وأطفال من غزة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في القطاع. وقال نقلاً عن إحدى النساء: "إني مضطرة لرؤية ولدي يموت جوعًا"، وعن أخرى "لقد أمضيت أربعة أشهر بدون أن أستحم". وبعد فشل مفاوضات متعددة بشأن هدنة مرتبطة بالإفراج عن الأسرى، من المقرر عقد اجتماع لممثلي الوسطاء: مصر والولايات المتحدة وقطر، مع رئيس الموساد الإسرائيلي، في روما الإيطالية، بحسب قناة القاهرة الإخبارية المقربة من السلطات المصرية.
واتهمت حركة حماس التي سيطرت على السلطة في غزة عام 2007، نتنياهو بعرقلة أي مشروع اتفاق.
كما دان منتدى عائلات الأسرى الذي يمثل أقارب الأسرى في غزة، "تخريب" الجهود الرامية إلى الإفراج عن الأسرى، موجها أصابع الاتهام إلى نتنياهو، وعصابته في الحكومة المتطرفة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد عقد اجتماعًا عاجلاً للكابينيت فور عودته من واشنطن، لبحث الوضع الأمني في الشمال، على خلفية سقوط صاروخ على بلدة مجدل شمس بالجولان السوري المحتل. فيما توعد وزير الدفاع الإسرئيلي يوآف غالانت حزب الله بدفع ثمن باهظ، متهما إياه بإطلاق الصاروخ ، فيما قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إن الجيش يقيم الأوضاع تمهيدًا للمصادقة على الخطط العملياتية للجبهة الشمالية. وفي الجانب الآخر نفى وبالتزامن مع نفي حزب الله استهداف مجدل شمس، حذر وزير الخارجية اللبناني من اتساع رقعة الحرب ومن أضرار قد تطال الجميع. كما حذرت طهران تل أبيب من مغبة أي مغامرة جديدة ضد لبنان بذريعة هذا الهجوم ، مشيرة إلى أن أي اعتداء إسرائيلي متهور سيؤدي إلى توسيع رقعة الحرب وزعزعة الأمن بالمنطقة.. فهل تنذر التوترات بحرب جديدة وتوسيع لرقعة الصراع بالشرق الاوسط؟