يوليو 23, 2024 - 20:24
حكومة الإحتلال تفرض شروطًا تصعيدية لعرقلة المفاوضات  


عرب جورنال / توفيق سلاّم  - 

رغم التفاؤل الكبير الذي يحيط هذه المرة مفاوضات التهدئة، التي عقدت في العاصمتين المصرية القاهرة والقطرية الدوحة، واشتملت على حوارات ومشاورات "غير مباشرة" بين وفد حركة حماس ووفد إسرائيل، إلا أن سياسات الاحتلال التي ترافقت مع انطلاق هذه المفاوضات، ومراوغة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لنسف هذه الجهود، وإعادة الأمور من جديد إلى مربع الصفر،
وبشكل واضح وأكثر من المرات السابقة، بعدما أظهرت حكومة الاحتلال خططها الرامية لإفشال محاولات التهدئة وإنهاء الحرب التي دخلت شهرها العاشر.

خطط إفشال المفاوضات 

ليس بعصي على إسرائيل أن تفشل أي تقارب للسلام، وقد اعتادت على ذلك مرارًا، بالرغم من موافقة حماس على مقترح بايدن، وإبداء مرونة كبيرة بالتعامل مع المقترح، وصف بالإيجابية. وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة الإحتلال لفت انظار العالم، بأنها مع الحوار، في الوقت الذي تكثف فيه من عملياتها العسكرية، لإبادة السكان المدنيين، وآخرها مجزرة خان يونس، وإشعال  الحرائق في كل مناطق القطاع، لتحسين شروط التفاوض والخروج بمكاسب كبيرة لصالحها في جولات الحوار في القاهرة والدوحة. غير أن الضغط الإسرائيلي العسكري لم يأت بأي ثمار. وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، إن تكثيف العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي من شأنه أن يؤدي إلى تشبث الحركة الفلسطينية بموقفها في جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة. وأشار بدران إلى تزايد العمليات العسكرية، وأن قوات الاحتلال الإسرائيلي "تحاول الضغط في المفاوضات من خلال تكثيف عمليات القصف والتهجير وارتكاب المجازر". وأشار معقبًا على الهجوم العنيف على غزة إلى أن حكومة الاحتلال تأمل أن تتنازل المقاومة خلال المفاوضات عن مطالبها المشروعة، التي تشمل وقف إطلاق نار شامل والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة، مؤكدًا أن "استمرار المجازر يدفعنا للتمسك بمطالبنا". هذا وكانت جولات المفاوضات عقدت وسط تضارب كبير حول تحقيقها النتائج المرجوة، ففي الوقت الذي يدفع فيه الوسطاء المصريون والقطريون والأمريكيون باتجاه تحقيق نتائج إيجابية، من خلال وقف الحرب ودخول المرحلة الأولى التي تشمل عقد صفقة تبادل أسرى، تبدأ بالنساء وكبار السن الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة، مقابل أسرى فلسطينيين. ووسط تسريبات من قادة الجيش والأمن الإسرائيليين حول دعمهم لهذه الجهود والصيغة المقترحة، في الوقت الذي لازال فيه قادة حكومة الاحتلال، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو يضعون العراقيل، وأظهرت تصريحاتهم أنهم يصممون بأن تلائم هذه التهدئة، مخططهم الذي يقوم على دخول المرحلة الثالثة من الحرب، وهذا يعني عدم وقف إطلاق النار حتى استكمال المرحلة الثالثة، ودون انسحاب كامل من القطاع، كما يشترطون عدم استمرار حركة حماس في حكم غزة، وعدم موافقتهم على عودة السلطة الفلسطينية أيضًا. وفي تفاصيل المحادثات، كُشف النقاب عن تسريبات  ما يجري بين إسرائيل وحماس، أنه تم الاتفاق على " اتفاق الإطار"، وأن الطرفين يتفاوضان الآن على تفاصيل كيفية تنفيذها. ورغم ما أشيع عن إيجابيات حدثت، إلا أنه على الرغم من وجود "اتفاق الإطار"، إلا أن الإتفاق النهائي، ربما لا يكون قريبًا، وأن التفاصيل تبدو معقدة، وسيستغرق العمل عليها وقتًا. وأن نص الاتفاق، حسب هذه التسريبات تتحدث عن حل من ثلاث مراحل تخص إطلاق الأسرى بالتدريج، بالتزامن مع هدنة لوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع. وأن تسحب إسرائيل قواتها من المناطق المكتظة بالسكان باتجاه الحدود الشرقية لغزة، وتدفق المساعدات الإنسانية.

 اشتراطات تصعيدية

 التصعيد العسكري لم يهيىء تمامًا أجواء ومناخات الحوار بالشكل المطلوب، وهذا هو الأسلوب الذي تستخدمه حكومة اليمين المتطرفة، للقبول بشروطها الجديدة، أو إفشال مساعي التهدئة والتفاوض، من خلال استمرار العمليات العسكرية وارتكاب المجازر الجماعية، على أمل تحقيق شروطها الخاصة بالصفقة، والتي لا تشمل وقف الحرب، بل ماضية في تنفيذ خططها العسكرية، وهو أمر يواجه حتمًا برفض من حركة حماس، ما يعني إفشال الاحتلال لخطط التهدئة، واستمرار الحرب لفترة طويلة. وقال رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" ديفيد برنيع، خلال اجتماع سادت أجواءه الخلافات:" إن إصرار رئيس الوزراء  بنيامين نتنياهو، على وضع شروط جديدة في المفاوضات مع حركة حماس قد يفشل الاتفاق على تبادل الأسرى.
وجاء حديث برنيع على خلفية رغبة نتنياهو في الدفع نحو إنشاء آلية لمنع مرور المسلحين إلى شمال قطاع غزة، وهو بند لم يكن واردًا في المخطط الأصلي للصفقة. وأفاد موقع "والا" العبري، بأن رئيس الموساد، قال لنتنياهو خلال اجتماع المنتدى المصغر لإدارة الحرب، إن "الأمر سيستغرق أسابيع عديدة لإيجاد آلية فحص تمنع نقل المسلحين والأسلحة من جنوب قطاع غزة إلى شماله.

وفي الاجتماع ذاته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في محادثات مغلقة إن" شروط التوصل إلى إتفاق مع حماس قد نضجت، لكن نتنياهو يزيد من الصعوبات حتى لا يخسر عضوي الائتلاف الحكومي، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش". وخلال الاجتماع، قالت وزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا، جيلا غمليئيل إن "رئيس الوزراء يجب أن يقيل سموتريتش بسبب تهديداته بإسقاط الحكومة إذا تم تمرير صفقة التبادل"، ودعت إلى الموافقة على الصفقة. ورد الوزير إيتمار بن غفير قائلاً: "إذا استمرت غمليئيل على هذا النحو سأغادر الغرفة، لقد حان الوقت لوضع حد لها، إنها حتى لا تمثل مواقف الليكود، وهذا الخطاب الذي تطرحه غير مقبول"، مضيفًا أنه "يعارض الصفقة غير الشرعية". حزب "شاس" من جانبه أعلن دعمه لصفقة تبادل الأسرى ويطالب نتنياهو بعدم الاهتمام لتهديدات سموتريتش وبن غفير. وأعلن حزب "شاس" أكبر حزب يهودي متشدد في إسرائيل، دعمه لصفقة تبادل الأسرى، وطالب بنيامين نتنياهو بعدم الاهتمام لتهديدات  سموتريش وبن غفير".

تفادي الأخطاء 
 
يحاول الصهاينة في المرحلة الحالية، تفادي الأخطاء التي وقعت فيها خلال المرحلة الأولى من العمليات البرية، والتي خاضتها بذهنية اجتياح لبنان عام 1982، وهو ما ثبت فشله، وبالتالي لا يوجد أمامها خيار سوى الاستمرار في المدى المنظور، في تكتيك "الغارة – التمركز"، وشن عمليات محدودة من آن لآخر، في شمال ووسط القطاع، والحفاظ في الوقت الحالي على التواجد الدائم في محور "ديفيد" ومحور "نتساريم". لكن مثل هذا الوضع سيجعلها في حالة  الاستنزاف الدائم، خاصة بعدما أصبحت العمليات القتالية تدور في حلقة مفرغة، لم تتمكن خلالها القوات الإسرائيلية من تدمير القدرات القتالية، ولا استهداف القيادات الميدانية للفصائل الفلسطينية. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي أمام مفترق طرق مفصلي، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في قطاع غزة، فهو من حيث المبدأ يعتزم إنهاء المرحلة الثانية من العمليات في جبهة رفح، وفي الجبهات "المؤقتة" الأخرى في القطاع، لكن من حيث المضمون، يجد نفسه أمام خيارين: إما الانتقال إلى مرحلة ثالثة من العمليات القتالية، أو وقف القتال بموجب إتفاق شامل يتضمن ملف الأسرى، وبنود خاصة بالترتيبات الأمنية والسياسية تتعلق بالوضع القادم في قطاع غزة. والهدف الأساسي من اللجوء إلى هذا الخيار، هو كسب الوقت، إلى أن يتم الوصول إلى إتفاق سياسي، وبالتالي يتم العمل على تأمين التواجد العسكري في محوري "ديفيد" و"نتساريم"، وهذا قد يقتضي خلق محاور أخرى داخل القطاع، خاصة في المنطقة الوسطى"دير البلح"، أو حتى في شمال القطاع، حيث تشير بعض الآراء الإسرائيلية، إلى أنه يجب فصل الجهة الشرقية من مدينة غزة، عن الجهة الغربية، بحيث يسهل السيطرة بشكل كامل، على  طريق صلاح الدين، وهو القسم الذي يربط بين أقصى شمال القطاع، ونطاق محور "نتساريم". ومثل هذا الخيار سيعرض القوات الإسرائيلية لمزيد من الاستنزاف الميداني. والخيار الآخر، نجاح جهود إحياء المفاوضات الجارية، والأكيد هنا أن فكرة الحسم العسكري الإسرائيلي، أصبحت بعيدة المنال عن احتمالية الوصول لأهدافها، في ظل احتفاظ المقاومة بقدراتها العالية على المواجهة.

  إسرائيل تطالب بضمانات

تعقيد مناخات المشاورات تبدو مغلفة باشتراطات إسرائيلية، تحاول تمريرها، وقد أوردت تقارير عبرية نشرتها "القناة 12" التي قالت إن إسرائيل تطالب أمريكا بضمانات بعدم عودة المسلحين من جنوب قطاع غزة إلى شمالها ضمن الصفقة مع حماس، وأكدت القناة على وجود موافقة إسرائيلية على الانسحاب من الأماكن المكتظة، ومن محور فيلادلفيا، مع ضمانات لمنع تهريب الأسلحة عبر الانفاق إلى غزة، وهو ما تنفيه القاهرة، وتعتبرها دعاية كاذبة لتغطية الفشل الإسرائيلي. وهددت "أوريت ستروك" وزيرة المستوطنات الإسرائيلية من حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، بإسقاط حكومة نتنياهو إذا انسحب الجيش من محور فيلادلفيا.  ورغم الكم الكبير من المعلومات، أو التسريبات التي خرجت على لسان مصادر أمريكية وأخرى إسرائيلية مطلعة على المحادثات، والتي أشارت لوجود انفراجة في بعض الملفات، إلا أن حركة حماس وحتى نهاية جولة المفاوضات الأخيرة، التي انتهت مساء الخميس، أكدت أن الوسطاء لم يبلغوها حتى الآن بأي جديد بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة. جاء ذلك في بيان أصدرته الحركة، أكدت فيه أن الاحتلال يستمر في "سياسة المماطلة"، لكسب الوقت بهدف إفشال هذه الجولة من المفاوضات مثلما فعلت في جولات سابقة، وقالت "هذا لا ينطلي على شعبنا ومقاومته". لكن ما سبق ذلك كله وفي خضم توسيع جيش الاحتلال لعملياته العسكرية الدامية ضد قطاع غزة، وخاصة مدينة غزة، هو ما أعلنه صراحة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأنه لا يزال يتمسك بشروطه الإضافية لعرقلة تمرير الصفقة، ووقف إطلاق النار.