يوليو 9, 2024 - 15:35
فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.. هل تمهّد الطريق لعهد جديد من التقارب بين الدولتين؟


أروى حنيش

أثارت الاستدارة في موقف تركيا تجاه النظام السوري، التي كشفت عنها تصريحات متتابعة من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان ومساعديه والوزراء في حكومته
 زوبعة من الجدل حول استعداد تركيا تطبيع العلاقات مع سوريا، ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وإيجابية تصريحات الرئيس الأسد، الذي أكد بدوره الانفتاح على المبادرات التي تحترم سيادة سوريا ومكافحة الإرهاب.
ويبدو أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها تركيا لإحياء هذا المسار المتعثّر، ففي سبتمبر 2022 زار "هاكان فيدان" الذي كان مديراً للاستخبارات التركية دمشق من أجل البدء بحوار للمسار العسكري والأمني بين تركيا ودمشق برعاية روسية، ضمّ وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، انضمّت إليه إيران عام 2023. وكانت أنقرة قد هدّدت في مايو 2022، بشنّ هجوم في شمال شرق سوريا، ضدّ وحدات الحماية الكردية عارضتها كلّ من روسيا وإيران آنذاك. وفي العام التالي استضافت موسكو وزراء الدفاع والخارجية التركي والسوري قبل الانتخابات الرئاسية التركية في مايو 2023 من أجل الحوار والاتفاق، وكان أردوغان قد راهن على هذا الاجتماع لتعزيز حظوظه في الانتخابات، بينما كان الرئيس الأسد يراهن على فوز المعارضة التركية ويرفض إعطاء أردوغان هذه الورقة التي عدّها انتخابية، وأغلق الرئيس السوري بشار الأسد الباب أمام لقاء محتمل مع نظيره التركي. فحاولت كل من إيران وروسيا إحياء المسار المتعثّر، لكن دون جدوى. لم يعد أردوغان يستعجل التطبيع بعد فوزه بالانتخابات وتراجع الضغوط الداخلية، وتراجعت أولوية القضية السورية لديه.

خلط الأوراق

بعد حرب غزة، تم خلط الأوراق في المنطقة، حيث ركّزت الأطراف الإقليمية والدولية على الوضع في القطاع، وكادت القضية السورية تذهب طي النسيان مع استفحال الأزمة الاقتصادية في ظل العقوبات المفروضة عليها. تمّ التواصل التركي السوري في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023 عبر اجتماع أمني بين وفدين عسكريين سوري وتركي بالقرب من كسب في محافظة اللاذقية السورية للبحث في التعامل بشكل مباشر مع القضايا الأمنية والعسكرية. وطرح وزير الخارجية التركي مع الرئيس الروسي في موسكو، موضوع الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، كما طُرح موضوع إعادة البحث في العلاقة التركية السورية، ناقش الرئيس الأسد مع الممثل الخاص لروسيا في الشرق الأوسط ألكسندر لافرنتييف، وأبدى خلالها الرئيس الأسد انفتاحه على أي مبادرة تتعلق بالعلاقة السورية التركية، وشدّد على ضرورة أن تستند المفاوضات مع تركيا إلى مبادئ تضمن سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، مع التركيز على "مكافحة الإرهاب"، ومن الملاحظ أن الرئيس الأسد لم يضع شرط انسحاب الجنود الأتراك، بل تركها للتفاهمات. ولا يمكن فصل التطورات الأخيرة في السياسة الخارجية لتركيا عن الوضع الداخلي المتمثل بالضغوط التي يتعرض لها أردوغان وحكومته في الملف السوري وتحديدًا فيما يتعلق بحل مشكلة اللاجئين السوريين الذين تتصاعد موجات الرفض الداخلي لبقائهم، والاقتصادي المتمثل في أزمة خانقة كان حزب العدالة والتنمية الحاكم وصل إلى السلطة بسبب أزمة مثيلة لها شهدتها البلاد في عام 2001، وخشيته من أن يرحل بسبب غياب الحلول للأزمة، كما جاء بسبب قدرته على حل أزمة مشابهة. وهناك منظور آخر يتعلق بمراجعات السياسة الخارجية، ومحاولة تركيا كسر عزلتها في فترة تشهد تغيرات عالمية وإقليمية، لا تستطيع أنقرة مواجهتها في ظل أزمات في علاقاتها مع محيطها الإقليمي، ومع جميع الدوائر المهمة كالاتحاد الأوروبي الذي تسعى لعضويته والولايات المتحدة المحكومة بملفات خلافية مزمنة تتصاعد تارة وتخبو أخرى.

موقف المعارضة

حدّدت أحزاب «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا» موقفها حيال تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وأنها لن تغير الواقع السوري، وحذر 33 حزباً وجهة سياسية عاملة تحت راية «الإدارة الذاتية» وجناحها السياسي «مجلس سوريا الديمقراطية»، في بيان نُشر (الجمعة)، من أن «أي عملية تقارب ستضفي الشرعية على الاحتلال التركي في شمال سوريا، وستفتح الأبواب أمام التدخل الخارجي في الشؤون السورية الداخلية على مصاريعها». وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح صحافي لوسائل إعلام تركية، إن زيارة محتملة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا في سبتمبر (أيلول) المقبل، قد تمهّد الطريق لعهد جديد من التقارب التركي – السوري.
وطالبت الأحزاب السياسية، عبر بيانها، المجتمع الدولي والأمم المتحدة بدعم مطالب الشعب السوري وتنفيذ القرار 2254 الخاص بحل الأزمة السورية، موضحة: «أي تصالح بين النظامين التركي والسوري لن يقدم أي جديد لتحسين الوضع السوري، بل على العكس سيضفي الشرعية على الاحتلال التركي، ويعمّق الأزمة أكثر، وسيصبح الشعب والوطن ضحية لسياسة التصالح».
بدوره، يرى نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة حسن كوجر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تركيا «تريد استخدام جميع الأطراف في سوريا لتحقيق أجنداتها، لذلك ينبغي أن لا تنخدع حكومة دمشق بهذه الألاعيب»، ودعا الحكومة السورية إلى أنه «يجب أن تعلم أنها إذا دخلت في أي تحالف مع تركيا فستخسر سوريا، وإن كانت مع الحوار أو أي اتفاق فنحن أيضاً مستعدون». ويخشى أكراد سوريا وسلطات «الإدارة الذاتية» التقارب بين تركيا والنظام السوري بعد سنوات من العداء والقطيعة قد تهدد وجود هذه «الإدارة». وشدد المسؤول الكردي حسن كوجر على أن أنقرة تريد استغلال هذا الاتفاق لشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة الإدارة بشمال شرقي سوريا، وقال: «تريد تركيا استغلال الاتفاق لشن هجوم على مناطقنا، فالمطلوب من دمشق أن ترى سوريا تتجه إلى انقسام كبير، فتركيا تريد خداع دمشق، بأنها مع وحدة الأراضي السورية وتعمل عكس ذلك»، مضيفاً: «حقيقة، نحن نخشى تسليم أجزاء من سوريا إلى الدولة التركية».
وأشار بيان الأحزاب السياسية إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني جامع بمشاركة كل القوى والجهات السياسية السورية التي لم تتلطخ أيديها بدماء الشعب السوري، وأبدت أحزاب الإدارة استعدادها لعقد المؤتمر في مناطق نفوذها، «لتكون اللبنة الأساسية لحل الأزمة السورية عبر طريق الحوار، وتشكيل قوة ضاغطة على النظام الحاكم للسير في طريق الحوار السوري الداخلي لحل الأزمة السورية سلمياً». وطالبت هذه الأحزاب جميع القوى السياسية في شمال شرق سوريا بالانفتاح على الحوار الداخلي لحل القضايا العالقة، وفق البيان.
ومن أجل ذلك، عقد جاويش أوغلو اجتماعًا مع قادة المعارضة السورية، وسط توالي الكلام عن الحوار مع النظام والتأكيد على ضرورة التصالح أو تحقيق التوافق معه  لتحقيق السلام الدائم في سوريا. واستهدف اللقاء الذي عقد بمقر الخارجية التركية وحضره رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» سالم المسلط، ورئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس، ورئيس «الحكومة المؤقتة» عبد الرحمن مصطفى، تقديم رسالة طمأنة للمعارضة بشأن الدعم التركي. وأكد جاويش أوغلو، عقب اللقاء، أن تركيا تقدر وتدعم مساهمة المعارضة السورية في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا وبدء مفاوضات سياسية وتشكيل حكومة وحدة خلال سنتين تليها انتخابات.

الموقف لم يتغير

وتنظر أنقرة منذ سنوات إلى "قسد" على أنها ذراع مرتبط بـ"العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب في تركيا ودول أوروبية. وأطلقت سلسلة عمليات عسكرية ضدها خلال السنوات الماضية. وكانت قد اتجهت مؤخرًا إلى تنفيذ استهدافات جوية عن طريق الطائرات من دون طيار، مما أسفر عن مقتل الكثير من قادة "قسد" وآخرين يتبعون حزب "العمال الكردستاني" في شمال شرق سوريا.
ولتركيا قوات كثيرة في الشمال السوري، تنتشر في محافظة إدلب وأرياف حلب وصولاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين، بعدما أطلقت عملية "نبع السلام" في 2019.
وحتى الآن تؤكد أن وجودها خارج الحدود مرتبط بـ"منع التهديدات ومكافحة الإرهاب"، الذي تراه مرتبطا بـ"وحدات حماية الشعب" (عماد قسد العسكري) و"حزب العمال الكردستاني". كما تدعم أنقرة تحالف "الجيش الوطني السوري" الذي يعتبره النظام السوري "منظمة إرهابية"، يجب تفكيكها. ويرى النظام أيضًا أن انتشار الأتراك في سوريا يعتبر "احتلالاً"، بينما يؤكد على ضرورة "إنهائه" كخطوة أولى للمضي بعملية "التطبيع".
وتريد تركيا حلاً سياسيًا في سوريا، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما يقول الباحث لموقع "الحرة". وينص هذا القرار على تشكيل حكومة انتقالية ومصالحة بين نظام الأسد والمعارضة السورية. لكن، وحتى الآن، لا يرغب نظام الأسد في الدخول في أي حوار بنّاء مع المعارضة السورية. 
وذكر وزير الخارجية التركي هذه النقطة (سلام النظام مع معارضيه) "ليؤكد أن تركيا بنّاءة وداعمة للحل السياسي، لكن المشكلة في دمشق"، وفق أوزكيزيلجيك.

ضغوط روسيا

الاعتقاد السائد الآن في أوساط المعارضة السورية هو أن ضغوط روسيا على تركيا هي التي أدت إلى رضوخ أنقرة للحوار، وإعادة العلاقات مع دمشق. وهو اعتقاد يتبناه ساسة أتراك كبار مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي يرأس حاليا حزب «المستقبل» المعارض. فقد انتقد داود أوغلو، ما وصفه بـ«انجرار حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان وراء المطالب الروسية» وإعادة العلاقات مع النظام السوري، وتسليمه اللاجئين قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وعبر داود أوغلو، الذي كان وزيراً لخارجية تركيا عندما اندلعت الحرب الداخلية في سوريا، عن انزعاجه من التقارب الذي تبديه أنقرة حالياً مع الأسد، والاستدارة التي قام بها أردوغان. وقال داود أوغلو، خلال فعالية لحزبه في أنقرة تحت عنوان «مشكلة الهجرة غير النظامية ومقترحات الحل بتوجيه من عقل الدولة وضمير الأمة» منتقداً «لقد تحولوا جميعاً، وليس جاويش أوغلو فقط؛ بل أردوغان وحليفه رئيس حزب (الحركة القومية) دولت بهشلي؛ لأن بوتين يريد ذلك، بينما لا يقوم النظام السوري بأي خطوات مقابلة، تماماً كما في العلاقات مع مصر. إذا تطورت العلاقات بهذا الشكل، فإن تركيا ستعاني من ذلك».
ويرى محللون أن تغييرات كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي دفعت تركيا لاتخاذ هذه الخطوة، من بينها أن بين هذه التغيرات «الحرب الأوكرانية الروسية، وظهور نظام عالمي جديد بعد كوفيد - 19 سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي والعسكري، وظهور تكتلات جديدة في المنطقة والعالم، واكتشاف تركيا، أنها لا يمكن أن تبقى بمعزل عن هذه التغيرات، خاصة مع الدول المجاورة، وإدراكها أن علاقاتها مع دول الجوار لم تكن بالمستوى المطلوب لانغلاقها على نفسها.. لذلك تحركت لتقليص الخلافات في علاقاتها مع دول المنطقة والعالم.
ويضيف معلقون أن السياسة التركية الجديدة حيال الملف السوري يشير بأن حكومة إردوغان ترغب في إحداث اختراق حقيقي يحسن حظوظها في البقاء على رأس السلطة قبل انتخابات العام المقبل، كون الملف السوري ينعكس على تركيا ومصالحها في الداخل والخارج.

مطالب متبادلة

المفهوم أن لا صفقات في العلاقات بين الدول بلا ثمن، هذا الإطار كشفت مصادر تركية عن مطالب متبادلة بين أنقرة والنظام السوري، لإعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
المصادر التي تحدثت إلى صحيفة «تركيا» القريبة من الحكومة، قالت إن النظام السوري طرح 5 مطالب على أنقرة لتحقيقها قبل فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، تتلخص في إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر باب الهوا إلى سيطرته، وترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر باب الهوا وصولاً إلى دمشق، بالإضافة إلى الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا - دير الزور والحسكة، وطريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) للنظام، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام. أما تركيا فطالبت النظام السوري، بالمقابل، بتطهير مناطق مليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالكامل، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين.
وفي وسط هذا السيل من والمواقف أعلنت دمشق أنه لا حوار قبل الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا. وأكد على هذا المطلب وزير الخارجية فيصل المقداد خلال مباحثاته في موسكو الأسبوع الماضي. وبدوره، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف بلاده الرافض لأي عمل عسكري تركي في شمال سوريا.