
عرب جورنال / خالد الاشموري -
" تعد القارة الإفريقية ثاني أكبر قارات العالم بعد آسيا ، وتبلغ مساحتها حوالي 300 مليون كم2 ، تشكل ما نسبته قرابة الـ 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية .. تضم أفريقيا حوالي 820 مليون نسمة تمثل قرابة 15-20% من مجمل سكان الكرة الأرضية.. وهي تتمتع بثروات طبيعية وموارد ضخمة غير مستثمرة بالشكل المثالي في معظمها.. وتكتسب القارة الأفريقية أهميتها من كونها تشكل خزان العالم الإستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية والذهب والعاج والأحجار النفيسة التي يشتد الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد " .. ويمكن تلمس هذا الاهتمام الدولي من خلال قراءة المقالين اللذين أعدهما الدكتور أحمد علي سالم " مركز الحضارة والدراسات والبحوث أكتوبر 2022م"، والباحثة راوية توفيق " مجلة الجيش اليمني " – العدد " 301" .
وإستناداً إلى مقال الباحثة راوية المعنون بـ " التنافس الدولي في القارة الإفريقية"، فقد بدأ الاحتكاك الأوروبي بأفريقيا عن طريق المستكشفين والتجار والبعثات التبشيرية منذ القرن الخامس عشر حيث أبحرت السفن البرتغالية إلى سواحل غرب أفريقيا وأنشأ البرتغاليون عدداً من الحصون الساحلية مارسوا من خلالها تجارة مربحة في الذهب والعاج والعبيد وقد ازدهرت حركة تجارة العبيد في تلك الفترة، وشارك فيها تجار هولنديون وبريطانيون وفرنسيون إلى جانب البرتغاليين فيما أطلق عليه " مثلث الأطلنطي للتجارة " حيث عمل التجار الأوروبيون على نقل العبيد الأفارقة عبر المحيط الأطلسي للعمل كمزارعين في الأراضي الأمريكية، على نقل المحاصيل الزراعية إلى أوروبا لبيعها.
وفي أواخر القرن التاسع عشر تدافعت القوى الأوروبية للسيطرة على القارة الأفريقية فيما أطلق عليه " التكالب الاستعماري على أفريقيا" والذي كرسه مؤتمر برلين عام 1884م بوضع القواعد العامة لتأسيس مناطق الهيمنة للقوى الأوروبية الرئيسية " بريطانيا ، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا" في القارة الأفريقية وقد صورت هذه القوى الأوروبية مهمتها على أنها تهدف إلى نشر الحضارة والمدنية في كافة مناطق العالم المتخلف ومنها أفريقيا، إلا أن هذا الاستعمار كان السبب الحقيقي لتخلف القارة حيث استنزف مواردها الطبيعية ووجهها لخدمة الاقتصاد الأوروبي.
وفي أواخر خمسينيات وستينيات القرن العشرينيات الدول الأفريقية تحصل على استقلالها تباعاً ورغم تراجع أهمية ومكانة القوى الأوروبية التقليدية التي كانت تسيطر على أفريقيا إلا أن التنافس الدولي في القارة استمر مع تغير الفاعلين الرئيسيين ففي ظل نظام القطبية الثنائية الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية حلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق محل القوى الأوروبية التقليدية مع اعتراف الولايات المتحدة بمصالح تلك القوى التقليدية في القارة الأفريقية : فقد انتقل الصراع بين القطبين في مرحلة الحرب الباردة إلى الساحة الأفريقية ولكن اهتمم القطبين بالقارة في تلك الفترة تركز على محاولة استقطاب الدول الأفريقية بهدف العمل على زيادة كل طرف لنفوذه واحتواء الطرف المضاد.
ومع نهاية الحرب الباردة ظهرت عدة مؤشرات ودلائل على تراجع الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية وظهر إتجاه بارز في أدبيات العلاقات الدولية يؤكد أن القارة الأفريقية لم تعد تحتل أهمية كبيرة للدول الكبرى الأوروبية أو للولايات المتحدة الأمريكية مستنداً في ذلك إلى تناقص معدلات المعونات والقروض الموجهة من تلك القوى إلى القارة الأفريقية أو الربط بين تقديم المعونات وبين مدى التزام الدول الأفريقية بالتحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان فيما أصبح يعرف باسم: المشروطية السياسية وفي الوقت نفسه أدى بروز دول أوروبا الشرقية وأتباعها نهج الإصلاح الاقتصادي إلى لفت أنتباه القوى الكبرى إلى هذه الدول وتخصيص قدر متزايد من المعونات والقروض إليها على حساب المعونات والقروض الموجهة إلى الدول الأفريقية. وبذلك فإن القارة الأفريقية تضاءلت أهميتها على المستوى الجيوبوليتيكي؛ حيث تراجعت أهميتها الاستراتيجية كمسرح للصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي. كما تراجعت أهميتها تنمويا حيث عاد مركز الثقل إلى دول وسط وشرق أوروبا باعتبارها تمتلك بنية أساسية اقتصادية مناسبة إلى حد بعيد لعمليات التحول نحو الليبرالية واقتصاد السوق.
ولكن مع منتصف التسعينيات بدأ اتجاه تهميش القارة الأفريقية في التراجع؛ حيث برز التنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة وفرنسا.
فإذا كانت الأهمية السياسية والعسكرية لا فريقيا قد تراجعت بعد انتهاء الحرب الباردة إلا أن القوى الكبرى عاودت الاهتمام بالقارة اقتصاديا منذ منتصف التسعينيات ومن ثم كان انتهاء الحرب الباردة دافعًا لتغير صور ومظاهر الاهتمام بالقارة مع دخول عناصر جديدة اهتمت بالتواجد الاقتصادي في القارة الصين واليابان، وغيرهما ويقتضي التعرف على أبعاد ومظاهر التنافس الدولي في أفريقيا في فترة ما بعد الحرب الباردة تحليل أهداف ومصالح وأدوات القوى الكبرى الأساسية الفاعلة على الساحة الأفريقية، وهو ما يحاول المقال إلقاء الضوء عليه بشيء من التفصيل.
السياسة الأمريكية في أفريقيا
في فترة الحرب الباردة لم تكن الدبلوماسية الأمريكية جادة في التدخل في القضايا الأفريقية بشكل مباشر، وكانت تركز في سياستها تجاه أفريقيا على تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي: احتواء المد الشيوعي، حماية خطوط التجارة البحرية الوصول إلى مناطق التعدين والمواد الخام، ودعم ونشر القيم الليبرالية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلا أن المتغيرات الدولية الجديدة وقيادة النظام أحادي القطبية أدى إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو أفريقيا، وإعادة ترتيب أولوياتها وأهدافها.
الأهداف والمصالح الأمريكية في القارة الأفريقية: ترتبط السياسة الأمريكية في أفريقيا بعدة مصالح فمن الناحية الاقتصادية تهدف الولايات المتحدة إلى فتح أسواق جديدة في مناطق مختلفة من العالم ومن أبرزها القارة الأفريقية التي تتسم بوجود فرص هائلة للاستثمار وأسواق مفتوحة للمنتجات الأمريكية يؤيدها في ذلك الشركات الأمريكية الهادفة إلى توسيع نطاق الاستثمارات الخارجية وفتح الأسواق الأفريقية الواسعة أمام السلع الأمريكية.. ويمكن تلمس أهداف التحرك الاقتصادي الأمريكي في أفريقيا من خلال التقرير الذي صدر عن مجلس العلاقات الخارجية في منتصف عام ۱۹۹۷م بعنوان: "تعزيز العلاقات الاقتصادية للولايات المتحدة مع أفريقيا" والذي أوصى بان تكون الولايات المتحدة في مقدمة الدول الصناعية الكبرى التي تستفيد من الفرص الجديدة في أفريقيا واستنادا إلى ذلك عملت الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس كلينتون على تطوير التجارة الأفريقية وبرامج التنمية الاقتصادية، وهو ما أتضح من خلال عدة مؤشرات أهمها زيارة الرئيس كلينتون إلى القارة الأفريقية عام ١٩٩٨م حيث اطلق خلال زيارته مبدأ أو "شعار التجارة لا المساعدات"، كسبيل إلى ازدهار القارة، وقد جاء إعلان هذا الشعار في إطار سعي إدارة الرئيس الأمريكي السابق إلى تأسيس شراكة أمريكية أفريقية جديدة تكرست فيها مع الإدارة الأمريكية الجديدة بعد موافقة الكونجرس على قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي يقوم على دعم الدول الأفريقية بالمساعدات الاقتصادية، وفتح الأسواق الأمريكية أمام سلع ومنتجات دول القارة بشرط نجاح هذه الدول في تحقيق بعض الشروط المتعلقة بالديمقراطية والتحرر الاقتصادي. ولا شك أن تحقيق الأهداف الاقتصادية الأمريكية في القارة الأفريقية يتطلب تنافسًا حادا مع الدول الأوروبية التي سيطرت على الثروات والموارد الطبيعية للقارة لعهود طويلة وخاصة أن الولايات المتحدة تسعى إلى تغيير نسب التبادل التجاري بين أفريقيا والعالم الخارجي لصالحها وهي النسب التي تحتل فيها الدول الأوروبية النصيب الأكبر.
ومن الناحية السياسية ترفع الولايات المتحدة مبدأي الديمقراطية، وحقوق الإنسان كركيزتين أساسيتين للسياسة الخارجية الأفريقية؛ إلا أن هذه المبادئ مجرد أداة تستغلها السياسة الأمريكية لتحقيق مصالحها وليست هدفا تسعى إلى تحقيقه. فالمصالح الأمريكية تتجه في بعدها السياسي إلى تطوير العلاقات مع دول القارة الأفريقية بما يخدم ويعزز المصالح الأمريكية الحيوية في القارة وتتعامل مع هدف تشجيع الديمقراطية لدى النظم الأفريقية الحاكمة بمبدأ النسبية حيث ترتبط بمدى الاهتمام الأمريكي بحالة كل نظام سياسي على حدة تبعا لطبيعة المصالح التي قد تختلف من دولة إلى أخرى كما تهدف الولايات المتحدة بالأساس في علاقتها مع أفريقيا إلى الحد من النفوذ الأوروبي، والانفراد بالنفوذ في القارة من اجل الحفاظ على الزعامة العالمية.
وفي سبيل تحقيق تلك الأهداف السياسية تعمل الولايات المتحدة على تشكيل نخب جديدة في أفريقيا موالية للغرب عموما وللولايات المتحدة بشكل خاص، وهم من تسميهم الولايات المتحدة بالقادة الجدد في أفريقيا، ومن الناحية العسكرية والأمنية تسعى الولايات المتحدة إلى تحسين قدرة القارة على التعامل مع المشكلات الأمنية المؤثرة على الأمن العالمي بصفة عامة وعلى الأمن الأمريكي بصفة خاصة وأهمها الإرهاب. كما تسعى إلى دعم الحلول السلمية للنزاعات المسلحة في القارة في مناطق البحيرات العظمي والقرن الأفريقي وجنوب السودان بشكل يحقق مصالحها.
وفي هذا الإطار بادرت الولايات المتحدة بتشكيل قوة تدخل أفريقية لمواجهة الأزمات استنادًا إلى المبادرة الخاصة بمواجهة الأزمات الأفريقية، بالإضافة إلى ذلك تركيز الولايات المتحدة على قضايا الإسلام السياسي في القارة وخاصة بعد تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا .
دوائر حركة السياسة الأمريكية في أفريقيا:
تهتم السياسة الأمريكية بصفة عامة بتدعيم علاقتها بالقوى الرئيسية في القارة، فتهتم في هذا الإطار بتدعيم علاقتها مع نيجيريا التي تمثل أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في أفريقيا وثالث مصدر للنفط للولايات المتحدة.. وتسعى السياسة الأمريكية إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في غرب أفريقيا من خلال إعادة تقويم سياستها مع نيجيريا بما يحقق عودة الحكم المدني إليها وفي هذا الإطار أيضا تنظر الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا باعتبارها حليفا استراتيجيا؛ إذ تمثل ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في أفريقيا، وتعتمد عليها في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في منطقة الجنوب الأفريقي. بالإضافة إلى ذلك تركز الولايات المتحدة على بعض المحاور الإقليمية ذات الأهمية الاستراتيجية لتحقيق مصالحها في القارة الأفريقية، ومن أهم هذه المحاور:
منطقة البحيرات العظمي: تغير الموقف الأمريكي من الأنظمة الحاكمة في المنطقة مع أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات حيث سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق هدفين أساسيين في المنطقة هما : إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية في وسط أفريقيا، ومحاولة عزل نظام حكم الجبهة الإسلامية في السودان. ولذلك عملت الولايات المتحدة على تدعيم وتعزيز روابطها العسكرية والاقتصادية مع أوغندا بزعامة رئيسها موسيفيني التي اعترفت لها الولايات المتحدة بدور إقليمي متميز وساعدتها على لعب دور أكبر بكثير من إمكانياتها، ورواندا تحت حكم الجبهة الوطنية التي تمثل الأقلية من التوتسي وقد شملت هذه الروابط تقديم مساعدات عسكرية للبلدين من خلال برنامج المبيعات العسكرية الخارجية التي يديرها البنتاجون وبرنامج المبيعات التجارية الخاصة وبرنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي. ومن جهة أخرى دعمت الولايات المتحدة موقف الحكومتين الرواندية والأوغندية الداعم لتحالف قوى المعارضة في الكونغو الديمقراطية بقيادة لوران كابيلا حتى استطاع كابيلا إسقاط نظام موبوتو عام ۱۹۹۷م، وشجعت التدخل الأجنبي في شؤون الكونغو بحجة دعم حركة التحول الديمقراطي بها. وعندما تراجع كابيلا عقب توليه السلطة عن وعوده للولايات المتحدة شجعت تمردا عليه تدعمه رواندا وأوغندا بهدف الإطاحة به؛ إلا انه استطاع أن يحصل على مساندة دول أخرى مثل زيمبابوي وأنجولا وناميبيا وهو ما وسع نطاق الصراع في منطقة البحيرات العظمى بتحويل الحرب الأهلية في الكونغو إلى حرب إقليمية واسعة.
۲ - القرن الأفريقي: أفضت التطورات التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي في أوائل التسعينيات إلى ظهور ترتيبات وأوضاع إقليمية جديدة حيث انهار نظام منجستو في أثيوبيا، ونظام سياد بري في الصومال، واستقلت إريتريا مما ساهم في إعادة ترتيب ميزان القوى بين السودان وجاراتها، وقد حرصت الولايات المتحدة في هذا الإطار على الاحتفاظ بعلاقات وطيدة مع النظم المجاورة للسودان وتأمين وجودها في المنطقة فجاء التدخل الأمريكي في الصومال والزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لتفقد أوضاع القوات الأمريكية المرابطة في الصومال عام ۱۹۹۲م، وهو التدخل الذي أعطى للولايات المتحدة خبرة سيئة أثرت على تدخلها العسكري المباشر في النزاعات الأفريقية فيما بعد.
3- الدور الأمريكي في الأزمة السودانية منذ وصول نظام الإيغاد إلى الحكم عام ١٩٨٩م انتهجت الولايات المتحدة ضده سياسة المواجهة، كما سعت الولايات المتحدة إلى تدويل القضية السودانية، وأيدت علنا خطة الإيغاد "الهيئة الحكومية للتنمية في الشرق الأفريقي" التي تنص على تأكيد حق أهل الجنوب في تقرير مصيرهم عبر استفتاء شعبي في حالة رفض نظام السودان إقامة دولة علمانية ديمقراطية لامركزية.
ومع وصول الإدارة الأمريكية الجديدة في الولايات المتحدة إلى السلطة سعت الولايات المتحدة إلى تحسين علاقاتها بالسودان، وبدأت السودان تبدي حرصها على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد ظهرت عدة مؤشرات تبرز التحول في السياسة الأمريكية تجاه السودان؛ فقد أصدر مجلس الأمن برفع العقوبات التي فرضها على السودان منذ عام ١٩٩٦م.
وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت وهو ما اعتبره البعض تعبيرا عن تقدير الولايات المتحدة للتعاون الأمني مع الحكومة السودانية. كما عطلت الإدارة الأمريكية تشريعا اقره مجلس النواب بحظر تسجيل الشركات الأمريكية في البورصة الأمريكية إذا شاركت في التنقيب عن النفط في السودان.
وبذلك يمكن إجمال السياسة الأمريكية في القارة الأفريقية في عدة توجهات رئيسية من أهمها التركيز على مناطق إقليمية معينة واختيار دولة أو أكثر لممارسة دور القيادة فيها، طرح قضايا معينة ووضعها على اجندة السياسة الأفريقية للولايات المتحدة وعلى رأسها الإرهاب والجريمة الدولية، العمل على محاصرة النظم غير الموالية والتي تدعم التطرف والإرهاب من وجهة النظر الأمريكية، وتأمين وتعزيز فرص الاستثمار والتجارة في المنطقة، ولكن في ظل إطار من المشروطية الاقتصادية والسياسية يسعى إلى فرض النمط الغربي للتنمية على الدول الأفريقية.
القوى الأوروبية وأفريقيا:
يرجع الارتباط الأوروبي بالقارة الأفريقية إلى عهود طويلة؛ فقد تمكنت القوى الأوروبية من احتلال القارة وتقسيمها بعد مرحلة طويلة من الكشوف الجغرافية والمحاولات الفردية من قبل بعض الدول الأوروبية، وقد استطاعت القوى الأوروبية أن تحافظ على مصالحها في القارة، فحتى في ظل نظام القطبية الثنائية الذي تراجعت فيه أهمية ومكانة القوى الأوروبية التقليدية التي كانت تسيطر على أفريقيا راعت الولايات المتحدة مصالح حلفائها الأوروبيين في مناطق نفوذهم التقليدية في القارة وسمحت لهم بالقيام بأدوار متزايدة في المواقف والأزمات المختلفة، بل إن الدبلوماسية الأمريكية في تلك الفترة قامت على اعتبار القارة الأفريقية مسؤولية خاصة للأوروبيين مقابل اعتراف الدول الأوروبية بمسؤولية الولايات المتحدة الخاصة في أمريكا اللاتينية.
وفي ظل النظام العالمي الجديد في التسعينيات نشأت بيئة جديدة أثرت على الطرفين الأوروبي والأفريقي ومن ثم على شكل ومضمون العلاقات فيما بينهما فقد وجدت الدول الأوروبية التي طالما احتفظت بمكانتها المتميزة في القارة الأفريقية أنها أصبحت في مواجهة تحديات ومخاطر جديدة أهمها الهيمنة الأمريكية والمنافسة الشديدة من جانب القوى الاقتصادية الجديدة مثل اليابان والصين وغيرهما.
ولذلك عملت الدول الأوروبية على تدعيم علاقاتها بالقارة الأفريقية على عدة مستويات وفي عدة أبعاد؛ ففي إطار التعاون الجماعي يوجد عدة أطر للتعاون في الأبعاد الاقتصادية والأمنية.
فمن الناحية الاقتصادية تتعدد أطر التعاون، ومن أهمها :
- إطار اتفاقية لومي: وهو أحد أهم قنوات العلاقات متعددة الأطراف التي تربط دول الاتحاد الأوروبي مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء ودول المحيط الهادي والكاريبي. وقد وقعت في إطارها أربع اتفاقيات بدأت الأولى عام ١٩٧٥م وضمت ٤٦ دولة من دول أفريقيا والمحيط الهادي والكاريبي، وتوسعت العضوية حتى ضمت حوالى ٦٩ دولة في اتفاقية لومي الرابعة التي طبقت في الفترة من 1995 - ۲۰۰۰م. وقد حرصت دول الاتحاد الأوروبي على تجديد الاتفاقية بعد انتهائها حيث صاغت اتفاقية جديدة هي اتفاقية كوتونو في يونيو ۲۰۰۰م.
واتفاقيات لومي هي أساسا اتفاقيات تنموية استطاعت الدول الأفريقية الاستفادة منها سواء في النظام التجاري المعمول به، أو المعونات المالية الممنوحة لأغراض التنمية. إلا أن الحوار بين دول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الأفريقية ودول المحيط الهادي والكاريبي في الفترة التي سبقت إعلان اتفاقية كوتونو الأخيرة كشف عن إدخال عناصر جديدة إلى اتفاقية التعاون بين الجانبين حيث طرحت قضايا الحوار السياسي والحكم الجيد وحل الصراعات كمبادئ أساسية للاتفاق الجديد، وهي المبادئ التي أشارت إليها اتفاقية لومي الرابعة.
ومن الجدير بالذكر أن طرح الولايات المتحدة لقانون النمو والفرص في أفريقيا - السابق الإشارة إليه . كان الغرض منه منافسة إطار اتفاقيات لومي مما يعد مظهرا من مظاهر التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية في أفريقيا .
إطار الشراكة الأوروبية المتوسطية يلاحظ أن الدول الأوروبية في تعاملها مع القارة الأفريقية عملت على فصل الشمال الأفريقي عن الجنوب الأفريقي؛ فإذا كان إطار اتفاقيات لومي قد تعامل مع دول أفريقيا جنوب الصحراء فإنها شكلت إطارا جديدا للتعامل مع دول الشمال الأفريقي من خلال مشروع الشراكة الأورومتوسطية.
وقد أسس مؤتمر برشلونة ١٩٩٥م هذا الإطار تعبيرا عن وضع أساس جديد للعلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط بما فيها دول شمال أفريقيا. ويقوم هذا الأساس على شراكة اقتصادية وأمنية وسياسية. ففي المجال الأمني أورد إعلان برشلونة خمسة مبادئ أساسية هي: حل المنازعات بالطرق السلمية ،الالتزام بالإعلان العالمي الحقوق الإنسان، نزع أسلحة الدمار الشامل، مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، احترام مبدأ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفي المجال الاقتصادي أكد الإعلان على أهمية تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ومستدامة، وإقامة منطقة تجارة حرة بشكل تدريجي حتى عام ۲۰۱۰م، والحوار بين الطرفين في قضايا الديون والمساعدات. ويعد هذا المشروع بدوره مثله كمثل الإطار الأول - معبرا عن التنافس الأوروبي الأمريكي في القارة. فتأييد الاتحاد الأوروبي لمشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية يصطدم مع تأييد الولايات المتحدة للمشروع الشرق أوسطي. كما أن منطقة الشمال الأفريقي هي منطقة تنافس أمريكي فرنسي حيث طرحت الولايات المتحدة في يونيو ۱۹۹۸م مشروع شراكة اقتصادية أمريكية مغاربية مع دول المغرب العربي الثلاث تمهيدا لإقامة منطقة للتجارة الحرة تتنافس بها مع العلاقات الخاصة التي تربط الدول الأوروبية بهذه الدول أما عن التعاون الجماعي على المستوى الأمني فقد سعت الدول الأوروبية بعد مذابح رواندا إلى دعم الدبلوماسية الوقائية، وبحث إمكانية تشكيل قوات أفريقية لحفظ السلام في إطار الدور الأساسي الذي يمكن أن تلعبه منظمة الوحدة الأفريقية. وقد حاولت دول الاتحاد الأوروبي منع نشوب الصراعات في القارة الأفريقية من خلال مشاركتها في عمليات الإنذار المبكر، والمشاركة في الدبلوماسية الوقائية، والمشاركة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ومن أمثلة النزاعات التي حاولت دول الاتحاد الأوروبي التدخل لحلها الحرب الأثيوبية الإريترية حيث أرسل الاتحاد الأوروبي وفدا ثلاثيا يضم ممثلين عن ألمانيا والنمسا وفنلندا إلى أديس أبابا في مهمة وساطة لمحاولة تهدئة الصراع بين البلدين.
وفي إطار العلاقات الخاصة التي تربط بين بعض الدول الأوروبية وأفريقيا تجدر الإشارة بشيء من التفصيل إلى العلاقات الفرنسية الأفريقية وسياسة فرنسا في أفريقيا .
السياسة الفرنسية في أفريقيا:
تعتبر فرنسا الدولة الأوروبية الأولى من حيث قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة الأفريقية حتى قيل إن أفريقيا تمثل أحد عوامل ثلاثة لمكانة فرنسا الدولية بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن والقدرة النووية.
وقد حافظت فرنسا على علاقاتها بالدول الأفريقية التي استقلت عنها نتيجة لسياسة تعاونية محكمة ودقيقة طبقتها مع هذه الدول في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية. ومنذ انتهاء الحرب الباردة تأثر النفوذ الفرنسي في أفريقيا نتيجة عدة اعتبارات أهمها : انخفاض الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا لدى القوى الغربية بصفة عامة، والنشاط الأمريكي المتزايد المنافس لفرنسا في القارة.
المصالح الفرنسية في القارة الأفريقية:
تتشعب المصالح الفرنسية في القارة ما بين مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية أمنية. فمن الناحية الاقتصادية تتركز المصالح الفرنسية في القارة في البحث عن أسواق لتصريف المنتجات والسلع الفرنسية المصنعة والحصول على مواد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية خاصة أن فرنسا تعاني نقصا في هذه المواد داخل أراضيها. وقد استطاعت فرنسا تدعيم وجودها الاقتصادي في القارة الأفريقية من خلال العديد من الآليات ومن أهمها التجارة البينية فما زالت فرنسا المستورد الأول للمواد الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة في بعض الدول الفرانكفونية والاستثمارات التي تعتبر من أهم الاستثمارات الأجنبية في بعض الدول الفرانكفونية "كوت ديفوار والجابون"، وإنشاء شبكة مواصلات واسعة تربط بين الأجزاء المختلفة للقارة الأفريقية وبين هذه الأجزاء وفرنسا، بالإضافة إلى منطقة الفرنك الفرنسي التي ترتبط بها ست عشرة دولة من غرب ووسط أفريقيا، وتتيح لمواطني هذه الدول التعامل بالعملة الفرنسية.
كما تتميز فرنسا . مقارنة بالدول الغربية الأخرى. في استخدام الأداة الثقافية معتمدة في ذلك على اللغة المشتركة فاللغة الفرنسية هي السائدة في دول غرب ووسط القارة، والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية المنتشرة في الأرجاء المختلفة للقارة بالإضافة إلى إطار المنظمة الفرانكفونية التي تضم كافة الدول الناطقة بالفرنسية ومنها الدول الأفريقية والتي توسعت لتضم دولا غير فرانكفونية.
ومن الناحية العسكرية والأمنية كانت فرنسا في فترة الحرب الباردة تهدف إلى منع انتشار النفوذ السوفييتي في القارة أو الحد من انتشاره. وبعد انتهاء الحرب الباردة اصبح الخطر الرئيسي الذي يتهدد المصالح الفرنسية في أفريقيا هو الولايات المتحدة التي تحاول ان تدعم تواجدها بالقارة، والإسلام السياسي الذي اخذ يتزايد في التسعينيات في القارة الأفريقية على أطراف الصحراء وفي القرن الأفريقي وخاصة أن نسبة المسلمين في بعض الدول الفرانكفونية نسبة مرتفعة كما تسعى فرنسا إلى السيطرة على المواقع الاستراتيجية في بعض الدول الأفريقية فقد اهتمت على سبيل المثال بإنشاء قاعدة عسكرية في احدى دول القرن الافريقي لمراقبة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف تعتمد فرنسا على عدة آليات أهمها القواعد العسكرية التي أنشأتها في ست دول أفريقية قوة التدخل السريع التي أنشأتها فرنسا وفقا لخطة عسكرية جديدة اعتمدتها عام ١٩٩٣م، وتوجد هذه الآلية في جنوب غرب فرنسا وتستطيع أن تتدخل في وقت قصير في كل أنحاء القارة، وعقد اتفاقيات الدفاع العسكري المشترك مع عدة دول منها الكاميرون، أفريقيا الوسطى جيبوتي كوت ديفوار وغيرها واتفاقيات التعاون والمعونة الفنية مع عدة دول منها بنين بوركينا فاسو بوروندي، الكونغو غينيا، السنغال توجو وغيرها. كما أنشأت فرنسا عام ۱۹۹۷م برنامجا لدعم المؤسسات والتجمعات الإقليمية لمساعدتها على حفاظ الأمن في القارة.
ومن أمثلة الحالات التي شهدت تدخلا عسكريا فرنسيا في القارة التدخل الفرنسي في رواندا عقب مذابح ١٩٩٤م لصالح حكومة الهوتو ومساندة الرئيس التشادي إدريس ديبي بقوات خاصة ضد المظاهرات الشعبية التي اندلعت عام ١٩٩٦م.
كما نظمت فرنسا عام ١٩٩٨م في إطار برنامج التعاون مع المنظمات الإقليمية في أفريقيا مناورات عسكرية بالسنغال بالتعاون مع الجماعة الاقتصادية لدول الغرب الأفريقي، وأخرى في الجابون بالتعاون مع الجماعة الاقتصادية لدول الوسط الأفريقي.
دوائر حركة السياسة الفرنسية في أفريقيا:
تسعى فرنسا في استراتيجيتها الجديدة في القارة إلى توسيع شبكة علاقاتها بحيث تتخطى مناطق نفوذها التقليدية إلى دول أفريقية جديدة كانت تابعة للنفوذ البريطاني والبرتغالي والبلجيكي. وبصفة عامة فإن فرنسا تهتم بوجودها في نفس مناطق الاهتمام الأمريكي ولذلك تحتدم المنافسة بين البلدين في مناطق البحيرات العظمى والقرن الأفريقي والغرب الأفريقي. أكدت قرب نهاية النفوذ الفرنسي - في أفريقيا، وتدخلت عسكريا في رواندا عقب المذابح الإثنية عام ١٩٩٤م لصالح حكومة الهوتو. وفي السودان نشأت المنافسة الفرنسية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال مساندة فرنسا للسودان. وقد ساندت فرنسا في السودان لعدة أسباب أهمها الرغبة في إيجاد مرتكز لها في منطقة البحيرات العظمى بعد أن تراجع نفوذها في هذه المنطقة، وفي منطقة القرن الأفريقي تتنافس فرنسا مع الولايات المتحدة إلى أن فرنسا عضو في نادي أصدقاء الإيغاد.
وفي منطقة الغرب الأفريقي يوجد احتكار فرنسي للأسواق في دول غرب أفريقيا الفرانكفونية تحاول الولايات المتحدة منافسته.. كما يوجد تنافس أمريكي فرنسي في منطقة الجنوب الأفريقي. وعندما تحفظت جنوب أفريقيا على مبدأ التبادل التجاري وليس المعونات الذي أيدته الولايات المتحدة استغلت فرنسا هذا الموقف ولوحت باستعدادها لتقديم برامج للتعاون الفرنسي الأفريقي تعتمد في جانب منها على المساعدات الاقتصادية والمالية.