يوليو 1, 2024 - 18:24
يوليو 1, 2024 - 18:24
هل الناتو يستعد لحرب عالمية ثالثة ؟


عرب جورنال / توفيق سلاّم  - 
ثمّة غيوم داكنة، تلوح في الأفق عن حرب عالمية ثالثة يستعد لها حلف الأطلسي، بدعمه لأوكرانيا اللامحدود، رغم أن أوكرانيا ليست عضوًا في حلف الناتو. ويبدو أن حالة اليأس التي تضرب البيت الأبيض يجعلها، تغامر بما هو أخطر على مستقبل البشرية، مع تهديداتها المستمرة، وحلفائها من كلّ حدب وصوب، بالتدخل العسكري وإرسال الجنود والأسلحة وإلى ما هنالك من استنفار لتهشيم وتحطيم روسيا. لذلك فإن قرار الرئيس الروسي بوتين بالتدريب على الأسلحة التكتيكية النووية "غير الاستراتيجية" يتضمن استباقًا لنيات الغرب بمهاجمة روسيا. وعند هذا المعطى فإن روسيا تحذر الغرب من مغبة هذا التفكير النرجسي، الذي لن تتعامل معه إلا بأسلوب الردع للحفاظ على سيادة الدولة. مع أن معاهدة "ستارت الجديدة" لعام 2010 هي الإتفاقية الأخيرة المتبقية التي تصف طبيعة التسليح النووي بين واشنطن وموسكو بشأن الأسلحة النووية قصيرة ومتوسطة المدى، ومن المقرر انتهاء الاتفاقية في العام 2026، ويبدو أن مسألة إجراء محادثات جديدة بشأن تجديد الاتفاقية تتطلب ضمانات أمنية، بشأن توسع حلف الأطلسي في شرق أوروبا. ووفقا لإحصائيات مراكز دراسات استراتيجية، فإن هناك أكثر من 12 ألف سلاح نووي في جميع أنحاء العالم. وتمتلك الولايات المتحدة وحدها نحو 5100 رأسًا نوويًا، وروسيا نحو 5580، والصين 500، والمملكة المتحدة 225، وفرنسا 290. ويُقدّر بأنّ لدى الهند وباكستان مجتمعين 170 رأسًا نوويًا، وكوريا الشمالية 50، وإسرائيل نحو 200 غير مفصح عنها.
أي أننا نعيش -حاليًا- في زمن التوتر النووي، وثمّة مخاطر حقيقية لاندلاع حرب نووية وشيكة لطالما تمتلك الدول هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل". بالإضافة إلى الأسلحة الكيماوية، والبيولوجية. ولطالما بقي حلف الناتو هدف القوى الاستعمارية  الإمبريالية للسيطرة على العالم من خلال توسعه ومد نفوذه نحو مناطق جديدة في شرق أوروبا، وهو ما يمثل خرقًا للمعاهدات الدولية بين الاتحاد السوفيتي السابق  وأمريكا التي أبرمت بعد الحرب العالمية الثانية.     

خطوات التصعيد
 
تقود الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي نحو التصعيد مع روسيا، وتجهز حلف الناتو لمهمة عسكرية في أوكرانيا بمزيد من الدعم العسكري، وصلت إلى حد إمداد أوكرانيا بالأسلحة الاستراتيجية وكان آخرها صواريخ اتاكمس الأمريكية، وهو من الصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، ويجري حاليا الاستعداد لارسال المقاتلات الأمريكية من نوع  F16، وطائرات الانذار المبكر السويدية
 وغيرها من الأسلحة الحديثة. ويبدو أن هذه الحقبة تحمل نذر شؤم، رغم ما يوجد فيها من ساسة ورجال بارزون لعبوا دورًا أساسيا في تجنب حدوث كارثة نووية شارفت على النهاية بحكم تقدمهم بالعمر وانتهاء دورهم السياسي. وعليه فإن البشرية قد تكون عرضة لحرب نووية مدمرة لا يمكن تفاديها أكثر من أي وقت مضى، مع الإصرار  الأمريكي الأحمق لتدمير روسيا.. ربما البعض لم يستوعب هذا الجنون الأمريكي وينفي حقيقته، ولا يستوعب أن أمريكا العظمى آيلة إلى التفكك والتشظي، وهناك قضايا كثيرة شائكة وعويصة، يصعب حلها، متعلقة بمسألة التضخم، والديون الأمريكية التي بلغت 34 تريلون دولار، وانهيار الدولار في البورصات العالمية. وصعود الدول المنافسة تقنيًا واقتصاديًا واكتساحها الأسواق العالمية، وهناك خطط  لمجموعة بريكس بالتعامل بالعملات الوطنية، ريثما يتم المصادقة على عملة موحدة بين دول بريكس التي يتضاعف انضمام الدول إليها في كل عام، وهي دول كبرى وذات اقتصادات عملاقة، بالإضافة إلى كثافتها السكانية التي تشكل ثلاثة أرباع العالم، وعلى صعيد الداخل الأمريكي هناك معارضة قوية وخلافات حادة، داخل الكونجرس، وبين الحزبين الحاكمين حول قضايا عديدة، ومنها مابرز مؤخرًا حول توظيف الأموال وإنفاقها لإشعال الحروب في مناطق عديدة من العالم، وقضايا الفساد،  ودور اللوبيات اليهودية في صناعة القرار، وما تواجهه الإدارة الحالية من إشكالية كبيرة على صعيد الانتخابات الرئاسية القادمة، فاليهود تربطهم علاقات وطيدة مع الحزب الجمهوري، ومن المرجح أن تكون أصواتهم لصالح الحزب الجمهوري، وهذا ما يخشاه بايدن، ويحاول إرضاء نتنياهو وحزب الليكود بدعم إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني.  وهناك رؤى وتوجهات جادة لاستقلال الولايات الأمريكية عن المركز، وقضايا الهجرة وإغلاق الأبواب أمام تدفق المهاجرين، حسب رؤية الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى انقسام بين التيارات المتطرفة والتيارات اليسارية، مع انتشار الأسلحة والعصابات وتجارة المخدرات، والتفرقة العنصرية، وماتراه الأحزاب اليمينية بالتخلص من المسلمين باعتبارهم يشكلون خطرًا على مستقبل الجنس الأمريكي الأبيض.
كل هذه الأوضاع تجعل أمريكا بلد ملغوم وقابلة للتفجر، وهو ما تراه الإدارة الأمريكية بالخطر القادم لحرب أهلية، ولهذا فهي تتهرب من أزماتها الداخلية بتصدير الحروب لاعدائها الخطرين، وتوجهاتهم لايجاد توازن في التعدد القطبي، والتوجه نحو عالم العدالة.    
ذلك هو ما تخشاه أمريكا، مع تضاؤل قوتها، وضعف مكانتها، وتراجعها على الساحة الدولية، هو ما يجعلها تدفع بدول الناتو، لمواجهة روسيا الحلقة الأقوى في الصراع.. وربما اجتماع بروكسل القادم  لدول حلف الناتو سيكشف عن هذه التوجهات. حول ذلك كتبت أناستاسيا بيركوفا، في "أرجومينتي إي فاكتي "وقّعت الحكومة النرويجية اتفاقية مع أربع شركات خاصة للبدء في تخزين احتياطيات الحبوب، وتخطط النرويج أيضًا لتوقيع عدد من العقود الإضافية في السنوات المقبلة بهدف إنشاء احتياطي حتى العام 2029". ويرى محللون سياسيون في هذه الخطوة استعدادًا مفتوحًا لحرب عالمية ثالثة. ويرى المحلل السياسي سيرغي رازغوليايف، إن "جميع الدول الأوروبية تقريبًا تتحدث الآن عن صراع وشيك مع روسيا"، ويضيف " سيبدأ الناتو العدوان على روسيا في هذا العام 2024 على الأرجح، وعلى أبعد تقدير العام المقبل". الآن تتحدث جميع الدول الأوروبية -تقريبًا- عن صراع وشيك مع روسيا وحرب عالمية ثالثة، وهناك خطط غربية لبناء ملاجئ ضد القنابل، وزيادة الإمدادات الغذائية، ناهيكم عن إمداد الجيوش الغربية بالأسلحة وتدريبات الحلف واسعة النطاق. ويقوم القادة الغربيون بغسل أدمغة السكان وتحويلهم حرفيًا إلى زومبي ينتظرون الحرب. لا يستطيع الغرب والولايات المتحدة الاعتراف بهزيمة أوكرانيا، التي كلفتهم الكثير، فيقولون في أنفسهم "طالما لم نتمكن من هزيمة روسيا بأيدي الأوكرانيين، فلنتدخل بأنفسنا". أي أن الجميع ينتظر اللحظة المناسبة لإشعال النار في العالم، وتحويله إلى هشيم، وقريبًا جدًا سيدخل العالم المرحلة الساخنة من الحرب العالمية الثالثة، حيث يجري تسخين الأمور إلى الحد الأقصى، فقط الأعمى أو الذي يرتدي عدسات وردية لا يرى ذلك، لم يتبق سوى القليل من الوقت قبل تنفيس الاحتقان. فالتوترات التي تحدث بين الفينة والأخرى، تحمل تهديدات مستمرة بانتشار  الأسلحة النووية، الأمر الذي يهيىء دوافع استخدامها عند نقطة الخطر. واشنطن عمدت إلى نشر الأسلحة النووية في بعض الدول الأوروبية، وهي بالإضافة إلى ذلك تعمل على تعزيز ترسانتها النووية لمواكبة التطور الحاصل على صعيدي الذكاء الاصطناعي والصورايخ الأسرع من الصوت. ومؤخرًا عززت قواعد حلف الناتو بالاسلحة الحديثة والجنود.  
الجدير بالذكر أن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح الفتاك في نهاية الحرب العالمية الثانية في مناسبتين متتاليتين في نجازاكي وهيروشيما المدينتين اليابانيتين، وكذلك أستخدمت دول أوروبية القصف بالسلاح الذري الذي استُعمل في  عشرينيات القرن الماضي في منطقة الريف بالمغرب لإخماد الثورة الريفية بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وفي ليبيا ضد ثوار عمر المختار، والقصف بالفوسفور الأبيض المُحرَّمُ دوليًا الذي استُعمل في العراق ولبنان وغزة، والسلاح الإشعاعي الذي استخدمته فرنسا في الجزائر.

استعداد الناتو لمواجهة روسيا

ترى روسيا أنها واقعة في قلب الخطر، إذ أن حلف الناتو يسعى لتهديد وجودها في كيانها الحالي، بل يمكن القول، إن الغرب قد يلجأ لاستعمال أسلحة الدمار الشامل، لضرب روسيا في المفاصل الهامة وهذا سيناريو غير مستبعد، أو قد يلجأ الحلف لمهاجمة روسيا من القواعد المحيطة حولها وعلى جوارها الحدودي. هذا لأن الناتو لم يتلق الرد المناسب في الوقت المناسب، فها هو الغرب حاليًا يهدد بمهاجمة روسيا، مع تزايد الأخطار حولها وتضييق الخناق عليها من حدودها القريبة، أو محيطها الإقليمي من أوكرانيا ودول البلطيق ومن بولندا ورومانيا وفيلندا والسويد وألمانيا. وكشف رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان عن تجهيز الناتو مهمة عسكرية في أوكرانيا، جاء ذلك في تصريح له مع إذاعة " كوسوث"، وأكد أن بودابست لن تشارك فيها.. 
وقال أوربان: "لقد حققنا الحد الأدنى من الهدف، إذ اتفقت مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" على أن تخرج هنغاريا من القطار، فحلف شمال الأطلسي يجهز مهمة عسكرية في أوكرانيا، لكننا لن نشارك فيها، لا بالأسلحة ولا بالمال ولا بالأفراد". وأشار إلى أن "القطار الأوروبي يتجه نحو الحرب"، مضيفًا "لم يكن من الممكن إقناع السائق بعدم المضي أبعد".
وقال: "لقد اتفقنا على أن لا تمانع هنغاريا قرارات الحلفاء الآخرين بشأن المساعدة الطويلة الأجل لأوكرانيا والدور القيادي لحلف شمال الأطلسي في تنسيق المساعدة لأوكرانيا، ولكن في الوقت نفسه، لن نكون جزءًا منها".
وقال ستولتنبرغ في مؤتمر صحافي مشترك مع أوربان: "لقد أوضح رئيس الوزراء أوربان أن هنغاريا لن تشارك في هذه الجهود"، وأوضح أوربان إن بلاده لا تنوي المشاركة في العمليات العسكرية لحلف شمال الأطلسي خارج أراضي الحلف، خاصة في أوكرانيا. وأضاف رئيس الوزراء الهنغاري: "بعد أن صاغت بودابست موقفها، اضطرت إلى الاعتراف، بأنها لم تكن لديها الفرصة والقوة لتغيير الوضع". وقال أوربان إن أعضاء "الناتو" يبحثون عن طريقة يمكن للحلف من خلالها المشاركة في الصراع في أوكرانيا، مضيفا "بالطبع، لا أريد الكشف عن التفاصيل، لكن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي قال كل هذا فعلاً - فتعمل مجموعات العمل على تحديد كيفية مشاركة الناتو في هذه الحرب".
ويعتقد أوربان أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هو الشخص الوحيد القادر الآن على "إيقاف القطار" إذا فاز في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل. وأضاف: "لن يستطيع أحد من حلف شمال الأطلسي أن يمارس أي ضغط على هنغاريا للدخول في الصراع الأوكراني.. إنهم الآن من بروكسل يحاولون جرنا إلى حرب، وسننتصر في هذه المعركة أيضًا". مشيرًا إلى أن خطة الدول الغربية لهزيمة روسيا محكوم عليها بالفشل". وتابع أوربان: "يبدو الوضع وكأن العالم الغربي يريد هزيمة روسيا بمساعدة ألمانيا وبقيادة الولايات المتحدة، أعتقد أنه أمر ميؤوس منه. وحتى لو حققنا النجاح، وهو أمر غير منطقي على الإطلاق في الخطوط العريضة الواقعية، فسيتعين علينا أن ندفع ثمناً باهظًا لا يستحق كل هذا العناء". وأشار رئيس الوزراء الهنغاري إلى أن العمليات العسكرية في أوكرانيا بدأت بسبب روسيا، لكن السبب الرئيس للصراع هو نية كييف الانضمام إلى حلف "الناتو".
وأضاف أوربان: "في نهاية المطاف، السؤال هو ما إذا كانت أوكرانيا ستصبح عضوًا في الناتو أم لا؟ تدور هذه الحرب حول سيفاستوبل، حيث سيكون هناك عند مخرج البحر الأسود علم الناتو، أو العلم الروسي، يقول الروس إنه يوجد الآن علم روسي هناك، ولا يريدون تغييره إلى علم الناتو، ولا يريدون أن تكون هناك حدود مع دول الناتو". وهددت روسيا الغرب بـ"مواجهة مباشرة" بسبب تزايد تحليق الطائرات المسيرة الأمريكية فوق البحر الأسود بالقرب من أوكرانيا. جاء هذا بعد أيام من توجيه موسكو تهديدات لواشنطن إثر ضربة أوكرانية على شبه جزيرة القرم. وترى موسكو أن الدعم المقدم لأوكرانيا من الأسلحة وجمع المعلومات الاستخبارية، وتحديد الأهداف على الأراضي الروسية، يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها مشاركين في النزاع مع أوكرانيا، الذي بدأه الكرملين بشن هجوم عسكري في فبراير/شباط 2022. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن تزايد طلعات الطائرات المسيرة الأمريكية فوق البحر الأسود يزيد احتمال وقوع حوادث في المجال الجوي مع الطائرات الروسية، مما يزيد خطر المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا. وأشار بيان وزارة الدفاع الروسية إلى أن دول الناتو ستكون مسؤولة عن هذا الوضع، وأن وزير الدفاع أندريه بيلاسوف قد أمر هيئة الأركان باتخاذ تدابير للرد بسرعة على هذه "الاستفزازات".
وأفادت الوزارة أيضًا بأن الطائرات المسيّرة الأمريكية تُستخدم للاستطلاع، وتحديد أهداف للأسلحة الدقيقة التي يقدمها الغرب للقوات الأوكرانية. وسبق أن هددت روسيا الولايات المتحدة بالرد في 24 يونيو/حزيران المنصرم، متهمة إياها بالتسبب في مقتل أطفال روس بعد هجوم على شبه جزيرة القرم في البحر الأسود، التي ضمتها موسكو عام 2014. ويرى الكرملين أن صواريخ "أتاكمس" الأمريكية بعيدة المدى لا يمكن لأوكرانيا استخدامها بمفردها، لأنها تحتاج إلى خبراء وتقنيات ومعلومات استخبارية من الولايات المتحدة. وإذا كان السلاح الذري يقتل على الفور كل الكائنات الحية التي يسقط عليها، فإن سلاح الحصار الخانق يقتل بدوره ويدمر المجتمعات التي يطالها، ولكن يحدث ذلك بالتقسيط وبالتدريج كما يحدث اليوم في غزة، والأساسي هو أن كلاهما يؤدي نفس المهمة التي هي القتل والتدمير والإبادة الجماعية. فجور الغرب تجاوز كل الحدود، توغل في سفك الدماء في جهات الدنيا الأربع، ولا يقبل بأن تتراجع سيطرته ونفوذه على العالم. الغرب تحكمه طبقات رأسمالية جشعة هاجسها الأكبر هو نهب ثروات دول العالم، واحتكارها لنفسها، ومنع إنسان الجنوب من حقه في التصرف في ثرواته. ويحرص الغرب على أن يظل مستفردًا لوحده بالتحكم في قيادة العالم وتوجيهها بما يخدم مصلحته الأنانية، لقد جاملته روسيا لبعض الوقت وسكتت عن تصرفاته الرعناء لوقت طويل في جهات كثيرة من العالم، وعندما قررت الخروج عن الصف والعودة كقوةً كبرى إلى الساحة الدولية، وبدأت تطالب بالضمانات الأمنية من توسع حلف الناتو في شرق أوروبا، وتهديد وجودها، لم يقبل الغرب ذلك، واتفقوا للاطاحة بها.
فكانت أوكرانيا البلد الذي فخخها الغرب لمواجهة روسيا بعد استقلالها 1991، ومن هناك، بدأت النعرات للانضمام لحلف الناتو، لجعل أوكرانيا قاعدة جديدة للناتو على الحدود الروسية، لاستكمال حصار روسيا من كافة الاتجاهات، وفرض الحرب والحصار عليها لتدميرها وتفكيكها.

زيارة بوتين لشرق آسيا 

 أخطار الناتو ليس على روسيا وحدها، وإنما على الصين وعلى دول شرق آسيا، وهو الأمر الذي تراه القيادة الروسية بالخطر المحدق لزعزعة السلم العالمي، وتضيق الخناق على روسيا مع جيرانها في شرق آسيا، ويبدو أن زيارة الرئيس الروسي بوتين لدول شرق آسيا، لتفادي مخاطر حقيقية لتهديد روسيا وحلفائها، من الأنشطة المتزايدة لحلف الناتو في منطقة شرق آسيا  والمحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي، فقد جرى 
التوقيع على اتفاقية ثنائية بشأن المساعدة المتبادلة، بين روسيا وكوريا الديمقراطية، في حال تعرض أي منهما لعدوان، يشكل اختراقًا جيوسياسيًا يغيّر التوازن بشكل جذري في شرق آسيا والعالم. وفي نفس الوقت ابرمت اتفاقية مع فيتنام، للغرض نفسه، وهذا يعني أن روسيا وصلت إلى عتبة جديدة في تحالفاتها، تجعلها القوة الثالثة في فترة المواجهة المتوقعة بين الصين والولايات المتحدة في 2026-2030. فقد قامت روسيا، بحركة حاسمة، بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، وهو الأمر الذي يعزز  نفوذ روسيا والصين معًا، الأمر الذي أدى عمليًا إلى حماية بيونغ يانغ من احتمال تعرضها لحرب كبرى. وهذه الخطوة تضعف موقف الولايات المتحدة، ما يفرمل مشاركتها النشطة في الصراع، مع كوريا الجنوبية، في حال هجوم عرضي تشنه كوريا الجنوبية على جارتها الديمقراطية. ومعلوم أن كل هندسة العمليات العسكرية المستقبلية تركز على هذا الاتجاه، وأن يؤدي إلى إشراك روسيا في الصراع ضد الولايات المتحدة وشركائها. فعلى مدار العامين ونصف العام الماضيين، تجنبت الولايات المتحدة، بكل الطرق العمل العسكري المباشر ضد روسيا، ولم تُقرّب مجموعات حاملات الطائرات، واقتصرت على استخدام وكلائها وأتباعها. إلا أن إثارة صراع في منطقة شرق آسيا مع بكين وموسكو خطير للغاية. 
تحاول الولايات المتحدة محاصرة الصين وتضيّيق الخناق عليها، ومحاصرتها وتوتير العلاقات مع حلفاء أمريكا في الجوار الإقليمي، ويبدو أن المسعى الروسي يحد من خططها وإجراءاتهما الاستراتيجية. فلن تكون الولايات المتحدة قادرة على التصرف بحرية كاملة في كوريا الجنوبية وفيتنام، الأمر الذي يضعف موقفها. كما لا تستطيع الصين استعراض العدوانية ضد كوريا الجنوبية، حيث تحتاج إلى الحلفاء أولاً وإلى التوازن في القوة، وسوف يكون التوسع نحو الهند الصينية معقدًا بسبب وضع فيتنام الميال إلى روسيا.
وفي الختام، فإن المطلوب من نخب الدول الغربية ومن أطرها السياسية والنقابية والجامعية، ومن شبيبتها التحرك في هذا الإطار، وأن ينصب النضال الدولي في هذا الاتجاه، لإجبار الحكومات الغربية على التخلي عن جشعها وقمعها وتسلطها، وأن تسعى لبناء المجتمع الدولي العادل والمختلف والمغاير لنظيره الظالم القائم حاليًا. الطريق للوصول إلى هذا الهدف طويل ووعر، ولكنه السبيل الوحيد للحفاظ على استمرارية الحياة فوق الكرة الأرضية. أما إذا ظل الوضع على ما هو عليه، وبقيت الحروب الطاحنة تجري في أكثر من مكان، وظل الغرب يبادر إلى إشعال فتيلها، ورمي الحطب فوق نيرانها الملتهبة، وإذا استمر هذا الغرب في سياسته الحالية الرامية إلى قهر كل من يخالفه الرأي، بفرض الحروب والحصارات عليه، فهذا يعني أن العالم في الطريق صوب حرب عالمية ثالثة مدمرة للبشرية، ويمكن القول إن نذر هذه الحرب قد بدأت تلوح في الأفق، انطلاقا من أوكرانيا وغزة ووصولاً إلى الصين عبر تايوان. فهل ستنزلق البشرية لحرب عالمية ثالثة أم تتجنبها، أم أنها انهمكت فيها دون وعيٍ منها؟ إنْ حدث هذا، سيكون الغرب هو المتورط في اندلاع الحرب العالمية الثالثة، والمسؤول عن كافة تداعياتها الكارثية..!