يوليو 1, 2024 - 15:28
يوليو 1, 2024 - 15:29
من سيجني ثمار الحرب الأوكرانية في ظل حرب الاستنزاف القائمة بين روسيا والغرب..؟ 


عرب جورنال / أنس القباطي - 
دخلت الحرب الأوكرانية منعطف جديد، بدا فيه الحديث عن السلام، لكن هذا الحديث لا زال عبارة عن وجهات نظر للاطراف المتصارعة، سواء تلك التي تخوض الحرب بشكل مباشر، او تلك التي تخوضها بشكل غير مباشر، لكن وجهات النظر على تعددها تتلخص في طرفين، الاول روسي يحدد الامن القومي للبلاد كعنوان رئيسي للسلام، والآخر اوكراني غربي يضع المخاوف من التوسع الروسي غربا مادة اساسية للسير في طريق انهاء الحرب.
خمول الحرب
والحديث عن السلام في اوكرانيا يعد مؤشرا على ان الطرفين وصلا إلى مرحلة دخلت فيها الحرب مرحلة الخمول في المواجهات التي تدور على الارض منذ عامين وأربعة اشهر، ودخول الحرب هذه المرحلة يجعل من استمرارها مجرد حرب استنزاف للطرفين، لعل طرفا فيها ينجح في الضغط على الآخر للقبول بالحد الادنى من شروط الطرف الآخر، غير ان ذلك لا يعني استمرار حرب الاستنزاف إلى ما لا نهاية، لان اطالتها يعني تضرر اقتصاد كل طرف، وهو ما قد يدفع بالحرب إلى العودة إلى نقطة الصفر، واشتعالها بشكل أكثر شراسة لتحقيق لحظة اختراق خاطفة تغير الواقع على الارض، والذي سيغير من شروط السلام.
حرب استنزاف
حرب الاستنزاف في العادة تأخذ وقتا طويلا، فكل طرف يعمل وفق استراتيجية مرسومة الاهداف لاضعاف خصمه، ويدفع ثمنها في حالة وجود اطراف تخوضها بشكل غير مباشر، الطرف الذي تدور على ارضه المواجهات، ولما كانت اوكرانيا هي ساحة المعركة، فإنها صارت اليوم احوج من غيرها للسلام، لكنها لم تعد اليوم ممسكة بقواعد اللعبة، والتي صارت بايدي داعميها، الذين قدموا دعما سخيا لجيشها، وبانتظار جني ثمارها، التي تتلخص في اضعاف روسيا القادمة بقوة لتغيير قواعد النظام الدولي القائم على واحدية القطب.
حرب صراع على النفوذ
الحرب الاوكرانية تصنف بأنها واحدة من حروب الصراع الدولي على النفوذ، والتي عادة ما تخلف الفقر في مسرح العمليات الحربية، فيتمدد نحو دول اخرى في مختلف ارجاء العالم، فتسقط انظمة وتظهر اخرى، وقد تؤدي إلى تغيير في الحدود السياسية، لان القوى الدولية المتصارعة تضغط على بعضها في مناطق نفوذها، وما يحصل في قارة افريقيا اوضح مثال يؤكد ان الحرب الاوكرانية حرب صراع على النفوذ بين القوى الدولية الكبرى. 
قساوة الطقس
وفي ظل المعطيات التي افرزتها حرب العامين في اوكرانيا، فإن حاجة كل طرف تختلف عن الآخر، ولما كانت روسيا هي الطرف المتقدم على الارض، ولأنها تخوض حرب في بيئة جغرافية تتميز بطقس قاس، فهي في اشد الحاجة لاخذ الظروف المناخية بعين الاعتبار، ولما كان الروس هم أبناء تلك البيئة الجغرافية، فإن ذلك يعد عاملا ايجابيا يقف في صفهم، كونهم قد تكيفوا على ظروف البيئة، وصارت لهم ادواتهم في مقاومة قساوة الطقس.
تطويع المناخ لخدمة الحرب
يعد الجيش الروسي من افضل الجيوش في العالم التي تطوع المناخ لصالح عملياتها الحربية، وكثيرا ما استدرجت خصومها إلى أفخاخ الطقس، حتى اصبح يطلق عليها "مشنقة امبراطوريات". ومن هذا المنطلق فروسيا بحاجة للتحلي بضبط النفس خلال ما تبقى من هذا العام، واشهر من العام الذي يليه، وان تستفيد من تسارع الاحداث التي يشهدها العالم، فالشتاء القادم سيصعب الوضع على الحكومة الاوكرانية التي صارت منهكة، فالبنى التحتية اصبحت مدمرة، والاقتصاد منهار، ما سيجعلها غير قادرة على المقاومة في شتاء قارس، فلم يعد لديها طاقة كافية للتدفئة وتحريك الحد الادنى من عجلة الحياة، وهو ما سيجعلها تقف وجه لوجه امام كارثة اجتماعية لا تملك ادوات لايقاف الحد الادنى منها، في حين ان الولايات المتحدة الامريكية التي تعد الداعم الاول لنظام كييف تعيش حالة من الاضطرابات، بسبب الأزمة الاقتصادية، وتصاعد الصراع السياسي بسبب الانتخابات الرئاسية.
اختراق حرب الاستنزاف
في حال نجحت روسيا في الحفاظ على مكاسبها التي تحققت على الارض إلى الربيع القادم، يمكنها اختراق حرب الاستنزاف القائمة مع الغرب، والانتقال إلى مرحلة التصعيد المدروس بما يمكنها من تحقيق تقدم خاطف على الارض يغير من قواعد الاشتباك الحالية، لفرض واقع مختلف على طاولة التفاوض، لان خصومها الغربيين ايضا سيتعرضون لاضرار فادحة في الشتاء في ظل ازمة الطاقة.
استفزازات مقلقة
يدرك قادة الغرب جيدا تاثير المناخ على العمليات الحربية في اوكرانيا، وخبرة الجيش الروسي في التعاطي مع الطقس القاسي في الشتاء، ولذلك يصعدون من استفزازاتهم لروسيا بشكل شبه يومي، وبالتالي فإن استمرار هذه الاستفزازات وبشكل متصاعد يجعل من ضبط النفس معها امرا صعبا من جانب الروس في بعض الاحيان،  لأن بعضها تحتاج للرد باجراءات حاسمة، ما قد يدفع الوضع نحو الانزلاق إلى مواجهة قد لا تخدم الجيش الروسي، فالحاضنة الشعبية في ظل بعض الاستفزازات لن تتفهم حتى الحد الادنى من أسباب ضبط النفس.
الاستقرار الداخلي
ينظر، للاستفزازات الغربية ضد روسيا بأنها جزء من حرب الاستنزاف التي تهدف لتحقيق حالة من عدم الاستقرار في الداخل الروسي، ومن ابرز تلك الاستفزازات ما حصل في سيفاستوبول والهجوم الإرهابي في كروكوس بموسكو. وهو ما استوجب على موسكو الرد، وان كان بشكل محدود وحذر في الداخل الاوكراني، لامتصاص بعض الغضب الشعبي. امام روسيا فرصة تكاد تكون وحيدة حاليا،  لشن هجمات منسقة ومكثفة مستغلة انشغال واشنطن بالانتخابات، وبما يؤدي إلى تقليص فرص بايدن في الفوز، الذي اصبح يغرق وحزبه في اتون معركة انتخابات تبدو خاسرة. لكن الهجمات الروسية ينبغي ان تكون حذرة لمنع وقوع اضرار بشرية، عوضا عن وجوب التيقظ لاي هجمات معادية، لأن وقوعها والحاق اضرار بشرية في الداخل الروسي، سيؤدي إلى التذمر الشعبي، الذي سيزعزع استقرار الداخل الروسي إلى حد ما.
سباق بين الفرص والزمن
وبالتالي فإن نجاح روسيا في ضبط النفس حتى ما بعد الانتخابات الامريكية، سيجعل من فرصها لتحقيق نقاط تفوقها في حربها بأوكرانيا افضل، لان واشنطن ستكون بعد الانتخابات ملزمة بتحديد موقف من خصمها الصيني، وموقف اخر من الحرب في الشرق الاوسط، وفي حال انجرت واشنطن إلى حرب في بحر الصين الجنوبي ومنطقة الشرق الاوسط، فإن روسيا ستكون امام فرصة ذهبية لمناجزة اوكرانيا المنهكة، وتغيير قواعد اللعبة على الارض، ومن ثم على طاولة التفاوض. 
عدم الاستقرار يهدد الجميع
تداعيات عامان من الحرب الاوكرانية القت بضلالها على استقرار كل الاطراف المشاركة فيها بشكل مباشر، وغير مباشر، ومن ابرز تلك التداعيات التاثير بشكل سلبي على الاستقرار الداخلي للدول المشاركة في الحرب، فاوكرانيا صارت دولة هشة لا تقوى على تقديم الحد الادنى من الخدمات، والدول الغربية الداعمة للنظام الاوكراني؛ بما فيها الولايات المتحدة اصبحت تعاني من الاضطرابات الداخلية بفعل ازمة الطاقة والازمات الاقتصادية والسياسية، وروسيا هي الاخرى تعاني من الوضع الاقتصادي والتذمر الشعبي المرتبط بالرد على الهجمات في الداخل الروسي،  رغم انها افضل من غيرها، نظرا لانها تمتلك على اراضيها موارد اقتصادية متنوعة، ونجاحها في البحث عن اسواق بديلة لتسويق الحد الادنى من مواردها، والاهم من ذلك ان لديها سكان يعتزون بقوميتهم، ما يعد عامل قوة يحافظ على الحد الادنى من الاستقرار الداخلي اثناء الحروب.
لدغة الافعى الجريحة
ومما سبق يمكن القول ان الحرب الاوكرانية وصلت إلى مرحلة الخمول، غير ان حالة الخمول هذه هي اخطر مراحل الحرب، ويمكن تشبيهها بمرحلة ما قبل موت الافعى، التي اصبحت تلدغ في كل الاتجاهات، واللدغة الواحدة منها، لا تعني غير افراغ كل سمها في جسد الضحية، فالسم الزعاف الذي يفرغ في جسد الضحية يعجل بموتها قبل الافعى المستسلمة للموت، وذلك ما يمكن ان تفعله اوكرانيا بروسيا اذا ما وجدت فرصة مواتية للدغ، فهي ستموت في النهاية مع خصمها، وسيجني الغرب الثمار، التي ستضخ الحياة في جسده من جديد. فهل ستخدم الظروف المناخية وعامل الزمن والاحداث المتسارعة في الغرب والحذر روسيا ام الغرب..؟ الاشهر القادمة ستجيب.