
عرب جورنال / رضوان العمري -
لم يقتصر الدور الأمريكي الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، بل إن واشنطن انتهجت سياسة العقاب ضد كل من يعادي "إسرائيل" أو يدعم "فلسطين" دولاً أو كيانات أومنظمات أو أفراد ، إما بشن عدوان عسكري مباشر مثل عدوانها على اليمن والعراق أو بعقاب سياسي أو اقتصادي غير مباشر، وذلك في محاولة لكبح جماح أي تحرك يعيق "إسرائيل" من حربها في غزة وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين.
وأمام الصمت العالمي المطبق تجاه جرائم "إسرائيل" بحق أبناء غزة _ باستثناء بعض الدول والجماعات القليلة جداً _ تقدّمت جنوب أفريقيا بدعوى لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها "إسرائيل" بارتكاب مجازر إبادة جماعية، وبرغم أن هذه الخطوة لم تحقق الشيئ المأمول، إلا أنها كانت مهمة جداً لكسر حالة الجمود والتبلد العالمي، وشجعت بعض الدول باتخاذ مواقف مماثلة، كما أنها كشفت هشاشة المنظمات الدولية وضعفها وأشعرت العالم بأنها منظمات محكومة وفق الرغبات والتوجهات الأمريكية.
بعد هذا النشاط التي قامت به جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل"، كانت الخطوة الأولى لواشنطن ضد جنوب أفريقيا بتوقيع أكثر من 200 مشرّع أميركي مشروع قانون، وأرسل كرسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يدينون فيه جنوب إفريقيا، قائلين إن الاتهام "يكشف إلى أي مدى سيذهب أعداء "إسرائيل" في محاولاتهم لشيطنة الدولة اليهودية" حسب تعبيرهم.
وادعى مشروع القانون أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب السياسي الحاكم في جنوب إفريقيا منذ نهاية الفصل العنصري في عام 1994، يحافظ على "موقف متشدد يتمثل في اتهام "إسرائيل" باستمرار بممارسة الفصل العنصري".
كما اتهم مشروع القانون قادة "حزب المؤتمر الوطني الإفريقي" بتبني تصرفات ودوافع معادية للسامية وراء إدانتهم للمستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، كذلك يتهمون المسؤولين الحكوميين في جوهانسبرغ، بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس حركة المقاومة الاسلامية حماس إسماعيل هنية.
وقال أعضاء الكونغرس الموقعين على مشروع القانون أن "الحكومة لديها تاريخ من سوء إدارة مجموعة من موارد الدولة إلى حد كبير، وأثبتت في كثير من الأحيان عدم قدرتها على تقديم الخدمات العامة بشكل فعال، مما يهدّد شعب جنوب إفريقيا واقتصاد جنوب إفريقيا"، وهذه الاتهامات تعتبر تدخل في الشأن الداخلي لجنوب أفريقيا وتكشف مدى ضعف الاتهامات التي وجهها هؤلاء المشرعون ضد جنوب أفريقيا.
كانت جنوب أفريقيا وبالتحديد الحزب الحاكم يدرك أن واشنطن ستتجه لفرض عقوبات ضد جنوب أفريقيا دفاعاً عن "إسرائيل"، حيث قالت نومفولا موكونيان، نائبة الأمين العام للمؤتمر الوطني الأفريقي، في 28 كانون الثاني، "أنّ بلادها تستعدّ لعقوبات اقتصادية محتملة من إسرائيل وحلفائها"، في إشارة للولايات المتحدة .
لم تتجه واشنطن بفرض عقوبات مباشرة ضد جنوب أفريقيا لعدة اعتبارات، لأن التحرك الذي قامت به جنوب أفريقيا قانوني وإنساني بالدرجة الأولى، ولإدراك واشنطن بأن هذه العقوبات سيكون مردودها سلبي خصوصاً وأن علاقاتهما التجارية والسياسية ممتازة، وإن فرض أي عقوبات في هذه المرحلة سيدفع جنوب أفريقيا للتوجه نحو الصين وروسيا وهذا مالا تريده واشنطن، لذلك فإن واشنطن اتجهت لخوض حرب "ناعمة" ضد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي(الحزب الحاكم) بتأليب الشارع ضده وتشجيع الأحزاب المعارضة.
عقاب ناعم
قبل الانتخابات البرلمانية بأشهر قليلة قدم الكاتب اليهودي، لازار بيرمان، في مقاله بصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نظرة استشرافية حيث يرى أن "السيناريو الأمثل لإسرائيل يتمثل في تراجع دعم حزب المؤتمر إلى دون الخمسين في المئة من الأصوات، ما يُمكّن التحالف الديمقراطي من قيادة تشكيل ائتلاف يضم الحزب الشيوعي والأحزاب المسيحية"، وهذا السيناريو ما عملت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل مكثف قبل الانتخابات والتدخل غير المباشر في الانتخابات.
وكان ألقى الخبير الجيوسياسي الأمريكي، شهيد بولسن، مؤسس قناة الأمة الوسطى لتعزيز الاستقلال السياسي للعالم الإسلامي، الضوء على ما اعتبره مساعي الولايات المتحدة لمعاقبة حزب المؤتمر بسبب مواقفه الجريئة ضد "إسرائيل".
وصف بولسن الأساليب الأمريكية بأنها “انقلاب ناعم”، إذ تشمل محاولات خنق الحزب سياسيًا واقتصاديًا، والتدخل غير المباشر في الانتخابات من خلال دعم أحزاب مثل التحالف الديمقراطي ورمح الأمة.
وفي 29 مايو الماضي، توجه 28 مليون ناخب مسجل في جنوب إفريقيا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب 400 عضو في الجمعية الوطنية (البرلمان) و430 عضوًا في الهيئات التشريعية لدى الأقاليم التسعة للبلاد.
ووفقا للنتائج النهائية التي أعلنتها لجنة الانتخابات بجنوب إفريقيا، الأحد، تراجعت أصوات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى 40 بالمئة من 57.5 بالمئة في الانتخابات التي جرت عام 2019، وهي المرة الأولى الذي فقد فيها حزب المؤتمر الوطني الأغلبية منذ العام 1994، وهو الحزب الذي أسسه نيلسون مانديلا، أول رئيس لجنوب أفريقيا ذو بشرة سوداء.
فقدان الحزب للأغلبية في الانتخابات التشريعية في البلاد فسّره الكثير من المراقبين بأنه "عقاب ناعم" من الولايات المتحدة لحزب المؤتمر الوطني بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين والرافضة لحرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها "إسرائيل"، وذلك من خلال دعم الأحزاب المعارضة التي لها صلة كبيرة بالأمريكيين والأوروبيين وتنتقد حزب المؤتمر الوطني، على دعمه لقضية خارجية "قضية فلسطين" وتنسى قضايا مهمة داخل البلاد.