يونيو 10, 2024 - 20:44
غدامس العتيقة..  لؤلؤة أثرية في قلب الصحراء الليبية 


أروى حنيش

تعد مدينة غدامس بأنها أقدم المدن الليبية على الاطلاق، بل من أوائل المدن في العالم الآهلة بالسكان.. أقرب التواريخ المدونة تقول عنها أنها تعود إلى الأزمنة السحيقة قبل الميلاد.
فالمدينة بُنيت في واحة سميت "لؤلؤة الصحراء" وهي إحدى أقدم المدن التي قامت في حقبة ما قبل الصحراء. وتتميز هندسة عمارتها بخصائص فريدة في طابعها المعماري، حيث تبنى بشكل عمودي طبق هندسة القصور الأمازيغية القديمة، إذ يستخدم الطابق الأرضي لتخزين المواد الأساسية، والطابق الأول لسكن العائلة ويخصص السطح المفتوح للنساء، وتسمح الممرات التي تربط أسطح البيوت ببعضها بتنقل النساء بكل حرية وتحجبها عن أنظار الرجال. كما تحوى المدينة على شبكة من الممرات تحت الأرض تسمح بتنقل الأهالي.
فمدينة غدامس القديمة من الأمثلة القليلة الباقية في ليبيا التي تعتبر نموذجًا للمدينة الإسلامية التقليدية والتي قاومت الزمن محتفظة بطابعها الأصيل المستمد من التراث العربي الإسلامي الذى يظهر في شكلها العام المتميز بالتماسك ووحدة الأجزاء. كما يظهر في تكويناتها المكانية الداخلية. فالمدينة بأكملها محاطة بسور تتخلله عدة بوابات ومقسمة إلى دورين لكل منهما وظيفة محددة. فقد شبهها البعض بمنزل واحد كبير تتخلله في جزئه الأرضي الشوارع الضيقة المسقوفة هي شبيهة بالأنّفاق.

الموقع 

مدينة غدامس تقع قرب مثلث حدود ليبيا مع كل من تونس والجزائر في الجزء الغربي من البلاد على خط عرض 30,08 شمالاً وخط طول 9,03 شرقاً، وترتفع عن مستوى سطح البحر 357 متراً. وتبعد 543 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طرابلس.
وصفها ابن خلدون في مقدمته فقال عنها :" قصورها ذات سحر وفن وهي محطة للقوافل وباب الدخول للسودان". كما ذكرها شهاب الدين الحموي في كتابه "معجم البلدان بأن: "عليها أثر بنيان عجيب".

تسميتها

اشتهرت غدامس بتسميات متعددة، "عروس الصحراء"، "لؤلؤة الصحراء"، "زنبقة الصحراء" "بوابة الصحراء"، "بلاد الجلود والنحاس، والتبر واللبان والعاج وريش النعام".
تتميز المدينة بنبع الماء العذب الموجود فيها، وحسب المراجع التاريخية فإن الحضارة في المدينة قامت حول هذا النبع منذ آلاف السنوات. سكانها الأصليون من الأمازيغ والطوارق، من قبيلتي بني وازيت وبني وليد "أمازيغ".
يقول الكاتب والروائي الليبي إبراهيم عبد الجليل الإمام، إن :"عين الماء الموجودة في غدامس انفجرت منذ زمن لا يقدر بدقة، وأنه على ضفاف هذا النبع الذي حمل اسم "غسوف " بنيت حضارة مدينة غدامس التي تعد من أقدم المدن الليبية".

قبلة الرحالة 

كانت المدينة قبلة للرحالة الأوربيون في نهاية القرن التاسع عشر، حيث زارها ألكسندر جوردن لينج، وهو أول أوروبي يصلها عام 1825، ثم تعاقب وصول الرحالة في طريقهم إلى أفريقيا، منهم الرحالة الألماني الشهير غيرهارد رولفس والبريطاني جيمس ريتشاردسون.
وصنفت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة اليونيسكو "غدامس القديمة" مدينة تاريخية ومحمية من قبل المنظمة.

تاريخ المدينة

يجمع مؤرخون على أن تاريخ غدامس يعود الى 12 ألف عام، وقد وجدت منحوتات ونقوش حجرية تدل على وجود حياة في  المدينة وحولها منذ ما لا يقل عشرة آلاف عام.
وقد خضعت غدامس قديما لسيطرة الإغريق، ثم الرومان، إلى أن دخلها العرب المسلمون لأول مرة بقيادة عقبة بن نافع في العام 667 ميلادي. وفي القرن الثامن الميلادي بلغت مدينة غدامس ذروة مجدها كنقطة تجارية للقوافل المارة عبر الصحراء، وفي القرن  السادس عشر خضعت غدامس لسيطرة الحكم العثماني في تونس، ثم خضعت في القرن الثامن لسيطرة الحكم العثماني في ليبيا، وفي العام 1914م وصل الإيطاليون إلى غدامس بعد احتلالهم الأراضي الليبية بثلاثة أعوام. ولكنهم لم يسيطروا عليها سيطرة كاملة إلا في العام 1924م، وفي العام 1940م خضعت مدينة غدامس للسيطرة الفرنسية إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وتضررت المدينة القديمة كثيرًا من جراء ذلك. و في العام 1951 تم تسليم مدينة غدامس من الحكومة التونسية إلى الحكومة الليبية. وفي العام 1955 غادرها آخر جندي فرنسي.

معالم المدينة

ينقسم سكان غدامس إلى عرب وطوارق وأفارقة مثّلوا نموذجًا للتعايش السلمي وتتكون المدينة من 7 أحياء، كما تنقسم إلى شوارع لكل منها تسميته ومن أهمها “شارع تصكو” و”درار” و”مازيغ” و”أولاد بالليل”.
وتنقسم مدينة غدامس القديمة اجتماعياً ومكانياً إلى عشيرتين رئيستين هما (بنو وليد) و(وبنو وازت)، تقيم كل منهما في محلة منفصلة، وتتفرع كل عشيرة إلى مجموعة من القبائل تتوزع على عدد مماثل من الشوارع، أو الأحياء السكنية التي تسمى بأسماء القبائل التي تسكنها وتتوزع المساجد في هذه الأحياء السكنية مع وجود المسجد الجامع (المسجد العتيق) والسوق والساحة الفضاء المحلقة بهما في موقع متوسط هو بمثابة نواة المدينة أو مركزها الذى تتفرع منه الشوارع والطرق الملتوية، كما يشكل أيضاً الحد الفاصل بين أحياء العشيرتين الرئيستين.
و"عين الفرس" من أهم معالم غدامس على الإطلاق، باعتبارها النواة الأولى لتكون المدينة والينبوع الوحيد الذي جعل  الحياة تستمر فيها، وقد أضفى السكان أهمية أخرى على العين من خلال النظام المتبع في توزيع مياهه حيث استطاعوا استغلال كل قطرة ماء تخرج من تلك العين بوضع 5 سواقي للعين تتفاوت حجمًا وسعة متوالية حسابية عجيبة.
وإذا كانت مصر هبة النيل كما يقال، فمما لاشك فيه أيضاً أنّ غدامس هي هبة العين التي باتت تعرف باسم (عين الفرس)، فقيام نواة المركز العمراني الذى قامت حولة مدينة غدامس الأثرية، ما كان له أن يرى النور لولا ذلك النبع الذى نشأ لسبب جيولوجي. ربما ارتكز أساساً حول توفر نقطة ضعف أو شرخ في الطبقة الكريتاسية التي تعلو سطح منسوب الماء الجوفي الذى ثبت أنّه لا يتوفر بوفرة إلاّ على عمق كبير من مستوى الطبقات الحاوية للمياه السطحية في العديد من الأراضي الليبية.
تقسم  المدينة إلى ثلاثة أقسام: المدينة العتيقة حيث السور والجامع، وغابة النخيل، والمدينة الحديثة حيث المباني المستحدثة، وفي وسط المدينة عين الفرس.