أروى حنيش
بين دفتي الزمن اشتهرت دول، وذاع صيتها مسمع العالم بكنوزها وآثارها، من هذه الدول مصر الكنانة، التي أصبحت مقصدًا ومزارًا عالميًا لمعالمها التاريخية، التي تضرب بجذورها زمن الماضي السحيق إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.. هناك بقيت الشواهد المثيرة، والمعالم والآثار تحمل بين جنباتها، أطلال الماضي، وعبق التاريخ العميق عن حياة الإنسان وما شيده من انجازات حضارية بقت معالمها، لم تندثر كلية، حتى وقتنا الراهن، ومنها الحضارة الفرعونية، التي تحمل بين زواياها آثارًا وقصصاً ينسبها المؤرخون لزمن ما قبل التاريخ..
جبل الموتى
وفي فصول الزمن البعيد هناك شواهد وأحداث ووقائع كثيرة، كشفت عنها التنقيات، والحفريات الحديثة لعلماء الآثار ومن ذلك، واحة "سيوة" التي تقع على بعد 560 كيلو متراً شمالي غرب العاصمة المصرية القاهرة.. فهذه الواحة تحتضن أحد أهم المعالم التي يعود تاريخها إلى عصر الأسرة الـ26.. ففي هذه الواحة يوجد جبل الموتى، وهو مخروطي الشكل، يحتوي على آلاف القبور المحفورة في الصخر التي تحمل رسومًا تعود لآلاف السنين.. هكذا يجسد جبل الموتى رحلة الإنسان بين الحياة والموت. ووفقاً لموقع وزارة الآثار المصرية، فقد استمر الدفن في هذه الجبانة (أي المقابر)، حتى العصر الروماني المتأخر.
تاريخ اكتشاف المقبرة
أثناء هروبهم من نيران الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في عام 1944، لجأ أهالي "سيوة" إلى جبل على بعد كيلو مترين من المدينة، حينها لاحظ أهالي سيوة، أن الجبل يحتوي على عدد من الكهوف والتجاويف الصخرية الصغيرة، مما يجعله مكانًا مناسبًا للاختباء في الكهوف.
اصطدم أهالى سيوة بواحد من الاكتشافات الأثرية بواحة سيوة، حيث اكتشف الأهالي أن تلك الكهوف ما هي إلا مقابر لعدد من المومياوات من مختلف حضارات مصر القديمة، الأمر الذي دفعهم لإطلاق اسم «جبل الموتى» على هذا الجبل، الذي يبلغ ارتفاعه حوالى 500 متر، ويحتوي على حوالى 3000 مقبرة، يقال أن المقبرة لعدد من المومياوات من الجنسيات المختلفة.
الجبل له تربة ذات طبيعة جيرية، وعند تسلقه ستجد أن تلك الكهوف عبارة عن عدد كبير من السراديب، تنتهي جميعها إلى بهو واسع، تمتد منه فجوات مخصصة لدفن الموتى. يحمل "جبل الموتى" مقابر تعود إلى الأسرة السادسة والعشرين، أي خلال الفترة من 664-525 قبل الميلاد.
نقوش ورسومات
تقول كتب التاريخ أن البطالمة والرومان استمروا في دفن موتاهم في ذلك الجبل خلال فترات حكمهم، إذ تجمع تلك المقابر في تصميمها بين الفن المصري القديم والفن اليونانى، وبها نقوش ورسومات مختلفة من العصر المصري القديم، ومن أشهر المقابر بجبل الموتى، مقبرة «سي آمون». فهناك يوجد رسم لصورة ابن «سى آمون» بالملابس المصرية القديمة، بالإضافة إلى رسم آخر لـ «سي آمون» بعد حلاقة شعره ولحيته، وهو يقدم القرابين لـ«أوزوريس»، إله البعث والحساب عند المصريين القدماء. الغريب في الأمر هناك العديد من السرديات التاريخية، عن المقبرة، لكن لا أحد يعرف من هو «سي آمون»، ولا ما هي علاقته "بسيوة". لكن النقوش على المقبرة تدل على حبه للحضارة المصرية القديمة، وتخلى «سي آمون» عن هويته الإغريقية بحلق لحيته وشعره والتشبه بالمصريين.
والجدير بالملاحظة أن هناك على جدران المقبرة، يوجد -أيضًا- نقش للآلهة "إيزيس"، وهى تحمل مفتاح الحياة. يقول مرشد تاريخي إنه يمكنك دائما التعرف على إيزيس عن طريق النظر إلى تاجها، إذا وجدت قرص الشمس على رأسها فهي إيزيس، بجانبها أختها نفتيس وحورس.
كما يوجد -أيضًا- نقش لـ«سي آمون» مع أنوبيس، إله التحنيط، وهو يستعد لتحنيطه ويجهزه لرحلة الحساب والبعث، وستحكم عليه «ماعت»، وهي إلهة الحق والعدل عند المصريين القدماء. وعلى سقف المقبرة، يوجد نقش للآلهة «نوت»، وهي إله السماء عند المصريين القدماء، يصورها الرسم كأنها «حامل»، والسبب في هذا هو أن المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن نوت تبتلع الشمس عند الغروب، وتحتفظ بها في رحمها، ثم تلد الشمس كل يوم مجددًا في وقت الشروق. وبجانب نوت يوجد على السقف رسومات للنجوم وقوارب الشمس.
يذكر أنه جزء لا يستهان به من جدران مقبرة سي آمون، مقابر أخرى في جبل الموتى مفقودة، بسبب سرقتها قديمًا من ناهبي القبور. وبحسب وصف موقع هيئة تنشيط السياحة المصرية، يتميز هذا المعلم بكونه أحد المزارات الهامة في عجائب واحة سيوة، التي لطالما تميزت بأساطيرها وحكاياتها المختلفة.