مايو 8, 2024 - 15:47
هل سنشهد حرب ذكاء اصطناعي بين الصين والولايات المتحدة..؟


أنس القباطي 
تتجه كبار الجيوش في الغالم لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، من خلال تطوير اسلحة تعمل بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي حربية تمكن الجيوش من تنسيق تسريع الهجمات، وإدارة العمليات المشتركة، وهو ما سيؤدي إلى تجاوز إدارة العمليات العسكرية التي تتم في مسرح العمليات الحربية.
سباق صيني امريكي
وتعد الصين والولايات المتحدة الامريكية من ابرز الدول التي تجري تجارب في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الحربية، وهو ما جعل البعض يرجح ان الحرب القادمة بين واشنطن وبكين ستكون حرب ذكاء اصطناعي.
وافادت وسائل اعلام امريكية مؤخرا ان البحرية الأمريكية تخطط لإنشاء أسطول يضم أكثر من ألف طائرة مقاتلة بدون طيار يتم تسييرها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتخطط لاطلاق هذا الاسطول قبل العام…
[2:27 م، 2024/5/7] مصطفى الحسام: تشاد تطالب بإنهاء التواجد الأمريكي على أراضيها

توفيق سلاّم

في منطقة متحركة تتصاعد فيها ديناميكيات متعددة، للاعبين دوليين، تتضارب مصالحهم في سباق السيطرة والهيمنة على مناطق ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة. فإفريقيا التي عانت كثيرًا من التواجد الاستعماري الغربي، تقرر مصيرها بالانتفاضات المسلحة ضد الاستعمار الأوروبي والأمريكي وركائزهما في الحكم،  وقررت دول عديدة، الاستقلال، وإنهاء زمن العبودية والنهب والسلب لمقدرات بلدانها، بالانقلابات على السلطات المحلية التابعة للمستعمر، فعملت على طرد المستعمر الفرنسي من مالي، والنيجر وبوركينا فاسو، ويبدو هو الأمر ذاته في تشاد لطرد القوات الأمريكية، إذ لم يعد التواجد الأجنبي الأمريكي في تشاد في نظر سلطة البلاد مقبولاً. أي دول تنسحب وأخرى تتموضع بشكل جديد، ما يخلق مزيدًا من حالة عدم اليقين، في المنطقة، مقروءًا مع الظروف الداخلية لتشاد، وهي تستقبل انعقاد انتخابات رئاسية بدأت الاثنين 6 مايو الجاري، ربما هي الأهم في سياق رسم صورة ووضع تشاد على مستوى الإقليم والقارة في المستقبل.

إنهاء التواجد الأمريكي 

وجاء طلب تشاد بانهاء التواجد الأمريكي في تشاد في ظل بيئة إقليمية بدت فيها حساسية عالية في التخلص من حلفاء الأمس، ويأتي مطلب تشاد متسقًا مع محيطها الذي بدا مصرًا على بناء تحالفات جديدة قائم على التعاون في الشراكات الاقتصادية، والتجارة والاستثمار على المستوى الدولي، وبناء نظم داخلية جديدة ذات توجه في التنمية الاقتصادية، لا تتوفر فيه الحماسة نحو الديمقراطية الليبرالية الاستعمارية، مع اشتداد الحركات المسلحة والتنظيمات المتطرفة التي تنتشر في المنطقة طولاً وعرضًا، وتنافس الحكومات سطوة وقوة، بل وتسيطر على مساحات جغرافية واسعة من الإقليم. الأمر الذي خلق عدم ارتياح لدى الحلفاء الغربيين، لمعرفتهم لاتجاه الولاءات السياسية الجديدة، وخشية تمدد المنظمات الإسلامية المتطرفة كعامل إضافي. وقد حاولت الاستخبارات الأمريكية تسويق رواية تآمر الروس ضد تشاد عبر تقارير مررتها للسلطات في العاصمة " "نجامينا"، بحثًا عن وسائل تعميق التعاون معها ومحاولة خلق حواجز ضد التغلغل الروسي واستكمال الحلقة لاحتواء تشاد إليها، حتى لا تذهب إلى الطرف الآخر.
غير أن تلك المحاولات لم تمرر على تشاد، ولا محاولات بعض التحليلات الغربية التقليل من أهمية الطلب التشادي، بتغيير صيغة الطلب بالتهديد. إلا أن مقابلة موقع  FRI "أر إف آي" مع رئيس الحكومة الانتقالية في تشاد تحدث بنبرة حادة إذ قال "ليس عبداً يريد تغيير أسياده" بعد توصيف ما جرى بأنه محاولات لاستبدال القوات الأمريكية بأخرى روسية.  
وقال وزير الداخلية التشادي السابق، إبراهيم الأصيل، إن خروج القوات الأمريكية من الأراضي التشادية يمكن أن يكون بشكل دائم، وأوضح الأصيل، في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الحكومة التشادية ترى أن وجود القوات الأمريكية كان مرتبطًا بمحاربة الإرهاب، أي بظرف محدد وليس بشكل دائم". وقال بأن "الرغبة الشعبية في تشاد تسعى لخروج جميع القوات الأجنبية، وفي المقدمة منها القوات الفرنسية، التي توجد في إطار الهيمنة". ولفت إلى أن وجود القوات الأمريكية كان ضمن القوات الدولية التي تحارب الإرهاب في منطقة الساحل، وكانت تقوم بتدريب القوات ورفع الكفاءة، وربما لم يعد هناك حاجة لبقائها. وفي وقت سابق، كشف المتحدث الرسمي باسم حكومة تشاد وزير الإعلام، عبد الرحمن غلام الله تفاصيل الأزمة الأخيرة مع الجانب الأمريكي. وقال غلام الله في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، إن "الأمر يرتبط بوجود قوات أمريكية في تشاد في مكان غير مصرح لهم بالوجود فيه، ودون الأماكن المخصصة لهم، الأمر الذي دفعنا لمراسلة الجانب الأمريكي بأن القوات الأمريكية يجب أن تلتزم بالأماكن المخصصة لها".
وأشار غلام الله، إلى أنه بعد التواصل مع الجانب الأمريكي عادت القوات إلى أماكنها المخصصة، ولم يعد هناك "مشكلة" في الوقت الراهن. ووفق الرسالة التي اطلعت عليها "سبوتنيك"، والمؤرخة بتاريخ 4 أبريل/ نيسان المنصرم، حول وجود الكتيبة الأمريكية في قاعدة "أدجي كوسيل"، فقد طالبت الرسالة من رئيس أركان القوات الجوية التشادية أدريس أمين إلى وزير الجيش الأمريكي بالوقف الفوري لأنشطة القوات الأمريكية خارج النطاق المنصوص عليه في الاتفاقيات الثنائية. وعلى ذات السياق أعلنت واشنطن عزمها سحب قواتها من تشاد. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، الجنرال باتريك رايدر، إن عددًا من القوات الأمريكية في تشاد ستعيد التمركز خارج البلاد، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيكون "خطوة مؤقتة"، وفق وسائل إعلام أمريكية.

انتخابات الانتقال الدستوري

الانتخابات الدستورية التي بدأت الإثنين 6 مايو الجاري لانتخاب رئيس الجمهورية، التي يتنافس فيها عدد من المرشحين، تأتي في سياق هذه التطورات في وقت تمر فيه تشاد بمرحلة تاريخية فاصلة، وهي الانتقال من المرحلة  الانتقالية إلى الوضع الدستوري، فقد تم إجراء الانتخابات، وإعلان ديبي الابن مرشحًا، حيث شابت مرحلة الإعداد للانتخابات، وتهيئة المسرح السياسي خلافات وتوترات أدت إلى مقتل المعارض "يحيى ديلو" أحد أبرز المنافسين للرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي، في ظروف وصفتها الحكومة الانتقالية بتجاوز ديلو وأتباعه كونهم حزب سياسي إلى جماعة مسلحة قامت بعمل إجرامي بهجومها على مقر القوات الأمنية، إضافة إلى مزاعم المعارضة باستبعاد لجنة الانتخابات لعدد 10 مرشحين للرئاسة بذرائع هدفها إبعاد المنافسين لمرشح الحكومة حسب تصريحات عدد غير قليل من المعارضين بما فيهم بعض المتحالفين سابقًا.

زيارة رئيس الانتقالية لموسكو

في نهاية يناير الماضي قام رئيس الانتقالية في تشاد بزيارة إلى موسكو ووصف روسيا، "بأنها دولة شقيقة" ما أدى ذلك إلى تفسيرات شتى، وعند سؤال ديبي عن إمكانية التعاون العسكري مع روسيا، قال :" الأمر لا يقتصر على التعاون العسكري فقط. وهناك مجالات أخرى للتعاون، وأوضح :" لقد تحدثنا عن أشياء كثيرة: التعاون العسكري، التعاون الاقتصادي، التعاون الدبلوماسي.. أستطيع أن أقول لكم إنني راضٍ عن الزيارة". الأمر الذي زاد من شكوك الغربيين عن نوايا وتوجهات تشاد المستقبلية، والذي بلا شك يهدد النفوذ الغربي، بل ربما يقضي عليه بالمرة، وهذا ما قد يحدث في المستقبل القريب.

أهداف تشاد 

من المؤكد في ثوابت السياسة والعلاقات بين فرنسا وحلفائها الذين تحولوا في تحالفاتهم عنها في منطقة غرب إفريقيا، أن فرنسا فقدت أوراقها مع القارة الإفريقية، وحسب تقييمات الخبراء، خاصة بعد انسحاب جزء أو كل القوات الفرنسية المنسحبة من النيجر حسب تقارير عديدة، إضافة إلى حالة الخلافات التي لم تحسم بعد داخليًا، كل هذا يدعو إلى الاعتقاد بأن ما ذهبت إليه تشاد مؤخرًا لا يعدو أن يكون ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، خاصة في ظل حاجة البلاد إلى دعم في المجال الأمني في الفترة القادمة التي قد تشهد فيه البلاد بعض الاحتجاجات رفضًا لبعض ما يعتقده المعارضون ممارسة تعسف ضد المرشحين وانعدام العدالة في إتاحة الفرص أما الجميع كما ينبغي.
فبعد أقل من شهر من قرار المجلس الانتقالي في النيجر تم إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن، الخميس الموافق 25 أبريل/ نيسان  2024، أعلن ثلاثة مسؤولين أمريكيين باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن سحب قوات أمريكية بشكل مؤقت من تشاد، ويأتي القرار موازيًا مع الوضع الأمني المضطرب لسياسة واشنطن في منطقة الساحل الإفريقي، ومحاولات دول إفريقية مجاورة إعادة تشكيل أوسع نطاقًا للوجود الغربي على أراضيها. هذا القرار أُعتبر ثاني ضربة كبيرة خلال أسبوع واحد لسياسة واشنطن الأمنية في مكافحة الإرهاب في غرب ووسط إفريقيا. ويتمركز في تشاد نحو أقل من 100 جندي نشرتهم الولايات المتحدة الأمريكية في إطار استراتيجيتها لمكافحة التطرف في غرب إفريقيا، إذ تعمل القوات الأمريكية في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية بمهمة تدريب قوات تشادية خاصة، لكبح الوجود الإرهابي في المنطقة، إلى جانب وحدة خاصة من الجيش التشادي لمحاربة جماعة بوكو حرام النيجيرية. وصرّح المتحدث باسم البنتاجون "باتريك رايدر" أن خطوة إعادة نشر بعض القوات الأمريكية من تشاد مؤقتة باعتبارها جزءًا من المراجعة المستمرة للتعاون الأمني بين البلدين، التي سيتم استئنافها بعد الانتخابات الرئاسية التشادية.
وتأسيسًا على ما تقدم، يسعي التحليل للإجابة عن سؤال: ما تداعيات قرار سحب القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة أدجي كوسي الجوية في نجامينا ؟ خطوة سحب القوات الأمريكية من تشاد تستند إلى عدة مبررات، تتمثل أبرزها في التالي: 
 -الحديث عن خلاف بين مسؤولين أمريكيين والجنرال التشادي إدريس أمين أحمد رئيس أركان القوات الجوية التشادية الذي بعث مؤرخة في 4 أبريل الماضي، إلى وزير القوات المسلحة الأمريكية، طالب خلالها الجيش الأمريكي إرسال نصوص الاتفاقيات الثنائية التي تبرر وجود القوات الأمريكية الخاصة في نجامينا، وردًا على ذلك، تم إرسال اتفاقيتين بين الدولتين من الطرف الأمريكي، لكن عقب الاطلاع على الاتفاقيتين، أعلنت تشاد عن فشل واشنطن في تقديم وثائق تبرر الوجود العسكري الأمريكي في نجامينا، وطلبت القوات الجوية التشادية من ملحق الدفاع الأمريكي الوقف الفوري للأنشطة الأمريكية في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية في نجامينا، حتى بات الخلاف الأمريكي التشادي يدور حول عجز واشنطن عن إثبات واقعية الدور الأمريكي في تشاد.
 والمُلاحَظ أن خطوة سحب القوات الخاصة من تشاد لم تكن مماثلة لخطوة النيجر المعلنة، إذ لم تقم حكومة نجامينا بإلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن كما فعلت نيامي، بل إن الخطوة أتت في أعقاب خلاف بين مسؤولين أمريكيين وجنرال القوات الجوية التشادية، وأثار الخلاف الجدل والشكوك حول ما إذا كان الهدف من إرسال الوثائق إلغاء التعاون العسكري مع واشنطن، أو الرغبة في تحسين شروط الاتفاقية الأمنية بين واشنطن ونجامينا.
الوثيقة المرسلة من رئيس أركان القوات الجوية إلى واشنطن فيها طلب رفض الشراكة العسكرية مع الولايات المتحدة، حول الوجود العسكري الأمريكي في تشاد، وهو ما يتزامن مع رغبة الدول الساحلية المجاورة مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو في التخلص من الوجود الغربي على أراضيهم، خاصًة أن قرار سحب القوات الأمريكية يأتي بعد اضطرار الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها العسكرية من النيجر عقب مظاهرات أنصار المجلس الانتقالي المطالبة برحيل القوات الأمريكية في 20 أبريل المنصرم، إلى جانب ذلك، أعلنت بوركينا فاسو عن طردها لثلاثة دبلوماسيين فرنسيين وتصنيفهم بأنهم أشخاص غير مرغوب فيهم في 18 من أبريل الماضي. ويأتي الرفض الواضح للوجود الأمريكي في توقيت غير آمن لتشاد، بسبب التهديدات المتصاعدة من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، هذا بالإضافة إلى رغبة المجالس الانتقالية، في إقامة العلاقات مع موسكو.
-التخوف من الإطاحة بالمرشح محمد إدريس ديبي، عقب الإعلان عن قرار سحب واشنطن قواتها العسكرية من تشاد. وقد انتشرت رواية حول سبب القرار، وفسره البعض بأنه رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إفشال مخطط ديبي لخوض انتخابات رئاسية ديمقراطية، وشكك البعض في احتمالية تمويل واشنطن بعض الجماعات المتمردة في تشاد، للمساعدة في الإطاحة بالرئيس المنتخب الذي يرفض الوجود الأمريكي على أراضي تشاد.

تداعيات القرار

يحمل قرار سحب القوات العسكرية الأمريكية من قاعدة أدجي كوسي الجوية في نجامينا، تداعيات مختلفة، يمكن إجمالها في:
-تعزيز العلاقات التشادية الروسية، عقب الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من إفريقيا، تستغل روسيا تدهور علاقات الغرب مع إفريقيا، من أجل تعزيز الوجود الروسي في القارة السمراء، ومن المؤكد أن انحدار النفوذ الغربي في إفريقيا هو ما يريده الروس، وتسعي موسكو خلف الكواليس لإثارة مشاعر العداء بين إفريقيا والغرب. كما أن زيارة الرئيس الحالي "محمد إدريس ديبي" لموسكو في 23 يناير 2024، أكدت إقبال تشاد على فتح آفاق أوسع لتقوية أواصر العلاقات بين موسكو ونجامينا، إذ أكد الجانبان أن العلاقات الروسية التشادية ستشهد ازدهارًا خلال الفترة المستقبلية، ومن المحتمل توقيع اتفاقيات موثقة في مجال الدفاع والأمن بين موسكو ونجامينا، ناهيك عن استغلال القوات الروسية الفراغ الأمريكي في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية في تشاد، ومن ثمّ تحلُّ القوات الروسية محل القوات الأمريكية بالقاعدة المذكورة.
-الخسارة الكبيرة لواشنطن في إفريقيا، لا تعني أنها ستتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية في دول إفريقية أخرى، بل ستسعى جاهدة لتوقيع اتفاقيات أمنية جديدة مع دول إفريقية أخرى، مثل غانا وكوت ديفوار وبنين، ومن ثم تعوض واشنطن خسارتها في كلٍ من نيامي ونجامينا. فواشنطن خسرت موقعًا استراتيجيًا آخر في تشاد بعد النيجر، بما يعنى ضرب الأجندة الأمريكية في مساحة واسعة من إفريقيا، وكشف صورة واشنطن لدى الرأي العام الأمريكي حول عدم قدرتها على استكمال مهمتها العسكرية الأمنية في المنطقة برمتها. لذلك، مخططات واشنطن لتوثيق علاقات أخرى مع دول القارة يأتي مخافة أن تلحق واشنطن بباريس التي يندثر وجودها في منطقة الساحل الإفريقي.
-ارتفاع نسب الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية، مع تراجع الدور الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا، وتقهقر القوات العسكرية الأمريكية المتموضعة في نجامينا، من المرجح أن ينعكس ذلك بالسلب على الأمن في المنطقة، إذ تسعى التنظيمات الإرهابية إلى تكثيف عملياتها الإرهابية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي سيكون له ارتدادات سلبية على الداخل التشادي الذي يشهد انتخابات ديمقراطية تنهى فترة حكم المجلس الانتقالي. وقد تستغل التنظيمات الإرهابية هذا الفراغ الأمني الأمريكي، أو بإعاز أمريكي، في تحريك الأنشطة الإرهابية لزعزعة أمن واستقرار تشاد، وهذا في محصلته يكشف الإدارة الأمريكية وعلاقاتها بالتنظيمات الإرهابية، ومن ثم ارتفاع مؤشر الإرهاب بالقارة.
-من المحتمل أن يعيد الانسحاب التدريجي لقوات الغرب المسؤولة عن الأمن في تشاد، ترتيب أوراق الدول الأخرى، فعلى الرغم من الموقف الواضح والصريح للعلاقات التشادية الأمريكية، إلا أن الصين تحافظ على هدوئها حتى الآن، فالمؤكد أن الانسحاب الأمريكي من تشاد يضر بالمصالح الصينية على المستوى الأمني، لكن على الصعيد السياسي يأتي الانسحاب في صالح الصين، نظرًا لإتاحة الفرصة للاستثمارات الصينية في نجامينا لصالح بكين، ومن ثم المضي قدمًا لتكثيف التعاون الدبلوماسي مع تشاد.

خلاصة القول، إن إفريقيا مهيأة لخوض مستقبل معقد عقب التراجع الغربي المتصاعد في المنطقة برمتها، إذ تعتبر فكرة تحقيق التوازن بين الشراكات التقليدية التي اعتادت عليها دول إفريقيا تواجه العديد من العراقيل التي سببها النفوذ الأمريكي الفرنسي، ناهيك عن الدور الذي تلعبه التنظيمات الإرهابية والميليشيات المحلية والمجالس الانتقالية بالدول التي شهدت اضطرابًا عسكريًا. وبالنسبة لتشاد، يبدو أن الوضع مختلفًا قليلاً، إذ أشار معهد أبحاث السياسة الخارجية إلى أن التراجع الغربي المهول بالمنطقة يمثل حقبة جديدة تتولى فيها النخب الإفريقية مسؤولية الشؤون الإفريقية، وما زالت التوترات تجوب القارة السمراء، فضلًا عن القرارات والحسابات الأمريكية الراضخة لقرارات الدول الإفريقية خلال الفترة السابقة.
 ربما تحتاج تشاد إلى التواجد الروسي العاجل في الوقت الراهن، لمساعدتها على التوازن، وضبط الأوضاع الأمنية في البلاد في ظل تربص كل الأطراف لحسم السيطرة على المنطقة، وهشاشة الأوضاع في محيطها إبتداء بالسودان وإفريقيا الوسطى وليبيا، وأخيرًا النيجر، ولعل هذا هو ما تعمل على تحقيقه رغم تعدد الزوايا التي ينظر منها كل طرف للأحداث، خاصة وأن سلامة الانتخابات وعدم تعرض البلاد لأي اضطراب أمني فيها يعتبر أمرًا حاسمًا لضمان الانتقال الدستوري دون عوائق بعد الفترة الانتقالية التي استطالت لثلاث سنوات.
وفي الوقت الراهن، يقرأ المشهد من زاوية مختلفة تتمثل في محاول الحكومة الجديدة التشادية إلى إقامة علاقات مع حلفاء استراتيجيين لمساعدتها في الخروج من مأزق انتقال السلطة، وبناء الدولة المستقلة الحديثة للنهوض بالبلد نحو التطور والازدهار، وهذه هي المهمة التاريخية للسلطة الجديدة.