مايو 8, 2024 - 15:37
الأمم المتحدة .. هيمنة أمريكا وأوروبا أضعف دورها على مستوى العالم

عرب جورنال / خالد الأشموري - 
منذ تأسيسها في شهر أكتوبر عام 1945م، وحتى العام الحالي 2024م، ومعظم بلدان العالم يشهد نزاعات وصراعات عدة، نتج عنها الكثير من المعاناة الإنسانية نتاج إخفاقاتها في حل الكثير منها.. فيما شهدت العلاقات الدولية اختلالات كبيرة أدت إلى ظهور الأحلاف العسكرية والتكتلات، وحدثت متغيرات على الصعيد العالمي ظهرت من خلاله منظمة الأمم المتحدة عاجزة عن تحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل الاضطرابات التي تشهدها عدة بلدان وخير شاهد على ذلك القضية الفلسطينية.


وقد أظهرت الأزمات العربية والقضايا الدولية دليلاً إضافياً لما تعانيه تلك المنظمة من حالة الضعف والوهن بدليل أن الطرف المتحكم بتلك الأزمات لا يزال يقتصر على الدور الأمريكي ،بينما الأمم المتحدة هي الغائب الحاضر ولا يكاد يكون لها دور يذكر..ومع ان تكوينها او بالأصح نشأتها كان نتاج تفاعلات دولية تطلب الامر الي التفكير في ايجاد منظمة دولية من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين،وبحسب الباحثين والمؤرخين فقد دفع  قيام الحرب العالمية الثانية بالدول المتحالفة ضد ألمانيا إلى التفكير في إيجاد منظمة دولية جديدة تحل محل عصبة الأمم المتحدة التي انهارت حال اندلاع الحرب العالمية الثانية "1939 – 1944 م" ، حيث تبلورت فكرة الأمم المتحدة إثر عدة اجتماعات عقدت أثناء الحرب كان أبرزها اجتماع واشنطن عام 1942م، والذي ضم 26 دولة متحالفة تعهدت حينذاك مواصلتها الحرب ضد دول المحور، تلا ذلك إعلان موسكو في تاريخ 30 أكتوبر 1943م، حيث اتفق وزراء خارجية الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وأعلنوا تعهدهم ببذل الجهود بهدف إنشاء  منظمة دولية شاملة تقوم على أساس السيادة والمساواة بين كل الدول المحبة للسلام، وتكون مفتوحة العضوية لكافة الدول الكبيرة والصغيرة من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. 


واستمرت المشاورات بين الحلفاء لبلورة فكرة إنشاء المنظمة الدولية، وفي عام 1944م دعت الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مباحثات حول الموضوع نفسه بمشاركة بريطانيا والصين والاتحاد السوفيتي، وتمت مناقشة صيغة مشروع الميثاق العتيد لهذه المنظمة ووضعت مسودة له وتم توزيعها على دول الحلفاء، وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945م تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة من قبل 51 دولة وإعلان ميلاد الأمم المتحدة المنظمة العالمية الدولية في 24 أكتوبر 1945م  ، وتنتمي إلى الأمم المتحدة اليوم كل دول العالم تقريبا، إذ يبلغ عدد أعضاء المنظمة الدولية 193 بلداً.
وعندما تصبح الدول أعضاء في الأمم المتحدة فإنها  توافق على القبول بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق المنظمة ويعتبر معاهدة دولية تحدد المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية، وللأمم المتحدة وفقا للميثاق أربعة مقاصد هي:
-صون السلم والأمن الدوليين.
-تنمية العلاقات الودية بين الأمم.
-تحقيق التعاون على حل المشاكل الدولية وتعزيز واحترام حقوق الإنسان.
 -جعل هذه الهيئة مركزاً لتنسيق أعمال الأمم.
وللأمم المتحدة ستة أجهزة رئيسية تقع مقار خمسة منها في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك، وهي: الجمعية العامة ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، أما مقر الجهاز السادس وهو محكمة العدل الدولية فيقع في لاهاي بهولندا .. لقد تكونت الأمم المتحدة أو نشأت نتاج تفاعلات دولية أبرزها وجود الصراعات والحروب والتنافس السياسي بين الوحدات الدولية من قبل الدول المنتصرة، التي كانت تعيش في تلك المرحلة وفاقا على ما يبدو أنه كان مرهونا بالمصالح المشتركة في تلك الحقبة، وقد غطى هذا الوفاق على كل خلل وتباين المواقف والمصالح داخل المنظمة، ولكن اختفاء هذا الوفاق كان مع بداية مرحلة يمكن اعتبارها فاصلة في تاريخ الأمم المتحدة والمتمثلة في الحرب الباردة بما حملته من صراع بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والذي تجسد على أرض الواقع عدة مظاهر من قبيل سياسة الاستقطاب والتسابق نحو التسلح وإنشاء الأحلاف العسكرية لحركة المد الشيوعي.


كان لهذا كله تمظهر داخل المنظمة الأممية عبر استغلال امتيازات المقاعد الدائمة وحق الفيتو الذي تم استعماله من طرف القوى المتصارعة لإيقاف مجموعة من مشاريع القرارات التي لا تخدم مصالحها، هذا الوضع الذي ساد داخل المنظمة كان له انعكاس كبير على أدائها  لعملها وإنجازها للمهام الملقاة على عاتقها ، مما أدى إلى حالة من الجمود داخلها وعدم التفعيل الكامل لنظام الأمن الجماعي وهو النظام الذي منحت فيه أجهزة المنظمة، خصوصاً مجلس الأمن، الدور الأساسي في مهامه، حيث منحت له الأجهزة صلاحيات وسلطات قانونية تم تدعيمها بوسائل مادية لتمكينها من ردع وقمع أي سلوك مخالف للقانون الدولي ولمبادئ الميثاق.


ومنذ إنشاء المنظمة جرت تحولات كبيرة على الساحة الدولية أهمها الحرب الباردة، التي أبعدت تلك الحرب المنظمة عن تحقيق الكثير من غاياتها وجعلتها عرضة للصراع بين الشرق والغرب وشلت كثيرا من آلياتها وهيمن نمط من التفكير يغلب الصراع على التعاون. 


وإذا كان انهيار الكتلة الشرقية قد أنهى صراع الشرق والغرب فإنه قد عمق في نفس الوقت الاختلالات بين الشمال والجنوب، وقد انعكس ذلك المستوى السياسي نفسه ، فتجربة حرب الخليج أظهرت أنه وراء شعار النظام العالمي الجديد يكمن واقع هيمنة جديدة تدعي تقوية المنظمة الأممية في الوقت الذي تعمل على إخضاعها للسياسة الخارجية للدول العظمى. 
وفي هذا الإطار العام الذي تعمقت فيه الاختلالات دفعت الدول الكبرى المهيمنة على النظام العالمي الجديد بمنطق مصالحها أشواطا بعيدة مغتنمة هذه الفرصة التاريخية لإرساء قواعد وممارسات تعسفية عبر مجلس الأمن الدولي.


وبعد انتهاء الحرب الباردة اعتقد البعض أن انتهاء الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب سيخلص الأمم المتحدة من قيدها ويجعلها تعمل من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين بصورة أفضل مما كانت عليه في عصر الحرب الباردة، لكن ذلك الاعتقاد ذهب أدراج الرياح وصار وضع المنظمة غير قادر على تحقيق الحد الأدنى من السلم والأمن وفض النزاعات والحروب بين البلدان المتصارعة.


لقد فشل مجلس الأمن الدولي في أحيان كثيرة عن القيام بالمهمة الموكلة إليه في تحقيق حفظ الأمن والاستقرار جراء الاستخدام المتكرر لحق النقض الفيتو من قبل الدول الدائمة العضوية، مما أدى إلى تعطيل  أحكام الفصلين السادس والسابع في بعض الأحيان وبالتالي فإن هذا الأمر قد أدى إلى عجز الأمم المتحدة عن صياغة الأمن والسلم الدوليين، كما كان لغياب التوازن الأثر الكبير على مجريات الأحداث في العلاقات الدولية. 


ومنذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م حتى نهاية التسعينات تم استخدام حق النقض "الفيتو"  253 مرة ، حيث احتل الاتحاد السوفياتي المرتبة الأولى فقد بلغت عدد المرات 123 مرة والولايات المتحدة الأميركية 76 وبريطانيا 32 وفرنسا 15 بينما استخدمته فرنسا 7 مرات .


ودائما ما كان الاتحاد السوفيتي يمارس حق الفيتو في أغلب الأحيان لصالح نصرة الشعوب العربية والدول النامية التواقة إلى الحرية بعكس الولايات المتحدة  الأميركية التي دائما ما كانت تستخدم حق النقض لصالح الكيان الصهيوني بدرجة أساسية وضد قضايا العرب وخاصة القضية الفلسطينية ..ومن الأهمية الإشارة : إلى  إن إنهيار المعسكر الاشتراكي المتمثل بحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي.. أفقد الأمم المتحدة الكثير من مهامها، حيث كانت تشكل مرحلة القطبين حالة من التوازن في العلاقات الدولية، حيث كان الاتحاد السوفيتي يمثل حائطا تستند عليه دول العالم الثالث لحمايتها من الهيمنة الأميركية وبسقوط المعسكر الشرقي أصبحت بعض البلدان عارية أمام القوة الإمبريالية والتي سعت تلك القوة إلى تفكيك دول العالم النامية التي كانت ترفض سياساتها وعملت على تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ودول عدم الانحياز.


لذلك فإن السياستين الإمبريالية الأميركية الأوروبية قد أفشلت الدور المناط لمهمة الأمم المتحدة في تحقيق السلم والأمن الدوليين، حيث زادت نسب الفقر والمرض والمجاعة والحروب والفشل في حل معظم القضايا الدولية الشائكة ، كما هو الحال في فلسطين   وقطاع غزة الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين المحتلة تلك
 السياستين  الأمريكية - الأوروبية قد أفشلت الدور المناط لمهمة الأمم المتحدة في تحقيق السلم والأمن الدوليين حيث أظهرتا أعلى مراحل الإمبريالية المتوحشة تجاه الشعوب الصغيرة والبلدان النامية ومن خلاله رسمت الاستراتيجيات الجديدة للنظام الدولي القائم على الفجور العالمي المتواطئ ضد الشعوب المغلوب على أمرها, وضد القضية الفلسطينية خاصة في ظل الصمت المريب من قبل العالم ومنظمة الأمم المتحدة . 


وبالتأكيد فإن ذلك الفجور والذي يكاد يكون أعلى كائن إرهابي بشع لم تعرفه البشرية منذ العصور الوسطى، مروراً بعشرات المذابح والتنكيل في الكثير من دول العالم لم تفعل الأمم المتحدة دورها بالشكل المطلوب، حيث تعثر دورها في حل الكثير من قضايا الأمم والشعوب وخصوصاً في ما يتعلق بأعمال النظام الجماعي.
إذن هناك اخفاق للأمم المتحدة في فض النزاعات والصراعات الدولية المنتشرة في مختلف قارات العالم,, والحق أنه ظهر جلياً هذا الإخفاق بتدخل الولايات المتحدة في مهام الأمم المتحدة، هذه المنظمة التي طالما أنحازت لمصالح  أمريكا وحلفائها دول الغرب لتحقيق الأهداف والسيطرة على مناطق النفوذ في العالم، وكذلك الانحياز الكامل للكيان الصهيوني المتمثل باللقيطة إسرائيل النبتة الشيطانية في الكرة الأرضية ..


وفي المشهد ما يوحي أنه في السنوات القليلة الماضية ساد لدى المجتمعات والأمم وعلى نطاق واسع إنطباع بأن الأمم المتحدة ستغير من أصول اللعبة السياسية بعد أن فقدت سمعتها بوجودها خارج أطر شرعيتها الدولية، وأنها ستفرض وجودها كمنظمة معنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دورها كمنظمة شرعية أكثر فاعلية .. بيد أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بفعل عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلام والأمن في الدول الملتهبة وهي دول كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، ومن المفيد التذكير بقضية فلسطين المحتلة في المرحلة الراهنة وما لحق بسكانها منذ السابع من أكتوبر 2023م وحتى اللحظة من إبادة جماعية ومن تدمير وتشريد وحصار خانق حال دون دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، واليوم وعلى مرأى ومسمع العالم اجتياح معبر رفح والتي تعد جريمة حرب جديدة رغم تحذير الرئاسة الفلسطينية والمجتمع الدولي، وما لحق أيضا بشعب اليمن من ظلم وعدوان سعودي أماراتي بقيادة أمريكا وبرعاية الأمم المتحدة من وفرت الغطاء السياسي كشريك أساسي في تدمير اليمن وقتل أطفال ونساء وشيوخ اليمن.. حيث بدأ واضحاً إنحياز هذه المنظمة لإسرائيل وتحت وصاية الولايات المتحدة. 
وهو ما يتوجب الآن بحسب مراقبين إعادة النظر في إصلاح أجهزة منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها بحيث يكون التمثيل فيها ديمقراطيا بعيدا عن قوى الهيمنة الدولية والعمل على معاقبة أي عضو من أعضائها لا يعمل على احترام قراراتها لكي يعيش العالم بأمن وسلام بعيدا عن ويلات الحرب والتبعية والارتهان للقوى الإمبريالية.
وفي السياق نشير إلى ما كتب الباحث والإعلامي عبد الملك السلال في مقال منشور تحت عنوان: إصلاح الأمم المتحدة .. لماذا ؟ صحيفة الثورة – صنعاء العدد ( 17871) نقتبس منه ما يلي: واضح للمتابع والمهتم أن منظمة الأمم المتحدة تعتبر منظمة عالمية تحولت إلى أداة بيد الدول  الكبرى، ولا سيما منها الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، فكان أن فقدت الأمم المتحدة استقلالها وحيادها وأصبح دورها محدوداً بالقدر الذي تسمح به تلك القوى، وبما لا يتعارض مع مصالحها ونتيجة لهذا الوضع، تدهورت مكانة المنظمة الدولية .. ويعتبر فشل الأمم المتحدة في المنطقة العربية مثالاً واضحاً على إخفاقاتها وتخبطها في مرحلة تفرد القطب الواحد  وغياب العدالة الدولية تجاه قضايا ساخنة متعددة وفي الصدارة منها القضية الفلسطينية وما تتعرض له من مؤامرات لتصفيتها، إذ تبقى قرارتها المتعلقة بقضية العرب المركزية ولا سيما ما يتصل بالتزامات إسرائيل منها على سبيل المثال إجبار الدولة العبرية على وجوب تجميد الاستيطان وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومقرارات واي ريفر واخواتها بإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية وإنشاء الدولة الموعودة وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل .
بيد أنه على الرغم من كل نقائص الأمم المتحدة وإخفاقاتها السالفة الإشارة إليها، إلا أنها لا تزال إحدى الأدوات الرئيسية لحل المشكلات الدولية، كما تعد رمزاً للتعاون والتنسيق البناء بين الدول، وبدونها ينفرط عقد النظام في العالم وتسود شريعة الغاب.


ولهذا وذاك، فإنه ليس من المنطقي والمعقول، وخصوصاً في المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي، مسايرة ما يذهب إليه البعض من المطالبة باستبدال منظمة دولية جديدة بالأمم المتحدة القائمة، وإنما المتعين إجراء الإصلاحات الهيكلية اللازمة في هذه المنظمة العالمية بقصد بث الفاعلية فيها وتعزيز قدرتها على تحقيق الأهداف المتوخاة من وراء إنشائها في حفظ السلام والأمن الدوليين، وإنماء التعاون الدولي وضمان احترام حقوق الإنسان.


وليست الدعوة إلى إصلاح هيكلية الأمم المتحدة وليدة اليوم، فقد طالبت بها منذ الستينات وحتى اليوم حركة عدم الإنحياز ، كما أدركت الجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية هذه المسألة حين أصدرت في عام 1974م قراراً يقضي بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة والبحث في السبل المؤدية إلى تعزيز دور المنظمة وجعلها أكثر فاعلية
وأنشأت لهذا الغرض لجنة أسمتها "اللجنة الخاصة المعنية بميثاق الأمم المتحدة وبتعزيز دور المنظمة كما تكررت دعوات الإصلاح مرارا من قبل الأمناء العامين للمنظمة، وتضمنتها تقاريرهم السنوية، فاشتملت على التوجيه بضرورة إقامة نظام دولي جديد يستند أول ما يستند إلى إصلاح الأمم المتحدة بوصفها المنظمة التي يتشكل فيها النظام الدولي الجديد.