عرب جورنال/ هلال جزيلان
رأت الدول الكبرى بأنه لم يعد كافيا السيطرة أو التواجد العسكري من خلال الاساطيل الحربية، فقط، لذا لزم التواجد في الموانئ، وربما شرائها، أو استأجارها، على الأقل إذا لم يتم السيطرة عليها من خلال النفوذ، وإن لم يكون هذان السيناريوهين عى الأقل إدارة موانئ معينة، لذا يأتي هذا السباق في سياق صراعات الجغرافيا السياسية الجديدة في المنظومة العالمية والإقليمية، وهذا ما يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة في إطار مساعي الدول، للحصول على منافذ استراتيجية للعمل أو تحقيق مصالح خاصة، وفي إطار من الأهداف والمصالح الاقتصادية التي تسعى الدول لتحقيقها.
فلسفة جديدة للاستعمار
أي أن فلسفة الأستعمار الغربي عبر العقود الماضية، لم تعد تقرأ، لنفسها، ذات السياق، بأن تظل منتظرة أو مراقبة، لما سيعمله وفق تعليماتها، وأومرها، عملائها على الأرض، من تلك الدولة، من قادة وساسة ونخب، وما إلى ذلك، بل تعدى ذلك، إلى الوجود الأقتصادي في تلك الدول لصالح الدول الكبرى، من خلال السيطرة على الموانئ، البحرية، ووضع قواعد عسكرية فيها.
رغبة جامحة
وهذا نتيجة لرغبة جامحة، لدى بعض الدول الكبرى، كالصين وروسيا وتركيا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وغيرها، لإعتمادها على مقاربة الاقتراب من البحرلذا يتم العمل إمّا على إنشاء قواعد عسكرية مثلما هو حاصل في القرن الأفريقي، أو دول حوض النيل، أو العمل من خلال موانئ لبعض الدول، وهو ما جرى في الحالة الإماراتية، وحضورها في جنوب اليمن، يؤكد متابعون، على الرغم منها ستفشل في اليمن، من الواقع المختلف في البلاد، وكذلك في بعض دول القرن الأفريقي.
حتى الدول غير الاستعمارية!!
كما هو اتجاه الصين لوجودها، في دول الجنوب من القارة السمراء، وقيام إثيوبيا بالاقتراب من الصومال، حيث ميناء بربرة البحري لكن قد يشفع لأثيوبيا، أنها لا تمتلك ميناء،لذا وقّع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي، في الأول من يناير من العام الجاري 2024، مذكرة تفاهم لحصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر، إذ تتيح المذكرة لإثيوبيا الاستحواذ على حصة غير محددة من ميناء "بربرة" الواقع على البحر الأحمر في أرض الصومال "صومالي لاند"، والحصول على مساحة بحرية تبلغ 20 كلم.
كما أقرأ الاتفاق لإثيوبيا استئجار منفذ بحري في أرض الصومال لمدة 50 سنة، لاستخدامه قاعدة عسكرية أو لأغراض تجارية، كما ستقوم أديس أبابا ببناء البنية التحتية اللازمة لاستخدام هذا المنفذ، وبناء ممر بحري، وعلى رغم كل ما قيل في الاتفاق الذي أبرم والاعتراضات بشأنه، فإنه جرى وكشف بعمق عما تخطط له بعض الدول الإقليمية في هذا الإطار، ومن خلال ما تتحرّك به لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المهمة في هذا السياق.
وحسب مراقبين، أن هذا الميناء، سيسهل لإثيوبيا حركة التجارة مع منطقة الجنوب والجنوب الشرقي لإثيوبيا، وربط المنطقة الشرقية الصومالية بأديس أبابا من خلال استثمارات بـ 80 مليون دولار، وهي عبارة عن طريق بري بطول 500 ميل تقريباً يربط بين الميناء ومدينة توجوشال الحدودية الإثيوبية، ما يوفر منفذاً تجارياً إضافياً للتجارة الإثيوبية، ومن ثمّ مساعدة إثيوبيا على زيادة تبادلاتها التجارية والاقتصادية مع كل دول العالم، خاصة في ما يتعلق بزيادة صادراتها المتنوعة إلى الخارج، وسيخفض تكلفة استخدام ميناء جيبوتي مليارا دولار سنويا لتسهيل عملياتها التجارية، بخاصة أن جيبوتي تمر بها 95 في المئة من حركة التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، حيث يعد ميناء "بربرة" منافساً قوياً لميناء جيبوتي، أي أن الأمر برمته، صراعا، يتلوه أخر.
الدول في حالة رهاب من المستقبل
لذا يرى مهتمون، أن تحرك بعض الدول لتوظيف حساباتها مرتبط بسياسات مهمة واستثمار لوضع دولي مختل، وعدم وجود رؤية، أو مقاربة محددة باستثناء التحرك في دوائر المصالح، كأن الدول في حالة من الرهاب من المستقبل، الذي لا تعرف ملامحه، وهو ما عملت عليه دول مثل تركيا على توظيف مصالحها واستثمار الأوضاع المضطربة في السودان فدخلت إلى سواكن بالاتجاه نحو ميناءي بورتسودان وسواكن، وعقدت اتفاقاً شاملاً في إطار العمل على دوائر متعددة، إذ تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية عليها على رغم أن سواكن نفسها جزيرة أثرية لا يمكن أن تعطى لدولة أجنبية تريد أن تسترجع نفوذ العثمانيين في المنطقة، ومن ثمّ فإن هذا التوسع المخطط له الهدف منه الهيمنة والسيطرة على الموانئ البحرية من خلال بناء خط بحري يبدأ من تركيا مروراً بموانئ السودان وإريتريا والصومال وجيبوتي، هذا فضلاً عن وجود تركيا في غرب القارة، خاصة في غينيا وساحل العاج وبوركينا فاسو.
وفي الوقت الراهن سيكون الاعتماد ليس فقط على التمركز في القواعد العسكرية ، بل الوجود في الموانئ البحرية، التي لها قيمة اقتصادية واستراتيجية، حيث حركة التجارة الدولية والإقليمية، التي تحقق أيضاً انتشاراً من نوع خاص، بدليل أن المخطط الإثيوبي الخروج من حالة العزلة باعتبارها دولة حبيسة إلى دولة منفتحة على العالم، ولديها فرصة للتعامل مع العالم انطلاقاً من ثوابتها، ومسعاها للتحول إلى دولة منفتحة على العالم الخارجي، بعد أن شيّدت مشروع سد النهضة، ونحن في هذا النص لا نأتي بأثيوبيا، إلا مثالا لاستحواذ دول على أخرى.
استراتيجية المستعمر الجديدة
يمكن القرأة بأن هذه الأستراتيجية الجديدة في السيطرة، تقول ضمن عقلية المستعمر، وما جدوى تلك الطريقة، السابقة، في الإكتفاء، بالحفاظ على مصالحنا بالحد الأدنى، عبر أذرع، لنا، مع حضور عسكري في المحيطات لا يقدم، ولا يؤخر؟!، لنضيف على ذلك شراء موانئ، أو ربما سيطرة عليها، بطريقة أو بأخرى، كأن نشتري بشكل مباشر، أو عبر اذرع أخر لنا.