عرب جورنال/ هلال جزيلان
لربما الذي ابقى على فرنسا في الدولة المتبقية للنفوذ الفرنسي، في غرب أفريقيا السينغال، هو عدم تدخلها في الانتخابات، الأخيرة، والتي بدت بهذا الموقف، أنها أقل ريدكالية بمراحل في التحيز للقادة السابقين لدولة السينغال، على أعتبارهم من تركن إليهم في تنفيذ مصالحها في البلاد.
وما رأه متابعون بأنه تطور نادر بدول العالم الثالث بالذات في الدول الأفريقية، التي صفتها الدائمة، لازمتها بالانقلابات العسكرية، أن يسمح لدولة ما أفريقية أن يصل معارض سياسي إلى سُدة الحكم، لقد جرى ذلك في السنغال أقصى غرب القارة، وذلك بعد ثلاث سنوات دامية عاشتها البلاد، ومارست فيها النخب السياسية المحلية أعلى درجة من الصراع مع النظام السياسي للرئيس ماكي سال المنتهية ولايته، لكن ذلك الصراع جرى تحت مظلة وعي وطني ورُشد سياسي، وكذلك قدرة وخبرة مميزة على إدارة الأزمات، وعقد التحالفات المطلوبة لتحقيق الأهداف المرتبطة بتداول سلمي للسلطة، والحفاظ على جوهر الممارسة الديمقراطية الحرة.
فيما يسأل أخرون عن ما نجح فيه السنغاليون فيما فشل فيه غالبية الأفارقة في الحفاظ على جوهر الممارسة الديمقراطية؟ وهل هذه التجربة تدشن مشهدا في أفريقيا مختلفا لمشهد الانقلابات العسكرية التي وصلت إلى ثمانية انقلابات خلال السنوات الثلاث الأخيرة في إقليم غرب أفريقيا؟ وفي الأخير، هل ثمة عوامل خارجية ساندت المعارضة السنغالية في هذه المرحلة من التحولات في النظام الدولي؟.
من هو الرئيس!!؟
ربما يجدر في البداية أن نعرف من هو الرئيس الفائز، الذي خرج من السجون ومعسكر المعارضة معاً، لنتعرض بعدها إلى معطيات فوزه الداخلية والخارجية، فالرئيس باسيرو ديوماي فاي في منتصف العقد الخامس من عمره، وهو الرئيس الخامس للسنغال منذ استقلالها عن فرنسا، فاز من الجولة الأولى للانتخابات بغالبية كبيرة، وهو حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الشيخ أنتا ديوب بدكار عام 2004، بعد أن تخرج في كلية الإدارة العليا، وكان يعمل مفتشاً للضرائب قبل نجاحه في الانتخابات، وينحدر من أصول ريفية، ويعمل أهله في المجال الزراعي.
وفي المستوى السياسي يعد الرئيس السنغالي الجديد مسلم يساري بالمعنى العام، وينتمي إلى جيل الوسط الأفريقي، المحرّك الراهن للتفاعلات السياسية الرافضة نظم وأنماط الحكم غير الرشيد في غالبية الدول الأفريقية، وذلك في ضوء ارتفاع مستويات الفقر المدقع والبطالة لغالبية السكان، وكذلك ارتفاع الإدراك والوعي الجمعي الأفريقي بالاستغلال الاستعماري الغربي للموارد الأفريقية، الذي تطلب تاريخياً هندسة وجود نخبة محلية تساعد في نزح الموارد بآليات فاسدة تفتقد للحوكمة والشفافية.
كان أنضمامه، إلى حزب عثمان سونكو المعارض السنغالي الكاريزمي منذ عام 2014 وتولى منصب الأمين العام للحزب منذ عام 2021، وسُجن وصاحبه معا ما يقارب السنة، وذلك على خلفية المعركة السياسية السابقة لعقد الانتخابات، التي قاومت فيها النخب السنغالية بكل أطرافها تعديلاً للدستور تحت قيادة سونكو يتيح للرئيس ماكي سال الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وفي هذا السجال المحتدم أقدم ماكي سال على خطوة تأجيل الانتخابات في فبراير الماضي، بعد فشله في تمرير التعديل الدستوري، الذي يتيح له فترة رئاسية جديدة، ولجأ إلى فكرة عقد حوار وطني مع المعارضة والتي رفضت بكل مكوناتها الانخراط فيه.
شمولية النظام شمولية الاحتجاج
حيث أسهم ذلك الوضع حينها إلى اتساع الاحتجاجات في تشجيع المجتمع الدولي المشغول بصراعاته في كل من أوكرانيا وغزة على ممارسة ضغوط فعّالة لعقد الانتخابات، على الرغم من القرار الرئاسي بالتأجيل، إذ أطلقت واشنطن نداءات بضرورة عقد الانتخابات، ومارست ضغوطاً كبيرة ساعدت في تهيئة البيئة السياسية، لتتخذ المحكمة الدستورية السنغالية قراراً بإلغاء قرار رئيس البلاد تأجيل الانتخابات، في الأن نفسه، لم يهدأ المشهد السياسي السنغالي إلا مع نجاح الضغوط الداخلية والخارجية في الإعلان عن عفو عام عن كل من سونكو وفاي، ولذا خرجا من السجن منتصف مارس 2024، وخاض فاي الانتخابات فكان فوزه من الجولة الأولى.
نجاح تنظيمي للمعارضة في زمن قصير
يعزو مهتمون بالشأن السنغالي نجاح المعارضة إلى عدة عوامل، منها تمكنها من بلورة تحالف واسع بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ضم 170 تنظيما نقابيا وحزب ومنظمة مجتمع مدني في زمن قصير، إذ اتسم هذا التحالف بالقدرة على بلورة مشروع سياسي متفق عليه من الجميع، يلبي تطلعات غالبية السنغاليين البالغين 18 مليوناً، وتقوم أعمدة هذا المشروع على التنمية الاقتصادية العادلة والشاملة، بمعنى ضمان وصول العوائد إلى كل الفئات الاجتماعية، والإصرار على عدم تعديل الدستور، للحفاظ على التراث السنغالي في الحفاظ على الديمقراطية.
مشروع جديد
وبالتوازي مع ذلك يضيف أخرون، إن الشفافية ومحاربة الفساد أهم المقاصد المعلنة لهذا المشروع بآليات انتقالية تضمن مقاومة منخفضة وغير معطلة للمشروع الأساسي، وقد دعم الرئيس المنتخب مصداقية خطابه السياسي بالإعلان عن تفاصيل ذمته المالية قبل الانتخابات، كما أعلن محاربته الفساد والفاسدين في كل خطبه الانتخابية.
اسناد دولي
وعلى أعتبار المعارضة من أعمدة مشروعها، القدرة على جلب الإسناد الدولي لمشروعها وللحزب القائد للمعارضة الذي يقوده كل من سونكو وفاي، إذ تولى الأخير في السنوات الأخيرة ملف العلاقات الخارجية، وتمكّن في جولاته المتعددة في أوروبا بشكل خاص من حشد التأييد والدعم السياسي والمالي للحزب، واستطاع في فترة وجيزة أن يستحوذ على نصيب الأسد من دعم الجماهير الشبابية التي بلورت حركات احتجاجية نشطة، ورفعت مطلبين أساسيين وهما دعم فرص واسعة للتعليم والعمل لكل الفئات الاجتماعية، وكذلك دعم الخدمات الصحية للفقراء، وقد مارس فاي أيضاً قبل الانتخابات وبعدها أعلى درجات الطمأنة لحلفاء وشركاء بلاده من الغربيين، خصوصاً فرنسا في أن مصالحهم مُصانة، وأنهم الشركاء المستقبليون لنظامه السياسي، وإن كان من الطبيعي في تقديرنا أن يجري تغيير قواعد اللعبة المرتبطة فيما يخص الموارد على اتبار النظام الحاكم جأ بإسم الشعب.
مما سبق يدل ذلك أن كل قبح مورس في الدول الأفريقية وما زال في بعضها، هو بسبب الدول الغربية من خلال اتكائها على نخبة أوعزت عليها الحفاظ على مصالحها، ابتدا، دون الشعب والناس، لكن لم أتيحت فرصة لمن سيحقق نماء للشعب في دولة كالسينغال، كان الأمر.!!!.