خالد الأشموري
هل وضعت الولايات المتحدة حقاً استراتيجية لها في العالم عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر ؟! لقد كتب كثيرون عن محددات هذه الإستراتيجية وعلاقتها بصانعي القرار في واشنطن ،وتفنن المحللون في إبراز شكل من أشكال الشرخ داخل الإدارة الأمريكية بين جماعة الصقور وجماعة المعتدلين الذين يؤثرون في قرارات الرئاسة الأمريكية ولكنه في كل مرة تطرح القضايا الاستراتيجية في أمريكا.. حول ذلك كتب: نبيل خليفة في مجلة " الموقف" الصادرة عن المركز العام للدراسات والبحوث العدد " 54": بعض العناوين لهذه الإستراتيجية ؟
أولا : المحددات الأيديولوجية للقيادة الأمريكية.. و من بينها أربعة أساسية :
- النظرة الواحدية إلى العالم والتاريخ وهي نظرة ذات أبعاد دينية - قومية متأثرة بتيارات مسيحية أمريكية لدى الحزب الجمهوري. ولعل تعبيرها الأبرز في قسمة العالم بعد 11 سبتمبر من هو معنا . . ومن ليس معنا!.
- تأكيد مبدأ الهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعروف "بالقطبية الأحادية" وهي هيمنة تطول المستويات كافة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وتجد تبريرها الأبرز في مقولة "العولمة".
- اعتماد مبدأ الخيار الصفر في علاقاتها الدولية ومعنى ذلك أن أمريكا ليست في وضع المساومة مع أية قوة أخرى حول تقاسم المصالح بل هي تخطط دائماً على أساس أن تحصل على كل شيء، أي مائة في المائة وأن لا تترك لغيرها شيئاً، وهذا يفسر معنى الخيار الصفر : كل شيء لها ...وصفر للمتصارعين معها ! .
- تحديد ميادين الهموم والاهتمامات الجيو -استراتيجية في العالم وهي ميادين يغيب عنها الشرق الأوسط بالتأكيد وتتمثل عادة بأربعة : العملاق الصيني، ومستقبل روسيا النووية، وثروات آسيا، ودور أوروبا ! .
ثانياً: الأبعاد الجيو – سياسية
إن الترجمة العملية لهذه المحددات الأيديولوجية تتمثل في أربعة أبعاد تشكل الخلفية الجيو - سياسية للإستراتيجية الكونية الأمريكية:
- البعد الثقافي الحضاري: الذي يطرح الحضارة الغربية " الأمريكية تحديداً" نموذجاً للتقدم الحضاري ويعمل على تعميم هذا النموذج على العالم في ما عرف وردد كثيراً وهو صراع الحضارات الذي طرحه "صامويل هنتغتون" والذي هو في رأي مفكر أمريكي آخر "نهاية التاريخ" لدى فرنسيس فوكوياما حيث لم يبق جانب آخر "إزاء أمريكا" لمتابعة الصراع التاريخي. وهذا الغياب يسقط جدلية القوى في التاريخ وبالتالي يؤذن بنهاية التاريخ!.
- البعد "الجغراسي" الذي حدده "بريجنسكي" باسم "أوراسيا" ويشمل الحيز الجغرافي الممتد من البرتغال إلى اليابان مروراً بأوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والصين. وجرى التأكيد في "رقعة الشطرنج الكبرى" "كتاب بريجينسكي" على أن أمريكا، لتأكيد قطبيتها الآحادية، عليها أن تهيمن على أوراسيا وأن تمنع أي قوة داخلها من منافسة أو مناهضة أو تحدي الولايات المتحدة، بما في ذلك الجماعة الأوروبية وروسيا والصين وبالتالي على أمريكا احتواء بعض الدول الموجود ضمن الحيز وتطويق بعضها الآخر واستعماله ضد بعضها بعضاً .
وهذا يفترض أن تثبت أمريكا أقدامها على تخوم هذه الدول وإنشاء قواعد قريبة منها وهو ما أمنته لها حرب أفغانستان ففي هذه الحرب كانت مدافعها على أفغانستان وعيونها على دول المنطقة والدول المحيطة .
- البعد النفطي: بعد الهيمنة الأمريكية على نفط الخليج إثر حرب الخليج الثانية تسعى أمريكا للهيمنة على احتياطات بحر قزوين وجواره: منابع النفط وخطوط الإمداد للتمركز قربها وفوقها. باختصار المطلوب حراسة بوابة النفط وهذا ما سعت إليه أمريكا على اعتبار أن النفط كمادة استراتيجية هو عصب الحضارة المعاصرة.. يضاف إليه أن الحزب الجمهوري ذو اهتمامات ومصالح نفطية.
- البعد النووي : يشكل البعد النووي بشكل خاص، وأسلحة الدمار الشامل، بشكل عام، بما فيها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ البالستية القادرة على حملها إلى أهدافها، أحد أهم الأبعاد في الفكر الجيو - استراتيجية الأمريكي.. إن انهيار الاتحاد لسوفياتي أدخل في روع أمريكا فكرة الزمان والبعد عن التهديد لأمنها من أي جانب وأنها قوة عسكرية عالمية لا ينافسها أي خطر . لكن أحداث 11 سبتمبر جعلت أمريكا تشعر بأنها معرضة للعطوبة على رغم امتلاكها أكبر ترسانة للأسلحة في العالم بما فيها الأسلحة النووية. لذا سعت أمريكا في استراتيجيتها الجديدة إلى تحقيق أربعة أهداف: -
- مراقبة القوى النووية الآسيوية عن كثب بوجودها على حدود الدول النووية الأربع :
الصين وروسيا والهند وباكستان.
- التحكم بعلاقة هذه الدول في ما بينها كي لا تتعاون ضد أمريكا .
- تحديد علاقة هذه الدول وغيرها كوريا الشمالية بما تسميه أمريكا "الدول المارقة أو محور الشر "كي لا تقوم بتزويد هذه الدول بأسلحة الدمار الشامل ومنها إيران والعراق وسوريا .
- الخوف من تأثير هذه الدول مجتمعة "المتقدمة والمارقة" على أمن وسلامة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وبالتالي السير في مشروع بوش المعروف بـ نظام الدرع الصاروخي وإلغاء معاهدة "أب م" .
ثالثاً: أمريكا والشرق الأوسط
إن الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط " جمهورية وديموقراطية مع بعض الاختلافات الطفيفة" تبنى على أربعة ثوابت تشكل المصالح الحيوية لأمريكا في المنطقة وهذه الثوابت هي: حماية منابع النفط وطرقه واستمرار تدفقه بأسعار معقولة .
- حماية حلفائها وفي مقدمتهم إسرائيل بالتأكيد، وتأمين تفوقها العسكري على الدول العربية.
- الإبقاء على المنطقة سوقاً استهلاكية للسلع الأمريكية لا سيما الأسلحة.
- العمل على استمرار الأنظمة الموالية لها واستقرارها .
وعلى رغم الكلام الكثير حول اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط وبالنزاع العربي - الإسرائيلي، وسعيها إلى إيجاد حل لهذا النزاع عبر إحياء عملية السلام، فإنه من منظور إستراتيجي موضوعي صرف ينبغي القول: إن اهتمام أمريكا بأزمة الشرق الأوسط قد ضعف والسبب في ذلك واضح ومعروف وهو أنه لا يوجد خطر على مصالحها في المنطقة.. فلو تفحصنا موضوع المصالح الأمريكية على ضوء الثوابت التي ذكرناها لأمكننا ملاحظة ما يأتي :
- إن أسعار النفط مناسبة وإمداداته مؤمنة.
- إن أمريكا تدير حال اللاحرب واللاسلام من دون أن تخشى تحولها إلى انفجار . لأنها تتحكم كلياً بالمنطقة وتحديداً بعنصري النزاع : العرب وإسرائيل ..
- ليس لأمريكا عدو استراتيجي دولي ينافسها على النفوذ في المنطقة.
- لا يوجد في المنطقة على العموم أية قيادة إقليمية قادرة على تعطيل المصالح الأمريكية أو تهديدها .
وما يحصل الآن من جانب أمريكا وإسرائيل على السواء هو استخدام القوة القصوى ضد عدو معلن هو الإرهاب لإجبار كل قوى المقاومة في المنطقة على وقف التحدي والاستسلام لأمريكا وإسرائيل .
وفي الخلاصة، تتقاطع الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية في نقاط عدة يجمعها ستار الإرهاب ويجسدها الانتقال، لدى الدولتين، من مفهوم الردع إلى مفهوم الإرهاب، إلى مفهوم العنف الشامل وذلك باجتماع قوتين عسكريتين عالمية وإقليمية. لكن غير قادرتين على إجتثاث الإرهاب بالعمل العسكري لأن الحروب الصغيرة تتحول مع الشعوب إلى حروب استنزاف.
وضمن هذا السياق من الطرح يؤكد الكاتب بأن المأزق الأمريكي يكمن في التناقض بين مبادئ أمريكا المعلنة في الدفاع عن الديمقراطية وتثبيتها في العالم العربي في حين إنها تساند الأنظمة الديكتاتورية لعدم زعزعة الإستقرار في المنطقة وعدم استبدالها بحكومات ذات سمة إسلامية ! فيما يرى : إن دور ومهمة "المؤسسة الوطنية من أجل الديمقراطية" إحدى المؤسسات السامية في حياة أمريكا المعاصرة واستراتيجيتها في العالم تقف عاجزة وصامتة على أبواب العالم العربي .