مارس 18, 2024 - 20:01
الانتخابات الرئاسية الأمريكية  بين الاستهجان في منافسة  عجوزين شاخ بهما الزمن لقيادة أمريكا 


أروى حنيش

تدخل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين المرشحين المفترضين، الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب، بكثير من الاستهجان لهذين الخيارين لقيادة أمريكا، وبقدر كبير من القلق منهما وعليهما.
وأثار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب تفاعلا بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تصريحات أدلى بها السبت الماضي، قائلا إنه:" إذا خسر انتخابات 2024، "فسيكون ذلك حمام دم للبلاد".
وعلّق جيمس سينجر المتحدث باسم الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، جو بايدن، في بيان السبت، أن الرئيس السابق دونالد ترامب "يريد 6 يناير آخر".

انقسام داخلي 

 انتخابات قد تكون مفصلية نظراً إلى شخصيتين متناقضتين، بلغ بهما العمر عتيا، وهي في التحليل الأخير توصيف لحالة أمريكا التي تفقد مكانتها في العلاقات الدولية، نتيجة سياستها الخارجية التي لم تعد مقبولة.  فالرجلان  يمثّلان حالة الانقسام الأمريكي الشعبي، وسط وضوح مأزق كل من الحزبين الحاكمين الجمهوري والديمقراطي. فالرئيس السابق ترامب يمثل حالة من الشعبوية المتطرفة، وقد كشفت الانتخابات التمهيدية التي جرت قبل أيام عن تقدمه على منافسه الديمقراطي بايدن في عدد من الولايات الامريكية، هذا مؤشر في ظاهرة التحدي بين الرجلين، خصوصا في معارك الاتهامات في ملفات عديدة، يبدو أن ترامب واثقا من فوزه الرئاسي في الانتخابات القادمة التي ستبدأ في 5 نوفمبر 2024. لكن تظل هناك مخاطر كبيرة على البلد، وهناك من يتوقع بمخاطر أمنية كبيرة قد ينجم عنها تشظي بعض الولايات عن المركز، وهناك مخاوف محتملة   فإذا طرأ حادث صحي على أحد المرشحين، أو إذا تعرض أحدهما لاغتيال من نوعٍ أو آخر. 
القضايا العالمية والسياسة الخارجية مسائل تأخذ المقعد الخلفي في هذه المرحلة، لأن الموضوع الأساسي لكل من حملتي بايدن وترامب داخليا وليس خارجياً، بما في ذلك مسألة الهجرة التي تأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام.
مطواعية المواقف من المسائل الدولية تشكّل قاسماً مشتركاً بين الحملتين، لأن كلاً من بايدن وترامب لا يريد أن تقيده القضايا العالمية، ويفضل الاحتفاظ بسلاسة القيادة في الملفات لاحقاً. إذ لا حاجة، ولا مصلحة للرجلين في الزج بنفسيهما في سياسات خارجية تقيدهما على المدى البعيد وتسلبهما مساحة المناورة.
لذلك يمكن القول إن السياسات والإجراءات الانتقالية والمؤقتة ستميز السياستين الديمقراطية والجمهورية، وأن الرجلين سيتجنبان الوعود القاطعة والبرامج السياسية الثابتة، لا سيما أن المرحلة الراهنة من الأوضاع الدولية عائمة. والكلام ليس فقط عن حرب إسرائيل على غزة، أو حرب روسيا في أوكرانيا، لأن هناك أيضاً روزنامة سياسية في محافل دولية ستفرض نفسها بصورة غير مباشرة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكما كان متوقعا، لم يؤدِ الثلاثاء الكبير إلى أي مفاجأة على مستوى نتائجه، حيث اكتسح الرئيس السابق دونالد ترامب حتى الآن 12 ولاية مقابل فوز نيكي هايلي بولاية فيرمونت، بالتوازي مع حسم الرئيس بايدن لـ 14 ولاية من أصل 15.
وعليه، لم يعد من الضروري الانتظار لـ 12 و15 مارس حتى يحسم كل منهما حجز مقعده كمرشح لحزبه في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل، إذ أن الشارع الأمريكي بالتوازي مع المستوى السياسي الأوروبي والدولي قد بدأ بالاستعداد لمرحلة التنافس المباشر بين الاثنين، مع ما سينطوي عليه هذا التنافس من نتائج على مستوى التوجهات الداخلية والخارجية لكليهما، وما تعنيه هذه النتائج من تبلور لموقع الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة. 

ففي ظل الانقسام المجتمعي الذي ساعد دونالد ترامب في تغذية بذوره في الداخل الأمريكي خلال فترته الرئاسية السابقة، والذي شهدنا أعلى مراحله في 6 يناير 2021 يوم اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس، مما عزز فرضية تحول المجتمع الأمريكي نحو الانشغال بصراعات داخلية، إضافة إلى الترنح الذي طغى على سلوك بايدن في سياساته الخارجية، برزت إشكالية البحث في موقع الولايات المتحدة الأمريكية على مستوى النظام الدولي، حيث قد يؤدي انشغال أي إدارة مقبلة بالتسويق لتوجهها كعلاج كفيل بمعالجة هذا الانقسام إلى تراجع في اهتمامها بالقضايا الدولية، أو إلى تغيير آليات مقارباتها لهذه الإشكاليات.

بايدن لا يمكن إصلاحه

ذكر تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية إلى أن الإجماع في واشنطن هو أن بايدن لا يمكن إصلاحه، وذكرا أنه في العام الماضي أظهرت مجموعة من استطلاعات الرأي أن ترامب يزحف إلى الصدارة على المستوى الوطني، ويتقدم بشكل ملحوظ في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا. وأضاف التقرير أن مسألة عمر الرئيس، التي كان الديمقراطيون يرفضونها في السابق، أصبحت الآن غير قابلة للتجاهل.

سيناريوهات إستبدال بايدن

السيناريو الأول
 السيناريو الأول لإبعاد بايدن عن المنافسة الرئاسية هو دخول شخص ما إلى الانتخابات التمهيدية لتحدي بايدن. وقد جرب اثنان من المرشحين هذا بالفعل، وحصلا على نسب ضئيلة؛ إذ فاز بايدن بولاية كارولينا الجنوبية هذا الأسبوع بنسبة تقارب 100% من الأصوات. وأن المواعيد النهائية لتقديم طلبات الترشح انقضت لنحو 80% من بقية الجولات الانتخابية، لذلك من المستحيل فعليا أن يدخل اسم أكبر في المنافسة في هذه المرحلة، وأن يفوز بعدد أكبر من المندوبين من الرئيس الذي يتوجه إلى شيكاغو أغسطس المقبل باعتباره المرشح الأوفر حظا والذي لا يمكن إيقافه.

السيناريو الثاني
 أن يحاول الحزب عزل بايدن قسرا، ولا يمكن القيام بذلك، من الناحية النظرية، إلا إذا كان المرشح عاجزا.
حيث إن اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي هرمية ومنضبطة ومليئة بمؤيدي بايدن. ولا توجد آلية للتحرك ضد الرئيس إذا كان لا يريد الرحيل، مما يعني أن الخطوة العملية الوحيدة ستؤدي إلى السيناريو الثالث.

السيناريو الثالث
 أن يتم إقناع بايدن بمنح الحرية لمندوبيه في المؤتمر، مما يسمح لهم باختيار أي مرشح يريدونه.

إنقسام الحزب الديمقراطي

الانقسام داخل الحزب الديموقراطي أدّى ببايدن إلى التبعثر في أدائه الإنساني، وهو يحاول أن يبدو إنسانياً، وأن يتخذ مواقفا يحمي المدنيين الفلسطينيين في وجه التعنّت الإسرائيلي الرافض إيصال المساعدات الإنسانية.
جاء أولاً ببدعة إنزال المعونات الأمريكية الإنسانية، ثم ببدعة فتح مرفأ في غزة للمعونات الإنسانية لا تديره قوات أمريكية. قد يُقال، من جهة، إن الرجل يحاول، لكن من جهة أخرى، هذا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يقف عاجزاً أمام حكومة حرب إسرائيلية متطرفة تضرب بالرئاسة الأمريكية وهيبتها عرض الحائط، ما يصوّر جو بايدن عاجزاً وضعيفاً. هذا يفيد دونالد ترامب الذي ليس مضطراً أن يتخذ مواقف مُستهجنة وخبيثة كتلك التي تبناها جو بايدن، لأنه ليس اليوم في البيت الأبيض.
يحاول جو بايدن الإبحار بين شقّي الحزب الديمقراطي بمرونة ليقول للجناحين إنه من جهة يحاول التوصل إلى وقف نار وهدنة بين إسرائيل و"حماس"، ومن جهة أنه متماسك في رفض قرارات تفرض على إسرائيل وقف النار الذي يعارضه جناح مهم داخل الحزب الديمقراطي. ويلعب بايدن بالورقة الإنسانية للفلسطينيين وورقة المساعدات العسكرية لإسرائيل، ويحاول هو وفريقه إبرام الصفقات الانتقالية مع تأجيل للتسويات الدائمة التي تبدو اليوم مستحيلة بسبب رفض إسرائيل لشروطها.
لذلك  جو بايدن يتجنب، ، اتخاذ الخطوات الملموسة الحاسمة والوعود الجدية. فهذه سنة انتخابية، والمطاطية ضرورية، بل أنها ذخيرة انتخابية، حيث العنوان الأساسي هو: الإجراءات المؤقتة والانتقالية، تبني سياسة الترقيع، وليس سياسة إعادة الخياطة من جديد، وإبداء القدرة على المرونة لاستيعاب احتياجات الحزب الديمقراطي العازم على البقاء في البيت الأبيض ومواقفه.