فبراير 28, 2024 - 17:56
اصلاح مجلس الأمن الدولي ضرورة تعيقها مكاسب الحرب العالمية الثانية


أنس القباطي 


تتولى الدعوات لاصلاح مجلس الامن الدولي، والتي تأتي تحت ضغوط الحاجة لمواجهة التحديات التي تعصف بالنظام الدولي القائم، بعد ان اصبحت الحروب والازمات الاقتصادية مناشرة في اكثر من جغرافيا على سطح الأرض.


أخر الدعوات وجهها الأحد 25 فبرائر/شباط 2024 الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ودعا من خلالها إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي والعمل “الفعال” لإصلاحات “عميقة” للهيكل المالي الدولي، مؤكدا أن النظام الدولي “أصبح باليا وعفا عليه الزمن وخرج عن المسار الصحيح”. ولفت غوتريش في كلمة له أمام قمة مجموعة الـ77 والصين التي انعقدت في كمبالا عاصمة اوغندا أن مجلس الأمن الدولي يعاني من الشلل بسبب الانقسامات الجيوسياسية، معتبرا أن تركيبة المجلس لا تعكس واقع عالم اليوم، مشددا على ضرورة إصلاح المجلس.


مجلس الامن الدولي في هيكلته الحالية هو انعكاس للنظام الدولي الذي افرزته الحرب العالمية الثانية، والدعوات التي تتوالى لاصلاحه اليوم هي مؤشر على ان النظام الدولي القائم لم يعد قادرا على الاستجابة لمقتضيات العصر وتطوراته واحتياحاته، ما يجعل اصلاح هذا النظام ضرورة، وبالتالي فإن عدم اصلاحه يعني انهياره، وعلى انقاضه سيقوم نظام دولي آخر.


تتجه انظار الداعين لاصلاح مجلس الامن الدولي نحو نظام الفيتو المحتكر من قبل 5 دول، وهي الدول دائمة العضوية في المجلس، وينظر للفيتو على انه نظام تعطيل للجهود الدولية التي تسعى لاحلال الامن والسلم الدوليين في ارجاء المعمورة، لان اعتراض أي من الدول الخمس دائمة العضوية يعطل اي جهد في هذا الجانب، وهو في نفس الوقت نظام نفوذ وهيمنة للدول الخمس (الولايات المتحدة الامريكية، روسبا، بريطانيا، الصين، فرنسا) فعن طريقه تفرض هيمنتها ونفوذها على مختلف الازمات الدولية وتجعل حلها مرتبطا باجندتها، ما يجعل حلول تلك الازمات مرتبطا بمصالح الخارج اكثر من من المصالح الوطنية، وهو ما يؤدي إلى اضعاف الانظمة وجعلها فاقدة للاستقرار والسيادة، وذلك ما يجعل السلم والامن الدوليين في مخاطر مستمرة، وبما يخدم اجندات اكثر الدول هيمنة.


طرحت عددا من المقترحات لإصلاح مجلس الأمن الدولي، وشملت المقترحات اجراء تعديلات على فئات العضوية في المجلس، وتجاوز حق النقض "الفيتو" او اعادة هيكلته بما يؤدي إلى عدم الاحتكار، والتمثيل الإقليمي، وحجم المجلس وأساليب عمله، فضلا عن طبيعة العلاقة بين المجلس والجمعية العامة للأمم المتحدة. ويرى باحثون في العلاقات الدولية والعلوم السياسية الى ان اصلاح مجلس الامن الدولي لابد ان يشمل اصلاح هيكل الأمم المتحدة، بما في ذلك صلاحيات الأمين العام للأمم المتحدة.


ومن الناحية القانونية فإن أي إصلاح لمجلس الأمن الدولي يتطلب موافقة ثلثي الدول الأعضاء على الأقل في تصويت (انتخاب) في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحيث يصدَّق عليه من قبل ثلثي الدول الأعضاء. وأن يوافق على ذلك جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي.


ولما كان ميثاق الأمم المتحدة يشترط موافقة الدول دائمة العضوية على أي اصلاح في مجلس الامن الدولي، فإن اصلاح المجلس يبدو اكثر صعوبة، لان من منحه الفيتو النفوذ والهيمنة لا يمكنه ان يتنازل عن الوسيلة التي منحته ذلك، وتعد الولايات المتحدة اكثر الدول التي تمارس الهيمنة والنفوذ الدوليين، وبالتالي ستكون أكثر من سيرفض اصلاح مجلس الامن الدولي، خاصة ما يتعلق بالفيتو، والتي تعد اكثر الاعضاء الدائمين استخداما له.


دعوات اصلاح مجلس الامن الدولي تنطلق من فشل المجلس في حماية الأمن والسلم الدوليين منذ تاسيس الأمم المتحدة منتصف اربعينات القرن الماضي، لكنها تصاعدت اليوم بسبب اشتعال كثير من الازمات والحروب في جغرافيات متعددة من العالم، وتغير موازين القوى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وظهور قوى دولية مناهضة لنظام القطب الواحد الذي تدير به الولايات المتحدة العالم بأسلوب النفوذ والهيمنة، وكل ذلك جعل نظام القطب الواحد غير مرحب به.


اصلاح مجلس الأمن الدولي بات ضرورة في الوقت الحالي حتى يتماشى مع المتغيرات التي يشهدها العالم اليوم في موازين القوى اقتصاديا وعسكريا، وهذا الاصلاح يعني عودة النظام الدولي الى مرحلة تعدد القطبية التي كان قد غادرها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، لكن هذه المرة سيكون التعدد أكثر من قطبين. وان كانت الولايات المتحدة تعارض اصلاح المجلس خوفا من تلاشي نفوذها وهيمنتها القائمة على الفيتو بشكل اساسي، فإن استماتتها في الرفض لا يعني سوى انهيار النظام الدولي القائم، وبالتالي ظهور نظام دولي مختلف لن تكون الولايات المتحدة فاعلا فيه، لأن النظام الدولي القائم أصبح عجوزا، ويحتاج الى ضخ روح الشباب فيه.


ومنذ اندلاع الازمة الأوكرانية التي تعود بداياتها الاولى الى العام 2014 عندما سيطرت روسيا على شبة جزيرة القرم؛ بدا النظام الدولي الاحادي القطب يشهد اختلالات في التوازن، فروسيا بدأت تقدم نفسها كقوة عالمية، ومثلها بدأت الصين تحث الخطى نحو العالمية، ما جعل حالة عدم التوازن هذه تفرض تحديات عدة على بنية الأمم المتحدة، وابرز هذه التحديات هو عجز مجلس الامن الدولي على تحقيق الحد الادنى من السلم والأمن الدوليين، بسبب استخدام الفيتو بما يدعم نفوذ وهيمنة الدول دائمة العضوية في المجلس. ولاجل مواجهة هذه التحديات بذلت محاولات من قبل العديد من الدول لاصلاح مجلس الأمن الدولي، وتركزت المقترحات حول توسيع عضوية المجلس لتتناسب مع عدد الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، وإعادة النظر فى استخدام الفيتو من جانب الدول دائمة العضوية بما يکفل عدم إساءة استخدامه، وإضفاء مزيدا من الشرعية على أداء المجلس. لكن هذه المقترحات ظلت مجرد دعوات، وتحويلها الى واقع يتطلب امرين اثنين، الاول مرتبط باجماع دولي حول تعديل ميثاق الأمم المتحدة، والثاني اقتناع الدول الخمس دائمة العضوية باجراء اصلاحات في مجلس الأمن، وهذا الامران سبفضيان الى تعديل ميثاق الأمم المتحدة، وهنا تكمن الصعوبة في اصلاح مجلس الأمن.


ويرى باحثون في العلاقات الدولية ان اصلاح مجلس الأمن الدولي هو انقاذ للنظام الدولي القائم من الانهيار، مشيرين الى ان القوى الدولية العظمى والفاعلة تدرك ذلك، لكنها ترى وجود صعوبات كبيرة تعترض هذا الأمر، ابرزها المكاسب التي حققتها بعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية. وللوصول الى توافق حول عملية الاصلاح بين الدول الدائمة العضوية فإن ذلك يحتاج وقت طويل، فضلا عن ان الصراعات القائمة فيما بينها وتوسعها تعد بمثابة كوابح تعيق اي تقارب لفتح حوار بناء يفضي للاتفاق على الخطوط العريضة التي سيتم نقاشها، وهو ما سيجعل فرص انقاذ النظام الدولي القائم من ازماته تبدو ضئيلة.


ومما سبق يمكن القول ان هيكلة مجلس الامن الدولي هي انعكاس لتوازن القوى الدولية التي انتجتها الحرب العالمية الثانية، وهذه الهيكلة القائمة لم تعد مناسبة للوضع الدولي القائم حاليا والذي يشهد تغير في موازين القوى، ما يقتضي اعادة النظر في هيكلية مجلس الأمن الدولي، لكن ذلك لن يتم بسهولة لأنه يعني تخلي قوى دولية عن مكاسبها التي حصلت عليها عبر بوابة الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعني ان مكاسب الحرب التي تحصل عليها الدول لا تتخلى عنها الا بحرب، لان التخلي يعني القبول بتراجع النفوذ والهيمنة، وهو ما لا تقبل به الدول. ومن هنا فإن النظام الدولي القائم هو نظام افرزته حرب عالمية، وتغييره لن يتم الا بحرب او انهيارات اقتصادية تتعرض لها اكثر الدول هيمتة على هذا النظام، وهو ما سينسحب على هيكلة مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة التابع لها، سواء بعملية اصلاح او اعادة تشكيل منظمة دولية جديدة تحقق مصالح النظام الدولي الجديد.