فبراير 6, 2024 - 16:16
لماذا يخشى الأوروبيون فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية..؟


أنس القباطي


أثار فوز دونالد ترامب بالانتخابات الداخلية للحزب الجمهوري كمرشح رئاسي لمواجهة الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن مخاوف الدول الأوروبية، وجاءت هذه المخاوف تحت تأثير توجهات ترامب التي افصح عنها أثناء فترة الرئاسية السابقة، حول حلف شمال الاطلسي "ناتو" والتي تقلل من أهمية الحلف وتخفيف الدعم الأمريكي له، فضلا عن موقفه من الحرب الاوكرانية، والتي يرى أنها اضعفت بلاده، الى جانب مهادنة ترامب للرئيس الروسي فلادمير بوتين الذي يصفه بالصديق.


تشير استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية أن حظوظ ترامب للفوز بولاية رئاسية في انتخابات نوفمبر/تشرين ثان 2024 أقوى من حظوظ منافسه الديمقراطي جو بايدن، وهو ما يقض مضاجع القادة الأوروبيين، فهم بحاجة لسياسات جديدة للتعامل مع احتمالات فوز ترامب المعروف بمواقفه المناهضة للناتو ونظرته المختلفة لأوروبا، على خلاف الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين يتعاملون مع اوروبا كشريك استراتيجي. مخاوف القادة الأوروبيين تجددت بعد أربع سنوات من مغادرة ترامب للبيت الأبيض، ووصول جو بايدن الى الرئاسة، وهو ما يجعلهم في مواجهة معضلة جديدة كانوا قد استراحوا منها مؤقتا.


تتمثل مخاوف القادة الاوربيون من فوز ترامب، في أن يؤدي ذلك الى انهيار حلف "الناتو". وفي هذا السياق تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ان الحلف ظل على مدار 74 عاما أهم تحالف عسكري في أمريكا، كونه يعزز تأثير الولايات المتحدة من خلال توحيد الدول على جانبي المحيط الأطلسي في تعهد بالدفاع عن بعضها، لكن ترامب يرى أن الحلف اصبح عبئًا على الموارد الأمريكية، ويظهر ذلك بوضوح في كتاب ترامب الصادر في العام 2000، والذي حمل عنوان "أمريكا التي نستحقها"، حيث يقول إن الانسحابالأمريكي من أوروبا من شأنه أن يوفر ملايين الدولارات سنويًا. وجسد ترامب رؤيته التي وردت في كتابه عندما وصل إلى السلطة، فقد هدد بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف. وهذا التهديد بحد ذاته هو أس مخاوف القادة الاوروبيين، لأن انسحاب واشنطن من الحلف يحطم صورتها عالميا، فهي من تقوده وتنفق عليه أكثر من شركائها مجتمعين، فضلا عن أن قوته مرتبطة بقوة الجيش الأمريكي. وبالتالي فإن انسحاب الولايات المتحدة من الناتو ان حصل سيمثل كارثة للحلف يمكن وصفها بالاستراتيجية. ويعتقد محللون أوروبيون ان الكارثة لن تحل بأوروبا وانما ستلحق بواشنطن ايضا، لأن المستفيد الوحيد من التفكك هو روسيا عدو الجميع. ويبدو ان الديمقراطيين ومعهم بعض الجمهوريين من خارج تيار ترامب يشاطرون القادة الاوربيون هذه المخاوف، وهو ما يبدو واضحا في تبني مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعا يقضي بمنع أي رئيس من الانسحاب من حلف الناتو في غياب تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ أو قانون صادر عن الكونغرس، وهذا التشريع عده مراقبون بالخطوة الاستباقية لأي توجه قد يذهب إليه ترامب في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.


اصبحت مآلات احتمال عودة ترامب للبيت الابيض حديث الصحافة الغربية، والتي تستقري في تقارير لها ما يمكن ان يحصل للناتو في حال فوز ترامب. وفي هذا الجانب تقول صحيفة "الجارديان" البريطانية إن التحديات التي ينظر إليها حلف الناتو، أبرزها عودة ترامب للبيت الأبيض، ما يعني احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، ما سيجعله أمام أزمة أمنية وعسكرية كبيرة. وترى مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن شركاء واشنطن يشعرون بالقلق من إمكانية عودة ترامب، خاصة أنهم غير مستعدين لمواجهة احتمال انسحاب واشنطن من حلف الناتو، وتضيف انه حتى إن لم يفعل ترامب ذلك، فإن التهديد بخروج الولايات المتحدة سيخلق مستوى من عدم الاستقرار والاضطراب، من شأنه أن يقلل بشكل كبير من الدعم الذي يوفره الحلف للأعضاء.


ومع ما تتداوله الصحافة في حال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة، الا أن روسيا تستبعد تغير السياسة الأمريكية، وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه يستبعد ان  يكون الوضع بشأن أوكرانيا مختلفاً في حال فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة 2024، لافتا إلى إنّه لا يؤمن بوجود أي فارق بين ترامب وبايدن، معتبرا ان السعي لهدم العلاقات الروسية الأميركية وقاعدتها، بما فيها كافة اتفاقيات الاستقرار الاستراتيجي والتكافؤ والثقة المتبادلة والتفتيش والشفافية، بدأه الرئيس جورج بوش (الابن)، عندما قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: أنسحب من معاهدة الدرع الصاروخية.


لكن المتتبع للصراع القائم في الولايات المتحدة الامريكية يدرك ان هناك خلافات عميقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأن مآلاتها ستنعكس سلبا على مستقبل البلاد، خاصة في بعض الملفات الدولية، والتي من ابرزها الأزمة الاوكرانية وأزمة الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات مع الصين، وهذه الملفات تعد من أبرز الملفات التي ستدخل في الدعاية الانتخابية بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري.


ومع ما تظهره استطلاع الرأي من تقدم ترامب على بايدن تتصاعد المخاوف الاوروبية من عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الابيض. فمثلا في ألمانيا بلغت المخاوف مستوى غير مسبوق من احتمال عودة ترامب الى السلطة، وفي هذا الجانب تداولت وسائل اعلام غربية فحوى وثيقة دفاعية مسربة، تكشف عن كيفية استعداد ألمانيا لسيناريو حرب عالمية ثالثة تبدأ مع روسيا على الجناح الشرقي للقارة الأوروبية، وتضع الوثيقة تصور وزارة الدفاع الألمانية عن كيف يمكن أن يتطور التصعيد المحتمل للحرب في أوكرانيا، وتتوقع الوثيقة شن روسيا هجوماً على فجوة سوالكي بين بولندا وليتوانيا في الفترة ما بين الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام وأوائل عام 2025، وترى ان مثل هذا الهجوم من شأنه أن يعزل دول البلطيق عن بقية أوروبا القارية. من جانبه يرى وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس انه بات على الجميع الأخذ في الاعتبار أن بوتين قد يهاجم إحدى دول الناتو ذات يوم، مشيرا الى ان الخبراء يتوقعون فترة من خمس إلى ثماني سنوات يمكن أن يكون فيها هذا ممكناً. لكن أنطونيو ميسيرولي، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي، يعتقد إن الوضع، الذي لا يجري فيه سحب هذا النوع من الضمانات الأمريكية بل يجري تخفيفه أو جعله أكثر غموضاً، يمكن أن يغري الكرملين بالتحرك ضد دولة معرضة للخطر مثل إستونيا، من خلال أساليب هجينة أو هجوم عسكري صريح. وذهب وزير الدفاع النرويجي الجنرال إيريك كريستوفرسن إلى التحذير من أنه قد توجد نافذة الآن تستمر لمدة عام أو عامين أو ربما ثلاثة أعوام، ما يقتضي الاستثمار خلالها بشكل أكبر في الدفاع والآمن. ويرى جاسيك سيويرا، رئيس مكتب الأمن القومي البولندي، إن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي أمامه ثلاث سنوات فقط للاستعداد للمواجهة مع روسيا، مبينا ان هذا هو الوقت الذي يجب فيه إنشاء قدرة تكون بمثابة ردع واضح للعدوان.


وتلك المخاوف الاوروبية نابعة من احتمال عودة ترامب إلى السلطة، وتشي بأن دول الاتحاد الأوروبي باتت غير قادر على مواجهة روسيا وحدها، وأن حلف الناتو هو الجيش الامريكي بدرجة أساسية، وأنها ليست سوى تابع يتم تحريكه من واشنطن، وذلك ما ذهبت إليه مجلة فورين بوليسي عندما قالت ان الاتحاد الأوروبي لا يملك المعدات العسكرية ولا القوة البشرية اللازمة لمواجهة موسكو في صراع شديد الحدة. من جانبها قالت الغارديان البريطانية أن موجة من القلق استحوذت على وزراء الدفاع والقوات المسلحة الأوروبية، إذ يعتقد الساسة والقادة العسكريون أن دونالد ترامب المشكك في حلف شمال الأطلسي يمكن انتخابه رئيساً قادماً للولايات المتحدة، منوهة الى أن روسيا قد لا تُجبر على الخروج أو الهزيمة في أوكرانيا.


يدرك الأوربيون ان بايدن ورطهم في حرب اوكرانيا، وأن روسيا لن تتغاضى عما اقترفه الاوروبيون في اوكرانيا، ولذلك يخشى القادة الأوروبيون من عودة ترامب للبيت الابيض لان ذلك يعني ضرب حلف الناتو الذي ترى فيه دول الاتحاد الأوروبي ضمانتها الأساسية في ردع روسيا، فهم يرون ان الحرب الاوكرانية استنزفت كثير من المخزون الاوروبي من الذخائر، ما يجعلها مكشوفة دفاعيا امام روسيا، وفي حال عدم اقرار الكونغرس الأمريكي التصويت على حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار، وهو ما يبدو واضحا من خلال تكثيف الجمهوريين الضغوط بشأن صفقة مقايضة لتعزيز الأمن على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، فإن ذلك سيزيد الضغط على دول الاتحاد الاوروبي، لأنها ستكون ملزمة بدعم اوكرانيا، لأن تخليها عن اوكرانيا لا يعني سوى ان الطريق ستكون سالكة للروس نحو غرب اوروبا.


ومما سبق يمكن القول ان قادة الاتحاد الأوروبي يشعرون بانهم وقعوا في ورطة كبيرة بدخولهم في حرب اوكرانيا التي طالت، وهذه الورطة ستتحول إلى واقع بوصول بايدن إلى السلطة، والمتوقع ان تسعى اللوبيات الأوروبية في الولايات المتحدة لدعم بايدن، لكن دعم هذه اللوبيات لن يحل المشكلة لأن ترامب اصبح يحظى بشعبية تتجاوز بايدن، وهنا يكمن اس المخاوف الأوروبية، وفي المجمل يبدو انه في حال فوز ترامب فإن تغيرات ستطرأ على السياسة الخارجية الامريكية، وسيكون لها تداعياتها على الوضع الدولي الذي يشهد حالة من الصراع في بؤر التوتر حول العالم.