ديسمبر 20, 2023 - 17:48
جماعات الضغط وتأثيرها في السياسة الأمريكية (2-3)


خالد الأشموري
جماعات الضغط وتأثيرها تجاه المنطقة العربية تحتل المنطقة العربية أهمية استراتيجية في السياسة الأمريكية، نظراً لموارد النفط والموقع الهام، بالإضافة إلى وجود الكيان الإسرائيلي الحليف الرئيس للولايات المتحدة في تلك المنطقة وهذا ما جعل دول المنطقة تسعى للحصول على دعم أمريكي في القضايا التي تلامس مصالحها، كصفقات الأسلحة والنفط والقيود التجارية والحرب على الإرهاب وغيرها من القضايا .
وفي هذا الصدد تعتمد دول المنطقة العربية على النخبة من أعضاء الكونجرس السابقين، والدبلوماسيين السابقين ووسطاء السلطة العاملين في شركات العلاقات العامة الضاغطة بهدف التأثير في القرار التشريعي الأمريكي.
ويعد الكيان الإسرائيلي أهم لوبي ضاغط على القرار الأمريكي، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على المستوى الدولي، أيضاً إذ بدأ بممارسة نفوذه في الضغط والتأثير منذ ما يزيد على مئة عام، يليه بذلك التأثير لوبي دول الخليج بمباشرة نشاطهما في فترات متقاربة في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
نحاول هنا التعرف على أهم وسائل هذه الجماعات، ومدى نجاعة تأثيرها في القرار الأمريكي.
أولاً: آليات وأدوات جماعات الضغط الكيان الإسرائيلي.
يعد لوبي الكيان الإسرائيلي من أكثر جماعات الضغط الأجنبية تنظيماً على المستوى السياسي والإعلامي والمالي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويتألف معظم اللوبي من يهود أمريكيين ملتزمين بالدفاع عن الكيان الإسرائيلي، والضغط من أجل تبني الولايات المتحدة سياسة تحمي مصالحه من حيث الوجود والأمن ولا يقتصر تأثير اللوبي على السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنه يمتد ليتفاعل مع شريحة واسعة من القضايا الأمريكية الداخلية.
وتعود نشأة اللوبي إلى هجرة اليهود من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة على شكل دفعات متفاوتة ، والبدء بتنظيم أنفسهم داخل المجتمع الأمريكي في مجالات السلطة والتأثير وبعد إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948م ،قرر عدد من اليهود الأمريكان الانتقال إليها، لتبدأ مرحلة جديدة في ارتباط اليهود الموجودين في الولايات المتحدة بالوطن الجديد المعلن لهم، حيث أصبح الالتزام بالكيان الجديد عاملاً أساسياً لهوية اليهود الأمريكيين، الذين أصبحوا يوجهون جزءاً كبيراً من أنشطتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمنفعة الكيان الإسرائيلي.
يمارس لوبي الكيان الإسرائيلي مهامه داخل الولايات المتحدة على نمطين: رسمي وغير رسمي إذ تحاول أجهزة اللوبي الرسمية بصفاتها التنظيمية المحددة قانوناً التأثير في الكونجرس وتوجيه قراراته لمصلحة الكيان الإسرائيلي وحينما لا ينجع النهج الرسمي يتجه لوبي الكيان الإسرائيلي إلى الوضع غير الرسمي، من خلال تشجيع اعضائه ومؤيديه على المشاركة في الضغط العام لخدمة قضايا اللوبي ، أو التأثير في نتائج الانتخابات بما يساهم في الضغط على البرلمان الأمريكي لخدمة قضاياه.
لوبي الكيان الإسرائيلي مثله مثل اي حركة اجتماعية أو سياسية، حدودها الشاملة لا تكون واضحة تمام الوضوح، لذلك لا يمكن تحديد لوبي الكيان بدقة، حيث يظل دوماً أشخاصاً ومنظمات خارج الحدود العامة للوبي في حين يسهل تصنيف منظمات عديدة أخرى في هذا الكيان كأمثال منظمة إيباك، والمؤتمر الأمريكي اليهودي، والمنظمة الصهيونية في أمريكا، واللجنة الأمريكية اليهودية، والرابطة المناهضة للتشهير، والمنتدى السياسي الإسرائيلي، واصدقاء الليكود الأمريكيين، ومركز العمل الديني للإصلاح اليهودي، والأمريكيين من أجل إسرائيل آمنة، والمؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي ومنتدى الشرق الأوسط، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
ويمكن اختصار الجانب الرسمي للوبي الكيان الإسرائيلي في ثلاث مجموعات ضغط رئيسية ، وهي : اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة التي تمارس ضغوطاً مباشرة على الكونجرس الأمريكي، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، التي تعد جهة الاتصال الرئيسية بين الجالية اليهودية والسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية، وأخيراً أتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل، اللوبي الأمريكي " الأكبر" الموالي للكيان الإسرائيلي.
ومن هذه الكيانات الثلاثة يتفرع لوبي الكيان الإسرائيلي إلى منظمات فرعية أخرى في عموم الولايات المتحدة، وبهذا تصبح تشكيلة اللوبي مشابهة للهيكل الهرمي تتلقى فيه منظمات اللوبي الموجودة في عموم الولايات الصياغة العامة بشأن الموقف اليهودي الموحد في أي شأن من شؤون السياسة الخارجية الأمريكية من جهات التنسيق الأولى وعلى رأسها مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية.
ولا يكتفي بتوحيد موقف اليهود الأمريكيين ، بل تتوجه جهود اللوبي إلى اصطفاف شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي إلى جانب قضايا الكيان الإسرائيلي ، وذلك بالتنسيق مع اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل وغيرها من المنظمات التي تنشط في تعزيز قضايا اليهود الأمريكيين لدى الشارع الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي.. وقد تمكن لوبي الكيان الإسرائيلي من إقناع المشرع الأمريكي خلال الحرب الباردة بأنه خير حليف له في الدفاع عن مصالحه الإستراتيجية في الشرق الأوسط ضد النفوذ السوفييتي، وهو ما أتبعه زيادة الاعتماد الأمريكي على الأطروحة السياسية التي يسوقها اللوبي بين أروقة الإدارة الأمريكية، ولا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول، حيث نشط لوبي الكيان الإسرائيلي نشاطاً كبيراً على حساب اللوبي العربي في تسيير الرأي العام وصناع السياسة بما يتوافق مع مصالحه.. ومنذ ممارسته التأثير والضغط ضمن لوبي الكيان الإسرائيلي صوته داخل الكونجرس ولدى كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحصل على التزام واضح بالكيان الإسرائيلي وآمنه، وهو موقف يشدد عليه جزء كبير من مسؤولي الدولة والتشريع الأمريكي دون تردد، إذ يشكل دعم الكيان الإسرائيلي عقيدة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية ، وذلك أنطلاقاً من القيم الديمقراطية المشتركة ، حسب ما يصفونه.
1-    اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة " إيباك"
عند الحديث عن لوبي الكيان الإسرائيلي لا يمكن إغفال منظمة " إيباك" بوصفها أكبر منظمة مؤثرة في القرار الأمريكي السياسي والعسكري لحماية مصالح الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية وتعد منظمة " إيباك" من أهم جماعات الضغط المؤثرة في القرار الداخلي بواشنطن بعد الرابطة الأمريكية للمتقاعدين (AARP) وأكثرها نفوذاً في صناعة القرار الأمريكي العام مقارنة بجماعات الضغط في شركات النفط والتسلح والغداء، أو مقارنة بالإعلام والكنائس وبيوت الخبرة والبنوك والمحاماة وغيرها ، متغلبة بذلك على كثير من جماعات الضغط الأمريكية الأخرى كالاتحاد الوطني للسلاح، واتحاد العمل الأمريكي ، ومجلس المنظمات الصناعية.
أسست " إيباك " في ستينيات القرن الماضي، وسعت منذ تأسيسها إلى لم شمل اليهود في الولايات المتحدة وتوحيد توجهاتهم للدفاع عن الكيان الإسرائيلي والعمل لمصلحته وذلك من خلال استثمار المال والاقتصاد في التأثير في المراكز العليا لصناع القرار الأمريكي، واستقطاب تضامن كبار المسؤولين الأمريكيين من نواب ووزراء ومستشارين وغيرهم.
تضم إيباك حوالي " 4500 من كبار الشخصيات اليهودية في المجتمع الأمريكي، ويشارك في عضويتها أكثر من 50 ألف عضو يتبرع كل منهم على نحو سنوي منتظم بمبالغ مالية، ولم تتشكل هذه الأعداد بين ليلة وضحاها، بل كانت نتيجة عمل مستمر ومتسلسل في الانتقال، بين خطوط الضغط والتأثير إلى أن أصبح لوبي الكيان الإسرائيلي ، جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في تشكيلة الجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أبرز أدوات تأثير لوبي الكيان الإسرائيلي هي السيطرة على الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، فعلى الرغم من تشكيل اليهود نسبة 3% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية ، فأنهم يمولون نسبة 60% من تكاليف الحملات الانتخابية لمرشحي كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتمارس إيباك أيضاً التأثير بواسطة الزيارات الشخصية والمكالمات الهاتفية، وتقديم المساعدات المالية، وتكريم أعضاء الكونجرس المتعاونين معها في حفلات عشاء على شرفهم، وإبداء الرغبة في التبرع لحملاتهم الانتخابية كذلك، تحاول إيباك من خلال قنواتها العلمية تزويد أعضاء الكونجرس بمعلومات تدعم الكيان الإسرائيلي ومصالحه الإستراتيجية، أبرز هذه القنوات مجلة تقرير الشرق الأدنى بإشراف منظمة إيباك، وهي مجلة نصف شهرية تركز في تقاريرها على العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، بالإضافة إلى ملحق تحت اسم الحقائق والأكاذيب، ويحتوي على متابعات مختصرة حول القضايا اليومية للصراع العربي الإسرائيلي.
وهنا نجد أن أدوات لوبي الكيان الإسرائيلي تكاد تكون مستقلة بذاتها إلى حد ما، فلا وجود لمكاتب العلاقات العامة التي تنشط في دعم حكومات الدول مقابل أجور تدفع لها، ولا نجد دوراً كبيراً لحكومة الكيان الإسرائيلي في توجيه نشاط اللوبي، بل ربما يضطلع لوبي الكيان الموجود في الولايات المتحدة بمهام تقديم الدعم المادي واللوجستي المقدم من الولايات المتحدة لحكومة الكيان الإسرائيلي.
ومن أهم القضايا التي تتبناها إيباك قضية إيران وسلاحها النووي، حيث أصبحت من أهم القضايا المركزية في الاجتماعات السنوية للمنظمة، وذلك لما تمثله هذه 
القضية من تهديد للكيان الإسرائيلي ، ومع ذلك تم الاتفاق الأمريكي مع إيران بشأن ملفه النووي خلال حكم أوباما "يوليو /تموز 2015م " ، ثم عادت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى مناقشات العودة إلى الاتفاق النووي في عهد بايدن بعد أن قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو /آيار 2018م ، وهو ما أظهر تعثر اللوبي وعدم قدرته على التـأثير في قرار المشرع الأمريكي، على الرغم من وسائل الضغط الهائلة التي مارسها طوال فترة النزاع بشأن ملف إيران النووي، وربما ارتبط ذلك بحجم نفوذ اللوبي الداعم للاتفاق، أو للتفضيلات الأمريكية القائمة على اختيار القضايا بالقدر الذي يضمن مصالحها في المنطقة العربية وتجنب المواجهة المفضية إلى خلق تحديات جديدة داخلياً وخارجياً على الولايات المتحدة .
وفي اختلاف جوهري بين نشاط لوبي الكيان الإسرائيلي وغيره من جماعات الضغط لا يقتصر نشاط اللوبي على القضايا المعاصرة فقط، فهو يسعى إلى ضمان تأثيره والحفاظ على الولاء له مستقبلاً داخل المجتمع الأمريكي، وتوريث القضايا التي يدافع عنها من جيل إلى آخر.. لذلك يعمل اللوبي على تدريب جيل من اليهود الأمريكيين الشباب للدفاع عن الكيان الإسرائيلي في المستقبل ضمن مشروع "أكتب لأجل إسرائيلي الذي تتبناه صحيفة " نيويورك جويش" وتدير المشروع مراسلة قناة سي إن إن" السابقة ليندا سكيرزر  حيث يقوم هذا المشروع على التأهيل المكثف لطلاب الثانوية والجامعات حتى يصبحوا خطاً دفاعياً أول لمصلحة الكيان الإسرائيلي في المحافل الأمريكية والدولية، بحيث يتخلل التدريب زيارات ميدانية إلى الكيان الإسرائيلي، ورسم صورة متكاملة عن تاريخ وجود الكيان الإسرائيلي في آذهان المتدربين، وأبرز المخاطر التي قد يتعرض لها فيما تمثل هذه الوسيلة مرحلة متقدمة من مراحل التأثير، فاللوبي لا يكتفي بالتحرك داخلياً بين شرائح المجتمع الأمريكي، ولكنه يخلق قناعات كاملة لدى شباب في مقتبل العمر عبر نقلهم إلى عين الحدث، وإيصال ما يراد إيصاله إليهم، وهو ما يرسخ أفكاراً مؤيدة للكيان الإسرائيلي، تنتقل بثبات مع مرور الزمن طردياً لا عكسياً.
صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها قد غيرت معادلات كثيرة في مسألة التأثير وقناعات كثيرة لدى الأفراد من حول العالم، والتي ربما يكون لها دور في توجيه الرأي العام الأمريكي ضد مصالح لوبي الكيان الإسرائيلي ، لكن هذه الوسائل تستثمر بشكل كبير للوصول إلى غالبية فئات المجتمع، لا سيما الشابة منها، والسيطرة اليهودية على تطبيقات عالمية مثل فيسبوك وتويتر وغيرها، وتوجيه المحتوى الخاص بها لدعم الكيان الإسرائيلي ومصالحه.
2-    مراكز الفكر ( Think Tanks)
تعد مراكز الفكر من أبرز سمات المجتمعات المدنية الحديثة، وعادة ما تنشط في المجتمعات ذات المستوى السياسي والثقافي المرتفع، لذا نجد فعالية دورها ونشاطها في الولايات المتحدة الأمريكية على نحو لافت، نظراً لمساهمتها في التأثير المباشر أو غير المباشر في صناعة القرار السياسي فيها وبالطبع ، لم يتأخر اللوبي الإسرائيلي في ممارسة الضغط والتأثير على هذه المراكز من خلال تمويل الأبحاث والدراسات واستثمارها بما يخدم مصالح اللوبي، بل وصل التأثير إلى إقامة مراكز أبحاث دائمة الكتابة للكيان الإسرائيلي مثل : معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة ومعهد هادسون ومعهد تحليل السياسة الخارجية والمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي.
تعد هذه المؤسسات رافداً أساسياً لنشاط اللوبي في الداخل الأمريكي ومن حول العالم، من خلال نشر المقالات المبررة لأفعال الكيان الإسرائيلي، والداعمة لانتهاكاته المستمرة ضد المدنيين العزل داخل الأراضي المحتلة، أو لحقه في إقامة المستوطنات وبيعة لبضائع ومنتجات المستوطنات حول العالم، وغيرها من القضايا وتتميز هذه المؤسسات بأنها مؤسسات فكرية قائمة بذاتها، متفرغة لخدمة قضايا الكيان الإسرائيلي والتنظير لمصالحه، بمعنى أنها مثلها مثل بقية مؤسسات اللوبي الأخرى تنشط في مجال واحد دون تفرع وهو ما يمنحها قوة في طرحها المقدم ودرجة تفوق من حيث مستوى تأثيرها في المشهد الدولي.
3-    المؤسسات الإعلامية:
يحضر لوبي الكيان الإسرائيلي داخل المجال الإعلامي الأمريكي بقوة، فهو يمتلك أهم شركات تلفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية هي: CBC, NBC, ABC بالإضافة إلى أبرز شركات السينما الأمريكية والعالمية، هي : فوكس وبارامونت ويونيفرسال كما ينشط داخل أهم الصحف اليومية مثل :وول ستريت جورنال وديلي نيوز ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكذلك المجلات الأسبوعية الأمريكية وأشهرها، مجلة ويكلي شاندراد، ومجلة كومنتري ،ومجلة تايم، ومجلة نيوزويك.
يعمد اللوبي الإسرائيلي من خلال هذه المؤسسات الإعلامية إلى غرس الاعتقاد لدى جميع الأمريكيين بأن الكيان الإسرائيلي يمثل مصلحه حيوية للولايات المتحدة واستثمار التعاطف النفسي مع اليهود الذي استحكم بالعقلية الأمريكية بشأن الهو لوكوست ومذابح النازية ضد اليهود اثناء الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن الترويج لفكرة قدرة الكيان الإسرائيلي على حماية المصالح الأمريكية من النفوذ الروسي في المنطقة العربية، وهو ما أظهر أنسجام الكيان الإسرائيلي مع المسار العام للتفكير السياسي الأمريكي دون وجود تناقض معهم.
4-    النقابات والاتحادات
لا يقتصر اعتماد لوبي الكيان الإسرائيلي على وجود أعضائه في كيان منظم يجمعهم فقط، بل ينتشر أعضاؤه في النقابات والاتحادات، الأخرى، ويمارسون مسؤوليات ومناصب قيادية كبيرة فيها، وهو ما يدعم تمرير مصالح اللوبي إلى تلك الكيانات لتحسين صورة الكيان الإسرائيلي وكسب تأييد شعبي ورسمي على مستويات مختلفة.
أخيراً، ينشط عدد من المنظمات العاملة لدى لوبي الكيان الإسرائيلي داخل الحرم الجامعي الأمريكي، وقد أصبحت هذه المنظمات موجودة بكثرة بعد انتفاضة الأقصى عام 2001م، وتعمل على مواجهة الأنشطة المناهضة للكيان في حرم الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وإنشاء بيئة جامعية صديقة له توجه الدعم له ، وتمارس أنشطتها تحت أسم تحالف إسرائيل في الحرم الجامعي، ويشمل التحالف ، المنظمة الصهيونية الأمريكية، ومنظمة إيباك، وأمريكيون من أجل السلام الآن، ورابطة مكافحة التشهير، واتحاد الصهاينة التقدميين.
وعلى الرغم من سيطرته على المجال العام الأمريكي تمكنت الحملات المناهضة للكيان الإسرائيلي من الوصول إلى نسبة تأثير معتبرة بين طلبة الجامعات الأمريكية، وإيصال صورة للعقلية الأمريكية مفادها أن الكيان الإسرائيلي ليس كما تتصوره  "محب  للسلام وللعيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين" ، وهو ما جعل اللوبي يتحرك سريعاً لمواجهة هذا التحدي خشية من تطوره، وانتقاله إلى خارج الحرم الجامعي، وذلك ما حدث بالفعل، إذ دخلت الحملتان الداعمة والمناهضة للكيان الإسرائيلي في صراعات نقابية محتدمة مدة من الزمن عقب الانتفاضة الثانية، وكان للحملة المؤيدة للكيان نصيب إنجاز لا بأس به، نظراً لقوة الدعم الرسمي لتلك الحملة، على عكس الحملة المناهضة التي أفتقرت إلى الحصول على التأييد الرسمي العربي " لا سيما الخليجي منه".
نستنتج مما سبق أن الكيان الإسرائيلي لايزال يحتل موقعاً ثابتاً في القرار الأمريكي ، فهو حتى اللحظة الحالية لا يزال يتمتع بدور كبير في تشكيل السياسة الأمريكية، تجاه المنطقة العربية، في حين يكون التعامل مع جماعات الضغط الأخرى على اعتبار أنها عناصر إضافية فرعية، وليست أساسية في هيكلة السياسة الأمريكية الخارجية، وقد أدى اعتماد لوبي الكيان الإسرائيلي على نهج التأثير من أسفل إلى أعلى، والتمدد أفقياً في التأثير في المجتمع والصعود من خلاله نحو رأس صناعة القرار الأمريكي، إلى استقرار موقع الكيان الإسرائيلي في السياسة.
للكيان الإسرائيلي قاعدة جماهيرية كبيرة إذا ما قورن بغيرة من جماعات الضغط، وهذه القاعدة تؤمن بأن لوبي الكيان يستخدم اساليب " ديمقراطية "تنسجم مع طبيعة المجتمع الأمريكي، ومن ثم فمن الضرورة الدفاع عن مصالح الحليف المشترك في الخصائص والصفات.. وقد سهل هذا الأمر عمل لوبي الكيان وانتقال تأثيره بسهولة من قطاع إلى آخر، فضلاً عن استقرار تأثيره في مختلف المجالات، وهو ما جعل رفض تأثير لوبي الكيان الإسرائيلي ، أو انتقاده يواجه بشدة إعلامياً ومجتمعياً وسياسياً.
•    ملخص من دراسة بحثية لـ سلسبيل سعيد ( مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات)