نوفمبر 29, 2023 - 16:33
سيكولوجية مرض السكري


خالد الأشموري 
مرض السكري أصبح واسع الانتشار في معظم مجتمعات العالم، وهو من الأمراض المزمنة chronic، فهناك أكثر من 7 ملايين فرد مصاب به في الولايات المتحدة الأمريكية ويقدر بأن هناك نحو مثل هذا العدد مصابون به ، ولكنهم لا يعلمون بالإصابة وبالتالي لم تشخص حالاتهم بعد، الأمر الذي يدعو لضرورة الاهتمام بنشر الوعي الصحي وتوقيع الكشوف والفحوصات والتحاليل الطبية بصورة دورية لتحاشي تراكم أضراره الصحية وتزداد معدلات الإصابة به مع التقدم في العمر عبر حياة الإنسان، وإن كانت النسبة تزيد في منتصف العمر ولدى كبار السن، مقارنة بنسبته بين الأطفال والمراهقين معدلات الإصابة آخذة في الزيادة بين فئة منتصف العمر، وتوجد زيادة ملحوظة بين إحصاءات عام (1965م) وإحصاءات (1992م) مشيرة إلى زيادة المعدلات في السنوات الأخيرة فما الذي طرأ على حياة الإنسان ، بحيث أصبح يعاني أكثر من ذي قبل من مرض السكري؟
ويبدو وبحسب الأكاديمي "عبد الرحمن محمد العيسوي" : صاحب المقال: أنه أحد أمراض الحضارة وهو من الأمراض نفسية النشأة حيث تدل الإحصاءات الأمريكية على أن هناك نسبة عالية لاحتمالات الوفاة من جراء الإصابة بمرض السكري بين النساء الأمريكيات من أصول إسبانية وإفريقية، ومن السكان الأصليين لأمريكا هذه الفئات في حاجة إلى المزيد من الرعاية الصحية والحماية من خطر الأمراض المزمنة وخاصة مرض السكري، وفي حاجة إلى نشر الوعي الصحي والسلوكي بينهم وهنا يمكن أن تلعب أجهزة الأعلام دوراً مهماً في أي مجال التوعية الصحية.
أنماط السكري:
مرض السكري ليس مرضاً واحداً أو ليس نمطاً واحداً، ولكن هناك نوعين رئيسيين منه، ويتطلب كل نمط نوعاً خاصاً من المعالجة، وربما تختلف أسباب الإصابة في كل نمط.
النمط الأول: من مرض السكري يظهر في مرحلة الطفولة أو في مرحلة المراهقة، ولا يمثل سوى نسبة بسيطة من أعداد المرضى تصل إلى 5 – 10% من حالات السكري ، ويطلق على هذا النوع الأول والذي يصيب الأطفال والمراهقين اصطلاح مرض السكري المعتمد على الأنسولين IDDM ذلك لأن خلايا البنكرياس تلك التي تفرز هرمون الأنسولين تعجز عن إفرازه، وعلى ذلك فإن المرضى المصابين بهذا النمط من داء السكري يحتاجون إلى حقن الأنسولين لعلاجهم وذلك لحماية المرضى من الآثار والتعقيدات الخطيرة، وأكثر هذه التعقيدات الصحية والحادة والتي تنجم عن نقص الأنسولين في الدم حالة تسمى KETO acidosis وهي حالة تؤدي إلى وجود أحماض دهنية في الدم تقود إلى تعطل وظائف الكلى وعلى ذلك تترسب الفضلات وتسبب تسمم الجسم، وتبدأ أعراض هذه الحالة عند التعرض لحالة شديدة من العطش المزمن والتبول، ويتبع ذلك حالات حادة من الدوخة أو الدوار والميل والقيء مع شعور المريض ببعض الآلام في البطن ويجد المريض صعوبة في التنفس .
ولقد أمكن تشخيص ثلث الحالات الجديدة بعد ظهور هذه الأعراض عليهم.
وإذا ترك المريض دون معالجة ، فإن هذه الحالة تقود إلى الإغماء أو الوفاة في غضون أيام أو أسابيع قلائل.
النط الثاني: من مرضى السكري، ويشكل الغالبية الساحقة من مرضى السكري، ويسمى هذا النمط من مرض السكري ، السكري الذي لا يعتمد على هرمون الأنسولين iddm في هذه الحالة يستمر البنكرياس في إفراز الأنسولين قليلاً.
ومعالجة هؤلاء المرضى لا يحتاج إلى الحقن بالأنسولين معظم هؤلاء المرضى يستطيعون ضبط معدلات الجلوكوز في أجسامهم دون تعاطي الأنسولين، وذلك عن طريق اتباع أسلوب دقيق في الغذاء أو الوجبات الغذائية، مع تعاطي بعض الأدوية ومن الممكن أن يظهر هذا النمط من داء السكري في أي سن ، ولكن في الغالب يظهر هذا المرض بعد سن الأربعين ولهذا النوع من داء السكري نمطان فرعيان يتوقفان على وزن جسم المريض معظم مرضى هذا النوع من السكري من ثقيلي الوزن، ويبدو أن أجسامهم تفرز كمية كافية من الأنسولين وفي بعض الأحيان تزيد معدلات هذا الإفراز عن الوضع الطبيعي ، ولكن – مع الأسف – تقوم أجسامهم بمقاومة فعل ضبط الجلوكوز بمعنى وجود الأنسولين مع تعطل وظيفته أو تعطل الجهاز الذي يضبط معدلاته في الدم أما مرضى هذا النمط من السكري والذين لا تزيد أوزانهم عن الوضع الطبيعي ، فإن أجسامهم لا تفرز كمية كافية من الأنسولين وفي الحالتين يصاب المريض بداء السكري .
أثر الفيروسات:
من ذلك الإصابة بعدوى الفيروسات، ذلك الفيروس الذي يثير جهاز المناعة في الإنسان ليهاجم خلايا البنكرياس.
وهناك حالات عدة قد تقود إلى الإصابة بالسكري من ذلك ما يلي:
1-    الوجبات الغذائية التي تحتوي على نسب عالية من السكر والدهون.
2-    التعرض للضغوط النفسية أو الجسمية أو الانفعالات كالقلق والضيق والخوف والحزن والفشل والإحباط.
3-    زيادة إنتاج نوع من البروتين، ذلك الذي يقوم بإعاقة هضم أو تمثيل السكر والمواد النشوية .
ولكن لا تزال القابلية للمرض + البيئة معادلة أو علاقة ليست واضحة تماماً أمام الباحثين حتى الآن حيث تدل الإحصاءات على أن هناك نحو نصف مرضى السكري لا يعرفون أنهم مصابون به وهناك علامات أو مؤشرات تدل أو تنذر بوجود السكري يكفي وجود ثلاث منها لمراجعة الطبيب المختص:
1-    تبول متكرر كثيراً جداً.
2-    إحساس شديد بالعطش.
3-    الإحساس الدائم بالجوع حتى بعد تناول الطعام.
4-    فقدان مفاجئ للوزن.
5-    الشعور بالتعب بصورة مزمنة.
6-    أحيانا رؤية ضبابية.
7-    بطء التئام الجروح.
8-    الإحساس بوجود تنميل في القدم.
9-    ارتفاع وزن الجسم بمعدل نصف الوزن الطبيعي.
ثلاث من هذه العلامات أو ما يزيد عنها تتطلب مراجعة الطبيب، وذلك وفقاً لما قررته جمعية السكري.
مناهج علاج مرضى السكري:
يستهدف العلاج الطبي لمرضى السكري مساعدة الجسم على الأداء السليم أو إثارة الأنشطة البيولوجية والحيوية السوية من أجل القيام بعملها والاحتفاظ بالمستوى الطبيعي من الجلوكوز في الدم، أي لتمكين الجسم من العمل والاحتفاظ بمستوى جلوكوز الدم في حدود المستويات الطبيعية، بمعنى عدم زيادة الجلوكوز ولا نقصه عن الحدود المطلوبة، يقاس مستوى الجلوكوز في الدم بعد تناول المريض لطعامه بساعات، المعالجات تؤدي إلى تحسن الحالة تحسناً كبيراً، والعلاج يستهدف تحقيق التوازن، ويشمل تحديد الغذاء والدواء والتمرينات الرياضية المستمرة والتي تتم تحت الإشراف الطبي.

اساليب علاج السكري تشمل:
أ-    الدواء.
ب-    الغذاء.
ج-    التمرينات.
ويستطيع مريض السكري أن يبعد عن نفسه مخاطر السكري عن طريق مواظبة العلاج وتحقيق التوازن فيما يتطلبه جسمه من السكر، ولكن في الحقيقة عدم الالتزام بشروط المعالجة يمثل مشكلة كبيرة لمريض السكري.
ولقد أجريت بعض الدراسات وتم تحليل مقدار الالتزام بقواعد المعالجة الدقيقة لمرضى السكري، وتبين منها عدم التزام الأغلبية بهذه القواعد من ذلك:
1-    80% من المرضى يتعاطون الأنسولين في ظروف غير صحية.
2-    58% يستخدمون الجرعات الخاطئة من الأنسولين.
3-    77%  يقيسون معدلات الجلوكوز بطريقة خاطئة أو يفسرون النتائج بطريقة خاطئة.
4-    75% من هؤلاء المرضى لا يأكلون الطعام الموصوف لهم.
5-    75% لا يأكلون بطريقة منتظمة.
فأكثر الأخطاء شيوعاً بين هؤلاء المرضى هي حالة تعاطي الأنسولين بصورة خاطئة أو غير صحية (80%) وأقلها نسبياً استخدام الجرعات الخاطئة من الأنسولين (58%) مرضى السكري يحاولون الالتزام بقواعد العلاج، ولكنهم لا ينجحون في ذلك دائماً وربما يرجع ذلك إلى اعتمادهم على الأعراض التي يدركونها مثل الدوخة أو الأحوال النفسية، وذلك في تقدير معدلات جلوكوز الدم عندهم كثير من مرضى السكري يستطيعون عمل تقديرات عمومية أو مبدئية لمستوى الجلوكوز عندهم على اساس من الأعراض التي يشعرون بها ، ولكن هذه التقديرات ليست دقيقة ولا يعتمد عليها.. ولقد دلت متابعة مجموعات من مرضى السكري من سن 12 حتى 60 عاماً ووجد أنهم يجدون صعوبات في اتباع نظام الغذاء واتباع تعليمات التمرينات الرياضية وذلك مقارنة بالجوانب الطبية من المعالجة مثل قياس مستوى الجلوكوز في الدم أو تعاطي الأنسولين في موعده ومن التقارير الذاتية التي أعطاها هؤلاء لمرضى أنهم أتبعوا جيداً نظام تعاطي الأنسولين، وكذلك مهمة قياس مستوى الجلوكوز في الدم ولكن دائماً التقارير الذاتية التي يدونها الفرد عن نفسه قد لا تكون دقيقة.
ولقد أجرى أحد الباحثين الأمريكان دراسة شائقة في هذا الصدد، وذلك بأن وضع جهازاً سرياً في جهاز قياس الجلوكوز لمرضى من الراشدين والمراهقين، وفي الوقت نفسه طلب من العينة أن يسجلوا قياسهم فما الذي أسفرت عنه هذه الدراسة التي قيس فيها مستوى السكر في الدم فعلياً وتلك التقارير الذاتية التي قررتها العينة؟ لقد أظهرت هذه الدراسة أن كثيراً من تقارير العينة الذاتية كانت خاطئة ولم تتفق مع تقدير الجهاز الموضوع سرياً ولقد أظهرت هذه الدراسة أن هناك اختبارات أجراها المريض ولم تظهر عنده في روايته، بينما تضمن التسجيلات معطيات أو معلومات لاختبارات لم يجرها المريض.
التقارير الذاتية للمرضى تكشف عن:
-    اختبارات يقول إنه أجراها وهو لم يفعل.
-    اختبارات أجراها وينكر أنه أجراها.
العوامل النفسية والاجتماعية:
تظهر الصعوبات النفسية والاجتماعية لمرض السكري في حالة ما يكون المرضى من المتخلفين عقلياً، وفي حالة معيشتهم بمفردهم ولا يستطيع مريض السكري المتخلف عقلياً أن يضبط نظام الطعام بنفسه ولقد استطاعت ممرضة لواحدة من هؤلاء المرضى أن تكتب كرتاً لكل وجبة، وعلى هذا الكرت وضعت صوراً للأطعمة وقائمة لشراء هذه الأطعمة، حيث كان هناك كرت لطعام الإفطار والغداء والعشاء، وعلى المريض اختيار الوجبة التي يريدها، ويذهب لشرائها ولقد تبين نجاح هذه الطريقة في ضبط وجبات طعام مرضى السكري من المتخلفين عقلياً ولكن يصعب فهم نتائج معدلات سكر الدم حتى بالنسبة للمرضى الأسوياء ، مثل هذا الأمر يحتاج إلى شيء من الشرح إذا كانت خطة العلاج معقدة، فإنه يصعب الالتزام بها أو اتباعها وحيث إن الالتزام بخطة العلاج يجب أن يستمر لسنوات عدة وعلى ذلك يلزم تعديل أسلوب حياة المريض لأغراض تفوق مجرد الشفاء من المرض بل الحماية الصحية الشاملة.
الالتزام بالقواعد الصحية يكفل تمتع الفرد بالصحة الجيدة من بين عوامل الشفاء ما يلقاه المريض من الدعم الاجتماعي، وما يتمتع به من الكفاءة الذاتية ولقد كشفت بعض الدراسات الأمريكية عن أن المرضى إذا تلقوا العون الاجتماعي فإنهم يكونون أكثر ألتزاماً بقواعد العلاج.
وكما هو متوقع فإن تعرض مريض السكري للضغط النفسي يعوق تحكم المريض في معدلات السكر في دمه وعندما يقع المريض تحت الضغط النفسي، فإن الغدة الأدرينالية يزداد إفرازها ويتعين توفير البرامج التي تكفل الوقاية من الإصابة بكل الأمراض وليس فقط علاج الحالات المصابة فعلا فكلما زادت المساعدة الاجتماعية أدى ذلك إلى تحسين الالتزام.
فمن العوامل المهمة في العلاج العون الاجتماعي والكفاءة الذاتية لدى المريض .
لقد دلت بعض الدراسات الأمريكية على أن توفر المساعدة الاجتماعية يساعد في إلتزام المريض بقواعد العلاج أي الاحتفاظ بالمستوى الطبيعي للسكر في الدم.
الكفاءة الذاتية ترتبط بما يلقاه المريض من العون الاجتماعي والالتزام بشروط العلاج وضبط معدلات السكر، أما معاناة المريض من الضغوط النفسية ، فإنها تعرقل قدرته على ضبط معدلات السكر في دمه وتعرض المريض للضغوط النفسية، وهو ما يزيد من إفراز الغدة الأدرينالية وكذلك من الكورتزول إلى مجاري الدم هذا الهرمون يجعل البنكرياس يقلل من إفرازه الأنسولين، كما أن هذا الكورتزول يجعل الكبد يزيد من إنتاج الكلوكوز، كما يجعل أنسجة الجسم تقلل من استهلاكها من السكر.
هذه بعض ردود الفعل الكيميائية للتعرض للضغط . رد الفعل الحيوي الكيميائي هذا للضغوط يضر بحالة توازن السكر ويؤثر الضغط في معدلات السكر بطريقة غير مباشرة كذلك، عن طريق عدم الالتزام أو طاعة المريض لتعليمات العلاج.
وفي الحياة اليومية يجد الإنسان كثيراً من العوامل التي تعوق التزامه بشروط المعالجة ، فقد يشعر مريض السكري بالحرج من قياس معدلات السكر في الدم في مقر عمله ووسط رؤسائه وزملائه أو في الجامعة أو المدرسة .
وقد ينسى المريض أن يأخذ معه أدوات القياس، أو قد يجد المريض صعوبة في الاستيقاظ في عطلة نهاية الأسبوع في الصباح لأخذ الحقنة المطلوبة في موعدها المحدد وقد يخطئ المريض في تحديد نوع الطعام الذي يتعين عليه أن يتناوله.
وقد يحدث أن يزداد وزن المريض بصورة مؤقته عندما يضبط معدلات السكر في دمه، ولكن هناك بعض النساء لا يرغبن في زيادة الوزن، وعلى ذلك لا يأخذن حقنة الأنسولين المطلوبة خوفاً من السمنة .
كذلك قد تظهر بعض المشكلات في تحديد نوعية الغذاء إذا كان ذلك يتعارض مع عادات الغذاء التي تعود عليها المريض، وخاصة لدى بعض أبناء السلالات العرقية الخاصة.
وقد لا يستطيع المريض تناول الشاي أو القهوة في البداية من دون سكر إطلاقاً وقد تتأثر معدلات السكر في الدم من جراء التعرض للضغط.
وحيث إن مرض السكري نفسه ليس مؤلماً ، فقد يشعر المريض أن اتباع قواعد العلاج، ليس أمراً مهماً وهناك حالات يصعب فيها اتباع خطوات العلاج، وذلك عندما يختلف هدف الطبيب عن هدف المريض نفسه، فقد يستهدف الطبيب علاج الطفل المصاب بالسكري ومنع إصابته على المدى البعيد أي يرغب في وقايته، بينما قد يتطلب الآباء مجرد تحسن حالة الطفل في الوقت الراهن ورؤية هذا التحسن يومياً.