نوفمبر 19, 2023 - 07:01
بالرغم من رفض السيسي المحاط بنوع من التهويل هل يُقتطع للفلسطينيين من سيناء -مقابل إلغاء ديون مصر- وطن بديل ؟!

عرب جورنال / عبدالسلام التويتي - 
من المسلمات التي لم يعد يختلف حولها إثنان أنَّ العقيدة السياسية والعسكرية لدولة الكيان التي لم يُصغ لها دستورٌ مكتوب إلى حدِّ الآن -مع العلم أنّ من أهم مضامين دساتير البلدان مواد متعلقة بحراسة حدود الأوطان ذات الصلة بمتلازمة المكان- قائمة على فكرة التوسع الاستيطاني اللامحدود المؤدي -بصورةٍ مستمرة- إلى بقاء حدودها -مع التجمعات السكانية أو لبلدان المجاورة- غير مستقرة. 
وقد تمكن الصهاينة -من خلال تبني فكرة الاستيطان قولًا وفعلًا- من الاستيلاء -في غضون سبعة عقود ونصف- على معظم أراضي فلسطين، وعلى أجزاء من أراضي دول الجوار، بل إنهم قد استولوا على معظم الأراضي المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية التي نصت عليها اتفاقية «أوسلو». 
أما ما يتعرض له سكان «الضفة الغربية» -في السنوات الأخيرة- من مضايقات من شأنها -إن لم تواجه بعزم وثبات- أن تلحقهم بـ«فلسطينيي الشتات»، بالإضافة إلى ما نشهده اليوم في هجمة عسكرية وحشية بربرية على «قطاع غزة» ومحاولة تهجير أهله بصورة قسرية وتوطينهم في شمال «سيناء» المصرية فخطوة تكتيكية لتنفيذ «صفقة القرن» الأمريكية الهادفة إلى عملقة الدولة الصهيونية، حتى تشاطئ -تحقيقًا للأحلام التوراتية- المياة النيلية والفراتية، على أنقاض القضية الفلسطينية وعلى حساب تراب بعض الدول العربية والالتهام التام للملكة الأردنية.

ارتباط فكرة تدجين «سيناء» للتوطين بـ«عهد عبدالناصر»

مع تسليمنا المطلق ببسالة المقاومة الوطنية الفلسطينية في عموم ربوع فلسطين التي ما تزال تتصدى ببأسٍ لا يلين للتوسع الاستيطاني الصهيوني منذ الإعلان عن قيام دولة الكيان اللعين -بدعمٍ ومساندةٍ بريطانيين- عام 1948، إلَّا أنَّ «قطاع غزة» كان وما يزال يمثل قلعةً مقاوماتية عتية تتسم بقدرٍ من الاستثنائيّة التي حملت سلطات الكيان الاحتلالي على التفكير باستهداف سكانه بالتطهير العرقي -بشكلٍ متكرر- منذ وقت مبكر من حكم أول روساء جمهورية مصر «جمال عبدالناصر»، وتجسيدًا لهذا المنعى نقلت الصحفية «نور أبو عيشة» في سياق مقالتها التحليلية التساؤلية المعنونة [هل تتحول فكرة "توطين الفلسطينيين في سيناء" إلى واقع؟] التي نشرتها «الأناضول» بتأريخ 22 فبراير 2017 -عن الدكتور «عدنان أبو عامر» المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة «الأمة» {وهي جامعة خاصة بغزة}- قوله: (إنَّ مقترح توطين الفلسطينيين في سيناء ليس جديدًا، بل إنه مقترح قديم، وسبق أن تم طرحه في عهد الرئيس المصري السابق «جمال عبدالناصر»).
وبالنظر إلى سخف هذا المقترح وعدم واقعيته، ولأنه يهدف إلى نسف حلم الشعب الفلسطيني برمته وإلى حرمانه في حقه الشرعي في إقامة دولته، فقد قوبل برفضٍ فلسطيني قاطع حمل القوى التي تبنته على التراجع، وذلك ما أشير إليه في سياق التقرير السياسي التحليلي المعنون [تهجير الغزيين إلى مصر.. مخطط قديم جديد تسعى "إسرائيل" لتنفيذه] الذي أعده الصحفي «وضاح حيدر» ونشره في «الخليج أونلاين» يوم الجمعة الـ13 من أكتوبر- على النحو التالي: (يؤكد المحلل السياسي المصري «قطب العربي» -في حديثه لـ"الخليج أونلاين"- أنَّ رفض الفلسطينيين لفكرة توطينهم في «سيناء» لا يقلُّ صرامةً عن رفض إخوانهم المصريين من خلال قوله: "الحقيقة أنَّ الأشقاء الفلسطينيين يرفضون هذا التهجير، وقد رفضوا ذلك -بشدة- في منتصف الخمسينيات حين كانت هناك خطة برعاية الدولة المصرية في عهد «ناصر» ومدعومة من الأمم المتحدة، فانتفضت غزة ضدها وأفشلتها").

ترويج فكرة التوطين بديلًا عن حل الدولتين 

بالرغم من كثرة ما أخذ على «أوسلو» من مآخذ، فقد انتزع -بواسطتها- المفاوض الفلسطيني من الطرف الصهيوني وعدًا بتحقيق حل الدولتين، لكن بالرغم من قبول المفاوض الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية على 20% -فقط- من مساحة فلسطين التأريخية، فقد تنكر الطرف الصهيوني للوعد الذي قطع، فأخذ -قبل أن يجف حبر «أوسلو»- يتوسع في مخططه الاستيطاني الأفظع بشكلٍ مفزع، فظل الحديث عن حل الدولتين -حتى من قبل الرعاة الأمريكيين- مفرغًا من أية مضامين، حتى فاجأنا الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» -ومعه بعض المتصهينين العرب- بعقد مؤتمر «صفقة القرن» الرامية إلى نسف حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم على أساس من الاستقلالية نظير تعويضات مالية، ثم لم يلبث أن فاجأنا -من ناحية أخرى- بقرار «نقل السفارة الأمريكية لدى دولة الكيان إلى مدينة القدس» على سبيل الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للدولة اليهوديّة، داقًّا باتخاذه ذينك الإجراءين آخر مسمارين في نعش حل الدولتين، واضعًا الفلسطينيين -وانتهج نهجه خلفُه «جو بايدن»- أمام خيار لا ثاني له وهو «خيار التوطين» الذي يُدفعون نحو القبول به بما يُمارس ضدهم من -صباح مساء- من مضايقات واعتداءات ومصادرات للأراضي والمساكن وقتل لكل من يعترض من أبناء فلسطين على عجرفة قطعان المستوطنين أو يقاوم تنفيذ مشاريع الاستيطان، وفي هذا المعنى أختتم المحرر الصحفي «أحمد الشاهد» تحليله الإخباريّ المعنون [مفاجآة: خطة الاحتلال الإسرائيلي لتهجير أهالي غزة تسعى لتسكينهم في القاهرة لا سيناء!] الذي نشره موقع «علامات أون لاين» بداية نوفمبر الحالي بما يلي: (وضمن مشروع “صفقة القرن” الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020 تحت عنوان “السلام على طريق الازدهار”، كان مطروحًا تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة.
وكانت الخطة على وشك التنفيذ بعد التوافق الذي جرى التوصل إليه بين ترامب والسيسي والسعودية وإسرائيل بشأن تفاصيل كثيرة، لكن خسارة ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2020 أوقفت التنفيذ).
وقد تأكدت الفكرة ذاتها في استهلال التقرير الإخباري المعنون [مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. القصة الكاملة لمخطط قديم جديد] الذي نشره موقع «نون بوست» بتأريخ 20 أكتوبر على النحو التالي: (منذ بدء كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، هجومًا خاطفًا لم يكن أحد يتخيله، فجر السبت 7 أكتوبر الجاري، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال العملية لتدمير البنى التحتية في قطاع غزة المحاصر، وإجبار سكان القطاع للنزوح جنوبًا، كخطوة أولى يأمل من خلالها إخلاء القطاع بالكامل من الفلسطينيين، ونقلهم إلى الأراضي المصرية، وخاصة سيناء).
ولم تنفِ السفيرة الإسرائيلية في القاهرة «أميرة أورون» ما نقلته تقارير أمريكية عن محادثات جرت بين الرئيس الأمريكي «جو بايدن» ورئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو»، وتضمّنت الحديث عن إجلاء المدنيين الفلسطينيين من غزة إلى مصر).

رجحان رضوخ رئيس مصر الحالي للإغراء المالي 

على الرغم من أنَّ الدولة العبرية تعتبر قضية التوطين اضطرارية إلى حدِّ أنَّ المحلل السياسي الدكتور «عدنان أبو عامر» لم يعد يستبعد فرضها على الفلسطينيين وعلى السلطات المصرية بصورة قسرية، فإنَّ ما تمر به مصر -جرَّاء تصرف النظام طيلة عقد زمني كامل بالأصول السيادية الإيرادية بصورة انفرادية- من أوضاعٍ اقتصادية ومعيشية متردية بالإضافة إلى غرق البلد الذي ارتبط تأريخه بسلطان «فرعون» وكنوز «قارون» بمستنقع الديون كفيلان بتليين موقف الرئيس السيسي الذي قابل الفكرة في بداية الأمر -في تناغمٍ متصنع مع رفض جمهوره- بنبرة رافضة متحجرة، بينما يتوقع الخبراء الأكثر إدراكًا لما يحيط به وبنظامه من ضائقة مالية خانقة أنَّه بات قاب قوسين أو أدنى من الموافقة على هذه الصفقة الكفيلة بإنقاذه من مأزقه، وذلك ما تأكد عبر أكثر من مصدر، من تلك المصادر -على سبيل المثال- «وضاح حيدر» الذي قال -في سياق تقريره الذي نشره «الخليج أونلاين»-: (وفيما يتعلق بالضغوط الدولية على مصر لفتح مسار للفلسطينيين لمغادرة غزة دون العودة -أي اتخاذها موطنًا ثابتًا-، يقول المحلل السياسي المصري «قطب العربي» لـ"الخليج أونلاين": "هذه الضغوط قديمة والآن تتزايد فعلاً".
ويؤكد أن المجتمع الدولي يستغل الوضع الاقتصادي المتأزم والديون الضخمة على «مصر» من أجل تحقيق ذلك، متحدثًا عن "مخاوف شعبية حقيقية أن يتجاوب النظام مع هذه الضغوط حتى لو تظاهر برفضها".
وأضاف: "قد يقايض الرئيس السيسي أرض سيناء بإعفائه من الجزء الأكبر من الديون الخارجية، مستلهمًا مشاركة مصر في حرب الخليج الثانية وإسقاط الديون العسكرية عنها وإعادة جدولة ديون مدنية عليه").

التعويل على المقاومة في نسف المساومة

كل توقعات التوطين الذي قد يقضي على مستقبل الفلسطينيين مرتبطة بأحلام سلطات الكيان ومن ورائهم الأساطيل البحرية والمخزون الاستراتيجي العسكري لحلفائهم الأمريكان في القضاء التام على حركة المقاومة الإسلامية «حماس» واستئصال شأفتها من «قطاع غزة»، بيد أنَّ الجناح العسكري للحركة المتمثل في كتائب الشهيد عزّ الدين القسام تتوعد قوات الكيان بمفاجآت ليست لها ولا لمستشاريها الأمريكيين المتمرسين على صنوف العدوان بحسبان. 
فـ«كتائب القسام» لم تتصدّ للعدوان -إلى حدِّ الآن- إلَّا بـ3% من ملاكها البشري ذي المهارات القتالية العالية، كما أنها لم تشرع -بعد- في التعاطي الخلاق مع «سلاح الأنفاق» الذي ستكبد به جحافل العدوان -بعد أن تصل ذروة الإرهاق- من الخسائر البشرية والمادية ما لا يُطاق، فلا يبقى أمام قادة صهيون السياسيون -ساعتئذ- سوى الرضوخ الذليل للتفاوض وفق الشروط التي يشترطها عليهم المقاومون الفلسطينيون، فيفاوضون (وَهُمۡ صَٰغِرُونَ).